عن أهمية التنظيم والوعي والأيديولوجيا: نحو انتصار الثورة

مقالات7 مايو، 2016

دخل الشعب السوري الحيز العام، مع اندلاع انتفاضته الشعبية، ولم يكن شعار الشعب يريد، الذي صدحت به ألوف الحناجر إلا تعبيراً رمزياً، بالغ الدلالة على اقتحام الإرادة الشعبية لساحة الفعل السياسي، وجاءت الانتفاضة كما بات معروفاً عفوية ومضت الجموع إلى الساحات بوعي ثوري- مدني واخترقت الإطار الأهلي- التقليدي للتظاهروهذه سمة التغيير من أسفل.

وفي هذه الأثناء، ظهرت التنسيقيات كهيكيلية تنظيمية شبابية، استطاعت أن تخلق صلات بين بؤر الاحتجاج في أكثر من منطقة واعتمدت في ذلك على التكنولوجيا الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعية، بيد أن هذه الفعالية التنظيمية اللامركزية، لم تصمد أمام بطش النظام ولم ترتق إلى مستوى تحدي التآمر الإقليمي- الإمبريالي.

على المقلب الآخر، لم يستجب النظام لمطالب المحتجين السلميين واعتمد الحل الأمني سبيلاً وحيداً لقمع الاحتجاجات الشعبية، ورفض الإصلاح وأي شكل من أشكال الانفتاح لأنه أدرك وبغريزته الطبقية، أن أي خطوة إصلاحية من شأنها أن تمكن الشعب وتقويه وتحوله إلى قوة رئيسية في حقل الصراع الطبقي، يصعب احتواؤه فيما بعد. وبدل الانفتاح كما أسلفنا، عمد النظام إلى إثارة المخاوف الطائفية وغذى الانقسام العمودي، حتى يحول الصراع السياسي إلى طائفي وبقيت العفوية السمة الغالبة للتظاهرات، ولا يمكن اعتبار هذه الأخيرة إلا داءً خطيراً يمكن أن يودي بأي حركة ثورية في زمن التخطيط الإمبريالي لفشل الثورات وفق تعبير المفكر الشهيد مهدي عامل.

وبعد عسكرة الثورة، التي لم تكن خيار الشعب الثائر، بل فرضت عليه بفعل قمع النظام، برز ما سمي “الجيش الحر” كمقاومة شعبية مسلحة، قوامه جنود وضباط انشقوا عن النظام، ورفضوا المشاركة في قمع شعبهم، وقرروا تنظيم أنفسهم بغية حماية الانتفاضة. بيد أن هذه المقاومة لم يكتب لها الاستمرارية، بسبب غياب قيادة سياسية-عسكرية منظمة، ونقص التسليح وجرى حصاره والتضييق على حركته على حساب دعم الفصائل السلفية والجهادية.

وبعد دخول التمويل المسيس على الخط، وما ترتب على ذلك من فوضى السلاح، جرى تدويل الثورة السورية، وتحولت إلى ما يشبه الحرب الأهلية، وأصبحت سوريا ساحة صراع بين الدول الكبرى، ويقاتل بالنيابة عنها أدوات محلية، على حساب الدم السوري وتشريد الشعب وتشظيه.

وبذلك وقعت الانتفاضة في حالة استعصاء ثوري مركب، فرضت على الشعب وتحديدا في الأطراف والهوامش، أن يعود إلى الانتماءات المحلية ولا يمكن تفسير هذه الحالة، إلا بأنها أقرب ما تكون إلى حالة النكوص، في زمن الردات الثورية حيث وجدت الأغلبية المهمشة في البنى العصبوية- الأهلية، ملاذاً آمناً لها فضلاً عن تضافر أسباب أخرى كالإحباط واليأس وفقدان المعنى والغاية، وكلها عوامل، ساهمت في تمدد حالات التطرف ومع الأخذ بعين الاعتبار الخطاب الثقافوي لقوى الهيمنة، عن صدام الحضارات والأديان والثقافات وهذا بدوره عزز أيضاً من سياسات الهوية ومن الانغلاق.

من دون أن نتعامى، عن الدور الخطير الذي لعبته المعارضة السورية، ممثلة بالإخوان المسلمين والنيوليبراليين في تطييف الانتفاضة وحرفها عن مسارها الوطني-الشعبي الديمقراطي حيث اعتمدت خطاباً طائفياً إقصائياً، أثار مخاوف قطاعات كبيرة من الشعب، الأمر الذي جعلها تلتف حول النظام، بدل التوجه إليهم بخطاب وطني جامع، من شأنه أن يسهل عملية انفكاكهم عن النظام ناهيك عن تواطئهم مع الخطاب الغربي-الاستشراقي حول المكونات والجماعات وكل ما تم ذكره، ساهم من تعزيز حالة الاستعصاء الثوري والتراجع عن المسار الديمقراطي-الوطني.

في ظل هذه المعمعة، أتى التدخل الكولونيالي الروسي، الفظ والوحشي، ليزيد الأمور تعقيداً وليساهم في تثبيت الحكم القديم وليعينه على سحق الانتفاضة الشعبية، والذريعة كما كانت دوماً الحرب على الإرهاب ممثلة بداعش هذه المرة.

بعد هذا التوصيف السريع، لمآلات الانتفاضة وأحوالها وتعرجاتها، لا ضير من القول، بأن البلد أصبح يرزح تحت وطأة التدخل الكولونيالي وأصبحت المناطق المحررة تحت سيطرة قوى الثورة المضادة ومن الطبيعي وفي ظل هذه الأوضاع البالغة التعقيد، أن تتراجع السياسة بمفهومها التحرري والشامل، وأن ينكفئ الفاعلون السياسيون.

من المهم الإشارة إلى أنه وفي المرحلة الانتقالية المقبلة ستتواجه استراتيجيتان:

الاستراتيجية الأولى، ممثلة بالطبقات المسيطرة والقوى المضادة للثورة والامبرياليات 

ستسعى هذه القوى مجتمعة، حتى لو تناقضت مصالحها، إلى اخماد الانتفاضة السورية والعمل على تفكيكها، من خلال إدامة أمد النزاع، وإنهاك كل القوى المتحاربة واستنزافها بحيث لا يستطيع أي طرف من الأطراف أن يحسم المعركة وبوقت قصير، ولن تفضي حالة الاستنزاف هذه، إلا إلى اصطفافات تقليدية من نمط عصبوي وإلى تمثيل سياسي للطوائف والجماعات الأهلية وعندها، سوف يتم تأجير كل جماعة أهلية، واستخدامها كقوة عسكرية مقابل امتيازات، ويجري استتباعها والتحاقها بهذه الدولة أو تلك، ويكون لكل طبقة مسيطرة ممثلين محليين، يضمنون بقاء مصالحها وتدخلها المستمر، وبهذه العملية، تكون قد أجهضت عملية التحول الديمقراطي، لصالح التأسيس لنظام سياسي طوائفي. لا يعني هذا الشكل من التسويات الطائفية، وفي أسوأ حالاته، الا تأبيداً للمقتلة وحرب أهلية لا تنتهي.

هكذا، تدير الدول الامبريالية أزماتها، من خلال تفكيك دول الجنوب وتغذية الحروب الأهلية وإدامة النزاعات وتعتمد في تنفيذ هذه المخططات، على الاثنية وتشجيع الحركات الانفصالية وكله تحت شعار الديمقراطية وحقوق الإنسان. من دون أن تقف الحركات السلفية والليبرالية عائقاً أمام تنفيذ هذه الأهداف، وهي التي ما انفكت، تروج للفدرلة والتقسيم ولن تفضي هذه الأخيرة وفي ظل حالة الإنقسام المجتمعي والوطني وغياب الدولة الديمقراطية أو أي شكل من أشكال الانتظام الفوقي، إلا إلى تقوية سلطة الأعيان المحليين لكل كانتون أو دويلة والمقصود بالأعيان في هذا السياق، أمراء الحروب والنخب النيوليبرالية عسكرية كانت أم إسلامية، وعندئذ يصبح من السهولة، ربط اقتصاد كل دويلة بالدول الخارجية، ويسهل إقامة قواعد عسكرية وتعود الوصاية الاستعمارية من جديد ويجري نهب الثروات عبر الوكلاء المحليين الذين سوف يديرون البلاد. الحلول المدولة، والتي إن لم تحافظ على النظام القديم والأوضاع القائمة، فإنها تأتي بالبدائل الأكثر شعبوية وفظاظة وفاشية.

الاستراتيجية النقيضة لقوى الهيمنة والسيطرة والتسلط

إن مواجهة قوى الهيمنة وأدواتها المحليين، منوط أولاً وأخيراً، بوضع استراتيجية بديلة للسائدة، والبداية تكون بالعمل على تفعيل العامل الذاتي والمقصود بهذا الأخير، وجود حزب ثوري يتغلغل بين الأغلبية المفقرة، ينشط بين صفوفها ويؤطر نشاطها، من أجل دفع الصراع إلى نهاياته و المطلوب أيضاً انخراضاً فاعلاً للمثقفين الثوريين بالسيرورة الثورية وبذلك، يكون قد جرى التأسيس لنواة كتلة تاريخية ناهضة، موجودة بقوة الفعل والإرادة والواقع ومن شأنها أن تحدد مهام مرحلية عملية، لكل مكون من مكوناتها ومن بين أبرز المهام التي يجب أن ينهض بها المثقفون الملتحمين التحاماً عضوياً بأحزابهم الثورية، أن ينكبوا على دراسة الثقافة الشعبية للمناطق المهمشة الثائرة وهي خطوة أولى على طريق تفكيك الوعي التقليدي وأخذين بعين الاعتبار، أن هذه العملية أي “تفكيك الوعي” هي عملية تاريخية شاقة ومعقدة وتتطلب صبراً وأناة ونفساً طويلاً. لا يمكن اعتبار هذه الخطوة، ترفاً ثقافوياً، بل حاجة ملحة وضرورية من أجل كسب ثقة الناس، وعندما ينجح المثقفون بنقد هذه الثقافة ومن خلال الجدل والحوار معها وسط الجماهير، عندها يمكن أن تتقبل هذه الاخيرة، الثقافة الجديدة ويمكن أن تتجذر في وعيها بمقدار تجذر الثقافة التقليدية.

وهنا يكمن الفرق، بين المثقف العضوي، الذي يسعى إلى تغيير وعي الناس، وتثويره وبين المثقف النقيض، الذي ينساق وراء المزاج الشعبي وبشكل أعمى ويسعى إلى تطييفه سيما وأنه من السهولة أن ينحرف هذا الوعي، ويتم التلاعب به، في زمن الردات الثورية ولا بد من قطع الطريق، على كل ما من شأنه أن يتلاعب بهذا الوعي ويضلله لغايات لا تخدم المسار الثوري-التحرري للانتفاضة الشعبية، وحين تتملك الفئات الشعبية المهمشة، وعياً ثورياً تصبح مدركة لواقعهاولمصالحها وتعرف أعداءها وخصومها وتدرك أسباب الخضوع وآليات التمرد وتنتقل من بعدها من مرحلة التمرد السلبي إلى مقام الإرادة الجماعية الفاعلة.

ولأن الصراع في نهاية المطاف، على استقطاب الجماهير والهيمنة على وعيها، لذا كان من الضروري إيلاء المستوى الإيديولوجي، دوراً أساسياً في عملية الصراع القائمة. فهناك طبقة سائدة، تحاول أن تفرض هيمنتها وإيديولوجيتها المضللة والزائفة، وسوف تبذل قصارى جهدها وتحشد كل إمكانياتها من أجل حرف الصراع السياسي عن مساره وتحويله إلى صراع طائفي، وهذا ما اشتغلت عليه منذ اليوم الأول من اندلاع الانتفاضة الشعبية، حين وَصَمَت الاحتجاجات الشعبية، بأنها حركات سلفيين وارهابيين وتواطأ مع هذه الايديولوجيا كل الطبقات المسيطرة والامبرياليات، واذا تمكن الوعي الطائفي من وعي الشباب والأغلبية المفقرة، يمكن أن يعيق تقدم السيرورة الثورية، في الوقت الذي يجب أن يعمل على تسييسه وتثويره وإعادته إلى سكته الصحيحة كصراع طبقي ضد الطغمة الحاكمة، ومن هنا تنبع اهمية دور الكتلة التاريخية الثورية بأن تفرض هيمنتها الجديدة، وإيديولوجيتها الثورية النقيضة، التي لا تعمق من تماسكها وحسب بل بقدرتها على اختراق أيديولوجيا الخصم، وايجاد ثغرات فيها ومهما يكن من أمر، فإن قوة الأيديولوجيا الثورية تكمن في اختلافها وتمايزها عن السائدة، لأنه وحين تتماثل الايديولوجيتان هذا يعني انتصار للخصم ومساعدته على الخروج من مأزقه وبالتالي اعادة هيمنته وسيطرته الطبقية.

ويمكن أن نستحضر بهذا الخصوص، فكرة هامة للمفكر الشهيد مهدي عامل حين قال “بأن الجماهير محمولة بمنطق التاريخ ومدفوعة إلى ضرورة أن تحسم أمرها إما ضد وعيها الايديولوجي وشكله الطائفي الرجعي في اتجاه تغيير جذري لنظام الطغمة المالية الحاكمة وإما في اتساق مع وعيها الطائفي وبذلك تكون قد وقفت ضد مصالحها الطبقية”.

لا ضير من القول، بأن القوة الوحيدة التي يمكنها أن تساعد الجماهير، على حسم هذا التناقض هو الحزب الثوري، الذي يعتبر بمثابة العقل الموجه للقوة الشعبية، وهو الذي يترجم الهيمنة السياسية للقوى الاجتماعية التقدمية إلى وقائع ثقافية وأخلاقية جماهيرية، وهذه الحركة ليست بالبسيطة أبداً، بل هي في غاية التعقيد.

وفي زمن التحولات الكبرى، ينبغي عزل الفئة المضللة ونقد الانحرافات الانتهازية ومحاربة كل أشكال الوعي الاصلاحي، الذي يمكن أن يشل حركة الصراع الطبقي كما لا بد من استغلال الأزمات المعيشية والاقتصادية، من أجل حشد القوى الشعبية، سيما وأن الثورات القادمة لا يمكن الا أن تكون إلا اجتماعية الطابع وكما كانت القضية الاجتماعية-الاقتصادية من أحد أهم الأسباب التي دفعت الفئات الشعبية للتظاهر، ويمكن أن تكون السبب الرئيسي أيضاً لهزيمة القوى المضادة للثورة ولهزيمة الأنظمة التي يعاد تأهيلها وانتاجها.

الحزب الثوري وانتاج نظرية الثورة

من البداهة القول، بأن إنتاج المعرفة الماركسية الجديدة في زمن الانتفاضات الشعبية، لا يحصل في المختبرات النظرية ولا في الغرف المغلقة، بل من خلال الانخراط الواعي والمسؤول للمثقفين الثوريين، في السيرورة الثورية وهذا الانخراط يشكل الشرط الأساسي لانتاج نظرية الثورة النابعة من خصوصية التركيب الاقتصادي-الاجتماعي لبلادنا و من تمايز الانتفاضات الشعبية العربية وسبق للمفكر الشهيد مهدي عامل أن طرح سؤالاً تاريخياً هاماً حين وضع كتابه الهام “النظرية في الممارسة السياسية” كيف يصير المفكر ثورياً وكيف يصير ماركسياً وكيف ينتج الفكر ضمن سيرورة ثورية؟

الجواب على هذا السؤال التاريخي، يكون بالانخراط العملي للمثقف في السيرورة الثورية كما أشرنا أعلاه، سيما وأن النظرية الماركسية هي نظرية العملية الثورية نفسها، وبالتالي نظرية الصراع الطبقي أي نظرية التاريخ وكل ممارسة سياسية هي بالضرورة ممارسة حزبية أي ممارسة الحزب الثوري، وليست اسقاطاً من خارج النظرية على الممارسة السياسية، ويمكن أن نقتبس فكرة هامة وردت في مقدمة الكتاب الذي أشرنا اليه أعلاه وهي “ليست موضوعية الفكر، في حياده الطبقي، بل في قدرة الفكر، على النظر في الواقع الاجتماعي من زاوية نظر الطبقة التي يحملها التاريخ، إلى ضرورة تغيير الواقع حتى يتمكن التاريخ من تحقيق ضرورته”.

مع انخراط المثقف بالعملية الثورية، يكون قد تم القطع مع الماركسية المغلقة والنخبوية والفوقية وجرى تحقيق حلم المفكر الايطالي انطونيو غرامشي حين دعا إلى ما سماه “ماركسية الجماهير” حيث تغيب الفروق، بين الثقافة العالية والثقافة الشعبية، ماركسية تنقد الجماهير وتنقدها الجماهير، فيكون التعليم الذاتي من خلال الفعل المبدع، أساساً لثقافة جديدة وأساساً لطبقة جديدة، تقاتل من أجل عالم لا فروق فيه. إدخال الماركسية عبر المثقف الثوري، هاجسه تعليم الناس، بلغتهم ووفق تصوراتهم وليس بلغة الأكاديميا التي تختلف اختلافاً جذرياً، عن عملية استيراد الوعي من الخارج أي الوعي المتفوق، الذي يرمي به المثقفون من مقاماتهم العالية. ولا ضير من القول، بأن بعض المثقفين فشلوا فشلاً ذريعاً بهذا الخصوص، لأن أفكارهم لم تنتشر في البيئات الأكثر حرماناً وفقراً وجهلاً، لأنهم بقوا مرتبطين بعالم فردي-مجرد-فقير وفق توصيف المفكر الثوري غرامشي.

غني عن القول، بأن المعرفة العلمية لطبيعة الصراع الطبقي المحلي، هو الشرط الأساسي لانتاج نظرية الثورة وأساسها فلسفة البراكسيس، وهنا يكمن الفرق، بين الفكر الثوري وبين الفكر النقيض، الذي يسعى إلى طمس حقيقة الصراع الطبقي. ومهما كان الفكر علمياً وثورياً فإنه لا يحدد الواقع الاجتماعي إلا إذا دخل ميدان الصراع الطبقي وفق تعبير المفكر الشهيد مهدي عامل.

لماذا التنظيم؟

لا تنبع أهمية التنظيم فقط من كونه سوف يسرع بإطاحة الطبقات المسيطرة التي يعمل على إعادة انتاجها وتأهيلها من قبل الامبرياليات الداعمة لها، بل سوف يضع الجماهير المنظمة في حالة صدام مباشر مع الامبريالية، لأن الجماهير تواجه من خلال ثورتها ضد أنظمتها منظومة دولية امبريالية هي الخطوة الأولى على طريق سقوط الامبرياليات التي ستزداد عدوانيتها خلال المرحلة المقبلة بسبب الأزمة البنيوية التي تعصف بنظامها بعد اندلاع الانتفاضات الشعبية.

وتعتقد قوى الهيمنة الامبريالية بأن خطابها الثقافوي عن صدام الحضارات وخلق أعداء وهميين من شأنه أن يحور أنظار شعوبها عن الخصوم الحقيقيين للشعوب في المراكز والأطراف. وهي تحاول أن تلتف على الصراع الطبقي الذي سوف يتفاقم في العالم بأسره وهي التي سعت من خلال مراكز أبحاثها إلى طمس حقيقة الصراع الطبقي من خلال تعميم مفاهيم خبيثة من متل المجتمع المدني، الحوكمة، الشركاء الاجتماعيين، الجماعات.

كل هذا التضليل الفكري لن ينفعها، لأن الاحتجاجات الشعبية-العمالية ستتصاعد في المدى المنظور وستجتاح كل بلدان المراكز ضد الرأسمالية الهَرِمة، والتي بلغت المرحلة الأخيرة من تحللها، والذي تتجلى بسيطرة رأس المال المالي المميز لعصر الاحتكارات. وهذا يعكس الطبيعة الطفيلية للرأسمالية.

من هنا تبدو الثورة ممكنة وضرورية، فالتاريخ لا يقبل السكون، وقد تواجه الشعوب الحروب والأزمات والفوضى، وهنا بالضبط تكمن أهمية التسييس وتنظيم النضالات الاجتماعية، حيث إذا ما استطاعت هذه الشعوب من تنظيم قواها وخلق جبهة أممية للشعوب من أجل العدالة الاجتماعية. يمكن لنضالات جميع الشعوب، في الأطراف كما في المراكز، ضد الامبريالية والانتقال إلى الاشتراكية. فلم يعد في جعبة الرأسمالية ما تقدمه للأكثرية من السكان في ظل تفاوت صارخ ومريب حيث أن نسبة 1% تستحوذ على الثروات وهي بذلك تحكم على مليارات الكائنات بالفناء والإبادة.

في نهاية المطاف، لا بد للامبريالية من أن تفرز القوى التي ستقارع مشروعها، كما أفرزت الرأسمالية أثناء مرحلة نموها حافرة قبرها أي الطبقة العاملة، أي القوة الكامنة التي يمكن لها أن تتفوق عليها. ولن يكون البديل عن العولمة الامبريالية إلا بناء عدالة اشتراكية، حيث يبقى شعار الماركسية الثورية روزا لوكسمبورغ “إما الاشتراكية أو البربرية” أكثر من راهن.

الكاتب/ة: هـ. أ. الجندي. المنشور، المنتدى الاشتراكي، لبنان، الخميس 5 مايو 2016 
شارك المقالة

اقرأ أيضا