نحو تدبير أمثل لخلافات اليسار العمالي…صوب حزب شغيلة اشتراكي ثوري
بقلم : جنين داوود
منذ حقبة تهيؤ رفاق حزب النهج الديمقراطي للإعلان عنه حزباً للطبقة العاملة (وعموم الكادحين)، صدرت الدعوة إلى “كافة الماركسيين /ات والماركسيين/ات اللينينين/ات للالتفاف حول مشروع بناء الحزب المستقل للطبقة العاملة”. وهي الدعوة التي لم تفض، حسب علمنا، إلى انخراط أي من مكونات اليسار الجذري الأخرى، المنظمة إلى هذا الحد أو ذاك، في مشروع الرفاق. فاستمروا في تجديد تلك الدعوة بنحو دوري. وتكرر الأمر في بيان آخر اجتماع لجنة الحزب المركزية، في 4 مايو 2025.
إنها دعوة محمودة، صادرة عن إدراك واقع اليسار المنتسب إلى الماركسية المطبوع بالتعدد والتنوع، والتضارب، فكرا وممارسة، فيما يقتضي الوضع السياسي تضافر الجهود للسير نحو بناء الحزب السياسي الماركسي، أداة الثورة التي تنبع ضرورتها من جميع خصائص واقع الاستبداد والقهر الطبقي.
أفضت تجربة اليسار الماركسي-اللينيني، الناشئ بالمغرب منذ منتصف سنوات 1960، إلى تشظٍّ بالغ، حيث غادر قسم منه المشروع الثوري نحو بدائل إصلاحية، فيما هجر أفراد عديدون كل نشاط سياسي. وحتى المناضلون/-ت المتمسكون بالنهج الثوري انقسموا، وتكرست تموقعات متباينة بحسب استنتاجات كل طرف من تلك التجربة، وتنوعت التوجهات بوجه خاص بفعل انشطار التيار الطلابي المنتسب لها وانحطاط معظمه.
وإلى جانب الحركة الماركسية اللينينية، تطورت تجربة توجهات أخرى يسارية، اقتربت، في مناخ التمركس العام الذي طبع حقبة ازدهار حركات التحرر الوطني، من الماركسية بنحو انتقائي، متبنية بطريقتها مشروع حزب الطبقة العاملة (فكرة عمر بنجلون لتحويل الاتحاد الوطني للقوات الشعبية إلى حزب ثوري). وانضافت إلى هذا كله وجهة النظر الماركسية الثورية (الأممية الرابعة). وبرغم محاولات التلاقي و التوحيد التي طبعت المسار التاريخي لليسار، لم يتحقق أي جمع لشمل أنصار مشروع حزب الطبقة العاملة، ينقل الفكرة إلى مستوى تجسيد نوعي.
ليس تباين وجهات النظر بصدد دروس التجربة، ولا حول المشروع البديل، ولا مسائل الإستراتيجية والتكتيك، وحده يفسر عدم اتحاد أنصار مشروع حزب الطبقة العاملة في منظمة واحدة. إذ ثمة أيضا اختلاف الثقافات التنظيمية. فقد نشأت منظمات اليسار الثوري المغربية (إلى الأمام، و23 مارس ولنخدم الشعب) في سياق تاريخي مطبوع بهيمنة الستالينية، بصيغتيها السوفياتية والماوية، في الحركة الشيوعية العالمية. وينطبق هذا أيضا على المكون متبني الاشتراكية العلمية داخل الحركة الاتحادية.
ومعروف أن من خاصيات الستالينية رؤية تنظيمية فائقة البيروقراطية، حلت مكان المركزية الديمقراطية كما مورست في حزب لينين. تم القضاء في هذا الحزب تدريجيا على التعبير المنظم عن الخلافات، وحلت سلطة الجهاز المطلقة، و الرأي الأوحد، حتى بإبادة الكادر البلشفي بالمحاكمات الملفقة في سنوات 1930.
وقد تربت أفواج المناضلين/ت الشباب الماركسيين بالمغرب على التأويل الستاليني للمركزية الديمقراطية، ولما ألحت الحاجة إلى آلية ديمقراطية، إبان منعطفات النضال، ووجود قسم كبير من القوى في السجون، أثمر ذلك التأويل أسوأ نتائجه، بقمع منهجي لأي معارضة داخلية، وانحطت الممارسات اللاديمقراطية إلى مسلكيات غير رفاقية بتاتاً، وحتى مضطهِدة للرأي المخالف. ونتج عن تعذر نقاش سياسي تدابير تنظيمية تعسفية، وحملات طرد، ومعاملات مشينة، بلغت مقاطعة الكلام مع ذوي رأي مغاير، وتعقيد حياتهم اليومية، وعزل أسرهم بين عائلات المعتقلين، وترويج افتراءات، وتجسس، ومراقبة واستنطاقات ومحاكمات [1]
أمور كلها سبق أن رواها الفقيد أبراهام السرفاتي في كاتبه “ذاكرة الآخر”. وكان قد أتى نقدا ذاتيا على النحو التالي:” إليكم جميعا إخواني اعتذر لأني لم أعرف، سيما في ذلك العام الرهيب 1979 ، كيف أحارب التعصب في صفوفنا . سم العصبوية هذا الذي كان ينسفنا بذريعة النقاء الثوري . هذا الانحراف الذي يدمر كل مبدأ أخلاقي”. [2]
لم يكن بوسع السرفاتي، الذي تكون فكريا منذ شبابه في أحضان الحزب الشيوعي المغربي الستاليني، أن يحيط بجوهر الأمر ولو بعد 23 سنة مما حدث، فاعتبر ذلك التعصب وقمع الرأي الآخر نتاجا لما يسميه العقائد الجامدة حول “الحزب اللينيني”. ينم هذا ببساطة عن جهل بحقيقة المركزية الديمقراطية في الحزب اللينيني. فتأويل المركزية الديمقراطية في اتجاه مونوليتي (خط الرأي الأوحد) وحزب حديدي ظهر سنة 1924 فقط مع تقرير زينفييف إلى مؤتمر الأممية الثالثة الخامس. و لم يلغ حق تكوين الاتجاهات في روسيا سوى لاعتبارات حرب أهلية اعتبرت استثنائية.
تذكير تاريخي
تقوم المركزية البيروقراطية التي فرضتها الستالينية في الحركة الشيوعية العالمية، ضمن مصائب أخرى، على منع تشكيل اتجاهات وتكتلات داخل الحزب. دعونا أولا نعيد إلى الأذهان ماهية الاتجاه (التيار) والتكتل.
حق تكوين اتجاه أو تكتل داخل تنظيم آلية ديمقراطية تتيح لمن يشتركون وجهة نظر حول مسألة أو عدة مسائل إمكان أن يتجمعوا حول خط، ونقد مشترك لرأي أغلبية المنظمة، بقصد بروزهم بنحو أفضل، والدفع بآرائهم والتقدم إلى الهيئات والمؤتمرات بوجهة نظرهم. وللاتجاه طابع مؤقت، غالبا إبان تحضير مؤتمر.
حق التكتل شبيه، إلا أن التكتل يكون مهيكلا أكثر، حول مواقف موحدة من جميع المسائل يدافع عنها أعضاؤه حتى في حال عدم موافقتهم على أحد المواقف، أي انه محكوم بانضباط خاص. انه نوع من التنظيم داخل التنظيم. يُعطى للاتجاه والتكتل حق عرض الرأي الخاص في المنشورات الداخلية، و حق ظهور خارجي، لا سيما إعلامي وتمثيل في هيئات المنظمة حسب تصويت المؤتمر.
وقد كان تاريخ الحزب الاشتراكي الديمقراطي الروسي تاريخ اتجاهات وتكتلات، حيث كان البلاشفة احد اتجاهين في الحزب تحولا الى تكتلين علنيين في 1904 بعد ظهورهما في مؤتمر الحزب الثاني في 1903 . وتوحدا في المؤتمر الرابع في 1906 حيث كان البلاشفة أقلية، وأصبحوا أكثرية في المؤتمر الخامس 1907 . وفي 1909 ظهر داخل البلاشفة تكتل القصويين والاوتزوفيين، وفي نفس السنة كان لينين ضمن أقلية بين البلاشفة، بينما كانت الأكثرية ميالة الى التوفيقيين دعاة وحدة الحزب بجميع تكتلاته . ولم يحدث الانشقاق سوى في العام 1912.
وفيما بين ثورتي فبراير و أكتوبر صارع لينين من سماهم البلاشفة القدامى، الذين تعاونوا مع أطراف خارج الحزب ونشروا آراءهم في غير صحافة الحزب. وبعد الثورة ظهر تكتل الشيوعيين اليساريين، أشهرهم بوخارين، بشأن مسألة الصلح مع ألمانيا. وظهرت اتجاهات أبان النقاشات حول الشؤون العسكرية، وحول المسألة النقابية وحول الوضع العام في الحزب.
إن اعتبار منع الاتجاهات و التكتلات من صلب اللينينية محض تزوير، وقد أوضح أحد أعظم مؤرخي اللينينة ذلك بقول:
“إن لينين، المستعد دائما لأن يخوض مع المعارضة سجالاً حاداً، لم ينكر عليها طيلة تلك السنوات لا حق الدفاع عن أطروحاتها ولا وسائل ذلك . ولم تكن تلك هي الحال فقط خلال الجدال حول بريست – ليتوفسك، حين تمنى منذ المناوشات الأولى انعقاد جمعية تمثل فيها كل الآراء، وكل وجهات النظر . وقد تكرس هذا الموقف في أحداث أخرى من حياة الحزب. ففي المؤتمر الثامن، مثلا ، طالب لينين بـ «تمثيل المعارضة» في الأجهزة المكلفة بوضع نص البرنامج الجديد . وإذ فعل ذلك، كان يؤكد فقط وجهة النظر التي كان عبر عنها في المؤتمر السابق حين سلم بشرعية «التيارات» و«الأجنحة»: «أغلبية» و«معارضة» في الصراع الداخلي. لم يكن تمثيل الاتجاهات من جهة أخرى معتبراً فقط أمراً طبيعياً في المؤتمر، بل كذلك على مستوى اللجنة المركزية التي كان لينين يتمنى أن تكون متجانسة لكن ليس مونوليتية، وحيث لم تكن قاعدة الإجماع جائزة. كذلك طالب بحضور المعارضة -الشيوعية اليسارية عام 1918 و “المعارضة العمالية” عام 1921 – على هذا المستوى من القرار . كان يجب كذلك تطبيق تمثيل الاتجاهات في اختيار القادة الذين قد تنتدبهم المنظمة النقابية إلى اللجنة المركزية” [3].
لم يكن منع التكتلات في 1921 (في مؤتمر الحزب العاشر، وللإشارة لم يمنع الاتجاهات) منعا مبدئيا، بل ظرفيا بوجه الأخطار، بقصد صون وحدة الحزب في مرحلة عصيبة . ورغم القرار ظهرت تكتلات . وقد أتبث التاريخ ان المنع المستمر للتكتلات، كان مدخلا ملائما للانحطاط البيروقراطي.
إن منع التكتلات يؤدي الى قمع وإرهاب يمارسه الجهاز، وتشجيعها يؤدي إلى الانشقاق. لهذا ليس المنع هو المفيد، بل احترام حقوقها الديمقراطية، بما يسمح بمطالبتها باحترام المركزية أي الانضباط لقرارات الأكثرية، ومن ثمة فإن المعالجة السليمة هي في إقناعها بالحفاظ على وحدة المنظمة. وطبعا عندما تبلغ الخلافات مستوى لا تعايش، فلا مفر من الانشقاق.
عود على بدء: الحالة المغربية
لم يقتصر تأثير الستالينية الضار، فيما يخص الديمقراطية في التنظيمات، على الجناح السياسي للحركة العمالية المغربية (الحزب الشيوعي المغربي والمنظمات الثورية الماركسية التالية له)، بل شملت الحركة النقابية. فقد نقلت أنظمة الاتحاد المغربي للشغل بندا من أنظمة الكونفدرالية العامة للشغل CGT، التي كانت تحت سطوة الحزب الشيوعي الفرنسي الستاليني حتى العظم، بندا يمنع تشكيل تيارات داخل النقابة.
جاء في أنظمة س.ج.ت لعام 1936 :” حرية الرأي وآلية الديمقراطية، المنصوص عليهما في المبادئ الأساسية للحركة النقابية، لا يمكن أن تبررا ولا أن تتسامحا مع تشكيل تكتلات بهدف تزييف الآلية العادية للديمقراطية داخلها.”
وهو ما ترجم في أنظمة الاتحاد المغربي للشغل في ثاني بند، يبرز الحرص الشديد على قمع الرأي المغاير، كما يلي:
” إن حرية الرأي و الديمقراطية اللتين قرتهما المبادئ الأساسية للحركة النقابية لا تسوغان ولا تسمحان بإنشاء منظمات تعمل داخل النقابة كفروع تهدف إلى التأثير على التمشي الاعتيادي للديمقراطية داخل النقابة وتزييفه”.
وبرغم المزاعم الديمقراطية الطنانة الملازمة لتأسيس الكنفدرالية الديمقراطية للشغل، فقد نقلت في قانونها الأساسي لحظة التأسيس في مؤتمر نوفمبر 1978 مضمون بند الاتحاد المغربي للشغل أعلاه، كما يلي:
الفصل الثالث: “إن التسيير الديمقراطي وحرية التعبير يمثلان مبادئ أساسية للعمل النقابي لا يبرران إنشاء تنظيمات تعمل داخل النقابات كتكتلات من أجل التأثير على الاختيار الحر للأعضاء والمس بالديمقراطية الداخلية”.
التيارات ما هي إلا آلية لممارسة الديمقراطية بتمكين من يشتركون الرأي من التعبير عنه بشكل جماعي، والسعي للاقناع به. وتراه في الصيغ البيروقراطية أعلاه يوضع بفذلكات لغوية على طرف نقيض من الديمقراطية.
منع تنظيم الاختلاف بالتعبير الجماعي عن الرأي في شكل تيارات أفضى في النقابتين إلى منع التعبير حتى عن رأي فردي ناقد، وإلى صنع آلية لاستبعاد الرأي المغاير، ومن ثمة قتل كل حياة داخلية، ما جعل المؤتمرات شكلية غايتها الوحيدة تنصيب الأجهزة وتقاسم المناصب لفرض رأي وحيد.
لم تنج الحركة العمالية المغربية، منظماتٍ سياسيةً ونقاباتٍ، من الانشقاقات برغم منع التعبير الجماعي المنظم عن الاختلاف، لا بل إن هذا المنع دافع قوي إلى الانشقاق. ومنع التعبير العلني عن اتجاهات لم يحل دون وجودها، بل دفعها إلى العمل المتخفي، وأدى إلى سيادة مناخ غير صحي من الريبة و الدسائس. وكان الاستثناء الوحيد المشرق إلى حد ما متمثلا في تجربة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، حيث كانت وجهات النظر المتباينة تتجسد في الفصائل الطلابية أيام عزها. وخاض مناضلو/ت الحزب الاشتراكي الموحد تجربة العمل بالتيارات، في سابقة حزبية تاريخية، شابتها عيوب موروثة عن سلبيات تجارب اليسار، وحتى تطلعات ذاتية تجلت في كون بعض أرضيات التيارات نسخا لأخرى من حيث المضمون الفكري و السياسي. وقد تصدى الرفيق ع. النوضة، أحد قيدومي الحركة الماركسية اللينينية، لتجربة الحزب الاشتراكي الموحد لينتقد “العمل بالتيارات داخل الحزب”، لكنه خلص بعد طول استعراض السلبيات إلى أن “العمل بأسلوب ”التيارات”السياسية، ليس خَاطئًا، أو سلبيًّا، أو مرفوضًا، بشكل دَائِم، أو مطلق. وإنما يكون العمل بهذه ”التيارات”خاطئا حينما لا تتوفّر شُروطها الضرورية. ومن أهم شروط العمل بِـ ”التيارات”السياسية، أن تـكون هذه ”التيارات”مجموعات فكرية، أو فِرَق ثَـقَافية، أو عِلْمِيَة، وأن تـكون مَرِنَة، وَمُتَحَوِّلَة، حسب تطور الظروف، وحسب تطور الاجتهادات الـفكرية، أو النظرية، أو العلمية” [4].
لكن، أليست كل قاعدة عمل تؤتي غير المقصود منها عند انعدام شروطها.
ليس ع. النوضة وحده من أقنعته عقود من تجربة الحركة الماركسية-اللينينية بفائدة تنظيم ديمقراطي للاختلاف داخل منظمة النضال السياسي، حيث بدأ هذا الاقتناع يحرز تقدما بين المنشغلين/ت بمعضلة بناء تلك المنظمة. فهذا قيادي سابق في حزب النهج الديمقراطي العمالي، يفضي، بناء على تجربته المديدة في النضال اليساري، إلى ضرورة إيجاد صيغة لتنظيم الاختلاف. ففي مقابلة ضمن برنامج قناة AH [5] تطرقت لجوانب عديدة من تجربته من منظمة إلى الأمام السرية حتى الحاضر، استنتج الرفيق سعيد سكتي ما يلي:
” عديد من الأمور لم نطورها، وهذا ما يزال يتبعنا، احترام الاختلاف في الرأي والتقديرات المختلفة، ليس هناك احترام بل قمع، لم أعش في حياتي النضالية و التنظيمية قط في إطار فيه النسبية، أي الأغلبية والأقلية ، لكن الأقلية تُطحن، بدل أن تأخذ موقعها وإمكانية أن تشرح، تُطحن.. “
” وهذه المصيبة في عملنا السياسي و سلوكنا السياسي بحاجة الى قدر من النضج” (الدقيقة 43 الى 44 من الفيديو).
وإذ خطا الرفيق سكتي خطوة كبيرة إلى أمام، قياسا بالمألوف في تاريخ اليسار الجذري، فيبدو أن الصيغة المثلى لحل ما طرح من مشكلات لم تنجل له . حيث يضيف: “حدثت أحيانا احتكاكات لا ضرورة لها، لماذا ؟ لأنه لا مكان لحرية التعبير ولحرية الرأي ليس فقط لدى النهج، بل طولا وعرضا، أريد مثلا نموذجا عن تنظيم وما يستعمل من اليات كي يعبر مناضلوه ومناضلاته بحرية“( الدقيقة 53).
لا اندي درجة اطلاع الرفيق على التجربة البلشفية، كما أعطينا عنها صورة أعلاه، لكن احتكاكه باليسار الثوري الأوربي لاشك أفاده بأمثلة عما يبحث عنه. نسوق بالقدر الذي يتيحه المقام مثال الرابطة الشيوعية الثورية (فرع الأممية الرابعة سابقا في فرنسا).
ففي هذه المنظمة يكفي أن يحصل نداء حول أفكار بشأن مسألة أو مسائل سياسية على توقيع 30 مناضلا-ة كي يحظى التيار بالاعتراف مع إمكان تعبيره في نشرة النقاش الداخلي، وفي جريدة المنظمة. وكانت المنظمة تتحمل أيضا مصاريف تنقل ممثلي الاتجاه الى الأقاليم سعيا للإقناع بوجهة نظر التيار [6].
وبوجه عام يتمسك الثوريون المنتسبون إلى تراث البلشفية اللينينية الديمقراطي بحق الاتجاه وحق التكتل، إذ تنص أنظمة الأممية الرابعة على ما يلي:
-“تعترف فروع الأمية بحق الاتجاه وحق التكتل وتمارسهما في صفوفها، أي:
حق الأقليات السياسية بالاجتماع لكي تنظم الدفاع عن وجهة نظرها في النقاشات داخل التنظيم وحق هذه الأقليات في التعبير عن رأيها الخاص داخل التنظيم، لا بل علانية في قنوات تقبل بها الهيئات القيادية في التنظيم؛ وحقها في أن تمثل في هذه الهيئات بالذات وحقها في التمثيل النسبي في مؤتمرات التنظيم وحقها في إيصال رأيها إلى الأممية. إن من واجب الاتجاهات الأقلية احترام وحدة التنظيم وانضباطه في التنفيذ العملي للقرارات السياسية للأكثرية”.[7]
لا شك أن تجربة الرفيق سكتي الغنية، ودرجة انشغاله بمعضلات حرية التعبير داخل اليسار الثوري، تؤهلانه للدفاع الصريح عن آلية التيارات/التكتلات، وهذا واجب يقتضيه تماسك وجهة نظره.
خلاصة الرأي أن أي تجميع لأنصار بناء حزب الطبقة العاملة يقتضي إتاحة إمكان التعبير والنقاش بحرية، وهو ما يتعذر بدون نفض مخلفات التجارب البيروقراطية، ومن ثمة تأمين حق تشكيل الاتجاهات والتكتلات.
إحالات:
- الركاب ادريس بويسف: تحت ظلال للاشافية (ترجمة عبد القادر الشاوي)، منشورات طارق ، الدار البيضاء،2002، صفحة 264.
- Serfaty Abraham et Daure Christine Daure . La Mémoire de l autre Edition TARIK , Casablanca,1993,p.188
- ليبمان مارسيل، اللينينية في ظل لينين (ترجمة كميل داغر)، دار الحصاد، دمشق،
- عبد الرحمان النوضة :نقد العَمل بالتِيَارَات السياسية داخل الحِزبز موقع لكم 17 يوليو 2021 . رابطك
- حوار مع الرفيق سعيد سكتي https://www.youtube.com/watch?v=-oNEdW-p3Bg
Salles Jean Paul , Ligue communiste révolutionnaire (1968-1981).Instrument du grand soir ou lieu d apprentissage-Presses universitaires de Rennes-2005. P.
- الأممية الرابعة من تروتسكي مؤسسا إلى الآن، فراسوا مورو (ترجمة كميل داغر)
دار التنوير للطباعة و النشر و التوزيع، بيروت، 2008 ، ص 315
اقرأ أيضا