أي جديد تحت شمس الإمبريالية؟
بيار روسيه
هذا النص الوجيز إسهام في نقاش مفتوح في حزب مناهضة الرأسمالية الجديد NPA حول الوضع العالمي و المسائل الإستراتيجية.
قبل قرن، انكب الماركسيون على تحليل “الجديد”، أي عصر الامبريالية. لا زلنا في ذلك العصر، لكن ليس بلا اضطرابات جذرية: ثورات القرن العشرين، متبوعة بثورات مضادة بيروقراطية، والفاشيات، وجيوسياسة “الكتل” بعد الحرب العالمية الثانية، و تفجر “الكتلة الشرقية” وتمهيده الطريق للعولمة الرأسمالية المعاصرة، وبروز أزمة اجتماعية بيئية شاملة.
بلغت عواقب تلك الاضطرابات أهمية تجعل من الأفضل الانطلاق من الوقائع الراهنة لا من “تعريفات” تسمى “كلاسيكية”، بقصد تفادي مقاربة “معيارية” تقيس الحاضر بالماضي. مثلا، في انعطافة القرن، كانت كل القوى الكبرى مسلحة ( بصلابة !). وتفاديا لخطر الثورة بعد الحرب العالمية الثانية، يسرت الولايات المتحدة الأمريكية إعادة البناء الاقتصادية للإمبرياليات المهزومة أو المنافسة، لكن مع إبقائها تحت وصاية عسكرية. النتائج هي أننا الآن إزاء إمبرياليات “بلا أسنان” أو “ضعيفة”. من جانب، تمثل ألمانيا مثالا نموذجيا عن إمبريالية اقتصادية، ومن جانب آخر تظل قواها المسلحة محدودة أو متلفة، قسم منها غير صالح للاستعمال. أما اليابان، فمسألة إعادة تسلحها مسألة سياسية كبرى ذات طابع تفجري.
مثال آخر هي الصين. فقد حررتها ثورة 1949 من السيطرة الامبريالية. وفتحت الثورة المضادة البيروقراطية ( المكتملة في متم سنوات 1960) الطريق لثورة مضادة برجوازية “داخلية” (أي تشكل برجوازية جديدة) بدأت في سنوات 80. يتيح هذا التسلسل، المشترك مع بلدان “شرق” أخرى، لكن غير المسبوق تاريخيا، فهم بزوغ قوة رأسمالية جديدة تحركها تطلعات امبريالية جلية.
طبعا، تظل الولايات المتحدة الأمريكية القوة الفائقة، بعيد جدا عن منافسيها؛ بيد أن الضعف نال من الامبرياليات الأخرى التقليدية لدرجة العجز عن منح الولايات المتحدة مساعدة هي بحاجة مطلقة إليها في عالم حيث أفقدت العولمة النيوليبرالية المجتمعات استقرارها . تمكنت الصين من الاندساس في هذه الثغرة و اتخاذ المبادرة، لا سيما بالبدء باستصلاح أراض من بحر الصين الجنوبي ( وحتى روسيا بوسعها فرض سياسة الأمر الواقع على حدودها بوجه الاتحاد الأوربي). إن للنظام الصيني اليوم وزن دولي اقتصاديا وحتى سياسيا (يعطي نخب المنطقة نموذج تنمية استبدادية)، ودبلوماسيا (بشراكة أحيانا مع الولايات المتحدة الأمريكية).
يجب علينا أن نتابع باهتمام كبير تطور العلاقات بين الامبرياليات. إنها حبلى بصراعات جيوسياسية. وتقودنا إلى رفع مطالب جديدة من قبيل نزع سلاح مناطق التوتر ( أوربا الشرقية، بحر الصين الجنوبي..) أو مطلب عدم اعتبار المحيطات مناطق ترابية. ويزيد تنسيق الحركات المناوئة للحرب على جانبي “الحدود الساخنة” أهمية على أهمية.
لم ننته بعد من تحليل مستتبعات العولمة الرأسمالية المعاصرة. إنها تطرح أسئلة جوهرية، مثل التمفصل الحاضر بين الدول الامبريالية من جهة و القوى الرأسمالية الخاصة من جهة أخرى، أو مثل التغير العنيف للتشكيلات الاجتماعية الوطنية و التوازنات الإقليمية.
يتيح التفكك الاجتماعي الناتج عن السياسات النيوليبرالية تربة خصبة لصعود حركات هوياتية “مُـقصية” ( فيما يظل الضعف ينال من البدائل التضامنية بفعل الهزيمة الجذرية التي مني بها جيلنا المناضل) ولميلاد فاشيات جديدة. يجب الانكباب على هذه المسألة في السياق الحالي، حيث يقوم مثلا التهييج الديني بدور كان من قبل للتهييج الوطني. يجب، هنا أيضا، الاحتراس من المقاربات “التعريفية”: ليس النازية “مقياس” الفاشية بقدر ما كانت مطبوعة بسياق الحقبة وبتاريخ ألمانيا الخاص. يتعين علينا إذن تطوير تحليل محين، خاص، لحركات اليمين المتطرف (دينية كان أو غير دينية) في تنوعها ( ليست كلها فاشية…)
كما أن لصعود الهشاشة بالبلدان الامبريالية التقليدية مستتبعات لم تُستوضح بعدُ بنظري. لقد بات التنظيم الذاتي لضحايا الهشاشة ضرورة إستراتيجية، و لا يمكن أن تجري بنفس كيفيات تنظيم الأجراء القارين. ساسعى لتناول هذه المسالة في مساهمة أخرى.
كما تضع الأزمة الاجتماعية البيئية على كاهلنا مهام جديدة، لكن هذا أمر جرى تناوله بتفصيل في مقام آخر، لا سيما من طرف لجنة البيئة، ولن أقف عنده هنا.
لكن الأمر اقل صحة بما يخص الأزمة الإنسانية التي تتخذ في عالم اليوم بعدا خطيرا على نحو خاص. على هذا النحو، يغدو دعم ضحايا الكوارث الإنسانية، وتنظيمهم الذاتي، رهانا استراتيجيا آخر و واجبا أمميا. يجب ان نتجاوز أشكال الدفاع التقليدية عن المهاجرين و إعادة التفكير مثلا في علاقة الشأن “الإنساني” بـالشأن “السياسي”.
ثمة طبعا أكثر مما يمكن قوله. لحد الآن أحيل على التقرير التمهيدي لنقاش داخل الأممية الرابعة على موقع ESSF:
Mondialisation capitaliste, impérialismes, chaos géopolitique et leurs implications [1].
تعريب: المناضل-ة
اقرأ أيضا