المقاومة الشعبية للسياسات المدمرة اجتماعيا باقليم قلعة السراغنة، في حوار مع الرفيق سعيد الفاضلي

تنمو بمختلف مناطق المغرب مقاومة شعبية للسياسة البرجوازية المنتجة مزيدا من تردي الحالة الاجتماعية لسواد الشعب الأعظم . لكادحي إقليم قلعة السراغنة رصيدهم من هذه المقاومة ، أعادته إلى الأذهان احتجاجات هذا الصيف التي أثارتها مشكلة الماء. سعيا للإلمام بالنضال الشعبي في هذا الإقليم، حاورت جريدة المناضل-ة الرفيق سعيد الفاضلي، المناضل بالحزب الاشتراكي الموحد، وعضو اللجنة الادارية للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، ورئيس فرعها بالصهريج- العطاوية. وإذ أجاب الرفيق على أسئلتنا بكل ترحاب وروح نضالية، نشكره كثيرا، ونأمل أن تتعزز أواصر التعاون بين مكونات اليسار المكافح، سيرا نحو توحيد فعله بما يقوى حركة النضال الجماهيري، العمالي والشعبي

تحية طيبة وشكرا جزيلا لكم على الدعوة، سعيد جدا لإجراء هذه المقابلة مع جريدة المناضل- ة: الجريدة المناضلة، المستقلة وذات المصداقية و الموضوعية، وهي مناسبة لأحيي عاليا كل الرفاق بالجريدة على ما يقومون به من مجهود وعمل جبار، فشكرا لكم مجددا.
بداية وقبل الإجابة عن الأسئلة، لابد من الوقوف على حجم المعاناة والآلام التي يعيشها الشعب الفلسطيني في غزة، جراء حرب الإبادة والتجويع التي يمارسها الكيان الصهيوني المجرم في حقهم، بدعم أمريكي وأمام صمت المنتظم الدولي وتخاذل الأنظمة العربية، وهي مناسبة أيضا للتأكيد على مطلب الشعب المغربي بضرورة إسقاط التطبيع مع هذا الكيان الهمجي الوحشي.
***
1- الواقع الاجتماعي المزري في إقليم قلعة السراغنة ليس مجرد معاناة شعبية في صمت، بل هو أيضا مقاومة عبر تعبئات للكادحين للمطالبة بحقوقهم الاجتماعية. ما هي أهم التحركات الشعبية في الآونة الاخيرة، وحتى في السنوات الأخيرة؟

تعيش ساكنة إقليم قلعة السراغنة معاناة كبيرة جدا، نتيجة للوضع الصعب الذي يعرفه الإقليم على عدة مستويات؛ اجتماعيا واقتصاديا… (مشكل ماء السقي، الماء الشروب، الوضع الصحي الكارثي، ضعف البنية التحية، ارتفاع البطالة… ) طبعا لا يسمح المجال هنا للتفصيل.
هذا الوضع خلف سخطا عميقا واحتقانا كبيرا لدى شرائح واسعة من سكان الإقليم، حيث شهدت المنطقة، ليس فقط في الآونة الأخيرة، بل على مدار السنوات الماضية، حركات احتجاجية شعبية للمطالبة بحقوق اجتماعية أساسية، موحدة من حيث طبيعتها ( الماء الشروب، ماء السقي، الطرق …) متفرقة في الزمان والمكان (الصهريج، أولاد خلوف، وارگي، أولاد سيدي عيسى بن سليمان، العطاوية، تملالت…).

2- ما هي خصائص هذه النضالات الاحتجاجية، على صعيد طبيعة الجماهير المشاركة (شباب، نساء…) وما الأشكال التي تتخذها (اعتصامات، مسيرات، توقيع عرائض…) وما هي الجهات التي تتوجه إليها؟

إن الحديث عن خصائص هذه النضالات الاحتجاجية وطبيعة الجماهير المشاركة فيها، ارتبط في غالب الأحيان بطبيعة هذه المطالب والأشكال النضالية المتخذة، وكذا السياق التاريخي، إذ في السنوات الماضية كان الفعل الاحتجاجي مقتصرا في غالبيته على فئتي الرجال والشباب، في حين كان حضور النساء ضعيفا جدا، عكس الآونة الأخيرة، حيث أصحبت النساء أكثر حضورا من السابق في مختلف ساحات الاحتجاج. طبعا أتحدث هنا عن الاحتجاجات الشعبية القروية، هذه الأخيرة التي اتخذت أشكالا متعددة (عرائض ووقفات ومسيرات.. )، ولكن الغالب من حيث طبيعتها هي المسيرات الاحتجاجية، وتعتبر عمالة الإقليم الوجهة الأولى لكل هذه الاحتجاجات.

3- ما هي المشكلات الاجتماعية الأكثر إثارة للاحتجاج؟ وهل ثمة قضايا ليست بعد موضوع احتجاج (حقوق المعاقين- ات، بطالة الشباب، مسائل خاصة بالنساء… )؟

أكيد يعلم الكل أن المشاكل الاجتماعية التي يعاني منها الإقليم كثيرة، ولكن هناك مشاكل تدفع السكان للاحتجاج أكثر من غيرها، وفي مقدمتها،
* مشكل الماء الشروب الذي تتوقف معه الحياة، والذي ينذر بكارثة إنسانية بالإقليم إن لم يكن هناك تدخل عاجل وحل شامل له. أزمة العطش هذه كانت ولا تزال أولى الدوافع للإحتجاج بالإقليم .
* مشكل ماء السقي، هناك تآكل شجر الزيتون. معلوم أن شجرة الزيتون إلى جانب كونها تراثا وهوية، هي مصدر رزق لعدد كبير من الأسر بالإقليم. مع توالي سنوات الجفاف، وفشل السياسات العمومية ذات الصلة، أصبحت هذه الأشجار تحترق في مسهد مخيف، لتخرج عددا كبيرا من الفلاحين الصغار للشارع.
* مشكل الهجرة عبر قوارب الموت. هذه الكارثة التي خلفت مآسيا كبيرة وجروحا عميقة لدى عدد كبير من الأسر بالإقليم ولا تزال تحصد الأرواح (أزيد من 100 مفقود). وقد أخرجت العائلات في وقفات ومسيرات عديدة، بحثا عن حقيقة ما جرى لأبنائها.
هناك مشاكل أخرى كالوضع الصحي، وضعف البنية التحتية…
طبعا هناك قضايا أخرى لا تقل أهمية مرتبطة بفئات من المجتمع، لم تكن موضوع احتجاج منها حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة، هذه الفئة التي تعتبر من أكثر فئات المجتمع تهميشا، وتستحق ترافعا وعملا قويا لأجلها، إلى جانب أيضا مشكل البطالة المرتفعة بالإقليم… وغيرها من المشكلات الاجتماعية الأخرى.

4- هل تهتم الحركة النقابية المحلية (في مطالبها وأشكال نضالها ) بالقضايا الاجتماعية أم تقتصر على الشؤون المهنية (الأجور و ظروف العمل…)؟ وهل تتضامن مع النضالات الشعبية في العالم القروي؟

مع الأسف الحركة النقابية المحلية لم يعد لها ذلك الامتداد المجتمعي، ولم يعد لها اهتمام بقضايا وانشغالات العمال والعاملات بالقطاع الفلاحي والزراعي، حيث المعاناة و المآسي سواء من خلال ظروف العمل الصعبة، و شروط التنقل الحاطة بالكرامة، وحوادث الشغل المتكررة، كل هذا والحركة النقابية في غياب شبه تام، وكأن الأمر لا يعنيها في شيء.

5- هل من دور للطلبة أبناء المنطقة في حفز النضالات الشعبية وأداء دور في تنظيمها؟

كان لبعض الطلبة على قلتهم مجهود هنا وهناك قصد تحفيز وتأطير النضالات الشعبية بالمنطقة بالوسائل والإمكانات المتاحة، إلا أن هذا المجهود ظل ضعيفا ولم يكن قادرا على التعبئة المجتمعية، وفي تقديري أن أغلبية الطلبة لم يكونوا يوما منخرطين في صلب قضايا مجتمعهم ، وهذا شيء مؤسف ومعيب حقيقة.

6- هل توجد جمعيات، تهتم، إلى جانب الجمعية المغربية لحقوق الانسان، بالنضالات الشعبية؟ وما أشكال مساندتها لها؟

ما يمكن تسجيله داخل الإقليم هو كثرة الجمعيات الوظيفية التي أسست غالبيتها في سياق معين، وارتبطت بشكل أو بآخر بالمجالس المنتخبة، إذ الملاحظ عموما أن أثرها في الواقع الاجتماعي والاقتصادي ولا حتى النضالي للسكان، يكاد يكون منعدما، باستثناء ما تقوم به الحركة الحقوقية وفي مقدمتها الجمعية المغربية لحقوق الانسان من ترافع ودعم ومؤازرة للنضالات الشعبية المحلية المرتبطة أساسا بالحقوق الاقتصادية و الاجتماعية.

7- هل تولي القوى اليسارية المحلية اهتماما خاصا بالنضالات الاجتماعية، وهل تتعاون في ما بينها في هذا المجال؟

بالنظر للواقع الصعب المعاش، وما يشهده الإقليم من غليان واحتجاجات مستمرة لساكنته، هذا الأمر يفترض أن تكون قوى اليسار في طليعة هذه النضالات الشعبية للقيام بمهامها في التأطير والترافع، إلا أن الواقع ليس كذلك، فرغم كل ما تقوم به هذه القوى من مجهود في ظل تواضع الإمكانيات المتوفرة، ظل اليسار عموما بمختلف مكوناته ضعيفا، غير قادر على توحيد نضالاته و فرض تواجده بالشكل المطلوب.

8- هل هناك اهتمام للسكان بالحياة السياسية المحلية (المجلس البلدي)؟ أم أن الأمر يقتصر على وقت الانتخابات فقط؟ وهل يقوم اليسار بدوره في تتبع هذه الحياة السياسية المحلية، لا سيما من زاوية الحقوق الاجتماعية؟

في اعتقادي هناك تزايد للاهتمام نسبيا بالشأن المحلي من طرف السكان، ومرد ذلك إلى تزايد المعاناة الناجمة عن تفاقم المشاكل الاجتماعية ذات الصلة بالمعيش اليومي.
طبعا هناك عمل مهم تقوم به قوى اليسار بالإقليم رغم قلة الإمكانيات، سواء من خلال الترافع داخل المؤسسات، وهنا لا بد من الوقوف على العمل الجبار الذي يقوم به الرفيق حميد مجدي عضو الحزب الاشتراكي الموحد بجماعة قلعة السراغنة، الذي ساهم في خلق نقاش وسط الصف التقدمي حول أهمية النضال المؤسساتي. طبعا إلى جانب أهمية العمل الميداني من خلال تأطير ودعم النضالات الشعبية محليا.

9- سؤال حول الحياة الحزبية بالمدينة: ما هي الأحزاب المهيمِنة؟ ما هو وزن الإسلاميين؟ ما هي آليات اشتغال هذه الأحزاب (عمل حزبي، عمل نقابي، جمعيات المجتمع المدني)؟

لست أدري هل المقصود بالسؤال مدينة قلعة السراغنة، لأن الإقليم به مدن أخرى، و للعلم أيضا أن الإقليم يغلب على مجاله الترابي والجغرافي الطابع القروي.
عموما الأحزاب المهيمنة انتخابيا هي أحزاب التجمع الوطني للأحرار والاتحاد الاشتراكي والاستقلال والأصالة والمعاصرة. هنا أتحدث عن الهيمنة الانتخابية، لأنه معلوم أن جل هذه الأحزاب لا امتداد شعبي لها، وليس لها دورة تنظيمية، ولا عمل حزبي منظم، بل تعتمد على كائنات انتخابية معروفة بترحالها بين الأحزاب، (وللإشارة فإن أغلبية سكان الإقليم لا تصوت على الحزب بل على الشخص)، وطبعا هناك من بين هذه الأحزاب من لها بعض الفروع بالإقليم، ولكنها تعتمد فقط على الأعيان و الجمعيات الوظيفية سالفة الذكر.
أما بخصوص الإسلاميين فقد تراجع تواجدهم محليا كَمَا وطنيا، خصوصا وأنهم كانوا قد اعتمدوا سابقا على نفس الكائنات الانتخابية الرحالة، وبالتالي لم يعد لهم وزن داخل الإقليم.

10- كانت قلعة السراغنة إحدى قلاع نضال الأساتذة المفروض عليهم- هن التعاقد، وقبلها الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين. ما مآل نضال هذه الفئات الشابة؟ وهل كان لنضالها تأثير في حفز نضال باقي الشرائح الشعبية؟ إن كان الجواب لا، ما تفسير ذلك؟

فعلا شهد الإقليم زخما نضاليا كبيرا خلال فترة الحراك الاحتجاجي للتنسيقية الإقليمية للأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد، هذه النضالات دعمتها القوى التقدمية، وتعاطفت معها شرائح واسعة من المجتمع المحلي، وكان الرهان عليها قويا لحفز النضالات الشعبية.
إلا أن هذا الحراك كان مآله التراجع والتلاشي. مع الأسف لم يتم استثماره من طرف قوى اليسار كما يجب، وبالتالي لم يكن له تأثير في حفز نضالات باقي الجماهير الشعبية. يعود سبب تراجع هذا الحراك في اعتقادي ، إلى عدم امتلاك فئة واسعة من منتسبي التنسيقية الإقليمية لتصور واضح وموحد حول طبيعة الصراع، ما جعل المطلب الخبزي إن صح التعبير، يهيمن على حساب مطلب الكرامة، هذا إلى جانب الإختراق الحزبي للتنسيقية من طرف بعض الأحزاب محليا. طبعا دون إغفال التدخل المستمر للدولة عن طريق الترهيب من خلال المحاكمات والمتابعات وغيرها .
نفس النتيجة يمكن إسقاطها على الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين، إذ لا امتداد لها وسط باقي الشرائح المجتمعية محليا، وفي اعتقادي لأسباب ذاتية أكثر منها موضوعية.

11- ما هي في نظرك واجبات اليسار إزاء الواقع الاجتماعي المزري وما يولده من نضالات في اقليم السراغنة؟

طبعا على اليسار مسؤوليات كبيرة اتجاه الواقع الصعب للسكان ونضالاتهم، ولكن في اعتقادي لن يكون لليسار تأثير قوي، إن لم يقم بتنظيم نفسه وتجاوز واقع الشتات وتوحيد نضالاته في أفق تأسيس جبهة موحدة، باعتبارها الأداة القادرة على خلق فعل نضالي قادر على تعديل ميزان القوة محليا ووطنيا.
الخلاصة في اعتقادي و بالنظر إلى الواقع المعاش وما يترتب عنه من نضالات شعبية، يمكن القول بوضوح في ارتباط باستنهاض أدوار و مهام اليسار: أن الشرط الموضوعي حاضر في حين يغيب الشرط الذاتي

شارك المقالة

اقرأ أيضا