صدور العدد 59 من جريدة المناضل-ة لشهري مارس-أبريل: بناء منظمات طبقية، وتعزيز الروح الوحدوية

سياسة, هام جدا7 مارس، 2015

افتتاحية العدد 59

لا تجد الطبقة السائدة أية صعوبة جمة حاليا في مواصلة تطبيق سياسة طالما دمرت المكاسب الشعبية، وقهرت شغيلة البلد. كانت 2011 سنة على حدة، بالنظر لما شهدت من مد شعبي، وتململ عمالي، أديا إلى جملة مكاسب تحملها حاكمو المغرب ثمنا لاتقاء مصير من عصفت بهم السيرورة الثورية الإقليمية من طغاة.

فمنذ نجاح النظام في تمرير دستور يكرس الحكم المطلق بطلاء ديمقراطي، وتنصيب حكومة واجهة بطاقم جديد، واتضاح جزر موجة 20 فبراير، اشتد الهجوم على الحريات، وتسارع تطبيق وصفات صندوق النقد الدولي/البنك العالمي/الاتحاد الاوربي.
استعاد النظام المبادرة بسرعة، مستفيدا من موجة الثورة المضادة المتدفقة على المنطقة. ولئن كان التعدي على الطبقات الشعبية سيولد حتما ردة فعل شعبية، فليس من مهام الثوريين الاطمئنان إلى ذلك، ومواصلة الروتين كأن لا جديد في الوضع، ولا حتى إنتاج التعليقات على تطورات الوضع.
يجب النظر بعين موضوعية لما جرى، صعودا وتراجعا، فهمه وتحديد ما العمل، الآن، وفي أي افق.
خـفُت النضال الشعبي، ولم تُـخلف موجاته اي هياكل تنظيمية. ولا شك أن تراجع حركة الشباب المناضل من أجل حقه في العمل (جمعية وطنية ومجموعات الأطر العليا، …) إحدى أمارات المناخ النضالي العام المنحسر. وأبانت تطورات الساحة النقابية في السنتين الأخيرتين درجة قتالية الشغيلة المتدنية، وتمكن الشريحة البيروقراطية في المنظمات النقابية من تقنية طاقة النضال العمالي اليسيرة، وتعاونها مع الدولة لتدبير علاقات الاستغلال بما يخدم استقرارها.
يقف اليسار المناضل إزاء وضع قد تغير، وأمامه لحظة سياسية بامتياز، «انتخابات المجالس المحلية 2015»، فرصة مواتية ليطرح جوهر المسألة المتمثل في حكم الفرد الذي يمتد محليا ليلغي إرادة الشعب كليا. ما يجعل ضبط كيفية استعمال هذه اللحظة، دعاوة وتحريضا، إحدى أسئلة جدول أعمال اليسار المناضل.
إن كان تحييد القيادات للحركة النقابية إبان موجة 20 فبراير إحدى أسباب هزم النظام لدينامية عام 2011 الكفاحية، فواجبنا قول إن ما مكن البيروقراطية من ذلك هو عقود من عمل اليسار المناضل في النقابات دون تقدم في بناء معارضة نقابية قوامها فكر وممارسة مطابقين لمصالح طبقتنا الآنية والتاريخية. لذا يمثل توسيع الاشعاع والتنظيم النقابيين مع بناء قطب معارض لسياسات البيروقراطيات إحدى أمهات مهام اليسار المناضل.
ولا يضاهي النضال العمالي أهمية غير كفاح الشباب، الجامعي والمعطل، بالنظر إلى دوره التاريخي وطاقته الكامنة الهائلة. إنه جبهة رئيسية لأي بناء يساري جذري، تستلزم حالته الراهنة روحا وحدوية وإصرارا لا يلين.
لا غنى لمجمل تدخلات اليسار المناضل عن هذه الروح الوحدوية، وإلا تكلس في وضع هامشي، تاركا طاقة النضال تتبدد في هبات عفوية هنا، وتحرفها قيادات متعاونة مع النظام هناك.
تعج السياسة اليومية للنظام بوقائع تكشف تبعيته كخادم لمصالح الإمبريالية، فكل ما ينفد من سياسات، اقتصاديا واجتماعيا، يصب في خدمة مصالح الرأسمال المحلي والأجنبي، إلى درجة أن ترجمة تقارير المؤسسات الامبريالية إلى اللغة العربية في حد ذاته تحريض بالغ لحقيقة من يدبر سياسة البلد الاقتصادية وكاشف لها.
لقد واصل النظام، ما بعد الانتخابات التشريعية، لحظة تنزيل ما عرقله تفجر أحداث فبراير 2011، هجوما أشد على مكاسب كلفت عقودا من النضال: إصلاح أنظمة الوظيفة العمومية: تحضير تشريع التشغيل بالعقدة، وتكثيف استغلال العاملين، وتشديد الرقابة البيروقراطية، والتضيق على الحريات النقابية. أضف لذلك، الإعداد لتعديل جديد يخص قانون الشغل كي يصير مرنا أكثر، بما يسمح بإطلاق يد أرباب العمل في تشديد الاستغلال وتسهيل تسريح العاملين، وفرض سلم اجتماعي إجباري من خلال تشريع مكبل للاضراب يمنعه قانونا بعد منعه عمليا. عدا عن، تحضير حلقة نوعية من تخريب المدرسة العمومية. فالإعلان الرسمي بفشل كل ما سمي اصلاحا مؤشر على أن القادم أعمق تخريبا مما فات. وسيتواصل غلاء الأسعار مع تقليص تدخل صندوق المقاصة، وستبقى الأجور جامدة، وستحدث صدمات بالغة العنف عند أول صعود لأسعار البترول.
لن تمر كل تلك السياسية الطبقية الاجرامية سوى بمزيد من القمع. بالتالي ستتعزز قبضة بطش الدولة المستهدف لمنظمات النضال السياسية والنقابية والجمعوية، حتى تلك المكتفية بمجرد مناوشات لا تهدد شرعية النظام وضوابطه. وهذا ما يبرزه حاليا ما يطال جمعيات حقوقية ومناهضة للعولمة من قمع وتضييق.
مهمة اليسار الجدري هي إيجاد قنوات ارتباط بطلائع النضال في كفاحها لصد الهجمات التي تطال قوت يومها ومستقبل أبناءها وكرامتها وحريتها، ويرهن ذلك بقدرته على ربط تلك الآلام بمصدر الشرور كلها، أي النظام التابع الاستبدادي، وعليه أن يتقدم بالشعارات المناسبة والمطالب المتلائمة مع تطور النضال ويقترح أساليبه المفيدة دون عصبوية ولا ذيلية. مطالب وشعارات قادرة على لف النضالات وفك عزلتها وتجعل التلاعب بها، من قوى سياسية برجوازية انتهازية تتحين الفرص؛ صعبا. وكل ذلك باستحضار خطر منافس أقوى يحمل بديلا ماضويا، ويشتغل في تربة إقليمية مناسبة حتى الآن، أي خطر الرجعية الدينية.

بقلم: المناضل-ة

7 مارس 2015

شارك المقالة

اقرأ أيضا