المكتب التنفيذي للأممية الرابعة: بيان تضامن مع الحركة الجماهيرية من أجل الديمقراطية في الصين

بلا حدود28 ديسمبر، 2022

بقلم: المكتب التنفيذي للأممية الرابعة

يؤكد مناضلو/ات الأممية الرابعة في الجاليات الصينية خارج البلد على أهمية حركة الاحتجاج الجارية في الصين. موقفهم إزاءها المعبر عنه في هذا البيان صادق عليه المكتب التنفيذي للأممية الرابعة.

كان حريق بناية أورومتشي الذي أسقط عددا من الضحايا، معظمهم من الأويغور، حافزا لأكبر حركة جماهيرية في الصين منذ عقود. نتج الحريق عن نظام الحجر الوبائي المعيب في الصين، الذي كان يحرم منذ أمد طويل العديد من سكان البلد من حرية التنقل ومن حقوق إنسانية أخرى، وحتى من الإفادة من مواد أساسية. وليست هذه السياسات الظالمة جديدة. فقد تصدت احتجاجات محلية عديدة، في السنتين الأخيرتين، للكيفية التي نظم به الحجر الصحي. لاسيما شغيلة فاكسكون في تشنغتشو الذين عانوا من ظروف عمل قسري لأن المصنع يستعمل نظام إدارة مغلقة، يسد على العمال في الموقع من أجل الحفاظ على الإنتاج- وهو إجراء وافق عليه مجلس الدولة الصيني. نظم العمال مظاهرة أصبحت مقدمة هامة للمظاهرات الجماهيرية، حيث واجهت قمعا بوليسيا لمصلحة رب عمل فاكسكون.

كانت السنوات المنصرمة، منذ مظاهرات تيانانمن وما تلا من مذبحة في العام 1989ـ، مطبوعة بسكون في وعي الحركات الجماهيرية، فيما الصين تُسرع انعطافها نحو النيوليبرالية. ورغم انتشار تحركات محلية وعفوية، لم يحالف النجاح بناء حركة جماهيرية مستقلة ومتعددة القطاعات داخل المجتمع المدني. وتسارع القمع مع وصول شي جين بينغ إلى السلطة، معمقا أكثر نمط الحكم المستبد في الصين. وتقلصت إمكانات نضال جماهيري بفعل الانقسامات بين الصينيين الهان وسائر المجموعات العرقية، والتي غالبا ما أججها النظام. نعتقد أن هذه المظاهرات أمارة تغير هام في الوعي السياسي للشعب الصيني الذي تخطى تلك العقبات الدائمة.

يجب عدم اختزال حركات الاحتجاج في الصين في المظاهرات المناهضة للأقنعة الواقية وللقاحات التي ينظمها اليمين في الغرب. سكان الصين مستاؤون بسبب الكيفية التي جرى بها التحكم في الجائحة. ففي لحظات مختلفة من الجائحة، جرى حبس كتل من الأشخاص رغما عنهم في مستشفيات Fangcang (مراكز حجر مؤقتة مع وظائف علاج طبي).

أجبر النضال الجماهيري، الذي جرى في الصين برمتها، النظام على التراجع عن سياسات ينهجها منذ سنوات ضد الجائحة-أي بعبارة أخرى يجدر الإقرار بأن الشعب كسب معركته الأولى. لكن بلوغ الهدف لا يزال بعيد المنال. في أثناء الجائحة، تم خفض استثمارات النظام الصيني في البنيات التحتية الطبية في الأمد البعيد التي من شأنها تخفيف آثار الجائحة الضارة، لصالح بروتوكولات اختبارات وحجر غير مجدية ولاديمقراطية. ستواجه الحكومة حتما الضغط الممارس على نظامها الطبي، ويمكننا انتظار أن يلقي مداحوه الجريرة على المتظاهرين. لكن يجب أن نتذكر أن المسؤولية الرئيسية تقع على الحكومة.

واصلت الحكومة الصينية، خلال العقود الأخيرة، لاسيما إبان الجائحة، ميلها إلى خصخصة الخدمات الاجتماعية الرئيسة وإخضاع الشغيلة لأشكال هشاشة واستغلال جديدة.

كانت النساء بوجه خاص عرضة لهذه الإجراءات. فقد جرت خصخصة خدمات حضانة الأطفال، وغيرها من الخدمات الاجتماعية، بسرعة أو جرى نقلها إلى صيغ “قطاع عام-قطاع خاص”، وتعرضت نساء مهاجرات وغيرهن لفرص عمل متزايدة الهشاشة مع تحمل وزر إعادة الإنتاج الاجتماعية.

ويجب في الآن ذاته أن نؤكد على أن النساء ومجموعات مهمشة أخرى كن في طليعة التوضيح السياسي لهذه الحركة الجماهيرية الجنينية. نأمل التأكيد على جهود النسويات ومجموعات مهمشة أخرى التي تبادر إلى تحدي العناصر الأكثر محافظة في فضاءات العمل الجماهيري نفسها. ضغط المناضلون/ات الصنينيون/ات فيما وراء البحار من أجل إبراز نضالات الأويغور وغيرهم من المجموعات العرقية غير الهان بما هي مطلب مركزي. لم يخض المناضلون النسويون والمنتمون لمجتمع الميم نضالات محلية وبالخارج وحسب، بل حتى سعى البعض إلى النضال من أجل وسائل نسوية أفضل ضد العنف الجنسوي داخل فضاءات الاحتجاج. نقر أيضا أن المظاهرات بدأت في شينجيانغ إحدى المناطق الأشد خضوعا للمراقبة والقمع في الصين، حيث يُرفض حق الأويغور في تقرير المصير منذ سنوات. وقد اعتقل العديد من الأويغور وأشخاص غير منتمين لعرق الهان في ” مراكز إعادة تربية”، حسب تعابير الدولة الصينية ذاتها، المستوحية “ممارسات المملكة المتحدة وفرنسا وبلدان أخرى” وتكتيكات إسرائيلية ضد الفلسطينيين.

يجب على الاشتراكيين أن يساندوا بقوة مطالب تقرير مصير الأويغور ، وكل من يطالبون به، رغم أن الإمبرياليين الغربيين يسعون إلى احتواء تلك المطالب. كما قال لينين في 1916:” إن كون النضال في سبيل الحرية الوطنية ضد دولة امبريالية يمكن أن تستغله في ظروف معينة دولة “كبرى” أخرى لأغراضها الامبريالية أيضا، لعاجز عن إكراه الاشتراكية الديمقراطية عن نبذ حق الأمم في تقرير مصيرها عجز الأمثلة العديدة حول استغلال البرجوازية للشعارات الجمهورية من أجل الخداع السياسي والنهب المالي عن إجبار الاشتراكيين الديمقراطيين على التنكر لنزعتهم الجمهورية ” [الثورة الاشتراكية وحق الأمم في تقرير مصيرها، لينين مختارات جزء 6، دار التقدم 1977 ص43]. يجب أن يكد الاشتراكيون من أجل بناء بدائل للتصادم بين الفاعلين الإمبرياليين الغربيين وبعض النخب الوطنية الأويغورية، مع مواصلة تركيز مطالب تقرير المصير الذاتي للأويغور في سياق هذا النضال الجماهيري.

كيف يمكن للاشتراكيين أن يسهموا في هذا النهوض المستمر للوعي السياسي الجماهيري؟ نحيي جهود باقي التشكيلات الاشتراكية والمناهضة للرأسمالية لإبراز تضامنها مع المتظاهرين، ونؤكد التزامنا بالإسهام في بناء حركة اجتماعية تعددية. نقوم، بصفتنا اشتراكيين ثوريين، بكل ما في الوسع كي نتعلم من دروس كل أوجه حركة جماهيرية بالمشاركة في النضال، وكي نقوم باستخلاص تركيب لتلك الدروس. موقفنا واضح: لا يمكن للرأسمالية البيروقراطية المستبدة، وكذا للديمقراطية البرجوازية، أن تحقق كفاية الحقوق الديمقراطية الأساسية. المطلوب نظام تعددية حزبية، مكون ديمقراطيا من منظمات شغيلة ونساء وغيرها من منظمات الطبقة العاملة والشعوب المهمشة، في إطار برنامج مناهض للرأسمالية عريض. رغم أننا نشجع دور المنظمات الاشتراكية للمساعدة على الدفاع عن هذه الأفكار، لا نسعى إلى المشاركة من أجل التحكم أو من أجل استقطاب منتسبين فقط أو محاولة الاستعاضة عن النشاط الذاتي واستقلال الحركة الجماهيرية.

المهمة الأشد إلحاحا هي مساندة الحركات الجماهيرية، وتمكينها من وسائل المطالبة بحقوقها الديمقراطية الأساسية، أي إلغاء ما يمس بحريات التعبير والاجتماع والتنظيم الذاتي الأساسية. ونحن متفقون بوجه خاص مع روح مطالب بينغ بيفا Peng Lifa، المرفوعة بشجاعة على جسر سيتونغ Sitong في بيكين أياما قبل مؤتمر الحزب الشيوعي في أكتوبر الماضي. دعا بينغ إلى عمل جماهيري مستقل لكل قطاعات المجتمع المدني للمطالبة بالاقتراع العام وبإلغاء نظام شي جين بينغ الدكتاتوري. بيد أننا نرى أن نظاما برلمانيا برجوازيا، حيث تبقى العلاقات الطبقية الأساسية للمجتمع على حالها، لن يساعد على رؤية حقيقية لنظام ديمقراطي قائم على إعادة التوزيع الاقتصادية وإصلاح منظومي جذري، بل سيحد عمليا من ذلك.

هكذا، نجدد مساندتنا للمطالب التالية لاشتراكيي هونغ كونغ والصين، على القارة وبالخارج:

  1. إلغاء الحجر الصحي الراهن الذي يحبس قسرا الأشخاص في البيت، حارما إياهم من الحاجات الأساسية.
  2. إلغاء إجبارية اختبارات PCR لكوفيد 19 .
  3. تمكين الأشخاص المصابين من اعتزال بالبيت، بينما يحق لذوي الإصابات الخطيرة العلاج في المستشفى، وإلغاء الترحيل القسري وعزل المصابين وغير المصابين في “مستشفيات” ليست سوى مراكز حجز مؤقتة.
  4. إتاحة إمكان الاختيار بين لقاحات عديدة، بما يمنح الأفراد حق اختيار علاجاتهم الصحية الخاصة.
  5. إطلاق سراح متظاهري جسر سيتونغ ، Peng Zaizhou وسواه من المعتقلين السياسيين منذ انطلاق المظاهرات.
  6. الدعوة إلى حداد وطني على وفاة الأشخاص بسبب تدابير الحجر الصحي غير المسؤولة.
  7. ضمان استقالة البيروقراطيين المسؤولين عن إساءة تدبير الجائحة.
  8. يجب أن يؤمن إجراءات مراقبة الجائحة خبراء طبيون وأن تطبق باحترام الديمقراطية.
  9. حماية حقوق الأشخاص في التعبير والاجتماع والتنظيم والتظاهر.
  10. مساندة سيادة واستقلال العمال في تلك المظاهرات وما بعدها، وإلغاء الممارسات المناهضة للعمال من قبيل توقيت العمل “996” (من التاسعة صباحا حتى التاسعة ليلا ستة أيام في الأسبوع) وتعزيز الحق في العمل، بما فيه حماية حق الإضراب وتنظيم العمال الذاتي كي يتمكنوا من مشاركة أوسع في الحياة السياسية.
  11. تسعى هذه المطالب إلى إيصال وتركيب الصياغات الأكثر تقدمية للمطالب في ساحة النضال، مع إتاحة إمكان بلورة نقد أعمق للنظام السياسي الصيني: لا يمكن انجاز حقيقي لهذه المطالب من أجل الديمقراطية سوى بإسقاط النظام الرأسمالي الذي يستمد منه النظام الصيني المستبد سلطته. تتمثل مهمة الاشتراكيين في مواصلة المشاركة في تلك التعبئات، مع السعي إلى وسائل جديدة لربط برنامج حد أدنى للإصلاحات الديمقراطية والاشتراكية الثورية. في ضوء الأزمة المناخية الراهنة، المفاقمة بفعل الصراع بين الإمبرياليتين الأمريكية والصينية، نرى أن الترياق هو الاشتراكية البيئية، التي تركز على مقدرة الشعوب اليومية على التنظيم الديمقراطي والجماعي للإنتاج، ولحياتها الخاصة ولكيفية تسيير المجتمع. لن يكون هذا ممكنا دون حركة جماهيرية قوية ومستقلة في الصين وفي سائر العالم.

تضامننا مع الشعب الصيني، ومنه سائر المجموعات العرقية غير الهان التي تعيش في الأراضي المحتلة في شينجيانغ.

22 دجنبر  2022

 

شارك المقالة

اقرأ أيضا