حركة النضال العمالي والشعبي بالمغرب وكفاح فلسطين
منذ أكثر من عشرين شهرا، يعبر شعب المغرب بإصرار لا يلين عن تضامنه مع الشعب الفلسطيني العرضة لإبادة تتحالف فيها إسرائيل مع قوى امبريالية ورجعيات محلية. وفي الآن ذاته يؤكد رفضه للتطبيع مع الكيان الصهيوني، بواسطة أشكال جماهيرية حاشدة، ومواقف قوى النضال بمختلف أصنافها. ولا شك أن ضروب القمع المسلطة على أشكال التضامن تلك من عوامل عدم اتساعها على نطاق أعظم بكثير معبر فعلا عن مشاعر عموم الشعب. وبإصرار مضاد يتمادي حكام المغرب في التطبيع مع الكيان الصهيوني، وحتى في تسهيل جرائم إبادة غزة بالسماح لسفن ناقلة لأدوات القتل بالعبور من موانئ المغرب. وبلغ التحدي مستوى مشاركة قوات إسرائيلية في مناورات ما يسمى الأسد الأفريقي على التراب المغربي. وعلى المنوال ذاته ينهض النظام المصري بدور فعال في خدمة إسرائيل وجرائمها بحق الفلسطينيين/ات، منه تصديه للمتضامنين/ت من جميع أنحاء العالم مع غزة بقطع طريقهم لفك حصار غزة، يتجلى هذه الأيام بحملة مطاردة واعتقال وطرد واسعة النطاق بالبوليس والجيش. وإن معظم أنظمة المنطقة ضالعة في التواطؤ مع إسرائيل، وليس سلوك حكام المغرب سوى جانب من الصورة الإجمالية للأنظمة العربية المتواطئة مع الامبريالية والصهيونية، ضمن مصلحة مشتركة في قمع الشعوب واستغلالها ونهب ثرواتها. مذ زُرع الكيان الصهيوني في المنطقة، وهو يحظى بدعم من القوى الامبريالية وبمقدمها الأمريكية، وبتواطؤ البرجوازيات العربية عبر أنظمة عميلة ظلت تخفي علاقاتها بإسرائيل إلى بلغ اختلال ميزان القوى لغير صالح القوى التحررية مستوى الجهر بالتعاون مع الكيان الصهيوني، وهو ما انكشف بنحو غير مسبوق منذ بدء الإبادة الجارية لغزة.
تطبيع حكام المغرب مع الكيان الصهيوني، وتعميق التعاون الاقتصادي و السياسي والعسكري معه، تعزيز خطير لموقعهم إزاء شعب المغرب المقهور، فإسرائيل باتت سندا لهم، وهي الشهيرة منذ عقود بمساعدتها لأعتى الدكتاتوريات عبر العالم بخبرتها ومقدراتها التكنولوجية في مجال التجسس والقمع. وسيكون لها دور في قمع ثورة مقهوري/ت المغرب القادمة، ومجمل ثورات شعوب المنطقة، باعتبارها أخطر ما تخشاه، وهو ما عبر عنه الوزير اليميني المتطرف افيغدور ليبرمان في 2011 لما اعتبر الثورة المصرية تهديد أخطر على إسرائيل من إيران .
ليس ما يربط كادحي المغرب بفلسطين مجرد تضامن إنساني مع شعب مقهور، بل واقع مشترك ومصير مشترك بوجه عدو مشترك. فدور إسرائيل هو خدمة مصالح الامبريالية في هذه المنطقة بالغة الأهمية الإستراتيجية. وهذا ما سبق أن عبر عن بنحو بليغ كاتب الدولة الأمريكي السابق الكسندر هيغ بقول:” إسرائيل أكبر حاملة طائرات أمريكية في العالم، غير قابلة للغرق، ولا تحمل جنديا أمريكيا وواحدا، وتوجد في منطقة حساسة للأمن القومي الأمريكي” .
هكذا يتداخل النضال ضد الاستبداد المحلي، وما يخدم رأسمالية تابعة مدمرة لمقومات حياة لائقة، مع النضال من أجل إنهاء همجية إسرائيل بحق الفلسطينيين ودورها في المنطقة. بعبارة أخرى: مستقبل مغرب حر وديمقراطي، ومؤسس على العدالة الاجتماعية، متوقف على النضال ضد الصهيونية والامبريالية. إنها معركة تاريخية ستمتد أطوارا، لا نزال في أدناها.
يتطلب دعم قوى النضال في المغرب لشعب فلسطين تعزيزا بإنماء حركة التضامن الجارية، سواء المسيرات المحلية و الوطني أو حملة المقاطعة (المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوباتBDS)، وبالعمل من أجل انخراط أعمق للحركة العمالية عبر النقابات، التي لم تُبِنْ بعد مع الأسف على كامل مقدراتها الكفاحية في هذا المضمار، وعبر قوى اليسار، ومن أجل تعبئات شبابية، لا سيما بالجامعات حيث توجد تقاليد تضامن مع فلسطين.
إن فظائع الإبادة الجماعية المقترفة بوحشية نازية في غزة، ومواصلة الاستيطان في الضفة الغربية، والسعي إلى تطهير عرقي، كلها توضح لشباب اليوم حقيقة من يُطبِّع معه النظام المغربي، وحقيقة الرأسمالية وطورها الامبريالي، وحقيقة الأنظمة المحلية إجمالا، ما يتيح ارتقاء الوعي بالحاجة إلى بديل للرأسمالية وإلى التحرر من الامبريالية، ومعه إمكانات بناء أدوات النضال التي تستلزمها مهام التحرر، محليا وعلى صعيد المنطقة.
كفاح الشغيلة والطبقات الشعبية في المنطقة، الى جانب التضامن العالمي، طريق إنهاء الإبادة الجماعية، و السير نحو تحرير فلسطين وإقامة دولة فلسطينية اشتراكية، حيث يمكن لجميع البشر العيش في وئام باختلاف انتماءاتهم، في إطار وحدة بلدان المنطقة .
اقرأ أيضا