اليسار المغربي والثورة السورية

فريد عزام :

نعتبر الموجة الثورية التي اجتاحت المنطقة سيرورة ثورية مديدة، شهدت تطورات صعوداً وهبوطاً، وتستمر في عامها الثالث. ونعتقد أن ما آلت إليه الثورة السورية خلق بلبلة في صفوف اليسار في المنطقة وعلى الصعيد العالمي، حيث حصل الأمر جزئياً في السابق، وإن في شروط مغايرة مع الثورة الليبية، ولا يستثنى اليسار المغربي من ذلك.

المغرب والسيرورة الثورية ودور اليسار

ليستقيم تناول موقف اليسار المغربي من الثورة السورية، نرى من الضروري تناول موقفه من الحالة الاستثنائية التي شكلتها حركة 20 شباط/فبراير، باعتبارها جزء من السيرورة الثورية الجارية بمنطقتنا. لقد تباين تعاطي اليسار مع هذه الحالة النضالية، فقسم منه تخندق في صف النظام وعاداها، وأسهم في الالتفاف عليها. أبرز ممثلي هذا اليسار هو حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وملحقاته، بالإضافة إلى حزبين متحدرين من الحزب الشيوعي المغربي (التقدم والاشتراكية وجبهة القوى الديمقراطية).

وقسم ثانٍ، معارض، شارك في الدينامية النضالية المشار إليها، مثله تحالف اليسار الديمقراطي، ويضم الحزب الاشتراكي الموحد، والمؤتمر الوطني الاتحادي، وحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي وهي أحزاب ليبرالية معارضة من منطلق استجدائي.

ثم اليسار الجذري، وموقفه متباين أيضا من تلك الدينامية: مجموعات من أصول طلابية ماوستالينية عادَتْها، حيث بررت موقفها بأن الحركة تضم قسماً من الاسلاميين، وقسم دعمها وساهم بتفاوت في تقويتها واستمرارها، هذا الاخير تمثل في حزب النهج الديمقراطي، القوة الرئيسية ضمن اليسار الجذري، وتيار المناضل-ة.

هكذا ساهمت حركة العشرين من شباط/فبراير في كشف الفرز داخل اليسار المغربي، بين يسار برجوازي ليبرالي ملكي همه عقد التسويات مع الملكية والحفاظ على استقرار النظام ودوامه، ويسار برجوازي ديمقراطي يريد إقناع الحكام بتلطيف استبدادهم عبر إقرار ملكية برلمانية، حيث يسود الملك ولا يحكم، ثم يسار جذري ضعيف ومفكك وبتأثير سياسي هامشي عموما، يريد نظاماً جمهورياً تتباين منظوراته لطبيعته وشكله.

لقد كشفت حركة 20 شباط/فبراير الطبيعة الطبقية لمختلف مكونات هذا اليسار، وبالتالي موقف كل مكون منها من السيرورة الثورية الجارية بالمنطقة العربية والمغربية. وكانت هذه التجربة مختبراً سمح بكشف، على نحو ملموس، تلك الطبيعة الطبقية المعادية للثورة لدى قسم منه ونقص النزعة الديمقراطية لدى آخر، والداعم العاجز لدى قسمه الجذري، لقطاع واسع ممن عبأتهم حركة 20 شباط/فبراير، وبخاصة الشباب.

اليسار المغربي والسيرورة الثورية الجارية

لقيت الثورتان التونسية والمصرية تأييداً واسعاً من قبل اليسار المغربي عموما، وستبدأ الخلخلة في مواقفه مع قيام الثورة الليبية، وبخاصة عندما تعسكرت، وتنامى دور أنظمة خليجية وحلف الناتو في تأييد الثوار الليبيين ضد نظام القذافي. ومن ثم أتت الثورة السورية بتطوراتها فزادت بلبلة المبلبلين، وتقوي تيه اليسار المغربي الذي ينحو موقفه إلى التشكيك أكثر، ولاعتباره ما يجري “مؤامرة وعمالة ورجعيّة وفوضى، واستهدافاً للموقف القومي الممانع للنظام السوري” مثلا!

ساند اليسار الحكومي الثورات التونسية والمصرية واليمنية واعتبر اسقاط رؤوس تلك الأنظمة انتصاراً، وخلال ذلك احتشد للترويج للاستثناء المغربي المزعوم، ولضرورة العودة السريعة للاستقرار في تونس ومصر واليمن… مفضلاً مفاوضات الكواليس المعتمة على استمرار الاندفاعة الشعبية. وعندما تحولت الثورة الليبية إلى الصراع المسلح تقوت نزعته للاستقرار.

بقية أحزاب اليسار سارت لبعض الوقت ضد التيار وساندت السيرورات الجارية، وتفاعلت مع تطوراتها مؤيدةً استمرارها حتى استكمال مهامها، غير أن احتلال قوى الإسلام السياسي لواجهة التطورات، وبخاصة نجاحها في استثمار ما يجري انتخابياً أدخل البلبلة لصفوفها، فتضاربت مواقفها بين مؤيدة للمسار باعتبار ذلك ثمناً للديمقراطية، ومن شكك بها حيث لم يرَ حلاً إلا باستبعاد قوى الإسلام السياسي، ما قاد قسمه الحكومي لدعم انقلاب العسكر بمصر. ودعم جهود الامبريالية -عبر الأمم المتحدة – في سوريا… أما قسمه غير الحكومي، فمتردد، ويدعم في الغالب مفاوضات المعارضة الليبرالية السورية مع النظام السوري على سبيل المثال.

ما ميز اليسار الجذري أنه آخِر من طالته البلبلة بفعل التطورات، وبقي حتى الآن مدافعاً عن السيرورة الثورية الجارية بخاصة بمصر وتونس. لكنه مضرب منذ مدة عن الكلام عن الحالة الليبية وبخاصة السورية.

اليسار في المغرب والثورة السورية

يتبنى اليسار الحكومي بأشكال مختلفة، موقف الملكية من الثورة السورية، والمتمثل في تنحية بشار الأسد، والحفاظ على مجمل النظام سياسياً واقتصادياً، بمعنى تكرار السيناريو اليمني، وهذا الموقف هو ما اقترحه المغرب عبر مشروع قرار بمجلس الأمن الدولي للمطالبة بنقل السلطة في سوريا، والذي أفشله الفيتو الروسي والصيني.

هذا الموقف الرسمي، يتقاسمه اليسار الحكومي مع الملكية، ويدعو إلى انتقال منظم للسلطة في سوريا، تحت رعاية الأمم المتحدة -الامبريالية- ويساند ما يسمى مبادرة جنيف 1 و2.

ولتبيان كيف يتعامل هذا اليسار مع الأمر، نورد المقتطف التالي لأحد القادة التاريخيين للاتحاد الاشتراكي، الحبيب المالكي، والذي اعتبر “أن الوضع البركاني الذي يطبع العديد من البلدان العربية، قد يفضي إلى تفكك بعض البلدان”، معبراً عن مخاوفه من “أن يصبح القرن الواحد والعشرون قرن تقويض ما تم بناؤه خلال القرن الماضي الذي كان قرن الاستقلالات الراسخة وبناء الدول-الأمم”. وحذر من مخاطر “بلقنة الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط”، مبرزاً وجود “قوى لها مصالح استراتيجية جديدة في المنطقة تستخدم كافة الوسائل لجعل العالم العربي فضاءً في خدمة بعض المخططات ذات طابع جيوسياسي واقتصادي”.

لا حديث عن كون ما يجري تطلعاً للشعوب للانعتاق والتحرر، فقط مؤامرات تحاك ضد المنطقة ودولها الراسخة. وهذا ليس بغريب مطلقاً، فهذا الحزب كان طيلة 13 سنة من وجوده في حكومة الواجهة، أداة تنفيذ سياسات القوى التي يعتبرها تطمح لتقسيم المنطقة، سياسات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والاتحاد الأوروبي، القائمة على تقليص دور الدولة، وتنفيذ برنامج خصخصة للقطاع العام، وتحويل الخدمات العامة، من تعليم وصحة…، إلى سلعة، و إبقاء اقتصاد البلد في تبعية وتخلف.

أما موقفه من الثورة السورية، فيعلن المالكي، على هامش اجتماع الأممية الاشتراكية “أن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية يرى أن حلاً للأزمة السورية يمر بالضرورة عبر الحوار، داعياً جميع الأطراف المعنية إلى مشاركة فعالة ومسؤولة بعيداً عن أي ضغط أو تدخل أجنبي، بهدف إيجاد حل يمكن الشعب السوري من استعادة الاستقرار والكرامة”.

هذا، وعقدت هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي السورية، لقاءً مع قيادة حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ولقاءً مماثلاً مع قيادة حزب التقدم والاشتراكية ووقعت بيانات مشتركة مع كل منهما. ودارت جميع المناقشات حول ضرورة تفعيل الدور المغربي في دعم مبادرة الجامعة العربية ورفض التدخل العسكري وتجنيب سورية الإنزلاق إلى حرب أهلية، والنأي بها عن التجاذبات الإقليمية والدولية، كما بينت الهيئة تمسكها بمبادرة الجامعة العربية لتجنيب سورية الأسوأ، ودرء المخاطر المحدقة بسوريا- دولةً وشعباً.

والجدير بالذكر أن هذه الهيئة نفسها، ترى أن الحل يمر عبر تحقيق “انتقال منظم” يقتصر على رحيل الأسد والإبقاء على أسس النظام. ولا تستبعد الدخول بمفاوضات مع أطراف من النظام ممن “لم تتلوث أيديهم بالدماء” لتوفير مرحلة انتقالية.

أما القسم الثاني، أي اليسار الليبرالي غير الحكومي، أحزاب تحالف اليسار الديمقراطي، فرغم التباين الطفيف في موقفها، فهي تدعم نفس الخيار الرسمي، الانتقال السلس للسلطة “عبر جلوس النظام السوري والمعارضة على طاولة الحوار بدون شروط، بهدف الاتفاق على قواعد وآليات الانتقال الديمقراطي وانقاد سوريا الدولة والمجتمع من التفتيت والتجزئة والصوملة” كما جاء في بيان المكتب السياسي للحزب الاشتراكي الموحد بتاريخ 7 أيلول/سبتمبر 2013. علماً أن البيان نفسه حمل توصيفاً سليماً، على العموم، لما يجري بسوريا، اللهم إشارة في غير محلها تستبطن منطق المؤامرة عندما أعلن “أن الهدف الأساسي من التدخل الامبريالي والصهيوني والرجعي العربي هو تدمير القدرات العسكرية للجيش السوري، وتفتيت سوريا الدولة والمجتمع وتجزئتها خدمة للمشروع الصهيوني والمخططات الامبريالية والإقليمية، وإجهاض طموحات الشعب السوري في الحرية والديمقراطية والعيش الكريم”.

ويرى حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، أحد أطراف هذا التحالف، أن ما يجري مؤامرة ضد شعب سوريا ودولتها.

وكان أحد أعضاء الكتابة الوطنية لحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، قد زار دمشق لحضور فعاليات الدورة الطارئة للمؤتمر العام للأحزاب العربية، والذي ترأسه بشار الأسد شخصيا في تشرين الثاني/نوفمبر عام 2013. وقال عبد الله أسبري، في تصريح لهيئة الإذاعة والتلفزيون السورية الرسمية، أن ما تتعرض له سوريا إرهاب، ينبغي على الجميع مقاومته وإدانته.

وقال القيادي بهذا الحزب، عبد الرحمن بن عمرو، في تصريح لموقع “فبراير.كوم” أن موقف حزبه من الثورة السورية يتمثل في “حق الشعب السوري في تحقيق مصيره وبناء الديمقراطية والحرية لكنه ضد استغلال نضال الشعب السوري من قبل القوى الرجعية العربية في دول الخليج والإمبريالية المتمثلة في أميركا، والتي تخطط لتقسيم سوريا وتقوية الكيان الصهيوني”.

أخيراً، المكون الثالث للتحالف، المؤتمر الوطني الاتحادي، الذي لا وجود له فعليا، اللهم بفعل استيلائه على المنظمة النقابية؛ الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، وإفراغها من كل محتوى نضالي وطبقي وتضامني. وقد سبق أن تواطأ مع الملكية لاستبعاد الطبقة العاملة عن حالة النضال غير المسبوق الذي شكلته حركة 20 شباط/فبراير، بالتالي يكون موقفه من الثورة السورية مماثلاً لنظرائه في التحالف، وأبعد من ذلك، يظهر ما أسلفناه، موقفه من السيرورة ككل.

موقف اليسار الجذري من الثورة السورية

شكلت مجموعات اليسار الجذري حالة الاستثناء ضمن مواقف اليسار المغربي من الثورة السورية، رغم التباين وصمته المطبق إزاء التطورات الأخيرة التي تشهدها الثورة السورية.

لم يقم هذا اليسار بمبادرات عملية للتضامن مع الثورة السورية، باستثناء ما قامت به كل من الجمعية المغربية لحقوق الإنسان وحركة 20 شباط/فبراير، وهو نفسه ضئيل.

لم تعد القوة الرئيسية في اليسار الجذري، حزب النهج الديمقراطي، ترى ما يجري بسوريا على أنه ثورة شعبية ضد النظام، بل عدواناً امبريالياً على “سوريا الشقيقة”، وهذا ما جاء في بيان للكتابة الوطنية لهذا الحزب بتاريخ 28 آب/أغسطس 2013: ” إن الكتابة الوطنية للنهج الديمقراطي إذ تفضح هذا التكالب الامبريالي والرجعي على بلد سوريا الشقيقة، تناشد كل القوى المحبة للسلام عبر العالم للوقوف الحازم في وجه هذا العدوان الغاشم حتى لا تتكرر مأساة الشعب العراقي الشقيق، كما أنها تعبر عن تضامنها غير المشروط مع نضال الشعب السوري من اجل تقرير مصيره بعيداً عن التدخلات الأجنبية الرجعية والصهيونية والامبريالية”.

وكأن الأمر لا يتعلق بشعب يعبر عن رفضه لنظام الأسد المجرم، بشكل سلمي، أكثر من سبعة أشهر، بالمقابل يتساقط المتظاهرون برصاص القناصة والشبيحة، يوماً بعد يوم، فضلاً عن احتجاز الناشطين الأكثر فعالية، والذين يتعرضون لأبشع أنواع التعذيب والتصفية، في الزنازين والمعتقلات… وهذا كله طبعاً مع فضح التكالب المنوه به ومناهضته، والمطالبة، في الوقت ذاته، بإسقاط نظام بشار الأسد الاستبدادي وفي ذلك يكمن “التضامن غير المشروط مع نضال الشعب السوري من أجل تقرير مصيره…”.

يختلف هذا كلياً عن ما يمكن اعتباره موقفاً سليماً تضمنه بيان لنفس الكتابة معنون بـ”لا للعدوان الامبريالي على سوريا الشقيقة” في 7 أيار/مايو 2013: “إن إقدام إسرائيل على هذا العدوان ما كان ليتم لولا أنها تلقت الضوء الأخضر من الامبريالية الأميركية. وهو ترجمة للتواطؤ المكشوف للأنظمة العربية الرجعية العميلة للإمبريالية والساعية إلى التدخل الامبريالي في الأراضي السورية؛ ومن جهة أخرى ما كان لهذا العدوان أن يقع إلا لأن بسوريا نظام عسكري استبدادي فاقد لكل سند شعبي واسع، وغير مسنود من طرف شعبه باعتباره الضمانة الوحيدة للذود على الوحدة الوطنية وسلامة أراضيه”. مضيفا “إن النهج الديمقراطي إذ يدين العدوان الصهيوني الغاشم ضد سوريا باعتباره يؤشر على بداية التدخل الامبريالي في هذا البلد قصد الالتفاف على الثورة الشعبية ضد النظام الديكتاتوري في سيناريو شبيه بما وقع للثورة الليبية، يناشد كل القوى التقدمية والديمقراطية وكل أطياف الشعب السوري إلى توحيد الصفوف والاستماتة في النضال ضد كل تدخل خارجي يستهدف وحدة الأراضي السورية”.

ونفس الشيء ينطبق على بيان اللجنة الوطنية للنهج الديمقراطي في 14 نيسان/أبريل 2013 حيث تعلن “مساندتها ودعمها للسيرورات الثورية والنضالات الشعبية الجارية في تونس ومصر والأردن وسوريا والبحرين واليمن والكويت والمغرب ضد الاستبداد والفساد والتبعية والظلم الاجتماعي وتنديدها بكل محاولات الالتفاف عليها أو إجهاضها من طرف الامبريالية وحلفائها من مختلف الرجعيات النفطية التي تمثلها أنظمة الخليج بقيادة قطر والسعودية وقوى الإسلام السياسي وفلول الأنظمة السابقة”، وهو موقف سليم تماماً.

غير أن أغرب ما أقدم عليه حزب النهج الديمقراطي المغربي، توقيعه على بيان الأحزاب الشيوعية العالمية حول سوريا، خلال مؤتمرها الذي عقدته في بروكسل (12- 15 أيّار 2011) والذي وقف إلى جانب النظام السوريّ، إذ تضمن البيان الختامي: “من الواضح أنّ سوريا ضحيّةُ المناورات التخريبيّة والاستفزازيّة التي خطّطتْ لها الإمبرياليّةُ الأميركيّةُ وحليفتُها إسرائيل والقوى الرجعيّةُ في المنطقة (…) إنّ الولايات المتّحدةَ تعتزم استبدال هذا النظام بدمى مواليةٍ لواشنطن وحلفائها”. اللافت للنظر، أن البيان يتضمن موقفاً مبدئياً من الثورة السورية أكثر مما هو بيان مبني على وقائع فعلية. فحين صدوره، لم يكن قد مضى على هذه الثورة سوى شهرين، وكانت ما تزال سلمية؛ ولم تكن قد جرت محاولات من قبل الغرب أو الأنظمة الخليجية للتدخّل في الشأن السوري؛ والأهمّ من ذلك أنه كتب قبل تشكل المجلس الوطني السوري، الذي عمل على توسل التدخل العسكري الأجنبي.

والأشد غرابة من ذلك، أنه بعد صمته الطويل إزاء الثورة السورية، لم يجد سوى نص يرد على مقال منشور على الموقع الالكتروني لجريدة المناضل-ة للرفيق في تيار اليسار الثوري في سوريا، جوزف ضاهر، كله تحامل وسفسطة، وأدهى من ذلك يضع صاحبه نفسه ضمن جوقة المدافعين عن النظام السوري المجرم. طبعا يوجد بمقالة الرفيق جوزف ضاهر ما يستدعي النقاش، فعنوانها لم يكن موفقاً، لان ما يجري ضد “داعش” من صراع مسلح ليس ثورة ثانية من قوى الثورة ضدها، بل أغلب خصوم داعش هم مثلها من قوى الثورة المضادة، كما تتضمن قدراً كبيراً من الخلط بين القوى المعنية بالصراع وأبعاده… لكن أن ينشر حزب ضمن اليسار الجذري مقالاً مشابهاً له على موقعه الالكتروني فكأنما يعطي مناضليه، وعموم رواده، ما يعتبره ملائماً في تناول ما يجري بسوريا.

العوامل المفسرة لموقف اليسار المغربي من الثورة السورية

ربما، خلق العجز عن التأثير في مجرى الأحداث، مأزقاً بين التأييد المبدأي، والعجز عن الفعل الميداني، إذ قد يتحرج البعض من إعلان موقف سليم عموماً، لكن دون تبعات عملية، فيدفعه ذلك للصمت المطبق، وعلى الأرجح أن هذا هو حال اليسار الجذري المغربي مع الثورة السورية.

لكن أبرز ما يفسر موقف اليسار الجذري المغربي من الثورة السورية، هو فهمه الخاطئ تماما لطبيعة أنظمة من قبيل إيران ونظام الأسد ذاته، وقوى سياسية مثل حزب الله، وروسيا، حيث لا يزال قسم هام يرى في تلك الأنظمة محوراً معادياً للامبريالية وممانعاً… كما أن المرجعية الماوستالينية لقسم آخر من هذا اليسار، قد يفسر موقفه المتهافت والمتقلب. لقد تسلح هذا اليسار بماركسية تم تحنيطها من قبل الستالينية، ماركسية تبسيطية تتبنى حتمية تطورية أبعد ما تكون عن جوهر الماركسية وروحها، فضلاً عن تبنيها أيديولوجيا قومية متمركسة.

اعتبر هذا اليسار قسماً من الأنظمة بالمنطقة تقدمية وممانعة فيما بعد وأخذ على عاتقته الدفاع عنها في مواجهة أنظمة رجعية وامبريالية وصهيونية. ويرى الأمر بمنظار مؤامرة تروم القضاء على آخر قلاع “التقدمية والممانعة” أي جيوشها، والأمثلة البارزة التي يقدمها دعماً لطرحه تفكيك الجيش العراقي واستمرار المؤامرة باستهداف أقوى الجيوش التي لا تزال قائمة وبخاصة الجيشين السوري والمصري.

ويتمثل بعد آخر في سقوط النموذج الذي روج له هذا اليسار، المعسكر الشرقي أو الاشتراكية المزعومة التي كانت قائمة فعلاً، فقد ترك هذا الانهيار هذا اليسار تائهاً ويتيماً، تنخره الأزمة والاهتلاك. علاوة على تضخيم الدور الخارجي وتغليب منطق المؤامرة. طبعاً المنطقة كلها تحث السيطرة الامبريالية وهي عامل مساهم في تخلفها، إلا أن ما يجري حالياً هو بشكل عميق دخول غير مسبوق لشعوب المنطقة مسرح التاريخ والفعل فيه. إنه معطى بالغ الأهمية يقطع مع الصورة النمطية لتلك الشعوب على أنها مستبطنة للاستبداد…

لقد تربت مجموعات يسارية عديدة على مرجعيات ماوستالينية، ومعظمها ذو أصول طلابية، قاطَعَ دينامية حركة العشرين من شباط/فبراير غير المسبوقة، ولدى هذه المجموعات نموذجاً للثورة نقي، تقيس به ما يجري، وبالنظر لحالة التيهان السياسي التي تطبعها؛ فتفضل إدانة ما يجري على الفعل فيه. ولا زالت تتصارع على توصيف ما يجري في المنطقة (ثورة- انتفاضة- حراك- تمرد…)، وقادها استفادة الاسلاميين، على الصعيد الانتخابي، لمعاداة الثورات… والجدير بالذكر أن هذه المجموعات هامشية.

وزاد التضليل الإعلامي من تيه اليسار، فكل ما توفر من معلومات يأتي غالباً من وسائل إعلام جماهيري واسعة التأثير، وهي غالباً ما تقدم ما يجري على أنه أعمال عنف همجي متبادل بين النظام ومعارضيه بخاصة من الجهاديين. أما الاندفاعة الشعبية وأشكال تنظيمها وشعاراتها… فلا اهتمام بها. وفي مقدمة هذا الإعلام، فضائيات الملكيات النفطية الرجعية- التي تخشى انتصار الثورة الشعبية السورية لما سيكون لها من تأثير ثوري على شعوبها- وخاصة الجهاز الأيديولوجي لمشيخة قطر أي قناة الجزيرة.

مسؤوليات اليسار الثوري تجاه الثورة السورية

نخضع نحن في تيار المناضل-ة، موقفنا من الثورة السورية لنفس هدفنا في الانعتاق الشامل من الاستبداد والاستغلال، ونعتبر الشعب السوري، طبقته العاملة ومضطهدوه، رفيق طريق الثورة الاشتراكية بمنطقتنا، من أجل فيدرالية اشتراكية لمنتجين أحرار مسيرة ديمقراطيا. بالتالي، ندعم حركة الجماهير المنظمة والواعية والكفاحية، باحترام كامل لقرارها الخاص بها، ونضع الثقة التامة فيها. وعملياً، في حدود ما تسمح به قوانا المتواضعة، قام تيارنا ولازال بجهد إعلامي، ومتابعة مستمرة للتطورات، وتعاونا قدر الإمكان مع المناضلين الثوريين السوريين لإسماع صوتهم، ولإرساء أدوات ذلك، من منطلق مبدأي ثابت، كما دافعنا وسنظل، حيث كان ذلك ممكناً، خلال نضال حركة 20 شباط/فبراير على تنظيم أنشطة تضامنية مع الثورة السورية، وهذا كله أضعف الإيمان.

إن مسؤوليات اليسار الحقيقي، في المنطقة ككل، وعلى صعيد أممي، تجاه الثورة السورية كبيرة. ففي ظل الظروف الصعبة التي تعيشها، هناك ضرورة ملحة لإيصال المساعدات الأساسية (الغذاء، والأدوية، والتجهيزات والأسلحة) إلى ممثلي التنسيقيات السورية، وبالأخص تلك التي تقاتل من أجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والكرامة، وتحترم كل المكونات التي يتألف منها هذا البلد.

تفجرت ثورة الشعب السوري في سياق انتفاضات عدة عمت جزءاً واسعاً من المنطقة العربية والمغربية، هذه السيرورة الثورية دخلت عامها الثالث، ولا زالت الجماهير المنتفضة تواصل إرادتها في القضاء على تاريخ أسود من البطش والظلم والاستغلال، وانتزاع حقها في الحرية والكرامة والعدل الاجتماعي. وإذ تقاتل من أجل هذا الهدف، فإنها تواجه، ليس فقط الدكتاتوريات المحلية الغاشمة، وإنما أيضا، معظم القوى الإمبريالية، الساعية لتأبيد نهبها لثروات شعوبنا، فضلاً عن شتى الطبقات والقوى الرجعية.

وبما يخص سوريا، يضم التحالف، الذي يقاتل الشعب الثائر، جمهرة من القوى الطائفية الرجعية، في مقدمتها الدولة الإيرانية، والميليشيات المذهبية العراقية، وأيضاً، حزب الله اللبناني- كان يعتقد البعض، ضمنهم قوى يسارية، أنه ينذر نفسه لقتال إسرائيل، بالرغم من الهوية المذهبية الطاغية عليه- الذي يصوب بنادقه إلى شعب سوريا، دفاعاً عن نظام عصابة الأسد، على أرض سبق أن استضاف شعبها أهلهم، في بيوته، وتقاسم معهم لقمة عيش أطفاله، حين هربوا من القصف الإسرائيلي الغاشم، قبل سنوات قليلة!

وتكمن المصيبة الكبرى أن ما يسمى يساراً جذرياً بمنطقتنا لا يتعاون، وهنا نشيد بمبادرة مجموعة من التنظيمات اليسارية الثورية للتعاون، ونذكر هنا بإصدارها بيانات مشتركة داعمة للسيرورة الثورية الجارية، وتعاونها الفكري عبر إصدار مشترك لمجلة “الثورة الدائمة”. ونشيد أيضاً بكامل نضالها، والذي يصب في دعم اندفاعة الشعوب من أجل التحرر والانعتاق الشامل.

فريد عزام- (تيار المناضل-ة – المغرب)

النص التالي، كتب بطلب من موقع المنشور، الذي يشرف عليه رفاق المنتدى الاشتراكي بلبنان، ضمن ملف خاص باليسار والثورة السورية.

شارك المقالة

اقرأ أيضا