كأس العالم 2030: رهانات النظام ومهام قوى النضال العمالي والشعبي
بقلم؛ حسن أبناي
أبدى النظام المغربي اصرارا كبيرا ليحضى بتنظيم كأس العالم لكرة القدم.قبل 36 عاما كان المغرب أول بلد إفريقي يترشح لتنظيم الحدث الرياضي الأهم في العالم (نسخة 1994)، وتمسك بهذا الطموح في أربع محاولات أخرى فاشلة آخرها لنسخة 2026. وكان قريبا من الفوز في سباق نسخة 2010 الذي ربحته في النهاية جنوب إفريقيا بفارق ضئيل بأربعة أصوات.
أخيرا، بعد محاولات فاشلة، نال الملف الثلاتي المشترك،المغربي،الاسباني والبرتغالي، مصادقة مجلس الاتحاد الدولي لكرة القدم الفيفا لتنظيم نسخة 2030. لاشك أن التعبئة القوية التي جندها النظام لدعم ملفات ترشحه السابقة، وأيضا حمى الاستعدادات الحالية لتوفير الظروف المتلى لتنظيم ناجح للتظاهرة الرياضية، والميزانية المرصودة للمشاريع، والتتبع الحازم والدقيق لتنفيد القرارات، يطرح أسئلة تستدعي جوابا من منظورنا الطبقي المستقل عن مصالح النظام الحاكم السياسية والاقتصادية.
القرار بيد الملك : تنظيم كأس العالم وتفاصيله الدقيقة.
كباقي القضايا، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والرياضية، ذات الاهتمام الشعبي والاثر الهام، يستأثر الملك بحصرية اتخاد القرار والامساك الدقيق بتفاصيله عبر محيطه الأقرب وبتنفيد معينين من الرعايا الأوفياء أولا وأحيانا أكفاء بتخصصهم وخبرتهم. يحرص النظام على تكريس دائم لفكرة أن «الانجازات» التي تلقي ترحيبا شعبيا هي ثمرة رعاية الملكية وسداد رؤيتها. طيلة اليوم لا تتوقف الدعاية الرسمية على حقن عقول الجماهير بالانتصارات والنجاحات سواء من التاريخ أو الحاضر ونثر الوعود بالمستقبل الزاهر تحت الرعاية الرشيدة، هكدا تجدد وتوسع الملكية قاعدة دعمها السياسي ولا شك أن الرياضة وانجازاتها ميدانا واعدا لاكتساح عقول الملايين واساسا الشباب لكن ليس وحدهم، الرياضة ميدان الهيجان القومي واشباع الرغبات المكبوتة للعزة الوطنية والشموخ القومي خصوصا كلما كانت الشعوب منسحقة ومحرومة مما تتباهى به من منجزات أمام الشعوب الأخرى.
في 14 مارس 2023، أعلن ملك المغرب تقديم ترشيح مشترك لتنظيم كأس العالم 2030 مع إسبانيا، والبرتغال، وذلك في رسالة تلاها شكيب بنموسى، وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، خلال تسلمه لجائزة التميز لسنة 2022 التي منحت بكيغالي رواندا. وفي 04 أكتوبر جاء في بلاغ للديوان الملكي « يزف صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، بفرحة كبيرة للشعب المغربي خبر اعتماد مجلس الاتحاد الدولي لكرة القدم، بالإجماع، لملف المغرب – إسبانيا – البرتغال كترشيح وحيد لتنظيم كأس العالم 2030 لكرة القدم.»1
نهجت الملكية عنصر المفاجئة في الاخبار بالترشح المشترك لتنظيم كأس العالم 2030، وفي الاعلان بنيل تنظيم التظاهرة . ونصب الملك أيضا لجنة عليا مهمتها الاشراف على تتبع خطة التحضير الشاملة برئاسة الوزير المنتدب المكلف بالميزانية ورئيس جامعة كرة القدم فوزي القجع.
تشترط قوانين الفيفا دفتر تحملات على البلد المستظيف للتظاهرة تطبيقها تحت رقابة لصيقة من لجان تقنية مشرفة. لكن ما يهمنا يتعلق بمشاريع البنية التحتية المكلفة لميزانيات ضخمة ومن قررها؟ متي؟ وما الية المراقبة ومن المسؤول؟. علما أن القرار لا يصدر عن الحكومة ولا عن البرلمان ولا من الجهات المنتخبة.
ان الترشح لتنظيم كأس العالم وبرنامج أوراش البنية التحتية ومصادر تمويلها …الخ تترجم مميزات الحكم السياسي المغربي كنظام تحوز فيه الملكية بالسلطة الفعلية وفي الواجهة حكومة بصلاحيات محدودة والبرلمان غرفة تسجيل، بصيغة أخرى أن معايير الديمقراطية البرجوازية الكلاسيكية لا تنطبق على النظام المغربي حاليا، بل أن جوهره أقرب الي الحكم المطلق المتكيف اضطراريا مع قرن من التطورات التي راكمتها الانسانية في نضالها للتحرر من الاستبداد السياسي.
مشاريع المونديال كعكعة الرأسمال الكبير
تضمن ملف الترشح لتنظيم كأس العالم في المغرب انجاز مشاريع عديدة في البنية التحتية لتستجيب لمعايير الاتحاد الدولى للفيفا. تشمل بناء ملاعب ومراكز تدريب و تشييد طرق النقل بين المدن وتحديث نظام النقل الحضري وزيادة الفنادق ومطاعم وغيرها ورفع الطاقة الاستيعابية للمطارات، إلى جانب المشروع الكبير المتعلق بتسريع إنجاز الخط الثاني من القطار فائق السرعة الذي سيربط الدار البيضاء وأكادير.
وفق دراسة أعدتها دراسة لمؤسسة SogeCapital Gestion «صوجي كابيتال جستيون» التابعة لمجموعة الشركة العامة للمغرب قدرت الكلفة المالية لتنظيم هذه الفعالية بالمغرب سيتطلب استثمارا يتراوح بين 50 و 60 مليار درهم (حوالي 5 إلى 6 مليارات دولار)، ووفق المصدر نفسه، سيتم تأمين التمويل من قبل الدولة بـ23 مليار درهم والمؤسسات العمومية أو الحكومية بـ17 مليار درهم، و10 مليارات درهم سيتم تأمينها من مصادر أخرى.
وستتوزع هذه التكاليف على:
• بناء وتحديث الملاعب بميزانية تقارب 17 مليار درهم.
• 8 مليارات درهم لبناء وتجديد مراكز التدريب.
• 17 مليار درهم ستخصص لتطوير شبكات النقل والبنية التحتية.
• 10 مليارات درهم تكاليف التنظيم المشتركة بين الدول المنظمة لهذا الحدث.
لاشك أن تقديرات الدراسة عن الكلفة المالية أقل بكثير يكفي التمعن في الاستراتجية الاستثمارية التي أعلنها المكتب الوطني للسكك الحديدية لنكتشف الفارق البين في الأرقام. لقد خصص مخططا لاستثمار 87 مليار درهم (8.7 مليارات دولار) في قطاع السكك الحديدية خلال السنوات القادمة .وأيضا تصريح عبد الصمد قيوح «أن هذا الاستثمار الاستراتيجي، الذي ناهزت قيمته 2.5 مليار دولار، يندرج في سياق التحضيرات الكبرى التي يقوم بها المغرب لاستضافة أحداث رياضية عالمية مثل كأس الأمم الأفريقية 2025 وكأس العالم 2030 مذكرا بأن هذه الاستثمارات ستمكن من رفع الطاقة الاستيعابية لمطارات المغرب من 38 مليون إلى 80 مليون مسافر بحلول سنة 2030.. يظهر أن الاسثتمارات في السكك الحديدية والمطارات لوحدهما تقارب 120 مليار درهم(12 ملياردولار).
يخوض الرأسمال الكبير منافسة شرسة للفوز بالصفقات، وتجندت الدول لنيل حصة لشركاتها الوطنية، وظهر جليا الدور المركزي للملكية في توزيع الصفقات بين الشركات المتنافسة لا على أساس جودة عروضها فقط بل أيضا في مقايضة لمواقف دولها خصوصا في ملف قضية الصحراء الغربية كما تجلى من نيل الشركات الفرنسية لصفقات متتالية بعد زيارة الرئيس ماكرون الي الرباط الدي اعتبرأن « حاضر ومستقبل الصحراء الغربية في اطار السيادة المغربية.
أظهر تدبير كأس العالم ببعده الرياضي واقتصادي والتدبيري دور الملكية كحاكم وحيد بمفاصل القرار السياسي والاقتصادي بالبلد، وكشف أن الحكومة هي جاهز للواجهة والبرلمان مجرد غرفة تسجيل.
قامت الملكية بتوزيع كعكعة مشاريع كأس العالم بين الرأسمال الكبير الأجنبي و المحلي بما لا يغضب هدا ولا يخاصم داك. واللافت حجم ما حازته الشركات الصينية خصوصا في مشاريع البنية السككية واقتحام الشركات الكوريا الجنوبية صفقات التجهيز بالقطارات ايضا، مع احتفاظ الشركات الفرنسية بمكانتها لكن بوجود منافسيين اخرين . واللافت قلة غلة شركات بلدان امبريالية أخرى كما الألمانية والبريطانية والأمريكية ما يطرح سؤالا عريضا حول أين ستفتك حصتها من الكعكعة؟
مصادر التمويل
صحيح أن الكلفة المالية للمونديل أقل من نظيرتها في قطر بسبب أنها تنظم في أكثر من بلد، وثانيا لأن عدد من المشاريع المقررة تندرج في اطار مخطط استثماري سابق،لكن رغم دلك فان تسريع تلك المشاريع تتطلب تمويلا ضخما من الميزانية العامة و اللجوء الي مزيد من الاقتراض الداخلي والخارجي.
وفق دراسة SogeCapital Gestion السالف ذكرها سيتم تأمين التمويل من قبل الدولة بـ23 مليار درهم والمؤسسات العمومية أو الحكومية بـ17 مليار درهم، و10 مليارات درهم سيتم تأمينها من مصادر أخرى.وستوزع على كما يلي:
• بناء وتحديث الملاعب بميزانية تقارب 17 مليار درهم.
• 8 مليارات درهم لبناء وتجديد مراكز التدريب.
• 17 مليار درهم ستخصص لتطوير شبكات النقل والبنية التحتية.
• 10 مليارات درهم تكاليف التنظيم المشتركة بين الدول المنظمة لهذا الحدث.
بغض النظر عن دقة توقعات الدراسة فاننا نعلم أن الجزء المساهمة المالية للمؤسسات العمومية مصدره قروض داخلية أو خارجية بضمانات من الدولة والدي أصبح يمثل غالبية المديونية العمومية، بالاظافة الي أن الميزانية العمومية تعاني من عجز بلغ 3.9 بالمائة سنة 2024 وبالثالي فجزء من زيادة ميزانية الاستثمار ،التي بلغت ما يناهز 340 مليار درهم خلال السنة الجارية ، ستمول باللجوء الي الاقتراض.
ورد في الدراسة السالف دكرها خلاصتين جوهريتين:
الأولى «يُظهر تحليلنا أن رصيد الميزانية قد يتدهور بشكل طفيف، ولكن ينبغي تمويل ذلك دون أي ضغوط إضافية على المالية العامة. من ناحية أخرى، نتوقع أن يتسع العجز في الحساب الجاري على المدى القصير بسبب الزيادة في واردات السلع التامة الصنع ونصف المصنعة، على أن ينعكس هذا الاتجاه على المدى المتوسط إلى الطويل، وذلك بفضل الزيادة في إيرادات السياحة على وجه الخصوص.» (التسطير من عندنا).
ثانيا: «ومن المتوقع أن يستفيد قطاعا البنوك والأشغال العامة بشكل كبير من جهود الاستثمار في البنية التحتية والطاقة الفندقية».
جلي أن الرأسمال الكبير المستفيد الأول من عائد الأرباح الناتجة عن الدينامية الاقتصادية، التي خلقها ضخ لأموال استثمارية ضخمة مصدرها المالية العمومية،و التي ستكون مطالبة بتسديدها لاحقا. ما يفتح باب السؤال عن الجدوى الاقتصادية والاجتماعية للقرارات المتخدة ،لكن في غياب النقاش العمومي الديمقراطي واستفراد المحيط الملكي بالقرارات ما يجعل المداحين والديماغوجيين من شتي الأصناف يحتلون الاعلام يؤقومون بمهمة المديح بسطحيتهم المقرفة .
يثير بعض المهتمين مخاوف من اثار محتملة لكلفة كأس العالم بالنظر للسوابق المماثلة.كارتفاع التضخم (كما حدث في كأس العالم بالبرازيل عام 2014) وزيادة الدين العام والخاص (كما حدث في ألمانيا عام 2006)، وارتفاع أسعار العقارات (كما حدث مع دورة الألعاب الأولمبية في أتلانتا بالولايات المتحدة 1996). وتجربة اليونان التي دخلت في أزمة اقتصادية بعد تنظيم الأولمبياد في 2004 .
قد تكون بعض التداعيات المالية الانية محتملة لكن يظهر ان الرهان على المكاسب الاقتصادية المستقبلية هي الحجة الرئيسية التي يدفع بها الخطاب الرسمي بالقول « أن كأس العالم 2030 لن تكون مجرد منافسة رياضية فحسب، بل تشكل كذلك فرصة فريدة من أجل تقوية دينامية نمو الاقتصاد الوطني خلال السنوات القادمة، وخلق المزيد من فرص الشغل، وتعزيز الجاذبية السياحية للبلاد، والترويج للقيم الكونية للسلام والوحدة والتنمية المستدامة»
رهانات النظام ومهام قوي النضال العمالي والشعبي
يندرج تنظيم كأس افريقيا لكرة القدم في دجنبر 2025 ،وسلسلة من البطولات القارية وانتهاء بكأس العالم، في مسعي استراتيجي للنظام المغربي بتكريس المغرب في طليعة البلدان الافريقية لما سيتيحه له دلك عوائد هامة في علاقاته مع البلدان الامبريالية العالمية المتنافسة على السيطرة للقارة الافريقية.
تعتبر كرة القدم هي الرياضة الأكثر شعبية بأعداد الممارسين-ات والمتابعين-ات وكل بطولة قارية اوعالمية تشد ادهان ملايير البشر نحوالبلد المنظم.انها فرصة للترويج الواسع للمغرب وتقويض الصورة النمطية عن افريقيا الفقيرة والبئيسة عبر استعراض للمشاريع المنجزة. طبعا فالحملات الدعائية لا تترك المجال لاثارة اللأسئلة الجوهرية حول قضايا التبعية، وارتفاع المديونية والبطالة، ونسب الامية العالية والفقر الجماهيري، والتراثبية المتدنية في سلم التنمية البشرية، ومكانة بلدنا المخزية في ترتيب انتشار الرشوة والفساد، والفوارق المخيفة بين الأقلية شديدة الثراء والأكثر فقراً، ومؤشرات غياب الديمقراطية وقمع الحريات العامة …الخ. تلك قضايا لن تشغل ملايير المشاهدين بل قلة من المهتمين.
سيسعي النظام مستقبلا لإستثمارنجاحه في تنظيم كأس العالم للترشح لتنظيم تظاهرات رياضية أكبر، والتي ستكون مخاطرها المالية أشد وعوائدها الاقتصادية مشكوك فيها بناء على تجارب سابقة كمثال تنظيم الألعاب الأولمبية الدولية. ان محطة كأس العالم فرصة لمنظمات النضال العمالي والشعبي لابراز المغرب الاخر وطموحاته ومعاناته وتطلعاته واثبات وجوده ضدا على دعاية النظام التي تريد ضرب طوق الحصار عنه
منظمات النضال العمالي والشعبي مدعوة لاستقبال شعوب العالم تجسيدا لجوهر الممارسة الرياضية الانسانية المتحررة من سيطرة الرأسمال الاحتكاري ومن استعمال الأنظمة المستبدة لاظفاء شرعية عن سياساتها القمعية. كأس العالم فرصة لأخوة شعوب العالم ضد ديكتاتورية الأسواق ولأجل الديمقراطية ، وتضامن الشعوب ضد الديكتاتوريات والعنصرية المستشرية ،وللدفاع عن حرية تنقل البشر وليس الرساميل فقط، كأس العالم محطة للدفاع عن استقلال وسيادة قارتنا الافريقية ضد المخططات الاستعمارية المتنافسة لنهبها، و للدفاع عن الشعوب المضطهدة وعلى رأسها حق الشعب الفلسطيني في الاستقلال.
تنظيم كأس العالم يطرح بحدة مسألة النضال لأجل مجلس تأسيسي ديمقراطي سيد لاعادة بناء أسس حكم يتيح للشعب المغربي تقرير مصيره السياسي، في خضم ميزان قوي طبقي يجرى بناؤه.
ان منظمات النضال العمالي والشعبي مطالبة بطرح روؤاها حول استراتيجية النظام الجاري تنفيدها في تنظيم التظاهرات الرياضية والمشاريع ذات الصلة ، وعليها تتبع سير التنفيد وتقييم الحصيلة وتدقيقها. ان تنظيم كأس العالم وباقي البطولات يندرج في استراتيجية شاملة حددها النظام السياسي ولا يمكن مواجهتها بنجاح الا باستراتيجية طبقية بديلة وهي ما يجب بلورتها بفرز الأدوات التنظيمية الضرورية لتجسيدها وفي مقدمتها حزب عمالي يعبر عن تطلعات التحرر الاشتراكي الشامل والجدري متجاوز للحدود القطرية .
احالات
https://www.cg.gov.ma/ar/node/11436
https://sogecapitalgestion.ma/wp-content/uploads/2024/02/compress-coupe-mondeSKG.pdf
https://www.transport.gov.ma/AR/logistique/Actualites/Pages/Actualites.aspx?IdNews=4248
https://www.cg.gov.ma/sites/default/files/documents_interventions/
https://www.cg.gov.ma/ar/node/12066
اقرأ أيضا