سوريا: مفاوضات تحت قرقعة السلاح

 بقلم: تيار اليسار الثوري (سوريا).

ثمة ترابط وثيق بين تزايد العمليات العسكرية، ولا سيما تلك التي يشنها مؤخراً جيش النظام، وبين ارتفاع وتيرة المفاوضات الدبلوماسية للتوصل الى حل “تفاوضي” بين النظام وأطراف محسوبة على المعارضة.

اذ تطبخ القوى الإمبريالية والإقليمية “تسوية” ما في سورية. تسعى كل منها الى ان تكون حصتها فيها هي الأكبر، بغياب وتجاهل كامل للسوريين، كل السوريين.

فلا النظام اصبح له كلمة في تقرير مصيره، بل اصبح تحت وصاية راسخة روسية – إيرانية كاملة. ولا المعارضة المكرسة والمرتهنة، والتي فاحت رائحة تعفنها حتى قبل استلامها او مشاركتها بالحكم نتيجة رداءة شخوصها وتبعيتها الذليلة للقوى الإقليمية والفساد الذي نخرها بالكامل. علاوة على انها معارضة منقطعة الجذور اجتماعيا وسياسيا وليس لها اي حاضنة او سند شعبي. بل انها لا تمثل حتى نفسها، ليقتصر دورها على دور إمعة تخدم مصالح القوى الإقليمية والدولية الراعية لها.

وفي المقابل، فان غالبية الفصائل المسلحة، مع خصوصية داعش الفاشي وجبهة النصرة الإرهابية التابعة للقاعدة، هي أيضاً رهينة للدول التي تمولها وتسلحها. في الوقت الذي انحسر فيه الحراك الشعبي الى حدوده الرمزية، بعد ان تم سحقه بوحشية من قبل نظام الطغمة واجهزت القوى الفاشية والرجعية المسلحة على ما تبقى منه في ما يسمى ب”المناطق المحررة”. في حين تم فيه تهميش الجيش الحر وحصاره وضربه من قبل كل قوى الثورة المضادة، ليكون تواجده اليوم هامشيا وضعيفا.

إذن ، في هذا السياق من إمساك القوى الإقليمية والدولية، المتناحرة المصالح فيما بينها، على الوضع السوري، ينفتح مسارا دبلوماسيا لما يسمى بالحل السياسي توج باجتماع فيينا ١ ليليه فيينا ٢، متوجا هذا الواقع الراهن، الذي تعمل هذه القوى على فرضه بالقوة، وهو ان مصير السوريين خرج من أيديهم.

ولعل الطريف/المفجع، في هذا الامر، ان البيان الصادر عن اجتماع فيينا ١ نهاية شهر ت١/أكتوبر الماضي أكد على ضرورة ان تكون سورية “علمانية”، في الوقت الذي لم تجرؤ فيه غالبية قوى المعارضة الليبرالية المكرسة حتى على مناقشة هذه الفكرة، بل كانت في غالبيتها ومنذ بدء الثورة تطرح خطابا طائفيا بشعا يتقاطع مع خطاب النظام نفسه. وكان عاملا ساهم في تشويه الثورة وتخريب خطابها ومسارها. بيد ان “علمانية” بيان فيينا ليست الا تغطية هشة لشكل حكم سياسي، اتفقت عليه الدول المعنية، يقوم على المحاصصة الطائفية، وهو من ابشع وأسوأ أشكال الحكم، وكان للمعارضة المذكورة سبق الدعوة له منذ سنوات.

من النافل تكرار القول بان المخرج “السياسي”، في اللحظة الراهنة، تمسك القوى الإقليمية والدولية بتلابيبه، وستفرضه بالقوة، في حال توافقها. لان موازين القوى اليوم لم تعد لصالح الحراك الشعبي ولا لصالح القوى الثورية التي تهمشت الى حد الهزيمة.

ان فرض “حل سياسي” يشمل نوع من اعادة انتاج النظام الحالي مع حقنه بشخصيات “معارضة” لا يعني انه سيتم كما تتمناه هذه القوى الإقليمية والدولية المهيمنة. فهنالك عدة عوامل يصعب الإمساك بها او التحكم فيها او توقعها. من بينها، ان نظام الطغمة لآل الأسد ومهما جرت محاولات اعادة إنتاجه بشكل او باخر قد انتهى، بالشكل الذي كان عليه قبل الثورة. ولم تعد سوريا نفسها، اجتماعيا وسياسيا وديموغرافيا واقتصاديا كما كانت عليه. كما اصبح كل السوريين معنيين بشؤون حياتهم، ودفعوا ثمنا باهظا من اجل تحررهم، ويصعب تخيل ان يفرض عليهم احدا أيا كان نظاما سياسيا لا يأخذ بعين الاعتبار مطالبهم وحقوقهم وطموحاتهم، بدون ان يلقى ذلك مقاومة شعبية واسعة.

ولأن ما يطرح من حل يقتصر على الشق السياسي ويتجاهل الجانب الاجتماعي من مطالب السوريين، وخاصة ان النظام والمعارضة الليبرالية المكرسة تتقاسم نفس الأفكار على صعيد الاقتصاد الرأسمالي، مما يجعل من الأسباب الاجتماعية العميقة المحركة للثورة حية وقائمة بلا حل، ويرشح للمزيد من الانفجارات الشعبية الثورية القادمة.

والحال، ليس هنالك من شيء حتمي او نهائي في ما يجري، ومن بينها محاولات دفن روح الثورة والانتفاض لدى الجماهير الشعبية. لكن قدرة استعادة الحراك الشعبي لنهوضه ومواجهة ما يدبر لشعبنا وبلادنا من مسارات تعمق من التبعية وتلجم تفتح قدراته ونموه، إنما يتطلب بناء قيادة سياسية ثورية، جديدة، تدافع عن مصالح الطبقات الشعبية وتنغرس فيها وفي أوساطها ولا تنفصل عنها. مما يعني انه يقع على عاتق الاشتراكيين الثوريين بناء الأدوات التنظيمية والكفاحية وتحسينها وتوسيعها داخل صفوف الجماهير ومشاركة الاخيرة كل مجالات نضالها وكفاحها في قضاياها المباشرة والعامة. دون ان يتوانوا، في الوقت عينه، عن المبادرة والمشاركة في بناء جبهات متحدة في كل فسحة من فسحات النضال الجماهيري؛ ان كان في مجال المطالب الديمقراطية والاجتماعية ومناهضة الطائفية والعنصرية ومقاومة الهيمنة الإمبريالية والدفاع عن استقلالية إرادة جماهيرالشعب السوري ..

بالرغم من سوء الوضع الراهن في بلادنا، لكننا نعتقد بان الواقع الراهن مليء بالإمكانيات والطاقات على درب متابعة واستمرار الجماهير الشعبية في كفاحها من اجل الحرية والمساواة والعدل الاجتماعي والكرامة الوطنية.

فلنتابع بناء الحزب العمالي الاشتراكي، وإعداد كل متطلبات خوض غمار الموجات الثورية القادمة، لا محالة.

تيار اليسار الثوري في سوريا

افتتاحية العدد ٣١ – جريدة الخط الأمامي لسان حال تيار اليسار الثوري في سوريا. ت٢-نوفمبر ٢٠١٥.

شارك المقالة

اقرأ أيضا