تظاهرنا.. ماذا بعد؟

سياسة31 أكتوبر، 2016

 

 

شهد المغرب يوم 30 أكتوبر 2011 في أزيد من 40 مدينة وبلدة، احتجاجات جماهيرية (وقفات- مسيرات) تنديدا بجريمة بشعة أودت بحياة محسن فكري بائع سمك بمدينة الحسيمة.

غضب الكادحين: جمرة تحت رماد سرعان ما تتقد

ذكرت هذه التظاهرات الجميع، بأن مناخ الاستعداد للنضال لا زال قائما، وأن تراجع الحراك السياسي والاجتماعي المعروف بـ 20 فبراير على خلفية تنازلات النظام، تراجع مؤقت وظرفي.

ستذكر هذه التظاهرات النظام، بأن ما يدعيه من نجاح مطلق في إخماد جذوة النضال بتنازلاته وقمعه المحسوب، نجاح نسبي فقط.. ما دامت أقسام كبرى من الشعب الكادح مخدوعة بأوهام تحسين ظروف حياته بطرق سلمية يتفادى معها مآل الخراب والدمار التي تعيشه سوريا واليمن وليبيا، التي يسوقه إعلامه عن باطل.

لا تفسر التظاهرات التي شهدناها يوم 30 أكتوبر ببشاعة الجريمة فقط، بل بمستوى الاحتقان والغضب الشعبي الذي ظل يتراكم في نفوس الجماهير، طيلة السنوات الست بعد خفوت حراك 20 فبراير..

الاحتقان والغضب ضد إجراءات دكاكة عصفت بالنزر القليل من ما تبقى من حقوق، كما قضمت طفيف تنازلات النظام أيام 20 فبراير (زيادة في الأجور، ضخ أموال في صندوق المقاصة، تشغيل معطلين، إصلاح دستوري يدعي القطع مع الاستبداد..).

غضب شعبي مشروع ظل يتراكم ضد تعسف أجهزة البوليس وتغولها، لأنها متأكدة من أن “مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة” محض كذبة لخداع الواهمين.. استياء عارم ضد تدخلات رجال البوليس والقوات المساعدة ضد تظاهرات شباب عاطل وأساتذة متدربين وأطر عليا ونساء يدافعن عن مساكن بنيت بشق النفس.

كل هذا- إلى جانب بشاعة جريمة اغتيال محسن فكري- هو ما يفسر سرعة وسعة التظاهرات، لذلك سيكون من الخطأ الكبير، تصديق مناورات النظام حول فتح تحقيق نزيه في الواقعة، وكأن الأمر يتعلق بحادثة فردية أو جريمة حق عام يجب فقط تطبيق ما ينص عليه القانون، وليس بسلوك عام طبع وظل يطبع تعامل أجهزة القمع تجاه الكادحين.

سلوك ورثه الاستبداد عن عهد الحسن الثاني وزبانيته القمعية، وإن جرى تلطيفه تماشيا مع تراجع حدة النضال والقضاء على المعارضة اليسارية الجذرية واحتواء المعارضة الليبرالية الشرعية.

جرت عملية تبرئة تاريخية لزبانية استبداد الحسن الثاني مع هيئة الإنصاف والمصالحة، فاحتفظ النظام بنفس جهاز القمع سالما قصد استعماله مستقبلا ضد أي صعود جماهيري حقيقي أو أي معارضة جذرية.

هذه هي الخلفية التي تتكرر على إثرها جرائم القمع الوحشي للتظاهرات الشعبية، ولكن أيضا لحالات العسف “الفردي” التي يتورط فيها “أفراد” من جهاز القمع أو جهاز وزارة الداخلية، وليس محض حالات شطط أو تجاوز للصلاحيات.

لن يضمن أي تحقيق تشرف عليه أجهزة دولة الاستبداد، مهما بلغت درجة نزاهته، عدم تكرار مشاهد طحن المواطنين وسحقهم. الاستنكاف عن ردع المتورطين في التنكيل بمواطنين أفراد أو تجمعات احتجاجية وعدم محاسبتهم، رسالة طمأنة من الدولة أن لا خوف عليهم. ليس هناك استبداد سيحاسب خادمه المسلح على شأن عيون كادح بسيط.

لا كرامة للكادحين مع بقاء الاستبداد

لا يمكن للكادحين مقايضة كرامتهم بالأمن، ويجب رفض الخرافة التي يروجها النظام بشأن استقرار البلد مقارنة بما تشهده بلدان المنطقة من انهيار وفوضى.

ستتكرر مشاهد انتهاك كرامة المواطنين بشكل دوري، ما دام جهاز القمع من تدخل سريع وقوات مساعدة وكل أجهزة وزارة الداخلية السرية منها والعلنية، تحت الإشراف المباشر لسلطة مستبدة، تضع نفسها بمنأى عن المحاسبة والرقابة والنقاش كما كرسها الدستور الممنوح في  آخر طبعة سنة 2011.

لا يمكن تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، ما دام الشعب لا سلطة له، ما دامت السلطة محتكرة من طرف حاكم فرد واحد.. لا يمكن محاسبة موظف لم يجر انتخابه، لا يمكن أن يرتدع رجل شرطة متأكد من أن محاسبته من سابع المستحيلات.

إن الرقابة الشعبية على مؤسسات “الحفاظ على الأمن” هي الألف والباء في أي ديمقراطية حقيقية منسجمة مع نفسها حتى نهايتها المنطقية:

– يجب أن توضع أجهزة الشرطة تحت رقابة مؤسسات شعبية منتخبة.

– محاسبة كل المتورطين في قمع الكادحين وجرائم التعذيب والسحل اليومي وبالتالي ضرورة القطع من منطق هيأة الإنصاف والمصالحة؛ لا مصالحة مع الجلاد.. يجب إسقاط الجلاد ومحاسبته وعقابه.

– حل كل أجهزة القمع السرية ونشر ملفاتها أمام الرأي العام ومحاسبة وعقاب المشرفين على تلك الأجهزة.

وفي الحالة الخاصة بمحسن فكري بمدينة الحسيمة يجب على الحركة المناضلة أن ترفع مطلبا مركزيا آنيا هو: الاعتقال الفوري لرجال القمع المشرفين على عملية مصادرة مورد رزقه ومشاهدة وفاته بتلك الطريقة التي تختلط فيها دقة التكنولوجيا مع الهمجية.

مرة أخرى: تنظيم الكادحين الشرط الوحيد لفعالية نضالهم

لا يمكن انتظار مسطرة التحقيق وتطبيق القانون، فهذا ليس إلا خدعة لامتصاص الغضب في انتظار فتور الهمم وتراجع حدة التظاهر والاحتجاج.. وبعد ذلك تعود مياه الطحن اليومي للكادحين إلى مجراها الاعتيادي.

لا يمكن لهذه المطالب أن تمنح منحا من طرف نظام مستبد حريص على سلامة جهازه القمعي وبقاء معنويات أفراده في المستوى الضروري لأداء أدوارهم القمعية.

فقط حركة شعبية منبعثة من الأعماق، فقط حركة منظمة من القاعدة إلى القمة، فقط نضال سياسي واع يربط هذه “الجرائم الفردية” لرجال القمع مع مجمل نظام الاستبداد، هذه الحركة وهذا النضال هو الذي سيضمن كرامة الشعب والمواطن، هو الذي سيضمن محاسبة مقترفي الجريمة السياسية والقمع والعسف البوليسي.

توجد نقطة ارتكاز الحركة الحالية بمدن الشمال، فالتظاهرات الأكثر قوة وسعة وجماهيرية انطلقت من هناك ولا زالت مستمرة، على المناضلين أن يوحدوا فعلهم وينظموه (انتخاب لجان: لجان أحياء ومدن وتوحيدها) للإشراف على النضال وتنظيمه وتوسيع التعبئة وتوحيد المطالب.

يجب تنويع أشكال النضال مع العمل طبعا على توحيدها: تظاهرات، تجمعات خطابية لفضح الاستبداد الذي يحمي خدامه القمعيين، إضرابات جزئية في أفق إضرابات عامة، العمل على خرط كل شرائح الشعب المسحوق والمضطهد (تجار صغار، صغار الفلاحين، تلاميذ وطلاب) ولكن بالدرجة الأولى ضغط القاعدة العمالية على النقابات للانخراط في هذه الحركة ودعمها ومنع القيادة من طعنها مجددا كما فعلت سنة 2011.

يجب القطع مع المنطق الذي سيده مناخ “هيأة الإنصاف والمصالحة” الذي جعل من عقاب الجلادين شيئا منفرا بدعوى كونهم محض انتقام سيدفع البلاد إلى الهاوية… لا يتعلق الأمر هنا بمرضى نفسيين يسعون إلى الانتقام، يرتبط الأمر بجوهر الديمقراطية: هل جهاز القمع خادم للمجتمع أم سيده؟

ما دام الواقع في كل تفاصيله ووقائع حياته اليومية يبرهن على أن رجل “الأمن”/ القمع يعتبر نفسه أعلى من المواطن فسيستمر في سحقه وإهانته وطحنه.. لذلك يجب الضرب بيد من حديد على كل مقترفي أعمال التعذيب والقمع وامتهان الكرامة، فقط ذلك سيجعل رجل القمع وصاحب السلطة والنفوذ يفكر ألف مرة قبل الإقدام على القمع والإهانة.

وائل المراكشي

 

شارك المقالة

اقرأ أيضا