قانون محاربة العنف ضد النساء: آلية لا تحمي النساء بفعالية

النساء14 سبتمبر، 2018

 

 

ملف عدد جريدة المناضل-ة 69 حول العنف ضد النساء

نقد نسواني لقانون محاربة العنف ضد النساء

يمثل العنف ضد النساء أحد الركائز الأساسية التي يقوم عليها الطغيان الذكوري، و إحدى أدواته لاستعباد النساء و اضطهادهن. وفي حالة المغرب، سبق لبحث المندوبية السامية للتخطيط عام 2011 أن كشفت أن زهاء 63% من نساء البلد تعرضن لعنف في 12 شهرا السابقة للبحث، وأن 17% منها فقط أحيلت على سلطة مختصة  و 3% فقط فيما يخص العنف الوزجي.

 لذا يشكل النضال ضده، بالنسبة لنا، إحدى أولويات النضال النسائي من أجل المساواة و من أجل الحقوق الديمقراطية للنساء. ولهذه الغاية سيظل مطلب إصدار قانون شامل لمحاربة العنف الموجه ضد النساء مطلبا ديمقراطيا نسائيا أساسيا ضمن سيرورة النضال من أجل تحرر النساء.

و قد أصدر برلمان النظام الاستبدادي خلال فبراير الجاري جملة تعديلات للقانون الجنائي أسماها “قانون محاربة العنف ضد النساء” لا يمثل، في نظرنا، إطارا منسجما و شاملا يجمع بين كل من المقاربة الزجرية لمرتكبي العنف و حماية الضحايا و صون حقوقهن وتوفير آليات الوقاية و التكفل اللازمة لهن.

و هذا ما سنبرهن عليه من هذا الملف الذي نخصصه لنقد منهجي لمشروع قانون محاربة العنف ضد النساء عارضين في الآن ذاته وجهة نظرنا.

========================== 

قانون محاربة العنف ضد النساء:

آلية لا تحمي النساء بفعالية  

ليس القانون المصادق عليه في أواسط فبراير الجاري تقدما فعلي صوب اكتساب آلية قانونية متكاملة لمواجهة واقع العنف اليومي المسلط على النساء. فلازالت العديد من جرائم العنف ضد النساء غير معترف بها كجرائم. و أن مقترفي هذه الجرائم ينجحون في الإفلات من العقاب، لأن القانون يتيح ذلك كما سنرى ، وذلك بالرغم من بعض التدابير الايجابية.

العنف الجسدي 

في أفق تغيير اجتماعي يؤسس للمساواة الفعلية بين النساء والرجال، لا بد من وضع قوانين تردع مرتكبي جرائم العنف ضد النساء و تحميهن وتخفف من وطأة هاجس الإحساس بفقدان الأمان الذي بات مصاحبا لهن في مختلف أنشطتهن اليومية. و من أهم مبادئ أي قانون لردع العنف ضد النساء لكونهن نساء مبدأ تشديد العقوبات في حق مرتكبيه. و هذا ما جاء به النص المصادق عليه بمجلس المستشارين، حيث ضاعف العقوبات أو رفعها في حالة وقوع النساء ضحية إحدى أشكال العنف الجسدي أو في حالة تعرضهن للتهديدات بارتكاب العنف في حقهن أو في حالة اختطافهن أو احتجازهن. لكن مشروع تعديل الفصل 404 من القانون الجنائي أتاح لمرتكب العنف الإفلات من عقوبة الحبس في الحالات التي تقل فيها مدة عجز الضحية عن 21 يوما. ففي هذه الحالة يترك هذا الفصل الخيار للمحكمة بين الحكم بالحبس أو الحكم بأداء غرامة لا تشكل ردعا للمجرم، إذ أنها لا تتجاوز ألف درهم في أقصى الأحوال. وينطبق الأمر نفسه على العنف الذي تتعرض له الزوجة أو الحامل. أما العنف الممارس على الطليقة فاشترط الفصل المذكور لتطبيق مبدأ تشديد العقوبة أن يكون العنف الجسدي قد مورس على الطليقة بحضور أبنائها أو والديها. يدل هذا الشرط على وجود تسامح مع مرتكبي أخطر أنواع العنف ضد النساء. ويشير ذلك إلى عدم إقرار بكون العنف ضد النساء قائم على تمييز ضدهن بكونهن نساء.

وثمة عقبة أخرى في طريق تجسيد مبدأ تشديد العقوبات في حق مرتكبي العنف ضد النساء، و هي مشكل وسائل الإثبات. لقد حرم المشروع الحالي النساء ضحايا العنف من تقديم تصريحهن كإثبات كاف للإدانة. خلاصة الأمر، أن ما جاء به المشروع في مجال العنف الجسدي لا يشكل ردعا للمجرمين وحماية للأغلبية الواسعة من للنساء.

السب و القذف 

أدمج مشروع تعديل القانون الجنائي فصلان جديدان يضاعف بموجبهما الغرامة المالية في حالة السب أو القذف في حق امرأة بسبب جنسها( تتراوح ما بين 12 ألف درهم إلى 60 ألف درهم في الحالة الأولى وما بين 12 ألف درهم إلى 120 ألف درهم في الحالة الثانية). و يعد ذلك مسالة ايجابية نسبيا، كما أنه يشكل إحدى الحالات النادرة التي يتعرض فيها المشروع للعنف ضد للنساء بسبب كونهن نساء، أي الحالة التي يترجم فيها التعريف بالعنف ضد المرأة المدرج في الباب الأول. إن هذا النوع من العنف شائع جدا و تتعرض له النساء بشكل يومي في الفضاءات العامة و يمارس أيضا من طرف الزوج أو الآباء داخل الأسرة. يعد كل من السب و القذف إحدى أشكال ممارسة العنف النفسي في حق النساء الذي يؤدي إلى هدر كرامة و إذلال أكثر من 4 مليون و نصف امرأة سنويا. و ما هو إلا أحد المؤشرات الرئيسية لسيادة التمييز ضدهن. و بالرغم من إيجابية هاذان الفصلان، إلا أنهما لن يساهما في وضع حد لهذا الشكل من العنف النفسي، لأن مشروع القانون لم يتح للنساء إثباته بمجرد تقديم تصريح موثوق بكونهن تعرضن له، و لأنه سيظل منتشرا طالما لم يتم القضاء على اللامساواة بين النساء و الرجال.

التحرش الجنسي

التحرش الجنسي في ظل علاقة سلطة: قامت الدولة لأول مرة بإدماج جريمة التحرش الجنسي بالقانون الجنائي سنة 2003. غير أن العيب الكبير للفصل الذي يعاقب هذه الجريمة(الفصل 503-1) هو عدم اعترافه بالتحرش الجنسي إلا إذا جرى داخل علاقة سلطة بواسطة الضغط أو التهديد أو الإكراه، في حين أن هذه الوسائل قد تستخدم من قبل زميل في العمل أو أستاذ مؤطر أو زبون…إلخ. يجب إدراج تعديل تطبيق مقتضيات هذا الفصل حتى و إن لم تكن هناك علاقة سلطة.و ما جاء به المشروع الحالي هو رفع سقف العقوبةالحبسية في حالة ارتكاب التحرش الجنسي في ظل علاقة سلطة، بحيث أصبحت تتراوح ما بين سنة إلى ثلاث سنوات بعدما كانت محددة في ما بين سنة إلى سنتان. غير أن كون العقوبة رادعة لا يعني أن ذلك سيخدم النساء ضحايا العنف. سيكون مستحيلا على النساء ضحايا التحرش الجنسي إثبات هذه الجرائم، لأن القانون لا يعترف بشهادتهن كحجة لإدانة المجرمين، و لا يتاح لهن ذلك حتى لو قدمن رسائل صوتية أو نصية. و طالما أن مرتكبوا مثل هذه الجرائم حريصون على اقترافها في ظل غياب شهود، فإنه من رابع المستحيلات أن يلقى المجرمون العقاب الذي يستحقون.

التحرش الجنسي عبر مضايقة الغير لأغراض جنسية

سيساهم هذا الفصل(مشروع الفصل 503-1-1) في سد الفراغ القانوني الحالي في مجال التحرش الجنسي، حيث كان تعريفه(حسب الفصل 503-1) يقتصر على التحرش الجنسي الممارس عبر الضغط و التهديد في إطار علاقة سلطة بالضحية. و هكذا أصبح مقترفا لجريمة التحرش الجنسي كل من أمعن في مضايقة الغير في الفضاءات العمومية أو غيرها بأفعال أو أقوال أو إشارات ذات طبيعة جنسية أو لأغراض جنسية أو بواسطة رسائل أو صور ذات طبيعة جنسية أو لأغراض جنسية.غير أن العقوبات الواردة لا تشكل ردعا كافيا للمتحرشين. كما أنها تترك الخيار للمحكمة بين الحكم بالحبس(ما بين شهر و ستة أشهر) و الحكم بالغرامة فقط، مما يتيح لمقترف هذه الجريمة الافلات من الحبس. إن محاربة فعلية لهذا المظهر الأكثر انتشارا للعنف ضد النساء تقتضي وجوبا الحكم بالحبس و الغرامة معا، و رفع العقوبة الحبسية لتتراوح ما بين ثلاثة أشهر وسنة عوض أن تقتصر على ما بين شهر واحد و ستة أشهر.

ما يثير الاستغراب أن مشروع القانون لا يعترف بالتحرش الجنسي كجريمة تمارس عادة على النساء. فهو يشير إلى أن الرجال أنفسهم معرضون له في تناقض صارخ مع التعريف المدرج في المادة الأولى للعنف ضد النساء. و يدهشنا المشروع حين يتشبث بهذا المنظور حتى في حالة جريمة الطرد من بيت الزوجية.

بقلم سعيدة حمزاوي

شارك المقالة

اقرأ أيضا