افتتاحية شهرية؛ المناضل-ة عدد 84 اكتوبر 2025

الافتتاحية, سياسة22 أكتوبر، 2025

ينزل قسم من شباب وشابات المغرب للاحتجاج منذ يوم 27 شتنبر في مختلف المدن الكبرى الرئيسية، ويتحدى المحتجون/ات القمع بإصرار. تمثل هاته الأيام الاحتجاجية  أول نضال شبابي وطني موحد بمطالب اجتماعية واقتصادية غير فئوية أو مناطقية منذ حراك 20 فبراير 2011.

لم تستهن الدولة بالحراك، وأنزلت ترسانة كثيفة لقمع الاحتجاجات، وحركت كل أجهزتها لتفادي امتداد الشرارة إلى مواقع أخرى. وعملت على الحيلولة دون تجمع المحتجين في كل بؤر الاحتجاج المعلنة، وقامت باعتقالات واسعة بهدفين اثنين: إشاعة أجواء التخويف لوأد الدينامية في مهدها، والقيام بتحديث بنك معلوماتها ليشمل هذا الجيل الجديد من الغاضبين/ات الذين واللواتي لم تنجح خطابات الدولة الاستعراضية، المرافقة لتنظيمها كبريات التظاهرات الرياضية والفنية وما تستلزمه من بنية تحتية وأموال باهظة، في تجنيدهم وراءها وتحييدهم عن كل نضال.

لقد اخضعت البورجوازية المحلية، في سعيها لتعظيم أرباحها وتثبيت هيمنتها، البلاد لمصالح الرأسمال الأجنبي من خلال آليات المديونية والتبادل الحر والخوصصة بمختلف أشكالها. وتم تكثيف استغلال الشغيلة في الضيعات والمعامل والوظيفة العمومية وغيرها من قطاعات الدولة، من خلال إطالة يوم العمل وتجميد الأجور الحقيقية، وتم تخريب القطاعات العمومية من تعليم وصحة لفائدة الرأسمال الأجنبي والمحلي، فيما تستمر معاناة مناطق مهملة في العالم القروي وشبه الحضري مع أساسيات العيش الأولية نظير الماء الشروب وخدمات الصحة والتعليم والطرق والأنترنت… بينما تعيش الشبيبة العمالية والشعبية ظروف عمل ودراسة قاسية وآفاقا مظلمة، تجعل أقساما منها تفضل الموت على شواطئ مدينة سبتة المحتلة على العيش في ظل مغرب المونديال فيما تغرق أقسام أخرى في مجاهل المخدرات والسقوط في شبكات الاتجار بالبشر. في المقابل أضحى البذخ الذي تعيشه الأقلية البورجوازية ظاهرا أكثر فأكثر وعاملا يستفز جمهور المفقرين/ت خاصة الشباب منهم. في حين تستمر القبضة القمعية لدولة البورجوازية، في فضح حقيقة ادعاءاتها الديموقراطية، حيث يتم إحكام غلق المجال الإعلامي ويستمر التضييق على منظمات النضال الشعبي، بينما أضحى قانون الإضراب سيفا مسلطا جديدا على رقاب العاملات والعمال ومنظماتهم.

حفزت هاته الأوضاع اندلاع نضالات شعبية عديدة، أحدثها في مناطق قروية بالأطلس الكبير كان أكبرها مسيرة آيت بوكماز بمطالب حول الصحة والتعليم وفك العزلة الطرقية والرقمية، وسارت على منوالها عدة مناطق في أزيلال وبني ملال وتبعتها شرارة نضال بأكادير ضد وضعية الخدمات الصحية بالمستشفيات العمومية انتقلت إلى عدة مناطق، وانتفضت مناطق عدة ضد العطش، فيما بينت جنازة الزفزافي الأب أن جذوة حراك الريف لا تزال متقدة تحت رماد القمع الشرس.

لا يمكن فصل الوضع بالمغرب عن الوضع الدولي والإقليمي. فالوضع العالمي يتسم بأزمة اقتصادية وأزمة مديونية وأزمة مناخية مستحكمة، من نتائجها تدهور نسبي ومتفاوت في أوضاع الشغيلة وصغار المنتجين على المستوى العالمي وداخل كل بلد.  كما يتميز هذا الوضع باحتداد الصراع الامبريالي على الموارد الطبيعية والأسواق بين قوى رأسمالية صاعدة، على رأسها الصين وأخرى متراجعة وفي طليعتها الولايات المتحدة، وما تنامي النزعة العسكرية والحروب في فلسطين وأوكرانيا والسودان … إلا تعبير على ذلك.

هذه الأزمة الرأسمالية الشاملة، تتميز بصعود اليمين الفاشي وبالهجوم على منظمات النضال العمالية والشعبية، وبالتضييق على الحريات النقابية. يستثير هذا الوضع مقاومات عمالية وشعبية على المستوى العالمي وعلى مستوى كل بلد، أضحى الجيل الحالي ينخرط فيها بمبادرات نوعية يمثلها حراك جيل زد، نظير الاحتجاجات المناهضة لحرب الإبادة التي تشنها الدولة الصهيونية بتواطئ امبريالي ضد شعب فلسطين وغيره من شعوب المنطقة، والإضرابات العمالية التي شهدتها العديد من البلدان دفاعا عن مصالح الطبقة العاملة ومكاسبها، التي تبقى دفاعية في مجملها، في غياب سند قوي لمشروع تغيير اجتماعي وسياسي يتجاوز نظام الاستغلال الرأسمالي والسيطرة الإمبريالية نحو نظام يضمن القضاء على الاستغلال ويعمم السلام والتعاون بين الشعوب ويحافظ على البيئة.

هو ذا السياق الذي يندرج فيه النضال الشبيبي الحالي بالمغرب، لقد أدرك الشباب، المستأنس بمبادرات شبيهة، أنه لا سبيل أمامه، وأمام شعبنا، غير النضال الميداني في الشوارع والساحات. وسيدرك مع توالي النضالات واتساعها حاجته إلى بناء أدوات نضال في أماكن العمل والسكن والدراسة، تنقل نضالات الشارع إلى مستوى القدرة على شل مجتمع الاستغلال والقهر وتحول دون استثمار القوى الرجعية للنضالات الشبابية والشعبية، كما سيتم في سيرورة النضال إدراك الحاجة إلى منظومة مطالب ستصطدم لا محالة بحدود نظام الرأسمالية التابعة القائم، ما قد يفضي لضرورة تبني برنامج معاد لنظام الاستغلال والاضطهاد: الرأسمالية.

 إننا في تيار المناضل-ة ، نؤمن أن وحده النضال الجماهيري، والمستند على أدوات طبقية ديموقراطية من لجان وتنسيقيات ونقابات قاعدية، والمتوجه نحو بناء حزب عمالي يذود على مصالح العاملات والعمال ويلف حوله صغار المنتجين والنساء والشباب، هو القادر على الذهاب إلى سيرورة نضال شامل ضد عدونا الطبقي ويفتح لنا الطريق لبناء مجتمع بديل يلبي حاجياتنا الاقتصادية والاجتماعية ويؤمن أوسع ديموقراطية: مجتمع المنتجين المتشاركين الأحرار.

لنكن واقعيين فلنطلب المستحيل

شارك المقالة

اقرأ أيضا