تونس: امتحان قوة – مقابلة مع انيس منصوري

أنيس منصوري

– هل لك أن تحدثنا عن القوة، والحالة الذهنية، التي توجد عليها حركة الاحتجاج التي تطورت منذ اغتيال محمد براهمي،احد قادة اليسار القومي (التيار الشعبي) داخل الجبهة الشعبية، يوم 25 يوليو 2013؟

– انيس منصوري: أحيى اغتيال براهمي الحالة الذهنية التي تلت اغتيال شكري بلعيد، لاسيما أن عضوا آخر بالجبهة الشعبية ، محمد بلمفتي، قتلته الشرطة في اليوم التالي في قفصة. إرتأت الجبهة الشعبية، التي لم تدع إلى العصيان المدني بعد اغتيال شكري بلعيد، أن انه يتعين هذه المرة السير أبعد مستوحية القرارات السياسية لندوتها الوطنية لشهر يونيو: الدعوة إلى الحل الفوري للحكومة و تنظيم انتخابات في أمد قريب، وإلغاء التعيينات الحزبية التي قامت بها حركة النهضة، وحل الجمعية الوطنية التأسيسية، وضمان الحياد السياسي للمساجد، الخ. وفي الآن ذاته، قرر 62 نائبا تجميد مشاركتهم في الجمعية الوطنية التأسيسية مساندين نفس المطالب. منهم أولا المنتمون للجبهة الشعبية ، وتبعهم ممثلو قوى سياسية أخرى، لا سيما نداء تونس (ليبراليون منهم أعضاء سابقون في حزب بنعلي)، والتحالف الذي يشرف عليه والمسمى الاتحاد من أجل تونس. تجسد هذا التلاقي بتشكيل جبهة الإنقاذ التي اصطفت إلى جانب الأهداف السياسية الآنية للجبهة الشعبية.

منذ 26 يوليو، دعت جبهة الإنقاذ إلى اعتصام في باردو بتونس العاصمة وفي مناطق أخرى. وقد استعادت هذه الاعتصامات شعار ثورة 14 يناير 2011 المركزي “ارحل”، وأشكال تحركها – احتلال الشوارع، والمؤسسات العامة، و المطالبة باستقالة مسؤولين. وهي مستمرة منذ شهر واصلة الليل بالنهار،حاظية بشعبية عظيمة، و مبدية كفاحية وروح ابداع. يوم 6 غشت (ستة أشهر بعد اغتيال شكري)، بلغ عدد المتظاهرين بالشارع زهاء المليون. يوم 13 من أجل حقوق النساء، ويوم 24 لإطلاق أسبوع التعبئة من أجل رحيل الحكومة، كان عددنا كبيرا في احتلالات الشوارع.

– ماذا كانت دلالة المظاهرة النسوانية الحاشدة يوم 13 أغسطس في الذكرى السابعة و الخمسين لتبني قانون الأحوال الشخصية بعد الاستقلال ؟

– شهدنا تواجه مشروعين مجتمعيين: 350 ألف متظاهر/ة – منهم نساء متحجبات من الأوساط الشعبية سائرات مع جمعية النساء الديمقراطيات – عبروا عن رفضهم لظلامية الاسلاميين البطريريكية. ينص قانون الأحوال الشخصية على إلغاء تعدد الزوجات، وزواج القاصرات، والزيجات المفروضة، و التطليق، وعلى حق الطلاق. وبات خطا أحمر يرفض قسم كبير من المجتمع،لا سيما النساء، تخطيه.

– ما مضاعفات ما أقدم عليه الجيش المصري على ميزان القوى في تونس؟

– استفاذ الاسلاميون من الهجوم القاتل الذي شنه الجيش ضد اعتصامهم بالقاهرة لافقاد الاعتبار للحركة الشعبية، ووصفها بالانقلابية والتهديد بتدابير ردع. وتعرضت اعتصاماتنا لاعتداءات متكررة من طرف الشرطة و ما يسمى “روابط حماية الثورة” التابعة للإسلاميين. مع ذلك نددت الجبهة الشعبية، وكذا جبهة الإنقاذ الوطني، بالمذابح التي اقترفها الجيش المصري، لكن دون غض الطرف عن أعمال عنف الإخوان المسلمين إزاء المتظاهرين، ناهيك عن حرق كنائس الاقباط… من جانبه، ورغم خطورة الأزمة التونسية، ألغى المرشد الأعلى لحركة النهضة راشد الغنوشي لقاء بالغ الأهمية مع النقابات بقصد المشاركة في اجتماع لشبكة الإخوان المسلمين الدولية في تركيا.

– ما دور قيادة الاتحاد النقابي (إ.ع.ت.ش) في هذه الأزمة السياسية؟

– اقترحت قيادة الاتحاد النقابي نداء، أيدته منظمة أرباب العمل ونقابة المحامين ورابطة حقوق الإنسان، للمطالبة بحل الحكومة، و إرساء جهاز تنفيذي تقني تسيره شخصية مستقلة وآليات رقابة لاستكمال أشغال الجمعية التأسيسية في أقرب الآجال. تسعى حركة النهضة إلى استعمال هذه المساومة لربح الوقت و فك عزلتها، ما أدى بالاتحاد النقابي إلى مساندة تعبئة جبهة الإنقاذ، يوم 24 أغسطس، مع عدم المطالبة بحل الجمعية التأسيسية.

– ما رأيك في تشكيل جبهة الإنقاذ، التي تضم اليمين الليبرالي، ويسار الوسط (المتحدر بوجه خاص من حزب بنعلي) و اليسار المعادي للرأسمالية (الجبهة الشعبية)؟ ألا تخاطر الجبهة الشعبية بالتخلي عن مطالبها الاجتماعية الأساسية باسم تحالف عريض ضد الإسلاميين؟ ما دور اليسار الثوري الممكن في هذا الإطار؟

– ثمة فعلا خطر ترك الليبراليين يحتلون المقدمة، فيما هم ينهجون نفس سياسة الإسلاميين الاقتصادية، التي لن تفضي سوى إلى تقهقر اجتماعي و ديمقراطي. إن مناخ العنف البالغ الذي يشيعه الإسلاميون، و المطبوع باغتيالات سياسية عديدة، وكذا بذبح ثمانية جنود من قبل جهاديين بالوسط الغربي، ناهيك عن معسكرات التدريب بالحدود الليبية و الجزائرية ووضع ألغام ضد الأشخاص…يحدو بقسم عريض من السكان إلى مساندة مقررات الجبهة الشعبية، ما يفسر تبني باقي القوى السياسية لها. لكن “جبهة الإنقاذ” صيغة مثيرة للنقاش، لأنها قد توحي بتحالف استراتيجي دائم سيكون الخاسر الوحيد فيه هو اليسار الثوري والشرائح الشعبية. يتعين إذن على اليسار الثوري الدفاع عن الطبيعة الظرفية و التكتيكية لهذا التحالف، الذي يجب ألا يمنع الجبهة الشعبية من تكثيف دعمها للنضالات الاجتماعية. ويجب انهاؤه في أقرب وقت ممكن، مع سقوط الحكومة و حل الجمعية التأسيسية.

– استجوبه جان باتو

solidaritéS | عدد 232 – 28 اغسطس 2013-09-04

تعريب: المناضل-ة

شارك المقالة

اقرأ أيضا