الجامعة الربيعية لأطاك المغرب؛ الأهداف، المصاعب، المكاسب والآفاق: جريدة المناضلة تحاور الرفيق عمر أزكي
تنظم جمعية أطاك جامعتها السنوية، هل تحدثنا عن محاور الجامعة وما تتوخونه من أهداف؟
تنظم جمعية أطاك المغرب، عضو الشبكة الدولية للجنة من أجل إلغاء الديون غير الشرعية أيام 25، و26 و27 أبريل 2025 بالرباط، جامعتها الربيعية تحت شعار «25 سنة من التثقيف الشعبي ودعم المقاومات: لنواصل مسيرة النضال من أجل الحرية والعدالة الاجتماعية». انها الدورة التاسعة عشر لهذه المحطة السنوية التي تهدف الى تعزيز التثقيف الشعبي حول القضايا الراهنة من زاوية تحليل نقدي جذري. ستفتتح أشغال هذه الجامعة يوم الجمعة 25 أبريل بندوة عمومية بعنوان «مزيدا من التضامن مع الشعب الفلسطيني ضد الصهيونية: لنكثف النضال ضد التطبيع». تكتسي القضية الفلسطينية أهمية حاسمة في ظل مواصلة الاحتلال الصهيوني حرب الإجرام ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، بمشاركة الامبريالية الامريكية ودعم الامبرياليات الاوربية وتواطؤ الانظمة القائمة بمنطقتنا. برز المغرب كبلد يساهم في تسهيل مرور العتاد العسكري الموجَّه إلى الجيش الصهيوني، من خلال توفير بنياته التحتية في طنجة والدار البيضاء، وهما المدينتان اللتان شهدتا احتجاجات مناهضة لرسوّ السفن التي تنقل تلك الشحنات عبر موانئنا. تندرج هذه التعبئات تندرج ضمن سلسلة من التحركات الشعبية التي شهدها المغرب خلال السنة والنصف الماضية، دعما للشعب الفلسطيني ورفضًا للتطبيع مع العدو الصهيوني الذي يتغلغل في بلدنا في عديد من القطاعات الاقتصادية كالفلاحة والسياحة والمجالات التعليمية والثقافية وغيرها.
يمثل هذا المحور أحد الركائز الأساسية لعمل الجمعية، وافتتحت به أيضًا الجامعة الصيفية الماضية بأكادير، في تعبير عن انخراطنا الكامل إلى جانب شعبنا ومساهمة في توسيع التعبئة من أجل اسقاط التطبيع.
أما المحور الثاني، فيتناول دعم نضالات النساء، اللواتي لعبن دورًا بارزًا في الحراكات الشعبية بالمغرب، وعلى رأسها حراك الريف. تقوم هذه الحراكات على مطالب مباشرة كما هو الحال في الحراك الحالي في فجيج ضد خصخصة الثروات المائية في هذه الواحة، ومعركة عاملات سيكوميك ضد الطرد التعسفي ومن أجل حقوقهن المباشرة، ونضالات العاملات الزراعيات بشتوكة آيت باها من أجل رفع الأجور والاستقرار في الشغل، الخ. تمثل هذه الأمثلة تجليات واضحة لمقاومة النساء للسياسات النيوليبرالية التي تتسارع ببلادنا. تطرح هنا اذن التفكير الجماعي في سبل تطوير حركة نسوية شعبية منظمة ومنغرسة في النضالات. نريد أن نساهم في هذا النقاش في جامعتنا بحضور ممثلات عن هذه التعبئات الثلاث التي أشرت اليها اعلاه.
المحور الثالث يسلط الضوء على تدمير الخدمات العمومية في بلادنا وتأثيراته المباشرة، وما يواكبه من نضالات سواء من قبل العاملين بقطاعي التعليم والصحة، أو الطلبة في الجامعات ومعاهد الطب والصيدلة. نريد من خلال جامعتنا أن نوفر فضاء لممثلي وممثلات هذه التعبئات للتبادل حول الأشكال الجديدة لتنظيم الدفاع عن الخدمات العمومية، وكذا مكامن ضعفها وقوتها.
سيُختتم البرنامج يوم الأحد 27 أبريل بجلسة تجميع للتوصيات والخلاصات، ووضع آليات للمتابعة. تكمن أهداف الجامعة في هذه الدورة اذن في تعزيز الوعي النقدي بالسياسات النيوليبرالية، والمساهمة في ربط الجسور بين الحركات الاجتماعية، واستشراف سبل تجاوز نقاط الضعف وبناء آفاق نضالية جديدة.
مر على تأسيس جمعيتكم 25 سنة، ما المكاسب التي حققتها جمعيتكم؟ وما العقبات التي اعترضتها في مسيرتها؟
تتصادف دورة جامعتنا هذه السنة مع الذكرى 25 لتأسيس جمعيتنا. ارتبطت أطاك المغرب منذ تأسيسها بشكل عضوي بالنضالات الاجتماعية في المغرب وانخرطت في النضالات الاجتماعية الكبرى التي شهدها المغرب طيلة ربع قرن، كما ساهمت في تطوير أدوات التثقيف الشعبي ضد هيمنة الرأسمال، وفي بلورة البدائل من أجل العدالة الاجتماعية والبيئية. راكمت الجمعية رصيدا مهما من الانتاجات في مجالات اشتغالها الرئيسية: من أجل إلغاء الدين العمومي غير المشروع، من أجل إلغاء الديون الخاصة غير المشروعة (القروض الصغرى)، ضد اتفاقيات «التبادل الحر» وحقوق الملكية الصناعية، من أجل التصدي للأزمة البيئية والمناخية، من أجل السيادة الغذائية في المغرب، النضال النسوي، الاندماج في الديناميات العالمية للحركات الاجتماعية وفي الشبكة الدولية للجنة من أجل إلغاء الديون غير الشرعية، علاوة على النضال ضد الاستبداد ومن أجل السيادة الشعبية. يعد مجمل هذا الارث بمثابة قيمة مضافة في ساحة النضال ببلادنا من أجل مغرب الديمقراطية والحرية والكرامة.
واجهت جمعيتا عراقيل متعددة، أبرزها التضييق السياسي، ورفض السلطات تجديد الوصل القانوني، وحرماننا من حقنا في استعمال القاعات العمومية. كانت لدينا بعض الصعوبات في التعاون مع منظمات النضال الأخرى في القضايا التي نشتغل عليها، كالديون والمؤسسات المالية الدولية. يمكن اعطاء مثال بارز من خلال قمة الحركات الاجتماعية الدولية المضادة لاجتماعات البنك العالمي وصندوق النقد الدولي بمراكش في أكتوبر 2023. كانت هذه القمة المضادة أول مبادرة من هذا النوع في المغرب منذ بداية تدخل البنك العالمي المباشر في عام 1962 وصندوق النقد الدولي من خلال برنامج التقويم الهيكلي في أوائل الثمانينات والذي أدى إلى ثلاث انتفاضات شعبية كبرى ضد التقشف (1981، 1984، 1990)، وخلال المظاهرات الشعبية الكبرى التي شهدها المغرب منذ فبراير 2011، في سياق تلك التي شملت غالبية بلدان المنطقة. استطاعت القمة المضادة حفز دينامية اجتماعية مناهضة لصندوق النقد الدولي والبنك العالمي في منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط/المنطقة العربية، وفي القارة الإفريقية وعلى المستوى العالمي. لكن التعبئة كانت ضعيفة في المغرب مقارنة بأهمية الحدث. رغم محاولات جمعيتنا لتنسيق الجهود، لم تتفاعل الجبهة الاجتماعية المغربية مع دعواتنا ولم تقم بأي شيء دي دلالة في هذه القمة، بل التحق قسم كبير منها التحق بما سمي بالمبادرات الموازية لاجتماعات صندوق النقد الدولي والبنك العالمي في مراكش، وهي جزء من المجتمع المدني المعروف باندماجه مع الدولة في المغرب.
يبدو للمتتبع أن جمعيتكم لم تستطع غرس نفسها شعبيًا وظل انتشارها التنظيمي محدودًا. ما تفسيركم لذلك؟
هذا الواقع نعيه جيدًا، ويعود لعدة أسباب أهمها أننا نشتغل في سياق سياسي صعب تتسم فيه منظمات النضال بالتراجع والانكماش، وبتفشي اللامبالاة السياسية وسط الشباب. كما أن خطابنا الجذري والمستقل لا يجد دائمًا مكانه في الفضاءات المهيمنة، وهو ما يجعل من الانغراس الجماهيري تحديًا حقيقيًا. فصلنا هذه الاسباب في ورقتنا الاستراتيجية التي تبناها مؤتمر الجمعية الأخير في دجنبر 2022، والمنشورة ضمن كراس وثائق المؤتمر المنشور على موقع أطاك بالأنترنيت. دعني أذكر باهمها:
احتداد عوامل ضيق الأفق السياسي الإجمالي لدى الشبيبة المتمدرسة التي من المفترض أن تشكل قاعدة جمعية أطاك من جراء تراجع الحركة الطلابية التي كانت تغذي أصلا حركة المعطلين حاملي الشهادات.
فقدان مصداقية منظمات النضال من جراء ممارسات قياداتها الملموسة (خصوصا الحركة النقابية)، والذي يفسر أيضا نفور الأجيال الجديدة من جميع أشكال التنظيم، والذي بدا واضحا أكثر منذ 20 فبراير 2011.
تبدو المطالب التي ترفعها جمعية أطاك المغرب (إلغاء الديون والقروض الصغرى والتبادل الحر، القطيعة مع مؤسسات الرأسمال العالمي، السيادة الغذائية، العدالة البيئية…) بعيدة شيئا ما عن مستوى معدل الوعي السياسي الذي افرزته تجارب النضال ببلدنا.
تضخم جمعيات المجتمع المدني التي يهيمن عليها الليبراليون وبالخصوص تلك التي يؤسسها النظام لتأطير الأحياء الشعبية، ومناطق الهشاشة في المدن والقرى، والمساجد، وجميع مناحي الحياة اليومية للشعب.
لم تتمكن جمعية أطاك المغرب في سياق الشروط المذكورة اعلاه من توسيع التحامها بالقواعد الشعبية لتنغرس في أوساطها وبناء تعبئات وتحالفات ملموسة في الميدان بين مختلف ضحايا السياسات النيوليبرالية. مع ذلك، نراكم حضورًا نوعيًا في الاحتجاجات والمعارك النضالية، ونعمل على توسيع إشعاعنا تدريجيًا.
كيف تنظرون لآفاق تطور جمعيتكم؟ وما محاور اشتغالها القادمة؟
ننظر إلى المستقبل بإرادة نضالية قوية رغم التحديات. نراهن على تعميق التكوين السياسي والاقتصادي، والانخراط في النضالات البيئية والاجتماعية، وتعزيز حضور النساء والشباب في صفوفنا.
نعتبر أن القضايا التي تشتغل عليها أطاك المغرب جوهرية في قضايا النضال العمالي والشعبي ببلادنا، وهي نابعة من تحليل السمات البنيوية لتخلف اقتصاد المغرب وطبيعة الاستبداد السياسي القائم.
ستستمر الجمعية اذن في أوراش عملها لإنتاج أدوات التثقيف الشعبي، وستحاول تبسيط ما أنتجته بالطرق الحديثة في التواصل مع الأجيال الشابة الجديدة التي تدخل حلبة النضال. قمنا بهذا الصدد بتجربة الأبواب المفتوحة على مدى الاسبوع من 21 الى 25 أبريل للتعريف الواسع بأطاك المغرب وربط الاتصال المباشر بالشباب المتمدرس في الجامعات والدعوة الى الانخراط في الجمعية. يبدو ان هناك آفاق واعدة في هذا الاتجاه.
اقرأ أيضا