سبع أطروحات حول انتفاضات جيل Z في الجنوب العالمي

الشباب و الطلبة14 نوفمبر، 2025

بقلم : فيجاي براشاد  Vijay Prashad,

جدران سانتياغو، تشيلي – المدينة التي أعيش فيها – مغطاة بكتابات على الجدران تم محوها عن الاستاليدو الاجتماعي (الانتفاضة الاجتماعية) لعام 2019. بعد سنوات، لا تزال هذه الشعارات تنتشر على الأرصفة، من ”لقد أخذوا منا الكثير لدرجة أنهم سلبونا الخوف“ إلى ”إنها ليست 30 بيزو، إنها 30 عامًا“. يشير الشعاران إلى 30 عامًا من التقشف النيوليبرالي المفروض على الشعب التشيلي، بما في ذلك زيادة 30 بيزو في أسعار تذاكر المترو وتخفيضات كبيرة في نظام الأجور الاجتماعية في البلاد. قاد الانتفاضة طلاب ثانوية مولودون بين عامي 2001 (18 عامًا) و2005 (14 عامًا)، وهم جزء من جيل Z أو ”Gen Z“. ومع ذلك، فإن هذا المصطلح، الذي فرضته وسائل الإعلام الرئيسية على العالم، غالبًا ما يطمس التعقيد الاجتماعي والخصوصية الوطنية لمثل هذه التمردات. ومع ذلك، فإن هذا المصطلح، وكذلك مفهوم ”الجيل“، يستحقان الاستكشاف.

لم تكن الاحتجاجات في تشيلي – التي جذبت في النهاية جميع الفئات العمرية ونزعت الشرعية عن حكومة سيباستيان بينييرا اليمينية – فريدة من نوعها. فقد قاد الشباب المولودون في تلك الفترة احتجاجات في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك التعبئة الجماهيرية ضد جريمة الاغتصاب الجماعي في دلهي، الهند (2012)؛ وحملة ”March for Our Lives“ (مسيرة من أجل حياتنا) ضد العنف المسلح في الولايات المتحدة (2018)؛ وحملة ”Fridays for Future“ (جمعة من أجل المستقبل) ضد أزمة المناخ (2018)، التي أطلقتها الناشطة السويدية غريتا ثونبرغ (مواليد 2003 وتعرضت مؤخرًا للتعذيب على يد الحكومة الإسرائيلية). أعقبت الانتفاضة التشيلية إضرابا وطنيا في كولومبيا في عام 2021، وانتفاضة أراغالايا (النضال) في سريلانكا في عام 2022، والانتفاضة في نيبال في وقت سابق من هذا العام التي أدت إلى استقالة الحكومة اليمينية الوسطية. في كل حالة من هذه الحالات، ما بدأ كغضب أخلاقي بشأن قضية معينة تحول إلى انتقاد لنظام أثبت عجزه عن توفير حياة كريمة للشباب.

تم تطوير مفهوم الجيل قبل قرن من الزمان من قبل الباحث الألماني كارل مانهايم في مقالته ”المشكلة السوسيولوجية للأجيال“ (1928). بنظر لمانهايم، لا يتم تعريف الجيل بالفترة الزمنية التي ولدت فيها مجموعة من الأشخاص، بل بـ ”وضعها الاجتماعي“ (soziale Lagerung). من الناحية السياسية، يحدث الجيل عندما يمر بتغيرات سريعة ومزعزعة تجعله يلتقي مجددًا بالتقاليد من خلال ”حاملين للثقافة“ » (Kulturträger) – الأفراد والمؤسسات التي تنقل الثقافة – وتصبح قوة فاعلة للتغيير الاجتماعي، بعيدًا عن الطريقة التي أصبحت بها الأجيال تصنيفًا تسويقيًا بعد الحرب العالمية الثانية (جيل طفرة المواليد، الجيل X، الجيل Y، إلخ). كان مانهايم ينظر إلى الأجيال على أنها قوى للتغيير الاجتماعي، في حين أن الثقافة النيوليبرالية حولتها إلى ”أقسومات“ في استراتيجياتها للعلامات التجارية.

تم استخدام مصطلح Gen Z في وصف الاحتجاجات التي اندلعت من جبال الأنديز إلى جنوب آسيا، حيث نزل الشباب – المحبطون من محدودية فرص التقدم الاجتماعي – إلى الشوارع لرفض نظام فاشل. هناك بعض عناصر نظرية مانهايم التي تعمل هنا. صحيح أن القوى الإمبريالية غالبًا ما تتدخل للتحريض على هذه الاحتجاجات وتشكيلها، ولكن سيكون من غير الدقيق اعتبار هذه الاحتجاجات مجرد نتاج تدخل خارجي. هناك عوامل اجتماعية داخلية مهمة تحتاج إلى تحليل لفهم ”احتجاجات جيل Z” هذه. العديد منها مدفوع بجملة عمليات متداخلة تنشأ من السياق الوطني مع تأثر بالظروف الدولية. في هذه الورقة الإبارية، نقترح سبع فرضيات لبدء فهم هذه التطورات وربما توجيهها في اتجاه تقدمي.

الفرضية الأولى. ثمة اندفاعة سكانية للشباب في جميع أنحاء الجنوب العالمي، حيث يبلغ متوسط العمر 25 عامًا، ويجد الناس في هذه المجتمعات الشابة أنفسهم ضحايا لسياسات التقشف والديون القاسية، والكوارث المناخية والحروب المستمرة. في أفريقيا، يبلغ العمر الأوسط 19 عامًا – وهو أقل من أي قارة أخرى. في النيجر، يبلغ العمر الأوسط 15.3 سنة؛ وفي مالي، 15.5 سنة؛ وفي أوغندا وأنغولا، 16.5 سنة؛ وفي زامبيا، 17.5 سنة.

الفرضية الثانية. يشعر شباب الجنوب بالإحباط بسبب البطالة. أضعفت النيوليبرالية قدرة الدولة، ولم تترك سوى القليل من الأدوات لحل هذه المشكلة (ما أدى إلى مطالب مثل فتح فرص عمل حكومية، في حالة حركة إصلاح الحصص في بنغلاديش). الشباب المتعلمون الذين لديهم طموحات الطبقة الوسطى غير قادرين على العثور على عمل مناسب، ما يؤدي إلى بطالة هيكلية أو فجوة في المهارات. في الجزائر، هناك مصطلح يشير إلى العاطلين عن العمل مستمد من اللغتين العربية والفرنسية: أولئك الذين ”يتكئون على الحائط“ لدعمه (hittiste، من الكلمة العربية hayt، التي تعني ”الحائط”). في التسعينيات، تم توسيع النظام الجامعي وخصخصته، ما فتح الأبواب – مقابل المال – أمام جزء كبير من ما سيصبح جيل Z . هؤلاء هم أطفال من الطبقات المتوسطة والدنيا، ولكن أيضًا من الطبقة العاملة وصغار المزارعين الذين نجحوا في تسلق السلم الاجتماعي. جيل Z هو الأكثر تعليماً في التاريخ، ولكنه أيضاً الأكثر مديونية والأقل توظيفاً. هذا التناقض بين الطموح والهشاشة يولد استياءً عميقاً.

الفرضية الثالثة. يرفض الشباب الاضطرار إلى الهجرة للحصول على حياة لائقة. في نيبال، هتف المتظاهرون الشباب ضد إجبارهم على الهجرة الاقتصادية. نريد وظائف في نيبال. لا نريد أن نضطر إلى الهجرة من أجل العمل. هذا الإلزام بالهجرة يسبب يولد شعور الشباب بالخزي من الثقافة الخاصة بهم والانفصال عن تاريخ النضالات التي شكلت مجتمعهم. هناك ما يقرب من 168 مليون عامل مهاجر في العالم – لو كانوا يشكلون دولة، لكانت تاسع أكبر دولة في العالم، بعد بنغلاديش (169 مليون) وقبل روسيا (144 مليون). ومن بينهم عمال البناء النيباليون في دول الخليج والعمال الزراعيون من جبال الأنديز والمغرب في إسبانيا. وهم يرسلون أموالاً تدعم استهلاك الأسر في بلدانهم؛ وفي كثير من الحالات، يتجاوز مجموع هذه الأموال (الذي بلغ 857 مليار دولار في عام 2023) الاستثمار الأجنبي المباشر (كما هو الحال في المكسيك). إن الاضطراب الاجتماعي، والتمييز الدولي في العمل، وسوء معاملة المهاجرين بما في ذلك ازدراء مؤهلاتهم التعليمية – تجعل جاذبية الهجرة شبه معدومة.

الفرضية الرابعة. كثفت الشركات الزراعية الكبرى وشركات المناجم هجومها على صغار المزارعين والعمال الزراعيين (تحريض المزارعين على التمرد في الهند). الشباب من هذه الطبقات، الذين سئموا من البؤس الريفي وتجذروا بسبب احتجاجات آبائهم التي غالباً ما باءت بالفشل، ينتقلون إلى المدن ثم إلى الخارج بحثاً عن عمل. يجلبون معهم خبرتهم الريفية إلى المدن وغالباً ما يشكلون الطليعة الرئيسية لهذه الحركات الاحتجاجية.

الفرضية الخامسة. بالنسبة للجيل Z، ليست مسألة تغير المناخ والضائقة البيئية محض فكرة مجردة، بل هي سبب مباشر للتحول إلى بروليتاريا بسبب النزوح وصدمات الأسعار. يرى سكان المناطق الريفية أن ذوبان الأنهار الجليدية والجفاف والفيضانات تضرب بالضبط الأماكن التي تبحث فيها سلاسل التوريد «الخضراء» الإمبريالية عن موارد مثل الليثيوم والكوبالت والطاقة الكهرومائية. إنهم يدركون أن الكارثة المناخية مرتبطة مباشرة بعدم قدرتهم على بناء حاضر، فما بالك بالمستقبل.

الفرضية السادسة. السياسة القائمة عاجزة عن الاستجابة لإحباط جيل Z. الدساتير لا تعكس الواقع، والسلطات القضائية غير المسؤولة تبدو وكأنها تعيش على كوكب آخر. تتفاعل هذه الأجيال مع الدولة بشكل أساسي من خلال بيروقراطيين غير مبالين وشرطة عسكرية. الأحزاب السياسية مشلولة بسبب إجماع واشنطن على التقشف والديون، والمنظمات غير الحكومية تركز بشكل وثيق على القضايا الفردية بدلاً من النظام ككل. استنفدت الأحزاب الوطنية التحررية القديمة برنامجها إلى حد كبير أو شاهدت تدميره بسبب التقشف والديون، تاركة فراغًا سياسيًا في الجنوب العالمي. ”لنتخلص من الجميع“ هي سياسة تنتهي بالتوجه نحو المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي (مثل عمدة كاتماندو، بالين شاه) الذين لم يشاركوا في سياسة الأحزاب ولكنهم غالبًا ما يستخدمون منصاتهم للتبشير بإنجيل معاداة السياسة وضغينة الطبقة الوسطى.

الفرضية السابعة. أدى ازدهار العمل غير الرسمي (لاشكلي  informel) إلى خلق مجتمع غير منظم، بلا أمل في تكوين علاقات رفاقية بين الشغيلة أو الانضمام إلى منظمات جماهيرية مثل النقابات. أدت أوبرة ubérisation ظروف العمل إلى خلق لاشكلية الحياة ذاتها، حيث يُحرم العامل من أي شكل من أشكال العلاقات. تزداد أهمية وسائل التواصل الاجتماعي مع ازدياد الطابع اللاشكلي، حيث أصبح الإنترنت الوسيلة الرئيسية لنقل الأفكار، عوضا عن طرق التنظيم السياسي القديمة. من المغري، ولكن غير الدقيق، الإشارة إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي هي نفسها القوة الدافعة وراء موجة الاحتجاجات هذه. وسائل التواصل الاجتماعي هي أداة اتصال سمحت بنشر المشاعر والتكتيكات، لكنها ليست السبب وراء هذه المشاعر. من المهم أيضًا ملاحظة أن الإنترنت هو أداة لاستخراج الفائض – حيث يخضع عمال المنصات، أو العمال المأجورون، لخوارزميات تدفعهم إلى العمل بجهد متزايد مقابل أجر متناقص.

تحاول الأطروحات السبع الواردة أعلاه تحديد الظروف التي أدت إلى انتفاضات جيل Z في الجنوب العالمي. كانت هذه الانتفاضات حضرية إلى حد كبير، مع القليل من المؤشرات على أنها جذبت الفلاحين والعمال الريفيين. علاوة على ذلك، نادراً ما تتناول أجندات هذه الاحتجاجات الأزمات الهيكلية طويلة الأمد في البلدان النامية. في الواقع، تؤدي السياسة النموذجية لانتفاضات جيل Z إلى انفجار استياء الطبقة الوسطى. غالبًا ما يتم استغلال هذه الاحتجاجات – كما هو الحال في بنغلاديش ونيبال – من قبل قوى اجتماعية راسخة تعمل على تأجيج الاحتجاجات في الشوارع وتطوير برنامج يعود بالفائدة على الماليين الغربيين. ومع ذلك، لا يمكن تجاهل هذه الانتفاضات: فستزداد وتيرتها بسبب العوامل التي وصفناها. ويكمن التحدي الذي يواجه القوى الاشتراكية في صياغة المظالم الحقيقية لجيل Z في برنامج يطالب بحصة أكبر من الفائض الاجتماعي ويستخدم هذا الفائض لتحسين الاستثمار الثابت الصافي وتحويل العلاقات الاجتماعية.

فيجاي براشاد  Vijay Prashad, ، 13 أكتوبر 2025

https://thetricontinental.org/newsletterissue/gen-z-rebellion/

=  فيجاي براشاد  Vijay Prashad (مواليد 1967) و كاتب وصحفي ومعلق سياسي وماركسي أمريكي من أصل هندي . مدير تنفيذي لـ Tricontinental: Institute for Social Research ، ورئيس تحرير LeftWord Books ، والمراسل الرئيسي لـ Globetrotter، وباحث مشارك في معهد Chongyang للدراسات المالية في جامعة رينمين الصينية .  ماركسي مقتنع ، يشتهر براشاد بانتقاداته الرأسمالية ، والاستعمار الجديد، والاستثناء الأمريكي والإمبريالية الغربية ، مع إعرابه عن دعمه للشيوعية ودول الجنوب .

شارك المقالة

اقرأ أيضا