مجلس الأمن الدولي يفرض معاهدة ترامبية غير مقبولة على غزة: نقد للأوهام الاصطفافية
بقلم: بول كيم وتيم كاسمينت Paul Kim , Tim Casement
صوت مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، قبل يومين، في 18 نوفمبر 2025، بالإجماع (مع امتناع الصين وروسيا عن التصويت) لصالح خطة «السلام» التي وضعتها حكومة ترامب لغزة. هذا يعني، على الورق، وقف إطلاق نار مفروض بشكل ملموس (انتهكته إسرائيل عدة مرات على أي حال [1])، والسماح بـ ”قوة دولية لاستتباب الاستقرار“ [2] ستدعم حكومة انتقالية فيها تمثيل فلسطيني رمزي، و “مجلس سلام ” [3] يرأسه دونالد ترامب ويديره نائب الملك الإمبريالي توني بلير. هذا يعني، في الواقع، التخلي التام والكامل عن أي مسؤولية إنسانية، والاستسلام الناجز أمام الآلة الإمبريالية، وخيانة الشعب الفلسطيني والتخلي عنه. أعرب ترامب عن غبطته على حسابه على Truth Social، مؤكداً أن ما يسمى بمجلس السلام سيضم ”أقوى القادة وأكثرهم احتراماً في العالم“ [4]. لا تزال هوية هؤلاء القادة لغزًا بالنسبة لشعوب العالم، على الرغم من أنه من السهل افتراض أن دول الخليج، ولا سيما الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، ستشارك فيه بطريقة أو بأخرى. لا يحظى اتفاق السلام هذا، حيثما يُناقش، بأي شعبية؛ علاوة على ذلك، جلي أن التفاوض بشأنه جرى دون مشاركة من الشعب الفلسطيني أو دعم منه. رداً على ذلك، أعلنت حركة حماس أنها سترفض نزع سلاحها وستواصل القتال؛ ومع ذلك، يعني هذا الآن أن الجماعة السياسية قد تدخل في صراع مع الأمم المتحدة نفسها [5].
ثمة ثلاثة استنتاجات رئيسية وملحة يمكن استخلاصها من هذه الخيانة السياسية العالمية. لنبدأ بالأهم:
1) وفاة النزعة الاصطفافية (حيث يقف المناضلون اليساريون إلى جانب روسيا والصين على وجه الخصوص، ولكن أيضًا فكرة القوى ”الإمبريالية“ و”المعادية للإمبريالية“ نفسها). كان التصويت بالإجماع، 13 مقابل 0 [6]. وقد امتنعت الصين وروسيا، اللتان تحوزان حق النقض بصفتهما عضوين دائمين في مجلس الأمن، عن التصويت. وصوتت الجزائر والصومال مع الولايات المتحدة والدنمارك للتصديق على هذه المعاهدة المثيرة للاشمئزاز التي تسمح، في جوهرها، بإرساء نظام حماية تدعمه الأمم المتحدة وتسيطر عليه الولايات المتحدة في غزة. الحقائق ناطقة بنفسها: لا يوجد معسكر دولاني معادٍ للإمبريالية. إنها دول قومية، تعمل كممثلة لرأس المال لترويع العالم والسماح بالاستغلال الإمبريالي. مزيد من المعلومات حول هذا الموضوع أدناه.
2) الفائدة الأخرى لهذه المعاهدة السلمية هي دعائية. فقد واجهت القوى الإمبريالية الأمريكية والأوروبية احتجاجات جماهيرية مؤيدة لفلسطين في الأشهر الأخيرة. أصبحت فلسطين موضوع الساعة الحارق. تقوم الأمم المتحدة (وليس للمرة الأولى) بحملة دعائية دبلوماسية تفيدُ غطاءً للاحتلال والإدارة الاستعمارية. من اللازم إعلام أكبر عدد ممكن من الناس بذلك، وبأقوى صوت ممكن. إن مظهر السلام يخفي تقدم العنف الإمبريالي والرأسمالي والإبادة الجماعية، ولا يخدم سوى محاولة تهدئة (مؤقتة) لسكان المركز الإمبريالي، المشمئزين من سيل الصور المروعة والسرديات عن المجاعة ووحشية الجيش الإسرائيلي في غزة.
3) دوام هذه المعاهدة وأهم التطورات الواجب مراقبتها توجد في غزة وجميع أنحاء فلسطين. من غير المرجح أن يقبل الشعب الفلسطيني هذه المعاهدة. هناك تكهنات كثيرة حول نسخة معدلة من مشروع ترامب العقاري الطوباوي، المسمى ”ريفييرا الشرق الأوسط“ [7]. كما سبق الذكر، ترفض حركة حماس إلقاء السلاح. ويواصل شعب فلسطين مقاومته؛ ويبقى أن نرى ماذا يعني ذلك بالنسبة لـ ”مجلس السلام“ المقترح والحكومة الانتقالية التي يدعمها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وعلى نفس المنوال، يجب على من يناضلون من أجل القضية الفلسطينية في جميع أنحاء العالم أن يدركوا حقيقة هذا السلام الزائف، ويواصلوا الضغط على دولهم. يجب على المناضلين اليساريين في جميع أنحاء العالم أن يعارضوا بشدة هذه المؤامرة ضد شعب غزة ويدينوها.
تكتسي النقطة الأولى، المتعلقة بالاصطفافية، أهمية خاصة لفهم الوضع على الصعيد العالمي. لا يمكن، من الناحية النظرية، مواصلة التقدم بناء على هذه الفرضية الخاطئة. نوضح أدناه السبب:
قبل شرح الخطأ النظري في النزعة الاصطفافية، سنشرح بإيجاز ماهية الاصطفافية. برغم أن الاصطفافيين انفسهم لا يستعملون كلمة ”الاصطفافية“، فهي رأي شبه شائع في أوساط اليسار. العالم، وفقًا لهذه الرؤية، منقسم إلى ”معسكرات“ أو تحالفات متنافسة من الدول القومية. تدقيقا لهذه الرؤية، هناك تحالف هيمني وإمبريالي مكون من دول قومية، غالبًا ما تكون من النواة الإمبريالية، في حين أن المعسكر المقابل هو تحالف مناهض للإمبريالية مكون من دول قومية، غالبًا ما تكون من بلدان الأطراف. كان «المعسكران» المتنافسان، في سياق الحرب الباردة، تحالف الدول القومية الغربية من النواة الإمبريالية من جهة، ومن جهة أخرى، البلدان «الاشتراكية» القائمة فعلا وبعض الدول القومية المناهضة للاستعمار من بلدان الأطراف. وفي السياق الحالي، الرأي السائد بين العديد من مناضلي اليسار، الذين نصفهم بـ ”الاصطفافيين“، هو أن المعسكر الإمبريالي والهيمني لا يزال كما هو نسبيًا (على سبيل المثال، الدول القومية الأعضاء في حلف شمال الأطلسي والدول الصديقة لحلف شمال الأطلسي)، ولكن المعسكر المناهض للإمبريالية يقوده كل من الصين وروسيا وإيران ضد الإمبريالية الغربية.
يبدأ الخطأ النظري في الاصطفافية الراهنة من حقيقة أن الاصطفافيين ينسبون بشكل مفرط الفعل إلى الدول القومية، باعتبارها الفاعلين الرئيسيين على الساحة العالمية؛ ولكنهم بذلك يقعون في فخ إضفاء صنمية على الدولة. بدلاً من اعتبار كل دولة قومية تجسيداً سياسياً لمجموعة من رؤوس الأموال داخل حدودها، تعتبر الاصطفافية الدول القومية ضمنيا كيانات تعمل بشكل مستقل عن منطق رأس المال لممارسة سلطتها على الساحة العالمية. يعطي اضفاء صنمية على الدولة سلطةً مستقلة للدول القومية كذوات فاعلة، على حساب ذاتية الطبقة العاملة والشعوب المضطهدة. الدول القومية هي ذوات، في حين أن الطبقة العاملة والشعوب المضطهدة هي محمولات سلبية تابعة للدول القومية. ولكن الاصطفافية، بمعاملتها الدول القومية ككيانات تؤثر على الساحة العالمية، تجرد الدول القومية من الرأسمالية كنظام عالمي. ولهذا التجريد للدول القومية من الرأسمالية كنظام عالمي طابع أيديولوجي بطبيعته، لأنه لا يُضلل بشأن الدول القومية فحسب، بل يطمس أيضًا الرأسمالية كنظام عالمي برمته. هذا التجريد الأيديولوجي هو الجغرافيا السياسية (الجيوسياسة). تظهر الجغرافيا السياسية كعلم موضوعي يعرض تحليلاً تجريبياً للفاعلين على الساحة العالمية، لكنها أيديولوجية لأنها تطمس الطريقة التي تجبر بها الدول القومية، بموجب قانون القيمة الصامت، على التنافس داخل النظام الرأسمالي العالمي.
من خلال إخفاء الطريقة التي يجبر بها قانون القيمة الصامت الدول القومية على التنافس، تحول الجغرافيا السياسية الدول القومية من أجهزة دولة لرأس المال إلى فاعلين للتغيير. لكن العملية الأيديولوجية المتمثلة في إضفاء صنمية على الدول القومية تختزل الطبقة العاملة والشعوب المضطهدة إلى مجرد محمول تابع للدول القومية. تتخذ العلاقات الاجتماعية بين الأشخاص شكلًا غير إنساني ومغتربًا من العلاقات الاجتماعية بين الدول القومية. تُعزى الذاتية والحركة المستقلة والنشاط المستقل للجماهير كذات إلى الدول القومية باعتبارها عمالقة مستقلة عن التاريخ. ويتحول الصراع الطبقي إلى نقيضه: صراع عمالقة. ونتيجة لذلك، يتم اختزال معظم الناس إلى دور متفرجين سلبيين في التاريخ يدعمون أحد فريقي العمالقة في الرياضة الجيوسياسية الجماعية. تقبل النزعة الاصطفافية، دون نقد، بنحو لا شعوري وغير مقصود، العرض الأيديولوجي للجيوسياسية الذي يكون فيه الناس في الغالب متفرجين سلبيين يدعمون أحد فريقي العمالقة. الاصطفافية عاجزة عن النقد الذاتي، لأن وجودها كله يعتمد على القبول الأعمى للمشهد، أي لصراع العمالقة. تقبل الاصطفافية، دون نقد وبنحو ضمني، أن الطبقة العاملة والشعوب المضطهدة لم تعد هي الذوات الثورية، بل العمالقة هي الذوات الثورية. سينقذ العمالقة ”المناهضون للإمبريالية“ البروليتاريا والشعوب المضطهدة من براثن العمالقة الإمبرياليين.
لكن عمالقة الجغرافيا السياسية، الذين يبدون مشبعين بشخصياتهم الخاصة، هم في الواقع آلات دولة تجسد رأس المال. ستتنافس كل آلة دولة تجسد رأس المال مع الآلات الأخرى باسم الطبقة الحاكمة من أجل تراكم رأس المال. وستقوم هذه الآلات المجسدة لرأس المال بأعمال تجارية، وستبرم اتفاقيات تجارية فيما بينها لتسهيل حركة رأس المال وتراكمه في المستقبل. لن نستغرب بتاتا، عند أخذ هذه الحقيقة بعين الاعتبار، أن تتاجر الصين وروسيا مع إسرائيل. في الواقع، ينبغي ألا يُستغرَب أن يكون أحد أسباب امتناع الصين وروسيا عن التصويت ضد مشروع القرار الأمريكي بشأن غزة هو أنهما فاعلان في الاقتصاد السياسي الإسرائيلي مندمجان بعمق في النظام الرأسمالي العالمي. لكن من الصعب رؤية ذلك عندما يظل الناس مفتونين بالهالة التي تحيط بالصين وروسيا، والتي تجعلهما يبدوان كعملاقين للمقاومة. إن الانبهار بالهالة التي تحيط بالصين وروسيا هو تعبير عن قوة إضفاء صنمية على الدولة. وتستند الاصطفافية إلى الانبهار بصنمية الدولة. وعوض الاعتراف بالقوة الحقيقية الكامنة في الطبقة العاملة والشعوب المضطهدة، تنسب الاصطفافية هذه القوة إلى الدول البونابارتية. عندما تتلاشى الهالة الساحرة المحيطة بالدول البونابارتية، لا يبقى سوى الحقيقة المجردة، حقيقة أن هذه الدول البونابارتية هي آلات دولة تجسد رأس المال. هذه الآلات الحكومية المجسدة لرأس المال، مثل أي آلة حكومية، يجب أن تدمرها الطبقة العاملة والشعوب المضطهدة من أجل إقامة جمهورية ديمقراطية حقيقية للطبقة العاملة.
******
- بول كيم، فيلسوف ومناضل طلابي
- تيم كاسمينت، متخصص في النظرية الأدبية وعضو في المنظمة الماركسية الإنسانية الدولية.
إحالات:
[1] AJLabs. « Combien de fois Israël a-t-il violé le cessez-le-feu à Gaza ? Voici les chiffres. » Al Jazeera. Consulté le 19 novembre 2025.
https://www.aljazeera.com/news/2025/11/11/how-many-times-has-israel-violated-the-gaza-ceasefire-here-are-the-numbers.
[2] Lewis, Simon. « Le Conseil de sécurité de l’ONU adopte la résolution américaine sur le plan de Trump pour Gaza. » Moyen-Orient. Reuters, 18 novembre 2025.
https://www.reuters.com/world/middle-east/un-security-council-vote-us-resolution-trumps-gaza-plan-2025-11-17/.
[3] ibid
[4] Truth Social. « Donald J. Trump (@realDonaldTrump) ». Consulté le 19 novembre 2025.
https://truthsocial.com/@realDonaldTrump/115519726463094783.
[5] Lewis, Simon. « Le Conseil de sécurité de l’ONU adopte la résolution américaine sur le plan de Trump pour Gaza ». Moyen-Orient. Reuters, 18 novembre 2025.
https://www.reuters.com/world/middle-east/un-security-council-vote-us-resolution-trumps-gaza-plan-2025-11-17/.
[6] Fulton, Adam, Lucy Campbell, Frances Mao, Adam Fulton (actuellement) et Frances Mao (auparavant). « L’organe des Nations unies adopte une résolution – en direct ». Actualités mondiales. The Guardian, 18 novembre 2025.
https://www.theguardian.com/world/live/2025/nov/17/un-security-council-donald-trump-gaza-israel-palestine-middle-east-latest-news-updates.
[7] NBC News. « Les plans de Trump pour une « Riviera du Moyen-Orient » à Gaza condamnés par les alliés des États-Unis ». (5 février 2025.
https://www.nbcnews.com/news/world/trumps-gaza-israel-plans-riviera-rcna190748.
20 novembre 2025
https://imhojournal.org/articles/united-nations-security-council-imposes-intolerable-trumpist-treaty-on-gaza-a-critique-of-campist-delusions/
اقرأ أيضا


