العمل النقابي والدعارة. بعض الأسئلة المحرجة

النساء15 يونيو، 2025

بقلم  دونيس دونلاس   Dones d’Enllaç

إن تناول الدعارة من منظور نقابي أمر مضلل – ويظهر تضامناً زائفاً مع النساء البغايا – عندما نريد تفحص هذا الواقع. فهذا يولد انطباعاً بأن الأمر يتعلق بـ«الدفاع المنظم» عن مجموعة معينة من النساء. ولكن في الواقع، تؤدي معالجة هذه المسألة بهذه الطريقة إلى قبول عاجز لظاهرة سيطرة وعنف جنساني. الحديث عن التنظيم النقابي للدعارة يفترض أن هذه الدعارة عمل، وأنه عمل مقبول من الناحية الإنسانية. بيد أن الافتراض الأول يستبعد جملة  كاملة من القضايا الاجتماعية والعرقية والجندرية: أي نوع من «العمل» هو هذا الذي تمارسه نساء أو كائنات مؤنثة حصريًا من أجل متعة الرجال؟ وبوجه خاص، من قبل نساء فقيرات، في أوضاع ضعف شديد، أجنبيات أو ينتمين إلى أقلية عرقية مضطهدة؟

والافتراض الثاني لا يقل إثارة للجدل: ”مهنة“ تبلغ معدل الوفيات فيها 40 ضعف المعدل المتوسط، و”عمل“ يرتبط بحالات عامة من الإجهاد وإدمان الكحول والمخدرات، يجب أن يثير على الأقل تساؤلات حادة وأن يُجمد من وجهة نظر نقابية بحتة. الأطفال الذين كانوا يستخرجون الفحم في مناجم إنجلترا في القرن التاسع عشر – أو الأطفال الذين يعملون اليوم في مصانع آسيا لحساب الشركات الكبرى في الاقتصاد العالمي – يقومون بلا شك بعمل. لكن النقابات العمالية تعتبر أن هذا العمل يجب أن يُحظر، لأنه له آثار مدمرة على هؤلاء الأطفال ولأنه لا يسمح لهم بالتطور كبشر. النقابات العمالية، التي تتمثل أهدافها التاريخية في إلغاء عبودية العمل المأجور، تكافح يومياً من أجل الحد من استغلال رأس المال للعمل. وهي تسعى إلى الحصول على ظروف مادية ومعنوية أكثر ملاءمة للطبقة العاملة. وبالتالي، تعتبر النقابات التقليدية أن هناك حدود احترام للكرامة والسلامة الانسانيتين لا يمكن أن تقل عنها علاقات عمل تعاقدية .

حسنًا، الحديث عن الدفاع النقابي عن «العمل الجنسي» يعني اعتبار أن هذه الحدود يمكن تحديدها في الدعارة. وحتى أنه يمكن تماما،من هذا المنطلق، تحسين ظروف عمل البغايا تدريجيًا. لكن الواقع ينفي مثل هذا الادعاء في كل خطوة. إن مجرد محاولة تطبيق بعض المعايير النقابية في عالم الدعارة يؤدي إلى سخافة تثير القشعريرة. لنلقِ نظرة على بعض الأمثلة…

ما قد يكون السن القانوني لممارسة الدعارة كمهنة؟ هل نعتبر أن الفتاة في سن 18 عامًا جاهزة بالفعل لأن يمتلكها أي شخص مستعد لدفع ثمن محدد؟ هل نحن مستعدون لقبول ”عقود تدريب“ في سن أبكر؟ في سن 16 عامًا، على سبيل المثال؟ عندما نعلم أن متوسط سن دخول عالم الدعارة في البلدان الصناعية يقل عن 15 عامًا، فإن الاستنتاج المنطقي هو أن ”فترة التدريب“ هذه لن تؤدي إلا إلى إتقان أو إضفاء الطابع المهني – وبالطبع إضفاء الطابع الرسمي – على ممارسة أصبحت ”طبيعية“ بالنسبة لهؤلاء الفتيات. وبالحديث عن التدريب… ألا ينبغي للنقابات أن تضمن اعتماده من خلال شهادات تثبت هذه المؤهلات المهنية؟ وبالمناسبة، ينبغي أن يُعرض خيار ”العمل“ هذا، بعد أن أصبح أخيرًا معترفًا به، في المدارس والكليات، كآفاق مستقبلية للشباب، وبالأولوية للفتيات. وفي الوقت نفسه، ينبغي إدراج عروض العمل في صناعة الدعارة، إلى جانب العروض الأخرى، على لوحات جميع مكاتب وكالات التوظيف. (يمكن أن نتصور أن النقابات الأكثر صرامة ستطالب بقوة بأن تكون إدارة طلبات ”المهنيات في مجال الجنس“ في أيدي شبكة عامة، رافضة تدخل شركات العمل المؤقت).

ففي هذه الحالة، هل يمكن لشخص عاطل عن العمل أن يرفض عرض عمل في مجال الدعارة يتطابق مع الملف الشخصي المطلوب من قبل صاحب العمل؟ وهل يمكنه الاستمرار في الحصول على إعانة البطالة إذا لم يقبل هذا العرض؟ (ماذا تقولون؟ أنه توجد في صناعة الجنس دوائر أخرى، ”سوق عمل“ خاص تمامًا؟ حسنًا، هذه الدوائر الغامضة غير مقبولة بالنسبة للنقابات، التي تطالب باستمرار بالشفافية وتوحيد العلاقات التعاقدية! من المستحيل الدفاع عن فئة اجتماعية مهنية في إطار غير رسمي).

تطالب الحركة النقابية بعقود محددة ومعترف بها ومحمية من قبل الدولة. في هذا الصدد، ما هو عقد الدعارة؟ هل ستكون عقود دائمة أو ثابتة/متقطعة ”مؤقتة أو موسمية أو خدمية“؟ هل سيكون من الممكن تضمينها الحق في رفض بعض طلبات ”الزبناء“؟ كيف يمكن تعريف الخطأ المهني أو تحديد معايير الإنتاجية؟ هل ستخضع هذه العقود لاتفاقية جماعية لصناعة الدعارة؟ تعلم النقابات أنه لكي يكون الدفاع عن العمال فعالا، من الضروري توسيع نطاق المفاوضات إلى أقصى حد: الفرد المعزول ضعيف أمام صاحب العمل. لذلك يمكننا أن نفترض أن النقابات سترى فرصاً أفضل في إطار صناعة الجنس، من خلال التفاوض مع أرباب عمل معروفين، بدلاً من نظام الدعارة ”الحرفي“ غير المستقر، في مواجهة قوادين بائسين في الأحياء. يمكننا أن نفترض أيضاً أنه سيتم توفير مؤسسة لتفتيش العمل. ما هي المعايير التي يجب أن تعتمد لمعاقبة إساءة استخدام السلطة من قبل أرباب العمل؟ وكيف يمكن رصدها وإثباتها؟ هل سيكون من الممكن الإبلاغ عن صاحب بيت دعارة يجبر ”فتياته“، على سبيل المثال، على تقديم ”خدمات جنسية“ غير مرغوب فيها؟ (أي أن النقابة ستعترف ببقية هذه الخدمات على أنها ”أفعال مرغوبة“ من قبل النساء؟)

وهكذا دواليك. هناك العديد من المجالات التي يجب على النقابات العمالية معالجتها. هل ستُعتبر الأمراض المنقولة جنسياً أمراضاً مهنية؟ وماذا عن الاضطرابات النفسية وإدمان المخدرات المرتبطة مباشرة بممارسة الدعارة؟ كيف يمكن إدارة نظام الإجازة المرضية؟ وماذا عن سن التقاعد… هل يجب تحديده بـ 67 عاماً؟ أم أننا نعتبر أن هذه مهنة شاقة تستدعي التقاعد المبكر؟

كفى. في الظروف الحقيقية لصناعة الجنس،  هذا العالم حيث تهيمن الجريمة المنظمة وحيث يتم استغلال أشخاص تم تكييفهم مسبقًا من قبل نظام قوادة، فإن الحديث عن العمل النقابي يعني تحميل النساء المسؤولية عن وضعهن وإضفاء الشرعية عليه (بما يتجاوز الوعد بتخفيف بعض جوانبه). والأسوأ من ذلك، أن المقاربة النقابية للدعارة، كنشاط مهني، يؤدي حتماً إلى تقويض حقوق العمل لجميع العمال، ويضر بشكل مباشر بحرية العاملات (اللواتي لا يصبحن فقط عرضة قانونياً للدعارة، بل يُدفعن فعلياً إلى الدعارة). إن عملا نقابيا يخدم مصالح المستغلين هو عمل نقابات صفراء. وفي هذه الحالة، يكون عملا نقابيا قوادا بجلاء.

نص منشور على موقع Accio feminista 26-N

http://acciofeminista26n.wordpress.com/2012/06/03/syndicalisme-et-prostitution-quelques-questions-embarrassantes/

 

شارك المقالة

اقرأ أيضا