تفتيش الشغل ضامن شروط الاستغلال الرأسمالي

بقلم، العاصي

         تقوم الدولة خلال يوم 18 ماي من كل سنة، ذكرى تأسيس جهاز التفتيش بالمغرب، بتنظيم تقييم سنوي لعمل هذا الجهاز، من خلال تقارير سنوية للوزارة الوصية، تكون بمثابة جس نبض حركة العمال المطلبية وتطورها. إن قوانين الشغل تخضع لموازين القوة بين الطبقة العاملة، مالكي قوة العمل والبورجوازيون مالكو وسائل الإنتاج. متى فاز أحدهم ضَّمَنَ القوانين الاجتماعية مكاسبه الواقعية. هذا هو حال تاريخ قانون الشغل بالمغرب منذ الحماية الفرنسية.إن جهاز التفتيش لا يخرج عن هذه القاعدة فضعف الحركة النقابية، اكسب طبقة أرباب العمل فرصة مواتية لتنزيل مدونة شغل حسب هواها، ضّمَنَتْهُ إلى جانب تنازلات عديدة، دور المصالحة لفائدة مفتش الشغل. ما أهله قانونيا ليصبح النازع الأول لفتيل الإضرابات (إلى جانب الفصل 288 من القانون الجنائي الذي يحاكم العمال بتهمة عرقلة حرية العمل)، إن مهمة مفتش الشغل الجديدة غير المذكورة في فصول الكتاب السادس من مدونة الشغل: الحفاظ على استقرار استغلال المأجورين والمأجورات واستمرار عبوديتهم/هن.

جهاز تفتيش شغلٍ شكلي

     قامت الدولة بتوزيع تفتيش الشغل بين ثلاث وزارات: وزارة التشغيل والشؤون الاجتماعية: ( الصناعة– التجارة– الصناعة التقليدية– الخدما – المهن الحرة ) و وزارة الطاقة والمعادن والماء والبيئة و أيضا وزارة الفلاحة و الصيد البحري. حسب قانون الشغل يحرص المفتش على تطبيق كل من: بنود مدونة الشغل والنصوص التنظيمية الصادرة بتطبيقها ، جميع النصوص القانونية المتعلقة بالصحة والسلامة، الضمان الاجتماعي، التأمين الإجباري عن المرض، حوادث الشغل والأمراض المهنية، الاتفاقيات الجماعية للشغل، الأنظمة الداخلية للمؤسسات. (الكتاب الخامس من مدونة الشغل ).

     ينحصر دور مفتش الشغل من خلال المدونة في توجيه الإنذارات الشفوية و تدوين الملاحظات و المحاضر التي لا قوة زجرية لها،  بل يعدم الحق  في إحالتها مباشرة على النيابة العامة . مدونة الشغل الحالية لم تقدم للمفتش القدرة على ردع تجاوزات أرباب العمل. إن مفتش الشغل  من خلالها يسهر على استمرار شروط الاستغلال الرأسمالي من خلال تقديم النصح و الإرشاد لفائدة أرباب العمل.

     يبدو ذلك واضحا من خلال مناصب وزارة التشغيل الموكول لها مراقبة تطبيق مدونة الشغل. فرغم التزام الدولة في اتفاقاتها مع النقابات (اتفاق 30 أبريل 2003 و اتفاق 26 أبريل 2011) بالزيادة في مناصب المفتشين، فإنها تأبى تشغيل المفتشين لوضع رقابة حقيقية للباطرونا. فحسب الوزير الحالي: يبلغ عدد المفتشين 412 مفتشا، بما فيهم 53 مديرا جهويا و رؤساء المصالح بالمديريات. (412 مفتش شغل، 20 طبيبا مفتشا للشغل و 24 مهندسا مكلفا بالصحة والسلامة.)(1).

مفتش الشغل لا قوة له

 جاء في الحصيلة الاجتماعية لوزارة التشغيل لعام 2014 زيادة عدد زيارات تفتيش الشغل،ما بين 2010 و 2014 بتسجيل محاضر المخالفات والجنح المنجزة من طرف المفتشين منحى تنازلي حاد خلال نفس الفترة حيث شهدت سنة 2010 تسجيل 612 محضر  مخالفات وجنح، في حين سنة 2014 فقط 248 محضرا. لقد أثر المناخ النضال الإقليمي على الوضع بالمغرب ، لقد قامت الدولة في تلك الفترة  بسحب النقابات لحواراتها الفارغة لسحب البساط منها لمنع انخراط القاعدة العمالية في الحركة المطلبية الشعبية التي انطلقت آنذاك. هكذا قامت الدولة بتحريك آلة تفتيش الشغل بدورها لكن مع مراقبتها و الحد من أن يتجاوزا لسلطاتها . فتم تحريك تحريك متابعات جنائية في حق بعض مفتشي الشغل بتهم تتعلق بالتزوير في محرر رسمي  ( حالة مفتش شغل بالصويرة عام 2013) و نُذكر هنا أيضا  بحالة  الحكم على المفتش زين العابدين قشة بمراكش بعشر سنوات سجنا عام 2005 . يخاف مفتشي الشغل حتى القيام بواجبهم البسيط  المذكور في مدونة الشغل مخافة المتابعة القضائية . فما هو إذا دور مفتش الشغل ؟ إذا كان سيتابع عند تحرير محضر بحق رب العمل. إنه الضحك على الطبقة العاملة.

مفتش الشغل صمام أمان البورجوازية

    قال وزير التشغيل السابق رفيق الحداوي في حوار صحافي عام 2001،  أن الملك السابق  في إحدى «جلساته» الوزارية أعلم خدامه :» مفتشو الشغل أهم لدي من رجال الأم. حيث أمر وزير المالية بتخصيص 50 منصبا ماليا في قانون المالية لهم» . إنه الدور  المنوط لمفتش الشغل من طرف الدولة . إطفاء النزاعات العمالية و الحيلولة دون اندلاع الإضرابات. أي استمرار الإنتاج الرأسمالي دون توقفه.

  مهما تغيرت الوجوه فالدولة تواصل نفس السياسة: الدفاع عن مصالح أرباب العمل. عبرت الوزارة في سنة 2016 أنها كسبت بكل فخر الإدراج الرسمي للدور التصالحي في تسوية نزاعات الشغل الفردية والجماعية و إعطاء النصح و الإرشاد في مدونة الشغل 2004 . و أيضا مساهمته الفعلية في جلب الاستثمارات الأجنبية من « الخلافات الاجتماعية في تدخلاته الاستباقية و كذا في محاولاته التصالحية وبالتالي فان مفتش الشغل يساهم حتما في تحقيق متطلبات التنمية الاقتصادية للبلاد « (2). الدولة تعمل جاهدة على منع العمال و العاملات من ممارسة حق الإضراب ، في حين تشجعهم أفرادها لزيارة مقرات مندوبيات الشغل لتسوية المشاكل الشغلية . إنها دولة غير محايدة، إنها تقف إلى جانب صف أرباب العمل.

  لا شك أن دور تفتيش الشغل يبرز الاستغلال الذي تتعرض له الطبقة العاملة، لهذا  فدور الناصح و الاستشاري الموكول لمفتش الشغل( حول الثغرات و التجاوزات ) يسهم في توفير خدمات جليلة  للدولة لتقليم أظافر بعض أرباب العمل ، مخافة تأليب كافة الطبقة العاملة على كافة أرباب العمل ( الطبقة ). لقد أقر جهاز الدولة البيروقراطي المكلف بالشغل الصعوبات التي تعترض عمل المفتشين خلال ممارسة عملهم حيث تمت الإشارة خلال عرض قدم بمناسبة  ذكرى تأسيس جهاز التفتيش بالمغرب إلى: عدم إمكانية إغلاق المؤسسة في حالة الخطر الحال –  عدم إمكانية استعمال القوات العمومية عند الضرورة – غياب نظام العقوبات الإدارية – عيوب الصياغة القانونية -نظام العقوبات غير رادع- بطء إجراءات تحريك الدعوى العمومية المتعلقة بمخالفات قانون الشغل وعدم فاعلية الجزاءات- الاستدعاء من طرف الضابطة القضائية- عدم إخبار المفتشين بمصير المحاضر المحررة من طرفهم – الاقتصار على دور النصح والاستشارة. كل هذا جيد لكن لم يتحدث العرض عن دور المصلح الذي يقوم به. هكذا يبدو القبول بدور الإطفائي. و هذا ما يشير إليه أيضا بعض مفتشي الشغل(3).  فحسب سعيد بناني « …  إن تعارض مصلحة كل من الأجير و المشغل تتطلب في بعض الأوقات من مفتش الشغل التدخل لإطفاء نار الغضب.»(4). إن مفتش الشغل هو صمام أمان البورجوازية.

القيادات النقابية  تسير على خطى البورجوازية

    تعيد جل النقابات تذكير الدولة بنفس المطالب منذ سنوات، دون أدنى تحرك نضالي ميداني فعلي: الزيادة في أعضاء الجهاز – مراجعة النظام الأساسي لمفتش الشغل – الرفع من المستحقات المالية لأعضاء الجهاز – تنفيذ التزامات الدولة بخصوص اتفاق 26 أبريل 2011 وأيضا اتفاق 30 أبريل 2003 (5). القيادات النقابية تعي أن الدولة لن تقدم على الزيادة في أعضاء جهاز تفتيش الشغل، لأنها أساسا ( القيادات ) متفقة على السياسات المُقَلِصَة لمناصب الشغل في القطاعات العمومية. ثم كيف تقدم  الدولة على الزيادة في أعداد مفتشين، قد يُغَنُونَ خارج السرب و يقومون بواجبهم المهني و يحررون مجرد «محاضر» في صالح العمال؟ لا، حتى هذا غير مقبول ولنا العبرة في محاكمات مفتشي الشغل.  إن الزيادة المشهودة التي عرفها الجهاز بتوظيف حوالي 50 مفتشا للشغل كانت بفعل خوف الحاكمين من الحراك الشعبي الإقليمي سنة 2011. أخيرا  إن القيادات النقابية لا ترفض الدور التصالحي المحطم لمبرر وجودها : الإضراب. أول الرفض من جانب المركزيات النقابية  يجب أن  يكون رفض دور المصلح و الناصح الذي أوكلته الدولة لجهاز التفتيش.

من أجل رقابة عمالية

  ليس هناك دور حيادي لمفتش الشغل،  فمواد الكتاب الخامس في مدونة الشغل تخدم مصالح أرباب العمل حيث تعمل على ضمان شروط استمرار الاستغلال الرأسمالي للعمال و العاملات. يجب أن يكون المطلب الأول للحركة النقابية المغربية هو أن يتشكل جهاز تفتيش الشغل من منتدبين منتخبين من العمال إلى جانب ممثلي الدولة، إلى جانب رقابة عمالية حقيقية على هذا الجهاز عبر المحاسبة و التناوب في القيام بأدوار التفتيش.  لن يقوم مقام حقيقي لجهاز تفتيش الشغل يضع مصالح الطبقة العاملة بين عينيه ،سوى بتشكيل حزب سياسي عمالي اشتراكي حقيقي، غير تابع لطبقة الرأسماليين، يضع أولى أولوياته الدفاع عن المصالح الحقيقية لعمال وعاملات المغرب.

————-

(1) : مذكرة وزارية  : مذكرة تقديم حول مشروع مرسوم بشأن ادماج بعض المتصرفين التابعين لوزارة الشغل و الإدماج المهني ضمن هيئة تفتيش الشغل .

(2):الورقة التأطيرية لوزارة التشغيل بمناسبة الذكرى التسعين لتأسيس جهاز التفتيش بالمغرب 2016  – موقع الوزارة على الانترنت

(3) عبد الصمد عاصم، عضو المكتب الوطني لجمعية مفتشي الشغل بالمغرب .

(4): محمد سعيد بناني : قانون الشغل بالمغرب في ضوء مدونة الشغل : الجزء الثالث، ص 656.

(5): المذكرة المطلبية لكدش و بيان نقابة مفتشي الشغل إمش بمناسبة الذكرى التسعين لتأسيس جهاز تفتيش الشغل.

شارك المقالة

اقرأ أيضا