24 فبراير 2016: إضراب عام مفرغ من محتواه المطلبي والنضالي، إلى أين تسير الحركة النقابية بالمغرب؟

سياسة23 فبراير، 2016

بقلم: محمود جديد، منشور ضمن مواد العدد 63 من جريدة المناضل-ة لشهري فبراير/مارس 2016.

يوم 24 فبراير 2016، سيشهد البلد إضرابا عاما عن العمل يشل القطاع الخاص، بمختلف فروعه، والإدارة، والمرافق العمومية، وحتى التجار والمهنيين، كل أماكن العمل بوجه الإطلاق. هذا ما يوحي به نداء أربع اتحادات نقابية(الاتحاد المغربي للشغل، الكونفدرالية .د.ش والفديدرالية .د.ش والاتحاد العام للشغالين) صدر قبل أسبوعين من هذا الموعد.

للوهلة الأولى، قد يدفع هذا إلى الاعتقاد بحيوية الحركة النقابية المغربية ومطابقة فعلها لمتطلبات الواقع العمالي المتسم بشدة العدوان البرجوازي، وبالإصرار الذي لا يلين على مواصلته.

لكن وضع هذا الإضراب في سياقه العام، وبالأخص في السنوات الخمس الأخيرة، المتسمة سياسيا بوجود حكومة واجهة يقودها إسلاميو بنكيران،المنقادون للحكام الفعليين ولصندوق النقد الدولي، وبمسايرة “مناوشة” من قبل القيادات النقابية، يبرز حقيقة “الإضراب العام” وينذر بعواقبه المدمرة لما تبقى من اندفاع نضالي لدى طبقة الأجراء.

أولا: الوضع بالساحة النقابية

بعد اندفاعة نضالية حفزها المناخ السياسي لعام 2011(انطلاق السيرورات الثورية بالمنطقة)، سارعت الدولة إلى كسب تعاون القيادات النقابية لتأمين التحكم بالوضع، وذلك عبر تنازلات غير مسبوقة استهدفت النواة الصلبة للعمل النقابي(الوظيفة العمومية) بزيادة 600 درهم دفعة واحدة وحل مشاكل  قطاعية عالقة، ورفع أجور قطاعات إستراتيجية(سكك الحديد، الفسفاط، البنوك…) وزيادة في الأجر الأدنى القانوني، وتوقيع اتفاق 26 أبريل 2011 …

لم توقف موجة 2011 النضالية خطط الدولة والدوائر الامبريالية، إذ تواصلت السياسة النيوليبرالية المدمرة للمكاسب الاجتماعية، والمضفية مزيدا من الهشاشة وفرط الاستغلال على الأجراء وباقي الفئات الشعبية. وقد عملت القيادات النقابية، منذ استقبلها المعتصم مستشار الملك، بعد أسبوع من انطلاق حراك 20 فبراير، على مزيد من الالتزام  بدور مساعد الدولة في ضبط الوضع الاجتماعي المحتقن. فظل رد شغيلة  الدولة الدفاعي مفككا، حسب القطاعات والفئات، فيما استمر تعرض العمل النقابي بالقطاع الخاص لحملة الاستئصال بالقمع، وطرد النقابيين. مثلما جرى في مناجم بوازار، وهزم إضرابات منجميي جبل عوام، ونصف هزيمة مستخدمي اتوروت. ولعل حالة التنظيم النقابي المحطم  بورزازات بليغة بهذا الصدد. وتنضاف إليها الحملة على التنظيم النقابي بقطاع التصبير بايت ملول(700 أسرة عمالية مشردة منذ زهاء العام)..

صورة قاتمة لا تغيرها الاستثناءات النادرة، كبعض الانتصارات[انتزاع أجراء الضمان الاجتماعي في مايو 2015 لمطالبهم(الاتفاقية الجماعية)، مع أنها مقتصرة على المستخدمين الرسمين، ومضحية بالفئة الهشة من الأجراء].

وفيما تواصل البرجوازية فرط الاستغلال والبطش بالنقابيين، تستمر الدولة في سياسة تدمير ما تبقى من مكاسب عمالية وشعبية، بينما تمتنع القيادات النقابية عن أي خطة نضالية تصد حملة القضاء على النقابة بالقطاع الخاص، وتوقف العدوان على أجراء الوظيفة العمومية(النظام الأساسي، التقاعد…)، وتترك النضالات الصاعدة من القاعدة تختنق في عزلة، وتبادر إلى “تحركات” مضبوطة بحرص شديد على التحكم بها. وبدل خطة نضالية تصاعدية بالتدريج، تخرط أقساما متنامية في النضالات الجارية، سيرا نحو إضراب عام حقيقي، تعمد القيادات إلى أشكال محدودة ، قابلة للتحكم وبلا غد. مثل المسيرات الوطنية – اثنتين بالدار البيضاء( 27مايو 2012- 6 أبريل 2014)، وبالرباط(31 مارس 2013)، وإضراب وطني (29 أكتوبر 2014 )بلغ التحكم به مستوى تقنين تنفيذه والدعوة لتعويض البرجوازيين عن ساعات العمل الضائعة بفعله.

ويسقط خوف البيروقراطية من نضال فعلي في لخبطات قل نظيرها مثل مقاطعة فاتح مايو2015، وتحركات شبه فاشلة مثل مسيرة يوم الأحد 29  نوفمبر في مدينة الدار البيضاء. وما سُمي في البدء اعتصاما عماليا بالرباط، وانتهى وقفة أمام البرلمان فاترة يوم 12 يناير 2016.

ثانيا : سلوك  بيروقراطية النقابات يحكمه موقف سياسي

 من جهة، ثمة هجوم كاسح على طبقة الأجراء، ينفذه الحاكمون الفعليون(القصر والمؤسسات المالية للامبريالية) مستعملين حكومة واجهة، ومن جهة أخرى رد فعل عمالي دفاعي، لكنه مجزأ وغير متزامن. القيادات النقابية بحاجة إلى مصداقية لدى قواعدها، ومن ثمة وجوب قيامها بشيء ما ضد الهجوم،  لكنها تخشى انفلات المارد العمالي انفلاتا يفسد حسابات التزامها مع الدولة بضمان “الاستقرار”. المخرج طبعا من هذه المعضلة هو الاضطرار إلى التحريك المتحكم به. عبر عن هذا صراحة القائد الأول للاتحاد العام للشغالين، كافي الشراط، في الوقفة أمام البرلمان يوم 12 يناير 2016  بقوله “ما كنا نريد الوصول إلى هذا الموقف الذي يؤجج البؤر: نحن دائما في خدمة المملكة والاستقرار”.

فبدلا عن حفز النضالات الجارية، وتنظيم التضامن معها، لتسير إلى النجاح وتشكل من ثمة قدوة، وبقعة زيت تتسع نحو تحرك نضالي وطني شامل وفعال، تلتزم القيادات موقف التغاضي عن النضالات وتركها تختنق في عزلة. وترفض التصدي لحملة اجتثاث النقابة، كما الحال بايت ملول حيث قام احد كبار رأسمالي سوس بطرد النقابة من ثلاث من مقاولاته، واحدة للبناء[سلن تريتا] واثنتين للتصبير [افيرو وضحى]، مشردا عشرات أعضاء المكاتب النقابية ومئات العمال/ات، وزج عضوا بالمكتب التنفيذي للكونفدرالية في متاهة المحاكمات. كلام البيانات كله ضد ما تتعرض له الطبقة العاملة من عدوان، لكن الفعل يحكمه الحرص على “الاستقرار الاجتماعي”، أي استقرار واقع القهر الاقتصادي والقمع والتردي الاجتماعي لقاعدة المجتمع العريضة.

وقد وجد البيروقراطيون، وغيرهم من الساسة خدام الاستبداد والرأسمالية، مبررا لسياستهم الخيانية في فزاعة الردة المضادة للثورة بالمنطقة، وما اتخذت من أشكال تدمير وحروب طاحنة، وانحطاط طائفي واقتتال مذهبي.

 هذا التبرير المخادع يخترق تصريح النقابات الصحفي يوم 10 فبراير 2016 الذي يؤاخذ حكومة الواجهة بأنها “غير مدركة لوضع البلاد في محيطها العربي”. والأمر عينه عبر عنه بيان المجلس العام للاتحاد العام 14 فبراير 2016  إذ يستغرب  ما سماه “عدم فهم الحكومة لإشارات الحركة النقابية الداعية للحوار والتعقل والمنطلقة من حس عال بالمسؤولية الوطنية في ظل العواصف الهوجاء التي تصيب المحيط الإقليمي للوطن”.

لن ُتمس أرباح الرأسماليين وامتيازاتهم، ولن تحسن أوضاع الأجراء، حرصا على الاستقرار ونجاة من مصير بلاد عربية أخرى.

إن مزيدا من تكبيد العمال الهزائم والإخفاقات، وما ينتج عنها من يأس، ومزيد من تدهور الوضع الاجتماعي للشغيلة والفئات الشعبية، والمزيد من الانحدار إلى مهاوي البؤس المحاط بانعدام آفاق وانعدام أمل هو الذي يهدد بتعفن الوضع، ويغذي تربة  نمو الحركات السلفية الرجعية. وهذه الهزائم واليأس وانسداد الآفاق هو بالذات ما ستؤدي إليه  سياسة القيادات النقابية، سياسة التعاون مع أعداء الشغيلة.

إن وجود حركة عمالية قوية ومناضلة، حاملة لمشروع تغيير حقيقي،  هو الذي سيجنب البلد أهوال التعفن السلفي الرجعي. إن البيروقراطية النقابية تصب الماء، بسياستها الخائنة لمصالح الشغيلة، في طاحونة قوى اليأس الرجعية.

ثالثا : التصريف اليومي لهذا الموقف السياسي المناقض لمصلحة الشغيلة

بحكم طبيعتها كفئة ذات امتيازات، وسيطة بين العمال والرأسماليين، وتحالفها السياسي مع الاستبداد(ما يسمونه الخيار الديمقراطي للمغرب)، تنهج البيروقراطية حاليا  نهج مسايرة الهجوم البرجوازي، والأمثلة أكثر من أن تعد.

  • موقف القيادات الفعلي من النضالات العمالية:  موقف متخاذل تسعى إلى إخفائه بكلام البيانات،  ويتجلى في تغاضيها عن مصلحة العمال في نزاعات طبقية كبرى مثلما الأمر في ما تشهد مصفاة البترول لاسمير، وواقع شغيلة مقاولة المغربية للصلب(ستيل)، وفي النضالات المجزأة لأجراء قطاعات مثل النظافة المفوض تدبيرها للخواص، وفي السحق المفرط لفئات عمالية منزوعة المقدرة عن الدفاع عن نفسها بفعل هشاشة تشغيلها كعمال الحراسة(أكثر من 100 ألف أجير)، والسحق اليومي للشباب والشابات في مراكز النداء وفي المناطق الصناعية الحرة. وقد تجلى التخاذل أسطع ما يكون في الموقف من نضال المدرسين المتدربين: امتناع عن واجب أولي هو الدعوة إلى إضراب عام بالتعليم بالأقل. ولم ينقذ شرف الحركة النقابية في هذه المعركة التاريخية غير فروع نقابات التعليم التي دعت إلى إضراب محلي، وإلى أشكال تضامن ميدانية.

وثمة أيضا في هذا الرصيد الموقف الفعلي من نضال أجراء فسفاط خريبكة ، ضحايا هشاشة التشغيل، وقبلهم عمال الأتوروت. هذا في  إحدى أهم جبهات النضال العمالي: هشاشة التشغيل وما يستتبع من فرط الاستغلال.

  • الموقف العملي من الهجوم على مكاسب التقاعد:

 استهداف الدولة لمكاسب الأجراء في التقاعد خطة شاركت فيها القيادات النقابية  طيلة 12 سنة في ما سمي “اللجنة الوطنية المكلفة بإصلاح أنظمة التقاعد” و”اللجنة التقنية” (حتى يساريون مزعومون دافعوا عن مشاركة النقابات العمالية في مخطط لا يجهلون انه صادر عن البنك العالمي وصندوق النقد الدولي). وأسهمت البيروقراطيات في إنجاح الهجوم بالامتناع عن تنظيم حملة توضيح مضادة لحملة التضليل الرسمية، وعن أي تعبئة ميدانية. التواطؤ مقنع لكنه واضح. وقد سبق السكوت على ضربة مماثلة في القطاع الخاص: ضربة  تغيير كيفية حساب التقاعد  لدى الضمان الاجتماعي سنة 2004( كان يجري باختيار الأفضل من متوسط أجور 3 و 5 سنوات، فاستبدل بمتوسط أجور 8 سنوات)، ما أدى إلى خفض المعاشات. وليس مشروع الدولة المعروض حاليا على البرلمان غير تتويج لأشغال اللجنة الوطنية لإصلاح أنظمة التقاعد. والغاية كانت معروفة منذ البداية أي قبل 12 سنة[وقد نبهنا مرارا على أعمدة هذه الجريدة المناضلة إلى الخطر، وحذرنا من انسياق القيادات النقابية].

ونفس الشيء ينطبق على الموقف من ما يسمى رؤية إستراتيجية للتعليم المراد تسليعه وجعله مجالا استثماريا للقطاع الخاص، ومن التنزيل الإنتقائي والفعال «لإصلاح الوظيفة العمومية» الذي يجعلها خاضعة لمنطق السوق والمقاولة الرأسمالية وعرضة لعدم الإستقرار، وأيضا نفس الموقف من تنامي الإجهاز على ما تبقى من صندوق دعم الأسعار(المقاصة). دون اغفال صمتها المطبق عن الفصل 288 من القانون الجنائي المكبل لحق الإضراب والذي يزج بالنقابيين في السجون…

  • موقف القيادات النقابية من الكفاح الشعبي:  في طنجة ضد غلاء الكهرباء، ونضال طلاب الطب، والأساتذة المتدربين. طالما يتعذر التصريح برفض مساندة هذا النضال، يجري الاقتصار على “دعمه” لفظيا بأقل قدر ممكن، والتفرج على اختناقه، وانتظار خفوته لتنفس الصعداء. البيروقراطية تعي عدوى الكفاحية، وتخشى انتقالها، عند بلوغ درجة متقدمة، إلى منظمات العمال. المنطق النقابي يقتضي إدراج الخدمات العامة ضمن محاور المطالب والنضال. إن هاجس التحكم يقود إلى سعي حثيث إلى إبعاد النقابة العمالية عن  حالات تجذر النضال.

 رابعا : أي إضراب عام ؟

تقتضي جدية الدعوة إلى إضراب عام المطالبة بوقف اقتطاع أجور المضربين، وبإرجاع ما اقتطع في الإضرابات السابقة. هذا الأمر الحاسم لا ذكر له في نداء الدعوة إلى الإضراب العام، ولا اثر له في التصريح الصحفي للنقابات الأربع يوم 10 فبراير 2016.

لا يكف وزير التشغيل عن تأكيد العزم على تمرير قانون إفراغ حق الإضراب من محتواه (منعه الفعلي)، متوعدا بعرضه على دورة البرلمان في ابريل القادم. أليست الدعوة إلى الإضراب العام لحظة حاسمة لتأكيد رفضه قانون الإضراب والعزم على إسقاطه؟

لماذا لا تتم المطالبة الصريحة بسحب فوري  لمشروع التقاعد من البرلمان، وإعلان الانسحاب من اللجنة الوطنية للتقاعد؟ ولماذا تفادي المطالبة بزيادة الأجور بنسبة معروفة ؟ لماذا تصاغ المطالب بكيفية غير دقيقة؟ هذا يترك إمكان التراجع عن الإضراب عند أدنى تظاهر بتحقيق المطالب، ويسهل قبول أي نتيجة مهما كانت هزيلة.

غاية القيادات جر “الحكومة” إلى “الحوار” وايجاد تسوية ما تبرر التراجعات القادمة، وليس تحقيقا فعليا لمطالب العمال.

تخشى القيادات تعبئة فعلية للإضراب العام، ما يجعل المدة بين الدعوة إليه ويوم تنفيذه المرتقب مجرد مهلة لتبادر “الحكومة” إلى إجراء “الحوار” ومن ثمة إمكان التراجع عن الدعوة إلى الإضراب في حال الحصول على المبتغى.

الضعف الذي أصاب التنظيم النقابي بفعل تضافر القمع والهشاشة يستدعي أكثر من ذي قبل حملات تعبئة بالمناطق الصناعية، وبأحياء سكن الشغيلة، لحفز المشاركة في الإضراب. كما تتجسد تعبئة فعلية في تنظيم تجمعات عمالية بأماكن عمومية لإيصال نداء الإضراب. وقد شهدنا كيف تفوق التعبئة للانتخابات المهنية التعبئة للإضراب العام.

ما ستجتهد فيه القيادات هو إنماء دور رصيدها التاريخي في أشكال “نضال” متحكم بها:”تقنية الإضراب” الرامية إلى  تفادي تسيير المضربين لنضالهم بالدعوة إلى الإضراب بالبقاء في البيوت، بدل الوجود في أماكن العمل، وساحات الاحتجاج.

تبرز عدم جدية دعوة فئات اجتماعية أخرى (تجار وحرفيين) إلى المشاركة في الإضراب العام العمالي في انعدام الدعوة إلى تحركات فعلية تتيح تلك المشاركة، من قبيل تجمعات شعبية ومسيرات يوم الإضراب.

إن إضفاء الطابع الشعبي على الإضراب العام من صميم تقاليد الكفاح العمالي، وقد شهد بلدنا تجارب من هذا القبيل، لعل أبرزها  دور النقابة الوطنية للتجار الصغار [ نقابة  المرحوم المستغفر  المذكور في نشيد الكونفدرالية] في إنجاح المشاركة الشعبية في إضراب الدار البيضاء التاريخي يوم  20 يونيو 1981.

السياق الراهن، وتدحرج البيروقراطية النقابية على منزلق التعاون الطبقي، لاسيما بيروقراطية كدش التي كانت اشد قتالية بفعل ارتباطها التاريخي بحزب كان مناوشا للاستبداد، يدل على ان دعوة فئات اجتماعية أخرى إلى الإضراب العام مجرد تهديد لفظي لإفزاع “الحكومة”. هل ننسى هوس القيادات بـ “الاستقرار الاجتماعي”

الآفاق: الإصرار وطول النفس في بناء المنظمات النقابية بناء ديمقراطيا  

سياسة قيادات المنظمات النقابية سياسة لصالح البورجوازية إلى حد بعيد، وتمارس القيادات التعاون الطبقي مع البرجوازية ودولتها، وتضعف من جراء ذلك نضال الشغيلة الطبقي. هذا ما يدل عليه تاريخ بلدنا، كما في بلدان أخرى. ويدل عليه اليوم  التلاعب بطاقة العمال النضالية وبسلاح الإضراب العام. مع ذلك لا يسقط الثوريون في موقف معاداة المنظمات النقابية، ولا هجرها أو تنفير العمال منها. فبدون تلك المنظمات سينعدم حد أدنى من التنظيم  والوعي العماليين، ويصعب جدا إنماء ذلك الوعي، ويتعذر  تغيير موازين القوى اليومية بين العمال والبرجوازيين، ما يهدد بنسف ثقة الطبقة العاملة بنفسها. يجب الدفاع عن المنظمات النقابية ضد تدمير الدولة البرجوازية لها بالقمع، كما يجب محاربة ظواهر إعدام الديمقراطية الداخلية، ومكافحة الميول إلى التبقرط، وحفز كل أشكال إمساك الشغيلة بزمام أمرهم النضالي.

إن نقد سياسة البيروقراطية النقابية لا معنى له، بل يكون مجرد تهرب من المسؤولية، ما لم يصاحبه اقتراح سياسة بديلة: سياسة الدفاع الحقيقي عن مصالح طبقة الشغيلة، الآنية والتاريخية. معنى هذا بناء يسار داخل كل منظمات العمال النقابية، يمارس منظوره لقضايا النضال النقابي: المطالب، أشكال النضال والتضامن،  سبل ديمقراطية لتسيير منظمات النضال.

الحلول السهلة، حلول مسايرة البيروقراطية اتقاء لشرها حلول زائفة. وتدل على ذلك تجربة يساريين طيلة ربع قرن في الاتحاد المغربي للشغل. تلك المسايرة شبيهة بمن يساير الدولة البرجوازية خشية قمعها. ضريبة التعرض للقمع لا مفر منها طالما ثمة عزم على النضال من أجل مصلحة العمال. وجلي أن تفادي قمع مجاني يلزم بتجنب تعريض القوى المناضلة لبطش البيروقراطية دون داع.

شارك المقالة

اقرأ أيضا