الأزمة النيبالية بالغة الحدة وسياقها الإقليمي
بقلم روسيه بيير Pierre Rousset
كانت بضعة أيام كافية لينقلب الوضع بعنف في نيبال، مفضيا إلى اندلاع أعمال تمرد عنيفة، قبل أن تؤدي استقالة حكومة أولي وتعيين المختصة في القانون سوشيلا كاركي رئيسة وزراء مؤقتة إلى عودة الهدوء، فيما السلطة الفعلية في أيدي الجيش. وقد سبقت انفجار برميل البارود النيبالي وتبعته حركات شعبية بحجم نادر في المنطقة. وغالبًا ما كانت تحت راية مكافحة الفساد ، بدفع من الغضب من غطرسة الأوليغارشيات.
تبدو الأزمة النيبالية كأنها صدى بعيد للزلزال الاجتماعي الذي كان مركزه إندونيسيا. ”المجتمع المدني“ نشط للغاية في هذا البلد، مستخدما شبكات التواصل الاجتماعي للاستعلام المستمر عن الأحداث الجارية في هذا الأرخبيل الشاسع (280 مليون نسمة). رقص النواب، في متم أغسطس، بعد أن منحوا أنفسهم تعويضات سكنية كبيرة. انتشر مقطع فيديو هذا المشهد غير اللائق بشكل واسع. فكان شرارة إشعال حركة مكافحة الفساد في العاصمة جاكرتا. وقد أعطت وفاة سائق دراجة توصيل، أفان كورنياوان، 21 عاماً، صدمته مركبة مدرعة للشرطة، دفعة إضافية للاحتجاج الذي امتد إلى أكثر من مائة مركز حضري. وأُحرقت مبانٍ حكومية ومساكن بعض الشخصيات السياسية البارزة في السياسة القمعية. شمل العصيان جملة واسعة من القضايا، مثل التفاوتات الإقليمية والفقر والتخفيضات في ميزانيات الصحة والتعليم وخطر العسكرة: الرئيس برابوو سوبيانتو هو جنرال له ماضٍ قمعي ثقيل ويمنح حالياً صلاحيات جديدة للجيش. كانت القمع شديداً: قتلى ومفقودون والعديد من الجرحى والسجناء… اتخذ النظام بعض الإجراءات المؤقتة في مواجهة الغضب الشعبي، لكنه يتشدد حالياً ويندد بالمتظاهرين باعتبارهم ”خونة للأمة“.
وفي نيبال، كان حظر شبكات التواصل الاجتماعي، مثل WhatsApp وMessenger، الشرارة التي أشعلت انفجاراً اجتماعياً عاماً، غذته دوامة القمع والتطرف. مدفوعين بالفقر وانعدام الآفاق المستقبلية للشباب، هاجر عدد كبير من النيباليين والنيباليات (حوالي 7.5٪ من السكان). لا غنى عن هذه الشبكات الاجتماعية كي يتمكن الأقارب من البقاء على اتصال، ولتصل الأموال التي يرسلها المغتربون إلى العائلات التي بقيت في البلد. علاوة على ذلك، تعتمد عليها أيضًا العديد من الشركات الصغيرة والمتوسطة. لذا، فإن استخدامها أمر حيوي للسكان، وهو ما لا يمكن للسلطة تجاهله. أطلقت قوات ما يسمى بـ”قوات الأمن“ النار من أجل قمع الاحتجاجات في مهدها، ما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 19 شخصًا (من بينهم تلاميذ وتلميذات كانوا في طريقهم إلى المدرسة بزيهم المدرسي). في غضون يومي، 8 و9 سبتمبر، انزلق البلد إلى عنف شديد. أُحرقت العديد من المباني، بما في ذلك الفنادق، ولقيت زوجة أحد الوزراء حتفها بعد أن أُحرقت حية. اشتعلت النيران في القصر الرئاسي ومنازل الشخصيات البارزة والبرلمان وسينغا دوربار (مجمع يضم العديد من الإدارات ومعظم الوزارات) ومقرات المحكمة العليا في كاتماندو والمحكمة العليا (مع أرشيفاتها، في بلد لم يتم رقمنتها). أعلن الجيش حظر التجول وفرض سيطرته.
لم يعد ملك أو جنرال من يحكم نيبال، بل تحالف تقوده… أحزاب شيوعية. كانت انتفاضة 2006-2008 قد أنهت الملكية الدستورية (تمت إطاحة الملكية المطلقة في 1990)، ثم أقيمت جمهورية – وتم تحويل القصر الملكي إلى متحف. بعد تخليها عن الكفاح المسلح، توالت على الحكم أحزاب شيوعية مختلفة، ذات مرجعية ماوية، وشكلت تحالفات متغيرة، مع حزب المؤتمر أو بدونه. كان ك.ب. أولي، رئيس الوزراء وقت اندلاع أعمال الشغب، يُصنف على أنه ”شيوعي“ (وقد تميز في عام 2020 بمحاولته حل البرلمان). حال الانقسام إلى فصائل سياسية دون استقرار الحكومة. وفي غياب سياسة إصلاحات جذرية قادرة على الحفاظ على الدينامية الشعبية، اندمج جهاز قيادة مختلف الأحزاب الشيوعية النيبالية في الأوليغارشية السائدة. كانت تلك عملية احتواء كلاسيكية إلى حد ما، جرى تبريرها في نيبال ببرنامج يؤكد على ضرورة التحالف مع ”البرجوازية الوطنية“. أصبحت الأزمة السياسية واضحة عندما خسرت الأحزاب الشيوعية الانتخابات البلدية في كاتماندو (العاصمة) في عام 2022، لصالح مرشح مستقل، بالين شاه (مغني راب ومهندس إنشائي أصبح سياسيًا).
يبلغ عدد سكان نيبال حوالي 30 مليون نسمة. وهي معروفة بكونها دولة هيمالاوية (تضم ثمانية من عشرة أعلى جبال في العالم)، لكن قسما من سكانها يعيش في وادي نهر الغانج، عرضة تقليديًا للتهميش من قبل السلطة المركزية. إنها دولة شديدة التعقيد، متعددة الأعراق، متعددة اللغات (اللغة الرسمية هي النيبالية)، متعددة الأديان، متعددة الثقافات، وتضم العديد من الفئات المغلقة Castes. و تقع على حدود الصين والهند. سلسلة جبال الهيمالايا مسرح لتوترات حدودية. ;يؤدي الاحتباس الحراريK وذوبان الأنهار الجليديةK إلى تكوين بحيرات مؤقتة قد تدمر الوديان، ويصبح التحكم في المياه، هنا أيضًا، قضية جيوسياسية رئيسية. حاول النظام التفاوض على توازن في علاقاته مع جارتيه الكبيرتين، الصين والهند، دون نجاح يذكر. ويمكن للمعارضة الداخلية، مثل الملكيين، أن تبحث عن حلفاء في جنوب آسيا. ويمكن للمتطرفين الهندوس، المرتبطين برئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، أن يتذرعوا بالدفاع عن السكان الهندوس في الأراضي المنخفضة، الذين يتعرضون بالفعل للتمييز.
وقد أسهم تعيين المختصة في القانون، سوشيلا كاركي، رئيسة وزراء مؤقتة في عودة الهدوء، مع أن الجيش هو هو الماسك الفعلي بالسلطة. وتحظى كاركي بسمعة طيبة في النزاهة تعود إلى الفترة التي كانت فيها عضوا في المحكمة العليا. ومع ذلك، تشهد العديد من بلدان المنطقة (وغيرها من بلدان العالم!) أزمات نظامية: الإطاحة براجاباكسا في سريلانكا عام 2002، والإطاحة بشيخة حسينة في بنغلاديش عام 2024، والثورة الشعبية هذا العام في إندونيسيا، والتعبئة واسعة النطاق لمكافحة الفساد الجارية في الفلبين…
التضامن وصعوباته
تجري متابعة الأحداث النيبالية عن كثب في جميع أنحاء المنطقة. سرعان ما أبدت الحركات التقدمية تضامنها مع الشباب والطبقات الشعبية النيبالية. كان ذلك بشكل خاص بالنسبة للمنظمات الشقيقة للحزب الوطني النيبالي في آسيا التي أطلقت نداءات في هذا الاتجاه [1]. لكن تنظيم هذه التضامن واجه عدة صعوبات:
- كانت الروابط التاريخية التي نسجت في الماضي مع الحركات التقدمية النيبالية تتعلق في الغالب بالأحزاب الشيوعية وهيئاتها النقابية أو الفلاحية، التي كان استيلاؤها على السلطة للأسف استيلاء للسلطة على هذه المنظمات .
- ” اعترفت الشخصيات“ التي تمثل الشباب المتحرك ضد الفساد، ما يُعرف بـ”الجيل Z“، بأنها كانت متجاوزة كليا بفعل الاندفاع الشعبي في يومي أعمال الشغب، حيث كان حجم وطبيعة العنف الشديد غير قابلين للتبرير. ونرى هنا، للأسف مرة أخرى، الضعف السياسي والتنظيمي لـ ”الجيل Z“ أو ”المجتمع المدني“ النيبالي.
- تظل ثمة مجهولات عديدة حول ما حدث في 8 و9 سبتمبر. تعبّر ”الأحداث“ قبل كل شيء عن حجم الأزمة الاجتماعية والاقتصادية والديمقراطية السائدة في البلد. إن تمردا بهذا الحجم ليس نتاج ”مؤامرة أجنبية“. ومع ذلك، فقد تمكنت بعض الأطراف الوطنية (الملكيون…) والدولية (الهندوس، الدول…) من تأجيج النيران.
- يبدو أن ما هو مطروح على جدول الأعمال هو إعادة تشكيل عامة لليسار السياسي والاجتماعي، وهي عملية لا يمكن أن تكون، في رأيي، سوى طويلة، ويمكن للقوى التقدمية في المنطقة أن تساعد فيها بشكل أكبر.
ومع ذلك، فإن نيبال تفرض نفسها على جدول أعمالنا الدولي: وهي مسألة يجب متابعتها، للأفضل، كما نأمل.
المصدر:
https://www.europe-solidaire.org/spip.php?article76392
اقرأ أيضا