عمال رصيف الميناء الفرنسيون يعيقون وصول أسلحة إلى إسرائيل
بقلم كادال جيسوثاسان Kadal Jesuthasan
قام عمال في ميناء بجنوب فرنسا، الأربعاء الماضي، بتفتيش سفينة شحن متجهة إلى حيفا، وعثروا على 19 منصة نقالة تحمل قطع غيار لرشاشات. قاموا بمنع الشحنة، رافضين التواطؤ مع جرائم الحرب الإسرائيلية.
هذا الأربعاء، بعد ثلاثة أشهر من حصار اسرائيل الشامل على غزة، أعلن اتحاد عمال الموانئ في فوس سور ميرFos-sur-Mer، شمال غرب مرسيليا، التابع للكونفدرالية العام للشغل (CGT)، أنه صادر 19 منصة نقالة تحمل قطع غيار أحزمة ذخيرة من سفينة شحن متجهة إلى حيفا. وفي بيان، قالوا: “لن يشارك عمال الموانئ في خليج فوسFos في الإبادة الجماعية المنظمة من طرف الحكومة الإسرائيلية”.
أثناء تفتيش الشحنة، اكتشفوا حاويتين أخريين تحتويان على قطع مدافع صنعتها شركة الهندسة أوبيرت ودوفالAubert & Duval،كانتا متجهتين أيضاً إلى إسرائيل. في اليوم التالي، أصدروا بيانًا ثانيًا جاء فيه: “حُجزت هاتين الحاويتين… لا يرغب عمال فوسFos في أن يكونوا شركاء في المذابح والخسائر البشرية. إذا أراد آخرون نقل هذا النوع من البضائع عبر ميناءنا، فسوف نرد بالمثل في الأيام والأسابيع المقبلة من خلال تعبئة جميع عمال الرصيف والميناء في خليج فوس”.
على بعد 30 كلم، في مرسيليا، تجمع 400 شخص مساء الخميس في ساحة جولييتla Joliette المشمسة. أعلن أحد نشطاء حركة “أوقفوا تسليح إسرائيل”، وهي تكتل وطني مناهض للعلاقات العسكرية بين فرنسا وإسرائيل: ” إننا هنا لتحية عمال الرصيف الذين يظهرون لنا نضالاً نموذجياً ضد الإبادة الجماعية”.
حتى الآن، كانت تكتيكات النقابات غائبة في الغالب عن الحركة الفلسطينية في فرنسا. قوبل إعلان عمال رصيف الموانئ بتأييد كبير من النشطاء المؤيدين لفلسطين، لكن أيضًا من نقابات أخرى على مستوى غير مسبوق، ما يدل على تحول أعمق في الرأي العام. كان الصدى كبيرًا لدرجة أن صوفي بينيه Sophie Binet، القائدة الوطنية لنقابة CGT، دعت الحكومة إلى تعليق شحنات الأسلحة إلى إسرائيل.
تشير ردود الفعل على تحركات عمال رصيف الموانئ في الجنوب إلى إمكانات هذه التكتيكات في نظر الحركة المؤيدة لفلسطين وإلى التقاليد المحيطة بتاريخهم المناهض للعسكرة. حققوا انتصارًا يوم الجمعة:أبحرت السفينة المتجهة إلى إسرائيل دون حمولتها العسكرية، لتُعاد إلى مُرسلها.
ليست هذه المرة الأولى التي يتخذ فيها عمال رصيف ميناءفوسFos، وهي منطقة صناعية في جنوب فرنسا، موقفًا ضد شحن الأسلحة إلى إسرائيل.في أبريل، بعد أن علموا بوجود سفينة تحمل أجزاء من طائرات F-35إلى إسرائيل، هددوا بوقف العمل. وافقت شركة ميرسك Maersk على السماح لهم بفحص الحاويات، التي تبين أنها خالية. تأخرت السفينة عدة أيام، ولكن بعد أسبوع، أزالت ميرسك بهدوء مرسيليا من مسارها إلى حيفا، مؤكدة لعملائها أنها تسعى إلى “الحفاظ على استمرار سلسلة التوريد بأقل قدر ممكن من الاضطراب”.
يبدو أن هناك ما يبرر المخاوف من أن عمال رصيف الموانئ الفرنسيين سيصيبون قلب عمليات شركات الشحن. هذا الأسبوع، أعلن عمال رصيفميناءجنوة ، إيطاليا، المحطة التالية للسفينة، أنهم سيحذون حذو CGT.أصدر عمال رصيف ميناء بيرايوسPirée، اليونان، بيانًا أيضا. إلى جانب الأمينة العامة بينيه Binet، أعربت أقسام أخرى من الكوتفدرالية العامة للشغل عن دعمها، بما في ذلك النقابة التي تمثل وكلاءالجمارك، الذين يعملون بشكل وثيق مع عمال الرصيف، وطالبوا بحظر تصدير الأسلحة إلى إسرائيل بشكل قاطع. يقول أوليفر بالزرOliver Balzer، أمين نقابة الكونفدرالية العامة للشغل في قطاع الجمارك :”هذه هي المرة الأولى التي تتخذ فيها نقابتنا موقفًا من الحرب منذ عام 2023. على الرغم من أن الأعضاء الأفراد يتحدثون عن ذلك منذ فترة طويلة، فإن حقيقة أن رفاقنا عمال الرصيف يتحركون تساعدنا على تأكيد أنفسنا أيضًا”.
في الوقت الذي اعتمد الرئيس إيمانويل ماكرون، إلى جانب قادة أوروبيين آخرين، مؤخرًا نبرة أكثر انتقادًا تجاه حكومة بنيامين نتنياهو، أثارت الأخبار التي كشف عنها موقع Disclose الإعلامي (رغم التنصل الرسمي ) عن استمرار فرنسا في شحن أسلحة إلى إسرائيل غضبًا عارمًا. يقول أوليفر بالزرOliver Balzer: «هذا نفاق تام. لدينا الأدوات اللازمة لمنع وصول هذه الأسلحة». بعد ساعات من نشر مقالDisclose، أعلن عمال رصيف ميناء في فوس-سور-مير Fos-sur-Mer أن الشحنة لن تغادر.
تاريخ نضالي
تثير هذه الإجراءات وترا حساسا تاريخيا، يعود في الغالب إلى إغلاق ميناء مرسيليا احتجاجًا على حرب فرنسا الاستعمارية في الهند الصينية. في عام 1949. بعد عامين من بدء الحرب، كان ميناء مرسيليا مركزًا عسكريًا: كانت تخرج الذخيرة والجنود وتدخل التوابيت، وأحيانًا كانت الجثث تتساقط، يتذكر أحد عمال رصيف الميناء السابقين في مقابلة مع إذاعة فرنسا الدولية «كالبضائع العادية، مثل التمور، مثل البطاطس، مثل البرتقال» . في دجنبر 1949، صوّت عمال رصيف الموانئ، بتشجيع من الكونفدرالية العامة للشغل والحزب الشيوعي الفرنسي ، على عدم خروج أي سلاح من أي ميناء على البحر الأبيض المتوسط.
تعرض إضراب الأربعين يومًا لهجوم وحشي على عدة جبهات، من قمع الشرطة إلى المافيا الكورسيكية إلى الأمريكي المناهض للشيوعية إيرفينغ براون، الذي ساعد في إنشاء نقابة منافسة لـ لكونفدرالية العامة للشغل،هي القوة العمالية Force Ouvrière، بتمويل من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية. كان دور مرسيليا كميناء فرنسي رئيس مركزًا استراتيجيًا ليس فقط لإمبراطورية الفرنسية، ولكن أيضًا لحلف شمال الأطلسي، باعتبارها موقعًا لعبور صادرات خطة مارشال. بحيث شكلت مقاومة العمال خطرًا جسيمًا.
يُعد عمال رصيف ميناء في مرسيليا، المشهود لهم بإضراباتهم الشديدة وفخرهم الطبقي، رمزًا لتاريخ المدينة الاستعماري. عمل العديد من الأفارقة الغربيين والوسطى كعمال رصيف وكانوا أقل مكانة من نظرائهم الفرنسيين. لم يكن هناك الكثير من الأفارقة في النقابات وبعضهم أُستخدم لكسر إضرابات عمال رصيف الميناء في عام 1949، ما غذى الخطابات العنصرية عن العمال المهاجرين.
تجسد رواية Banjoلكلود ماكاي، أو فيلم Le Docker noirللمخرج السنغالي أوسمان سيمبينOusmane Sembène (“أوروبا ليست مركز حياتي”)، الذي عمل أيضًا خلال شبابه في الميناء بعد خدمته في الجيش الاستعماري خلال الحرب العالمية الثانية، حياة هؤلاء العمال المضطربة التي اتسمت بالعنصرية والعنف. والذي انضم هو أيضاً إلى الكنفدرالية العامل للشغل و الحزب الشيوعي الفرنسي ، ونشط في تنظيم الاحتجاجات ضد حروب فرنسا الاستعمارية في الهند الصينية، ثم في الجزائر.
اليوم، أصبحت صورة عامل الميناء الفقير والمناضل سياسياً في مرسيليا شيئاً من الماضي: لم تعد مرسيليا الميناء الصاخب الذي كانت عليه في الماضيوأصبح عمال الميناء يتركزون بشكل أكبر في فوس-سور-ميرFos-sur-Mer. لكن القصص باقية ولا تزال CGT تفتخر بها. قال كريستوف كلاريت Christophe Claret، كاتب نقابة عمال الرصيف، لـ Maritima:”ناهضنا دائماً الحروب في كل مكان في العالم، واليوم، لا يريد العمال المشاركة في شحن الأسلحة والإبادة الجماعية في غزة”.
في عام 2019، جرى الاستشهاد بنفس التاريخ عندما رفضت النقابة نقل أسلحة فرنسية الصنع إلى المملكة العربية السعودية، كانت موجهة لمحاربة المدنيين اليمنيين. قبل عامين، كانوا في الخطوط الأمامية عندما حاولت الشرطة إجبار المضربين على العودة إلى العمل في فوس سور ميرFos-sur-Mer، خلال الحركة الوطنية ضد إصلاح نظام التقاعد الذي دعا إليه ماكرون. في العام نفسه، دعموا أيضًا الطلاب الذين احتلوا حرمهم الجامعي في جامعة إيكس مرسيلياAix-Marseilleوحضر بعضهم التجمع يوم الخميس، متحمسين للتعبير عن هذا التاريخ المشترك.
مرحلة جديدة؟
رغم أن تصريحات عمال أرصفة الموانئ أثارت الكثير من الحماس في الحركة المؤيدة لفلسطين، إلا أن السؤال يبقى: كيف ستتطور مشاركتهم؟ ظل عمال أرصفة الموانئ أنفسهم غامضين، غائبين عن تجمع يوم الخميس ورافضين التحدث إلى الصحافة، ويعترف بالزرBalzer،كاتب نقابة الجمارك، بأنه متشكك في الدعوة إلى إضراب في هذه المرحلة.
لكن فاتوFatou، عاملة في مستشفى وناشطة في منظمة “أوقفوا تسليح إسرائيل” رفضت الكشف عن اسمها الأخير بسبب عملها، تعتقد أن تحركات عمال أرصفة الموانئ قد تفتح آفاقاً أعمق. قالت لـJacobinفي تجمع يوم الخميس: “أعلن عمال الموانئ إنهم سينظرون في الإضراب، وهذا انفتاح كبير. قد يكون له صدى في قطاعي الصحة والتعليم.”
رغمقمع حكومة ماكرون المستمر، باستهداف النقابيين مثل كاتبCGT جان بول ديليسكو أو عامل السكك الحديدية في نقابة سود SUD أنس كازيب، فإن التضامن مع فلسطين لا يزال قائماً في فرنسا ويجد تعبيرات جديدة. مؤخراً، أدانتنقابات التعليم القمع ضد الطلاب والمعلمين، ونظمت مسيرات دعماً لمعلم أوقف عن العمل لقيامه بدقيقة صمت في الفصل دعماً لفلسطين. اليوم، قد يثير رمز عمال ميناء فوس-سور-ميرFos-sur-Mer، الأسطوري وتاريخ الطبقة العاملة المناهض للعسكرة، شيئاً يتجاوز مجرد الفولكلور.
• كادال جيسوثاسان صحفي ومتقص حقائق مقيم في مرسيليا يكتب عن الحركات الاجتماعية والسياسة والشرطة.
المصدر:
https://jacobin.com/2025/06/france-dockers-weapons-shipments-israel
اقرأ أيضا