الوضع السياسي الراهن ومهام الماركسيين الثوريين

سياسة8 نوفمبر، 2025

بقلم، المناضل-ة

أنهت الملكية خلال تسعينيات القرن الماضي عقودا كان فيها الوضع السياسي بالمغرب مطبوعا بصراع بين طرفين، أولهما ملكية متمسكة بسُلُطاتها كحاكم أوحد، ومن جهة أخرى معارضة بورجوازية تتطلع لتقاسم الحكم مع الملك. جربت تلك المعارضة التاريخية طريق المساومات، وانخرط بعضها في المؤامرات، وأْدمَنتْ التحذيرات، واضطرت إلى خوض نضالات متحكم فيها من فوق حتى لا تتجاوز حدودا تُهدد سيطرة الطبقات المالكة التي هي جزء منها. انتهت تلك المعارضة البرجوازية إلى الاستسلام والتخلي نهائيا عن أوهامها في سياق التحولات العالمية ما بعد انهيار نظام “القطبين”. وهو الانهيار الذي حفز النظام الملكي على القيام بمحاولات التكيف مع التطورات التي عرفها عالم بداية تسعينات القرن العشرين، وهو نزوع نحو التكيف ميز سلوكه طيلة نصف القرن الماضي، رغم أن جزء من اليساريين يصرون على إنكار مقدرته على ذلك، مسقطين رغبتهم في أن يروا نظاما غير قادر على الاستمرار والتكيف مع واقع مادي يتغير بشكل دائم. لا يمكن لنظام سيطرة طبقية أن يظل راكدا مادام أنه بذاته نتيجة واقع مادي ما انفك يتغير. علينا التساؤل عن ماذا تغير في نظام السيطرة الطبقية؟ بالشكل الذي سمح له بالاستمرار والتطور وفرض الاستسلام على الجزء الأكبر من معارضيه.

سيطرة امبريالية تدخل البلد عصر الرأسمالية التابعة

فرضت الملكية “المخزنية التقليدية” سيطرتها الاقتصادية عبر الاستحواذ على ملكية الأرض مباشرة أو/و عبر وكلاء، ونهب جزء من الفوائض المنتجة أساسا في الفلاحة، وعبر فرض الضرائب على القبائل والأسواق، واحتكارها التجارة الخارجية. لم يكن هناك فصل بين مالية السلطان والخزينة العامة، وكانت الدوائر العليا من رجالات الجهاز تتكون من برجوازية حضرية تجارية ومثقفين تقليديين، فيما كان كبار الملاك يمثلون جهازا موازيا للمخزن التقليدي المركزي، يحكمون في المناطق التي يهيمنون عليها، بمباركة المخزن، لكنهم يتعرضون للنهب والبطش حسب أوضاع السلطة المركزية الاقتصادية والتحولات السياسية، فلا ضمانة إلا رضى المستبد الأكبر. تلك كانت القاعدة المادية لحكمها الاستبدادي المطلق، أما اللحمة الايديولوجية فيوفرها الشرع الديني. هذا الاستبداد الملكي المطلق لم يحده إلا ضعف أداوت القوة المتاحة للدولة حينها، ومدى قدرتها على فرض السيطرة الدائمة على التنظيمات القبلية.

أدت السيطرة الامبريالية إلى فرض علاقات الانتاج الرأسمالي حيث دمرت بشكل كبير العلاقات ما قبل الرأسمالية دون أن تقضي عليها كليا. خلق الاستعمار جهاز دولة حديث ووضع تشريعات همت مختلف المجالات. انتهى الاستعمار المباشر وقد أصبح المغرب بلدا رأسماليا تابعا بشكل عميق للمتروبول عبر أواصر تغطي مختلف أوجه النشاط الاقتصادي ومستويات القرار السياسي، وتسلم النظام الملكي دفة الحكم، مع وجود نخب سياسية برجوازية صاعدة لها طموحات لتقاسم السلطة مع المَلكية، طموح كان أكثر أوجهه جذرية: حلم ملكية تسود ولا تحكم، ،وعبرت عن ذلك في تشكل معارضة برجوازية ليبرالية، ولاحقا معارضة ديمقراطية، استند أساس معارضتها للنظام الملكي، على اعتباره عائقا أمام التطور الرأسمالي، وكون إغراقه في الرجعية يمثل عائقا أمام بناء ديمقراطية برجوازية ليبرالية، وبأنه نظام عتيق قائم على نهب الدولة والاستثمار الريعي غير المنتج، وأن الملكية، التي تعتبرها شكلا وحيدا ممكنا لحكم المغرب، تجازف بنسف أسسها ويجب نصحها وتحذيرها والضغط عليها حينا لدفعها لكي تعي مصلحتها البعيدة.

إن رصد ربع قرن الأخير من سياسة النظام واندماجه السريع في السياسة النيوليبرالية، تبين أنه قام بتحولات من فوق كمخرج من أزمة انحباس تاريخي بلغ ذروته في السنوات الأخيرة لحكم الحسن الثاني التي وصفها بدقة وشبهها ب”السكتة القلبية”.

نظام يتقن التكيف

تخلصت الملكية من إرث جرائمها الثقيل ونظفت مسرح جريمتها محققة مكاسب سياسية بأقل كلفة. حيث فرضت منطقها في معالجة ملف الانتهاكات الجسيمة للحقوق الإنسانية وفي قضايا الأمازيغية ومطالب الحركة النسائية وحركة المطالبة بالتعديل الدستوري المتضمن حكومة من الأغلبية البرلمانية برئاسة وزير أول، والتخلي عن التزوير الفج للنتائج الانتخابية، وجرى توسيع نسبي لحريات الصحافة والاحتجاج، والتخلص من بعض مظاهر الخنق التي تمارسها أجهزة الدولة في الحياة اليومية، وكما تم التوقيع على عدد من المعاهدات والاتفاقات الدولية…الخ ، سمح ذلك كله للملكية  بتحويل ما كان يمثل نقاط ضعفها ومنطلقا لمعارضة متعدِدة الروافد، لنقاط قوة جددت به قاعدة الدعم السياسي لنظامها، ما مكنها من التفرغ، وفق منطق سياسات المؤسسات المالية، لمعالجة القنبلة الاجتماعية التي خلفتها سنوات من نهب بشع للبلد، وفاقمها التوغل في تطبيق سياسة نيوليبرالية تهدد بتدمير أحد مرتكزات النظام أي المس بقاعدة مستفيدة من خدمات عمومية.

قادت الملكية سياسة الاندماج في النيوليبرالية بحماس منذ 1995. وتم توقيع عشرات المعاهدات التجارية واتفاقيات الشراكات مع مختلف بلدان العالم. وشكل توقيع اتفاقية الشراكة المتقدمة مع الإتحاد الأوربي واتفاقية الشراكة مع الولايات المتحدة علامات دالة عن التحول الجاري.

إن هاته الملكية الحاكمة التي تكرس نظاما محافظا، معتبرا من قبل المعارضة البورجوازية بأنه عقبة أمام التوسع الرأسمالي، أصبحت نفسها قائدة تمدده الواسع داخليا وقاريا. و دفعت بسياستها نحو إزالة العقبات أمام الرأسمال الإمبريالي والمحلي الكبير وأرغم الجميع على التكيف مع التحولات الجارفة. أضحت الملكية تستند على دعم الطبقات البرجوازية المستفيدة من التوسع الرأسمالي المدعم بالمالية العمومية. هذه الطبقات البرجوازية مطمئنة لدور الملكية وتعتبرها الضامن لفرض الاستقرار السياسي وانضباط الطبقة العاملة. وفي المحصلة لم تعد من قوة برجوازية وازنة معارضة للملكية حاليا باستثناء جزء من المعارضة الاسلامية.

طبقة برجوازية مستظلة بحكم ملكية مطلقة تحكم باسمها وبالنيابة عنها

توجد العائلة الملكية، في أعلى قمة البرجوازية الكبيرة المتحالفة مع الامبريالية. لقد راكمت ثروة بعد عقود من فائض الأرباح الاحتكارية “الاستبدادية” وباتت تتوسع في استثماراتها خارجيا. وبالتالي فاندماجها في النيوليبرالية لا يفسر بعمالتها المفترضة فقط، بل بمصالحها المادية، أي بنمو قوتها الاقتصادية التي ترى في النيوليبرالية فرصة لتمدد أنشطتها الاقتصادية أبعد من الحدود الوطنية.

تتكون البورجوازية الكبيرة غالبا من أسر تقليدية قريبة من الملكية وتشاركها الأعمال، معظمها بدأ أعماله في ظل الاستعمار المباشر وبعضها بعده بدعم من الملكية. تسيطر البرجوازية الكبيرة على القطاع المالي (الابناك والتأمينات)، وعلى قطاع المناجم، وإنتاج الطاقة والمنشئات الكبرى (السدود، تحلية المياه، الطرق، الموانئ..الخ) واحتكار بعض المواد المرتفعة الربحية كاستيراد وتوزيع المحروقات والأدوية …الخ.

هناك أقسام برجوازية متوسطة تشتغل كمقاولات من الباطن او في قطاعات أقل ربحية وبقاؤها مرتبط بتبعيتها السياسية والاقتصادية ازاء الملكية وللشركات الكبرى المهيمنة. أحيانا يكون مصيرها السحق لأسباب سياسية أو اقتصادية. عرفت الطبقة البرجوازية توسعا كبيرا في عددها واتسعت مجالات اغتنائها بدفع من الاستثمار العمومي الكبير، وبسبب التبادل الاقتصادي والتجاري مع الخارج. للملكية الحاكمة صلاحيات واسعة لكنها ليست مطلقة كما في القرون الماضية. إنها تحكم دفاعا عن المصالح التاريخية للبرجوازية الكبيرة وتشرك أقساما من هذه الأخيرة في إدارة الدولة لكن تحت اشرافها.

التكيف مع النيوليبرالية والاعتماد عليها لتعظيم الأرباح والدور السياسي والاقتصادي

إن الاقتصاد المغربي اقتصاد رأسمالي تبعي منذ عهد الاستعمار المباشر، والتحولات الجارية منذ ربع قرن هي إعادة تحديد لنمط تلك التبعية في سياق عالمي جديد. وأهم مميزات هذا التحول هو السعي للتكيف مع النموذج النيوليبرالي وإعادة “تموقع” في محاولة للاستفادة من التنافس الامبريالي للسيطرة على الأسواق وأساسا على افريقيا.

لقد عملت الملكية الحاكمة خلال ربع قرن الماضي على إعادة هيكلة شاملة للاقتصاد وتهيئة “مناخ الأعمال” ليلبي حاجيات الرأسمال الخاص. تطلب مسلسل الاندماج في النموذج النيوليبرالي القيام بحزمة من السياسات، أهمها التحرير الاقتصادي بمعناه النيولبرالي ومخطط خوصصة شامل، واستقلالية متزايدة للبنك المركزي، وتم وضع خطة لتحرير صرف العملة الوطنية، ووضع قانون تنظيمي جديد للمالية وتشريعات قانونية أخرى عديدة..الخ. أما في العقد الأخير فالملكية الحاكمة تركز على إعادة التموقع في الإستراتيجية الإمبريالية الجارية في سياق اشتداد التنافس للسيطرة على إفريقيا.

ظلت الملكية حليفا خاضعا للمعسكر الرأسمالي الغربي خلال التنافس بين القطبين. وقدمت نفسها دوما كقطعة في معسكر إقليمي معارض للنزعات التحررية القومية، وأبقت على علاقات دائمة مع الكيان الصهيوني. بعدها أصبحت حليفا متحمسا في حلف محاربة الإرهاب باعتباره الذريعة الإمبريالية الجديدة لغزو العالم.

منح الاضطراب العظيم الذي عرفته منطقتنا، خلال زلزال السيرورة الثورية، فرصة ذهبية للنظام الملكي ليبرهن عن قدرة تكيف مرن، سمحت له بتجنب الهزة الثورية بمناورة سياسية وبمساعدة البرجوازية التاريخية والقيادات النقابية في ظل غياب الوجود السياسي للطبقة العاملة. يستثمر النظام في الاستقرار السياسي، أي في قدرته على الحكم دون أخطار كبيرة، لينتزع الاعتراف من الامبريالية كشريك موثوق، وترجم ذلك بتوليته مركزا محوريا قاريا في الإستراتيجية الإمبريالية الجاري تطبيقها.

قام النظام الملكي، بالإضافة إلى 1الاستقرار السياسي المشار إليه، بتشييد بنيات تحتية لوجستيكية كبيرة (موانئ، مطارات، طرق سيارة، سكك حديدية، مناطق صناعية مجهزة، تحديث وسائل النقل، بنيات التواصل الرقمي..الخ)، مضافا إليها تغيير شامل للترسانة القانونية (القانون التجاري، وقانون الاستثمار، ومدونة الضرائب، وقانون الصرف، ومدونة الشغل، والقانون الجنائي…الخ). الهدف من تلك البنية القانونية والتحتية المكلفة توفير المنطلقات الضرورية لجعل البلد منصة وبوابة الإمبريالية نحو افريقيا.

ساهمت جائحة كوفيد19 في خدمة إستراتيجية الملكية المشار إليها أعلاه. فقد أجبر انقطاع سلسلة التوريد، أثناء الحظر الصحي، الإمبريالية على وضع إستراتيجية تنويع مصادر حاجيتها، وعدم الارتهان بمصدر وحيد. تبتغي الملكية نيل حصتها من إعادة توجيه الاستثمار الإمبريالي، سواء التوطين الصناعي أو إنتاج الطاقة أو اللوجستيك.

اندفعت الملكية بسرعة أكبر في سياسة اندماجها النيوليبرالي في سعيها للاستفادة من الاستراتيجية الامبريالية للسيطرة على افريقيا. سيشكل تنظيم كأس العالم 2030 موعدا تريده تتويجا لهذا المسار ونقطة فاصلة لتحقيق هذا الهدف.

ازدهار أعمال البورجوازية الكبيرة

قامت البرجوازية الكبيرة بمخطط إعادة هيكلة تعيد تموقعها وتعزز حصتها في السوق المحلية واتبعت سياسة انتشار قاري. في هذا السياق يأتي استحواذ مجموعة “هولماركوم” المملوكة لعائلة بن صالح عبر “هولدينغ Holmarcom Finance Company “وفرعها “أطلنتا سند للتأمين” على 78 % من أسهم” المجموعة المصرفية الفرنسية” Crédit Agricole” عبر فرعها “مصرف المغرب”.

تنشط مجموعة “هولماركوم” في أربع مجالات كبرى: التمويل والصناعات الغذائية واللوجستيك والعقار، ويمتد نشاطها إلى خارج المغرب في عدد من الدول الإفريقية: السنغال والبنين وكوت ديفوار وبوركينا فاسو وكينيا.

كما استحوذت الشركة المغربية “مناجم” فرع مجموعة “مدى” التابعة للقصر الملكي على غالبية أسهم فرع الشركة البريطانية “ساوند إنرجي” المستثمرة في مجال التنقيب عن الغاز الطبيعي مقابل 12 مليون دولار أمريكي، بحيث تمتلك 55 % من مشروع “تندرارة”، على أن تذهب 20%من الأصول لشركة “Sound EnergyMeridja Ltd”، ويظل المكتب الوطني للهيدروكاربورات والمعادن بدوره حائزا على 25% من المشروع.

اقتنت مجموعة “سهام فايننس”، المملوكة لوزير الصناعة والتجارة السابق مولاي حفيظ العلمي، على مجموعة “الشركة العامة” المغرب، من خلال السماح باقتناء الطرف الأول نسبة 57.67 % من رأسمال الطرف الثاني، وحقوق التصويت المرتبطة به، وكذلك الأمر بالنسبة إلى “سهام أوريزون”، التي حصلت على ترخيص باقتناء نسبة 50.98 في المئة من رأسمال “المغربية للتأمين”، الفرع التابع للمجموعة البنكية الشركة العامة. إنها عينة ظاهرة عن تحولات الرأسمال الكبير في سيرورة تكيف مع التغيرات العالمية والإقليمية الجارية.

الاستثمار العمومي: رافعة لخدمة أهداف الرأسمال الكبير المحلي والعالمي

يشكل الاستثمار العمومي الضخم ركيزة نشاط الدورة الاقتصادية الرئيسي. وسيبلغ الاستثمار العمومي ذروته مع مشاريع التنظيم المشترك لكأس العالم 2030 وما يتطلبه من مشاريع كبرى في البنية التحتية اللوجستيكية (مطارات-سكك حديثة- موانئ- تهيئة حضرية) ومنشئات رياضية وخدماتية (ملاعب- فنادق- أنترنيت) وصحية ڜ(مستشفيات-مختبرات)…الخ.

تستعد الملكية ليكون كأس العالم فرصة لتكريس المغرب دولة صاعدة في القارة الافريقية، وفرصة لاستقطاب الرساميل الإمبريالية المتنافسة لغزو القارة الافريقية، من هنا يجرى العمل على الانتهاء من تشييد القطب المالي الدولي الدار البيضاء كمنصة مالية عالمية نحو افريقيا.

بلغت مخصصات الاستثمار العمومي في ميزانية 2022 حوالي 245 مليار درهم، بارتفاع يناهز 6.5% مقارنة مع 2021. موزعة كالتالي: ميزانية الدولة بما قدره 89 مليار درهم، والمقاولات والمؤسسات العمومية ب 92 مليار درهم، وصندوق محمد السادس للاستثمار ب 45 مليار درهم، و19 مليار درهم تخصص لفائدة الجماعات الترابية. ارتفع الاستثمار العمومي سنة 2023 إلى 300 مليار درهم، اي بزيادة 55 مليار درهم، وهو الأكبر في تاريخ المغرب. ويعتبر من أعلى معدلات الاستثمار عالميا، حيث بلغ 30% من الناتج الداخلي الخام في مقابل متوسط عالمي لا يتجاوز 25 %.

نسبة الاستثمار العمومي تظل مرتفعة إذ تمثل نسبة 65% من نسبة إجمالي الاستثمار، مقابل متوسط عالمي لا يتعدى 20% (15 بالمائة في تركيا)، كما أن مساهمة الاستثمار العمومي في الناتج الداخلي الخام تناهز 16%، وهي النسبة التي تظل مرتفعة،حتي مقارنة بدول ذات تدخل عمومي مهم (هنغاريا 1%، ورومانيا5.7%). في حين تبلغ قيمة الاستثمار الخاص الوطني 100 مليار درهم سنويا فقط، ويتركز في قطاعات ليس لها الأثر الكافي اجتماعيا واقتصاديا.

(جواب عزيز اخنوش في 10 ماي 2022حول سؤال ” معادلة الاستثمار العمومي والتشغيل”.)

تهدف الدولة إلى “عكس التوزيع الحالي للمجهود الاستثماري ليبلغ الاستثمار الخاص، الذي لا يمثل حاليا سوى ثلث الاستثمار الإجمالي، تلتي الاستثمار الإجمالي في 2035، وخلق نوع من التكافؤ بين الاستثمار العمومي والخاص (50/50) بحلول سنة 2026”

(عزيز أخنوش: في 30 يناير 2023 بمجلس النواب: ” سياسة الحكومة لتحفيز الاستثمار” )

إن البرجوازية تستند على المالية العمومية لتنشيط دورة الاقتصاد ولتنمية أرباحها الضخمة. وتنجرف الى مشاريع مكلفة لصالح الرأسمال الكبير، وتغرق البلد في مديونية عمومية ضخمة تستفيد منها، باعتبارها مقرضة للخزينة ولاحقا ستقتني منها الممتلكات العامة التي ستضطر الأخيرة لخوصصتها لتسديد ديونها المتراكمة. إن البرجوازية تنهب البلد.

إدمان المديونية

سيبلغ الدين العمومي الإجمالي حوالي85,2% (1300 مليار درهم) من الناتج الداخلي الإجمالي سنة 2024 عوض85,6% سنة 2023.

يؤدي ارتفاع الديون المستحقة وتكلفتها إلى تصاعد متزايد في نفقات خدمة الدين. والمرتقب أن يتمخض عن اكلاف إنجاز مشاريع كبرى تحضيرا لكأس العالم ارتفاع استثنائي للمديونية العمومية. إن المديونية بالنسبة للبرجوازية كالمخدر بالنسبة للمدمن كلما زادت الجرعة كلما انتعش أكثر شريطة ألا تكون مميتة أي ألا تزيد إلى حد الإفلاس المالي للدولة. أما بالنسبة للطبقة العاملة والكادحين، فالمديونية تترجم الى تقشف وبطالة وفقر جماهيري وبيع للأملاك والمؤسسات العمومية للبرجوازيين بأثمان بخسة، وافتقاد للسيادة الوطنية والتبعية المطلقة للمؤسسات الإمبريالية.

تعيش الملكية والبرجوازية المغربية أزهي لحظاتها. فأعمالها تدر أرباحا مجزية، ولا تواجه نضالا عماليا وشعبيا يهدد سيطرتها. والملكية التي تحظى بالتفاف تاريخي حولها طالما برهنت عن قدرتها في الحفاظ على استقرار سياسي مثالي. وأما انسحاق بعض الفئات المالكة تحت طاحونة المنافسة أو عجزها عن التكييف مع التغيرات الحاصلة فلا يغير من التركيبة العامة للطبقة ككل ولسلوكها السياسي. لقد أبانت أزمة كوفيد 19 على قدرة النظام على الصمود وكشفت عن قدراتها على التحكم في ظل أزمة غير مسبوقة.

قضية الصحراء: الاستثمار الأهم

سيكون حسم قضية الصحراء لصالح الملكية مكسبا سياسيا واقتصاديا هائلا. سياسيا لاستعمالها في تكريس هيمنة ايديولوجية على أقسام واسعة من الشعب كان معبئا سلفا بشعارات وطنية منذ “مسلسل الاجماع الوطني”، واقتصاديا سيفسح المجال للرأسمال الكبير المحلى والإمبريالي لاكتساح مجالات استثمار واسعة جغرافيا وواعدة بحرا وبرا، وسيتيح له ذلك إطلاق منصة قارية نحو الأسواق الافريقية. ويدخل في هذا الإطار المشروعان المعلنان: أنبوب الغاز نيجيريا/ أوروبا والطريق نحو الأطلسي لبلدان الساحل وتصدير الطاقات المتجددة.

لقد اتخذت الدول الامبريالية خطوات كبرى لصالح دعم مغربية الصحراء بدفع من مصالحها وحصتها من الكعكة.

لكن النظام الملكي لازال يواجه تحديات خطيرة سيكون لها تبعات على العلاقات بين الطبقات وستطبع الصراع السياسي العام وستحدد مستقبله في العقد القادم.

مسار نجاح عظيم مهدد بمخاطر جدية محدقة

أولها: انفجار المديونية العمومية، حيث يتم تمويل الاستثمار العمومي وعجز الميزانية البنيوي بالاقتراض من السوق المالية الدولية ومن السوق الداخلية. تتدخل عدة عوام، ومن شأن تظافرها أن يفجر أزمة الدين بشكل غير قابل للسيطرة.

 ثانيا: تغير جذري في استراتيجية الإمبريالية في إفريقيا واستبدال المغرب بغيره من المنافسين في القارة، ما قد يؤدي إلى ضعف مردودية الاستثمارات الضخمة مقابل ارتفاع خدمات الدين. دون استبعاد تغيرات فجائية في المراكز الإمبريالية في سياق اضطرابات عميقة وشبح انفجار أزمات مركبة تفيض آثارها على بلدان شديدة الارتباط تبعيا بأسواقها مثل المغرب.

ثالتا: انفجار الأزمة الاجتماعية في حال استمرار عجز الاستثمار الضخم على ترجمة أرقامه اجتماعيا بخلق مناصب شغل قادرة على امتصاص البطالة الجماهرية ويلبي الحاجيات المتزايدة في الصحة والتعليم والسكن. ويدخل في السياق ذاته التأثير المباشر للسياسة الاقتصادية الشاملة التي تؤجج ارتفاع معدل التضخم في ظل بطالة جماهيرية وبؤس الأجور ما يعمم الإفقار الجماهيري وما قد يسفر عنه من انفجارات غضب شعبي غير مأمونة العواقب على استقرار النظام السياسي.

الطبقة العاملة: قوة تتعاظم عدديا وتكافح نضاليا، لكن تتأخر تنظيميا وتنعدم سياسيا

ازدادت قوى الطبقة العاملة بدفع من التوسع الرأسمالي، وعرفت تحولات نوعية خصوصا في مستوى تأهيلها، وتخصصاتها المهنية في القطاعات الصناعية الجديدة (السيارات-الطيران-الأوفشورين- عمال التوزيع…)، واعتماد التقنيات الحديثة في الفلاحة التصديرية وأشكال التدبير الحديثة في القطاعات اللوجستيكية والخدمات. وتمدد الأنشطة الرأسمالية إلى جهات ومناطق جديدة، مع احتفاظ محور آسفي/القنيطرة وطنجة بالمقدمة. بالإضافة الي انتشار معاهد ومراكز التأهيل المهني في عدة مدن جديدة مغذية الطبقة العاملة بأجيال شابة من الجنسيين.

لكن الطبقة العاملة ضعيفة التنظيم نقابيا ومفتقرة للتنظيم السياسي المستقل وحتى حصيلة تجارب بنائه في البلد ضعيفة ولا تبعث على الاعتزاز. إنها طبقة بكر بلا خبرة سياسية ولم يسبق أن اعتمدت على نفسها في مواجهة أعدائها باستقلال ذاتي.

تنظيماتها النقابية تحت سيطرة قيادات موغلة في الشراكة الطبقية وحريصة على استقرار الوضع السياسي والاقتصادي. وتفرض لأجل ذلك تدبيرا بيروقراطيا، وحياة تنظيمية رتيبة تمنع كل اشتغال نقابي نشط، وتقيم الحواجز بوجه تعاون التنظيمات حتى داخل النقابة الواحدة وتحول دون كل تعاون من أسفل. قيادات يزداد اندماجها في مؤسسات الدولة وبات فسادها وخياناتها المتكررة مضرب الأمثال.

يتعرض التنظيم النقابي في القطاع الخاص لحرب شرسة ويتواتر الطرد المباشر للمناضلين -ات النقابيين-ات، وتعمد كبريات الشركات لتنصيب مكاتب شكلية بتفاهم مسبق مع القيادات النقابية لضبط العمال ومنع سعيهم لبناء نقابي مستقل عن إدارات الشركات. لا يتنظم أغلب عمال-ات القطاع الخاص نقابيا خوفا من الطرد، بينما يساهم ضغط البطالة الجماهرية في كبح التمدد النقابي ويكبح قدرة العمال والعاملات على تحدي المستغلين.

يشكل القطاع العام قاعدة التنظيم النقابي تاريخيا. وبسبب إعادة الهيكلة التي يعرفها القطاع العام، والإستراتيجية الجديدة في التشغيل، الهادفة لتعميم أساليب التشغيل المجربة في القطاع الخاص، التي يمثل ضرب الاستقرار المهني وتعميم المرونة والهشاشة جوهرها، أضحت التنظيمات النقابية الهزيلة على محك مصيري، لكن لا تبدي القيادات البيروقراطية علامات عزم على مواجهته، بل تستمر فيلعب دور الشريك المنضبط.

خاضت قطاعات عمالية عديدة خلال العقد الأخير نضالات نوعية، لكنها نضالات دفاعية بوجه استراتيجية شاملة هدفها تدمير الخدمات العمومية وضرب مكاسب الشغيلة في ضمانات الاستقرار المهني والحريات النقابية. كان في طليعة النضالات العمالية تلك: شغيلة التعليم وقطاع الصحة العمومية والجماعات المحلية والعدل، بالإضافة الي فئات عابرة للقطاعات كالمتصرفين..الخ. إنها نضالات في جوهرها دفاعية وقطاعية ولم تتطور إلى تنسيق نضالي دفاعا عن الخدمات العمومية والتشغيل العمومي وبناء تحالفات مع قطاعات شعبية تلتقي معها في نفس الأهداف.

خاض عمال القطاع الخاص بدورهم نضالات نوعية، أهمها نضالات العمال بالشركة المغربية للصلب- مغرب ستيل سنة 2016 وعمال” نقل الأمتعة” بمطار محمد الخامس سنة 2019 وربابنة شركة الخطوط المغربية سنة 2018، وعمال الفنادق بسلسلة “موكادور” بمراكش وأكادير سنة 2022، وعمال شركة الكابلاج “ديلفي” سنة 2018 في طنجة ومكناس والقنيطرة وعاملات شركة سيكوميك منذ 2021…. سمحت تلك النضالات البطولية باختبار طبيعة وحدود القيادات النقابية، وخصائص وتطلعات الشغيلة، وطبيعة القوى السياسية، وأدوار الدولة وقدرتها على المناورة دون التخلي عن استراتيجيتها، واستعمالها لقمع محسوب يفضي إلى انتصارها دون كلفة سياسية.

إن إيجاد منفذ لاختراق الأزمة المزمنة للحركة النقابية مهمة رئيسية للاشتراكيين-ات الثوريين-ات. إنها مهمة تتطلب استيعاب دروس النضالات النوعية الأخيرة، والتحلي باليقظة والجرأة الميدانية، للارتباط بالطليعة العمالية التي ستجبر على خوض معارك قادمة دفاعا عن حقوقها، بوجه هجوم نيوليبرالي خياره دفع العمال-ات لمزيد من الاستغلال الكثيف والتسريحات الواسعة ان واجهته أزمة من أزماته الدورية.

النضالات الشعبية: استمرار رغم التراجع

تراجعت النضالات الشعبية منذ هزيمة حراك الريف 2017. والنضالات اللاحقة في جرادة وأخيرا في فكيك لم تصل لحجم التعبئة ودرجة التأثير السياسي الذي وصله حراك الريف. فبالإضافة لعامل الردع الذي خلفه شدة القمع المسلط على حراك الريف، كان سياق كوفيد 19 المتزامن مع جفاف حاد عاملا إضافيا ساهم في تراجع النضالات الشعبية التي حافظت على حيويتها طيلة العقود الثلاث الماضية.

سينتج عن السياسة الاقتصادية الجارية جملة تناقضات سيكون لها تأثير على أوضاع الجماهير الكادحة وسينتج عنها مقاومات. إن التضخم وغلاء الأسعار سائر في منحى تصاعدي وسيفاقم أعباء الأسر الكادحة (الضرائب، أسعار الكهرباء والماء، غلاء المواد الأساسية)، وسيغلق تمدد سياسة الاستحواذ الواسع على الأراضي الجماعية من طرف الدولة والرأسماليين منافذ انتفاع الكادحين القرويين، فيما يتسبب الاستغلال المنجمي المتنامي بأضراره البيئية ووقعه على منابع المياه وخراب صغار الفلاحين وحِدة اثار التغيرات البيئية التي يظهرها الجفاف الحاد والفقر المائي، في هجرة واسعة للسكان القرويين، وسيفاقم البطالة الجماهيرية. وستؤدي السياسات العمومية النيوليبرالية إلى مزيد من الإضرار بالحق في الصحة والتعليم.

المعارضة الليبرالية: أزمة برنامجية وتنظيمية

تغرق المعارضة الليبرالية في أزمة برنامجية وتنظيمية وتتعرض منابع قوتها للتجفيف. لم يسلم الجناح “التقدمي” للمعارضة الليبرالية ذاته من تبعات أزمة معسكره. وتعرضت محاولات توحيده لمزيد من التشرذم، وانتهت جميع محاولاته لاستعادة قيادة المعارضة الشعبية إلى فضيحة (مصير الجبهة الاجتماعية وحال تنظيماتها النقابية خير مثال على ذلك). قد تدب بعض الحيوية المؤقتة في مفاصله عشية الاستعداد لانتخابات 2026، فذاك رهانه وحدود استراتيجيته. أما أن يسعى لبناء عمق شعبي لمعارضته فذاك يثير مخاوفه في التسبب في دينامية جذرية تتجاوزه فيمتنع عنه امتناعا واعيا.

الإسلاميون: مراوحة المكان في انتظار وضع مناسب لخدمة الطبقات السائدة

انفضحت بسرعة طبيعة التجربة السياسية لإسلاميي العدالة والتنمية الموالية للاستبداد وموالاتهم لسياساته الأكثر رجعية، نظير التطبيع مع الكيان الصهيوني، لكن القسم الآخر الممثل في العدل والإحسان لا زال يجتر بعضا من مقولات ذات نفس راديكالي، مع خطوات كبيرة في اتجاه الملكية عكستها أساسا في تبنيها في وثيقتها السياسية الأخيرة، شعار “جمعية تأسيسية غير سيادية” باعتبارها مدخلا للتوافق بين الملكية والقوى الحية. في استعادة بئيسة لمسار قطعته المعارضة الاتحادية وانتهى إلى ما انتهى إليه. نفس الاستعادة نجدها في نقدهم للسياسات العمومية الذي يقف على أرضية الدفاع على النظام الرأسمالي وعلى مصالح أرباب العمل، مغلف بخطاب لا يعني الكثير حول محاربة الفساد ومواجهة ما أسموه “الاخطبوط المخزني” في استعادة لتشخيصات المعارضة الليبرالية بألفاظ جديدة. يحتفظ هؤلاء ببنية تنظيمية كبيرة، تستعملها لإرسال رسائلها عن انضباطها للقواعد المرعية والابتعاد عن النضالات المنطلقة من الأسفل. تمثل هاته المعارضة قوة احتياطية بورجوازية للثورة المضادة، كما يمكن أن تستعمل كواق آخر لتنفيس أزمة النظام القادمة.

الحركة الأمازيغية: عود على بدء

رغم كل الجلبة التي ترافق خطوات النظام المحسوبة تجاه إدماج المكون الأمازيغي، باعتباره المطلب الرئيس لهاته الحركة منذ انطلاقتها، ورغم ما رافق ذاك الدمج من اندماج جزء كبير من مكونات تلك الحركة في النظام ومؤسساته وسياساته، إلا أن الوضع العام لا زال في الواقع المعيش لم يشهد تغيرات نوعية. ما أصاب الحركة الأمازيغية هو من نفس نوع ما أصاب المعارضة الليبرالية، فهما مصابان بنفس العيب الخلقي: السعي للتفاهم مع الاستبداد لأجل نيل تنازلات. في  حين يستمر إغفال الأرضية الأساس لكل سعي حقيقي لفرض الحقوق الامازيغية: النضال من أجل بديل ديموقراطي شامل، يدمج الحقوق اللغوية والثقافية مع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للأجراء وصغار المنتجين، عبر المساهمة في بناء ميزان قوى طبقي عمالي شعبي يفتح الطريق لذاك البديل.

اليسار الجذري: وضع مخيب للآمال

انتهي إعلان النهج الديموقراطي نفسه حزبا للعمال إلى مراوحة المكان، ويبذل جهودا للحفاظ على نفسه جراء ارتداد سياسته الخاطئة في الميدان النقابي، وذيليته للبيروقراطيات النقابية، وتخريبه لمبادرة التوجه النقابي الديمقراطي، وأخيرا تذبذب قيادة الجامعة الوطنية للتعليم FNE، خلال الإضراب التعليمي التاريخي. كما وصلت الجمعية المغربية لحقوق الانسان إلى حال انحباس بعد استكمال هيمنته عليها، واضمحلاله في الحركة الطلابية، والتراجع الكبير لحركة النضال ضد البطالة. يعتبر النهج الديمقراطي أكبر تنظيم يساري ديمقراطي من أصول ثورية، لكن هناك لا تناسب مع مرور الوقت بين قواه العددية المعززة بمواقع تنظيمية في منظمات نضال ودوره النضالي. يرفض النهج الديمقراطي التعاون مع من يخيب أمله في مطاوعة سياسته الذيلية. فالمنظورات السياسية للنهج الديمقراطي هدفها بناء معارضة ديمقراطية-ليبرالية للنظام، قائمة على استعادة نفس الآليات المجربة للمعارضة الليبرالية التاريخية وليس بناء أدوات طبقية مستقلة للثورة الاشتراكية الديمقراطية.

تتواجد جماعات عدة متحدرة من اليسار الطلابي وتنخرط في نضالات عديدة (إضراب المتدربين/المتعاقدين/نضالات شعبية وطلابية..)، صحيح أن صخبها تراجع خصوصا في الجامعة لكنها موجودة. أكدت عدد من النضالات الأخيرة عقم تلك الجماعات وضررها على النضال جراء عصبوية تمزج بين مزايدة لفظية وممارسة انتهازية. لم تعد عدتها الفكرية المعهودة قادرة على تفسير تطورات الهجوم النيوليبرالي عالميا ومحليا وانتهت محاولات التمطيط إلى الفشل. وهي الاَن تقتات من منظورات الماركسيين الثوريين وتستعملها بطرق انتقائية لتبرير قصويتها الضارة حينا أو للتغطية على انتهازيتها الفاضحة أحيانا أخرى. ورغم جهود الماركسيين الثوريين الأدبية والبرنامجية، لم يتطور أي جزء من تلك الجماعات نحو الماركسية الثورية، بل لم نشهد حتى تطورا يعبر عن مسؤولية نضالية وممارسة ناضجة تقطع مع الطفولية الطلابية، رغم بعض المحاولات التي كان مصيرها الاندثار، بل تورط قسم منها في صفقات مع بيروقراطية الاتحاد المغربي للشغل للإطاحة بقيادة تابعة لحزب النهج الديمقراطي في الجماعات المحلية، الذي نال المواقع نفسها بطرق مشابهة.

لا نقاش حقيقي داخل اليسار الديمقراطي والاشتراكي، ولا تعاون بين مكوناته، ولا مبادرات نضال ببوصلة عمالية وشعبية. يكاد يصبح جسما طفيليا ينط على النضالات وليس له ما يقدمه لها من خبرات نضال، بل ينقل أساليبه الضارة لخنق أولى الآليات الديمقراطية في النضال، وينشر الطرق البيروقراطية والسموم التكتلية الموروثة عن الوسط الطلابي. يفوت هذا الوضع فرص عمل جماعي في النضالات يمكن أن يسمح بتحدي البيروقراطية عبر إعطاء المثال من خلال ممارسة ديمقراطية تقنع الطلائع العمالية والشعبية. إن ضعف اليسار الاشتراكي ليس ضعفا في القوى، بل في عماه البرنامجي وأمراضه المزمنة التي لا دواء لها إلا بغطسه في تجارب نضال عمالية عظيمة تفطمه عن ماضيه الطفولي الطلابي.

الماركسيون الثوريون: حي على العمل

استنادا للعناصر التحليلية أعلاه فان الماركسيين الثوريين مطالبون بتحديد مهامهم المركزية للفترة المقبلة، في ارتباط مع تطورات الوضع الموضوعي، وأخذا بعين الاعتبار محدودية قواهم، وغياب قوى اشتراكية ثورية او/و ديمقراطية تبدي استعدادا للنضال المشترك على أرضية برنامج نضالي.

إن المهمة المركزية هي المساهمة في بناء حزب العمال الاشتراكي كجواب عن الأزمة الذاتية للطبقة العاملة. إنه الشرط الضروري لقيام ثورة اشتراكية تقودها الطبقة العاملة المسنودة بدعم فئات شعبية كادحة. لا توجد حاليا سوى أنوية صغيرة تشترك في هدف بناء منظمة/ات اشتراكية عمالية تكون نقط الانطلاق الفعلي نحو بناء حزب العمال الاشتراكي،  إن أصعب ما يواجهه الماركسيون الثوريون هو معرفة كيفية التمكن من التوزيع الذكي لقواهم البسيطة والتدبير المحكم لجهودهم دون انعزالية قاتلة، مع التفادي الواعي لكل نشاطوية إرادوية لا أفق لها. حتى لا يتم التأرجح بين الوقوف على خلاصات واضحة وتنفيذ عكسها في مجرى النضال اليومي.

يبدو أن مهمة الانتقال إلى نواة منظمة عمالية حقيقية يجب أن توضع كهدف رئيسي. لتحقيقه يجب أن يضعوا على رأس أولوياتهم الدفاع عن منظورهم للثورة الاشتراكية في سياقنا الملموس بربطها ببرنامج انتقالي موجه لطلائع النضال. إن مهمتهم، الرئيسية، برنامجية موجهة إلى طلائع النضال وعبرها لكسب أفضل الطلائع العمالية والشعبية المقتنعة من خلال تجربتها إلى الحاجة لبديل يتجاوز اصلاح الرأسمالية. عليهم أن يعطوا دفعا جديدا لدراسة الطور الحالي من الهجوم النيوليبرالي وتفكيك مبرراته وشرح أهدافه وعرض شعارات للنضال وتعميم تجارب النضالات الأممية ذات الصلة وربط ذلك دوما بالحاجة لبديل شامل بطريقة حية وليس كشعارات جوفاء تفتقد للحيوية.

شارك المقالة

اقرأ أيضا