مشروع تقييم جماعي لمعركتنا ضد مخطط التعاقد

رأي11 سبتمبر، 2019

بقلم:

التنسيقية المحلية مديرية شيشاوة : محمد ايت حمد

التنسيقية المحلية مديرية الرحامنة : بشرى لكفول

التنسيقية المحلية مديرية تازة : منعم دراجي

التنسيقية المحلية مديرية الصويرة  : برهمان رجاء

التنسيقية المحلية مديرية النواصر : محمد اليوسفي

التنسيقية المحلية مديرية النواصر: عثمان الرحموني

التنسيقية الإقليمية للدريوش: سهام الماكريني

نقدم في هذه الورقة ، مشروع تقييم أولي لفتح نقاش جدي ومسؤول حول مسارتنسيقيتنا الوطنية،أملين أن يكون فاتحة نقاش يشارك فيه الأساتذة والأستاذات.

ارتأينا تقسيم التقييم إلى ثلاثة أجزاء:

– الجزء الأول : نقاط قوة معركتنا وتنسيقيتنا.

– الجزء الثاني :  نقاط قصور يلزم تجاوزها.

– الجزء الثالث : أفاق المعركة ضد مخطط التعاقد.

********************************************** 

الجزء الأول : نقاط قوة معركتنا وتنسيقيتنا.

دخلت معركة “التنسيقية الوطنية للأساتذة الذين فرض عليهم/هن التعاقد” تاريخ نضال الشغيلة من بابه الواسع. لا أحد يستطيع أن ينكر ما خلفته سنة من نضال الأساتذة والأستاذات من دروس قيمة.

يضع هذا على عاتقنا مهمة ضرورية ألا وهي: ضرورة استخلاص الدروس الأساسية والعبر من كل ما راكمناه من تجارب ومناعة قوية بعد أزيد من سنة ونصف من النضال والكفاح.

حطمت هذه المعركة أوهام الدولة بأن فرض الهشاشة من خلال “التوظيف بموجب عقود”، سيجعل المفروض عليهم/هن التعاقد قابلين بأوضاع الاستغلال المزرية مفضلين منصب شغل على النضال من أجل “الإدماج في أسلاك الوظيفة العمومية”، التي أصرت الأكاديميات على أن عقود التوظيف لا تضمنه.

لم يمض أكثر من موسم حتى انطلق نضال الأساتذة/الأستاذات، متفجرا بسبب عزل الأستاذ بوكمان بزاكورة، وابتدأ النضال محليا وجهويا وانتهى بتأسيس “التنسيقية الوطنية” بتاريخ 4 مارس 2018.

إن غاية هذه الورقة هي تقييم مسار نضالات التنيسقية الوطنية من أجل الوقوف عند نقط القوة من أجل استثمارها مستقبلا، ونقاط الضعف من أجل تفاديها في القادم من النضالات.

سنكتفي في هذا الجزء من التقييم بالوقوف عند النقطة الأولى، أي جرد مكاسب معركتنا المجيدة. ونود قبل ذلك الإشارة إلى أن هذا ليس من باب التباهي التنظيمي، ولكن لجعله أساس استئناف المعركة مستقبلا.

1- استماتة الجماهير الأستاذية

أبانت معركتنا على قتالیة عالية للقواعد الأستاذیة وتمسکها بمعرکتها ومطلبها. ولولا هذا لما استطاعت التنسيقية الصمود هذه المدة كلها في وجه قمع الدولة ومناوراتها.

تتجلى هذه القتالية في النسب العالیة لتجسید الإضرابات، والحضور الکثیف في المسیرات،الإقليمية والجهوية والمركزية.

إن صمود آلاف الأساتذة والأستاذات في الشارع رغم التهديدات بالقمع والعنف والتنكيل والسب والقذف، يفتح إمكانية تطوير هذا الفعل النضالي وتجذيره لاستشراف آفاق المعركة والمجابهة الممكنة.

ولذلك علينا الحرص على الحفاظ على جماهيرية التنسيقية الوطنية وحق الجماهير الأستاذية في تسيير معركتها حتى تحقيق مطلب الإدماج وإسقاط مخطط التعاقد.

2- التنسيقية الوطنية: مكسب تنظيمي لا ينبغي التفريط فيه

خلق الأساتذة المفروض عليهم/هن التعاقد تنظيمهم الخاص وأسسوا “التنسيقية الوطنية” التي أطرت نضالاتهم، وحرصوا على تقويتها وحسن تشغيل هياكلها الإقليمية والجهوية والوطنية.

تعتبرالتنسيقية الوطنية مكسبا تنظيميا تسعى الدولة جاهدة لتدميره وإفقاده المصداقية في أعين الجماهير الأستاذية.

3- التنسيقية في طليعة النضال ضد الهجوم على الوظيفة والمدرسة العموميتين

شكلت تنسيقية المفروض عليهم التعاقد الكتيبة الأمامية في جيش المتضررين من السياسات التخريبية التي تنهجها الدولة، وكانت استماتتها في الشارع المغربي بمثابة نفير حرب، ودق نضالها ناقوس خطر الإجهاز على ما تبقى من مكاسب الشعب المغربي وعلى رأسها المدرسة والوظيفة العموميتين (مجانية التعليم، مخطط التقاعد، قانون الإضراب…).

4-  وضع هجمات الدولة في قفص الاتهام

استطاعت نضالات التنسيقية أن تفضح زيف الشعارات القائلة بالخيارات الاستراتيجية من جهوية موسعة ومتقدمة وتوظيف جهوي، وبينت بالملموس أنها تنزيل لإملاءات المؤسسات المالية العالمية.

كشفت معركتنا نوايا الدولة في تعميم سياسة التعاقد على جميع قطاعات الوظيفة العمومية، وأنها تتحين فقط فرصة ذلك: ما تسميه الدولة “إصلاح الإدارة العمومية”.

أوضحت المعركة الدور المنوط بشغيلة التعليم في مقاومة هذا الإجراء والتصدي له بقوة النضال الوحدوي مع باقي الشغيلة، حيث تشكل الشغيلة التعليمية أكبر نسبة من موظفي الدولة. وانتصار معركتنا ضد مخطط التعاقد سيعني إجهاض مخطط الدولة لتعميمه على الرسميين وباقي القطاعات.

5- تأجيل هجوم الدولة على مجانية التعليم

كانت الدينامية النضالية التي أطلقتها التنسيقية الوطنية للأساتذة المفروض عليهم/هن التعاقد سببا مباشرا في تأجيل تمرير القانون الاطار.

أربكت نضالات التنسيقية حسابات الدولة، وتجلى ذلك إبان نقاش مصدر تمويل الأكاديميات لتغطية نفقات أجور المفروض عليهم التعاقد. ارتباك واضح في الإجابات المقدمة من طرف المسؤولين ونفي حتى ما جاء في القانون 07.00 القاضي بإحداث الأكاديميات.

6- تحويل التعاقد إلى قضية رأي عام

جعلت التنسيقية من مخطط التعاقد الذي يستهدف ضرب مجانية التعليم قضية رأي عام: تضامن التلاميذ مع أساتذتهم في مختلف المؤسسات، احتجاجات أولياء التلاميذ، بيانات جمعيات الآباء، تضامن شعبي منقطع النظير، حيث عبرت كل فئات الشعب المغربي عن مساندتها لمطلبنا ليس بالأقوال فقط بل وكذلك بالمشاركة الفعلية في نضالاتنا.

لكن هذا ليس كل شيء، فقد لاقت كذلك تعاطفا واهتماما أمميا مهما عبر إصدار مجموعة من الهيئات الدولية لمجموعة من البيانات التضامنية ( تونس، مصر).

كانت الأشكال النضالية الميدانية (مسيرات ووقفات واعتصامات) لحظات التقاء مباشر مع الجماهير الشعبية لتوعيتها بخطورة مخطط التعاقد. كما أبدعت التنسيقية أشكال أخرى للتعبئة المباشرة (توزيع المناشير في الأسواق والأحياء الشعبية والجامعات)، إضافة إلى الندوات الإشعاعية (الوطنية والجهوية) والمشاركة في البرامج الإعلامية الرسمية والمستقلة.

7- فرض ممارسة حق الإضراب

استطاعت التنسيقية ونسب المشاركة العالية في الإضرابات التي دعت إليها، أن تعيد الثقة للإضراب كوسيلة لانتزاع المطالب والحقوق المشروعة، بعد سنين من قمعه بالاقتطاعات. و فتح هذا من جديد النقاش حول مشروع قانون الإضراب والمرسوم الحكومي القاضي بالاقتطاع من أجور المضربين.

8- حفز نضال شغيلة التعليم

كما خلقت معركتنا تململا داخل جسد الشغيلة التعليمية، التي استطاعت تحدي الكبح “البيروقراطي” وفرض إعلان الإضراب من أسفل على قيادات نقابية امتنعت عن النضال منذ زمن مفضلة استجداء الحوار: ضغط المكاتب الجهوية للجامعة الوطنية للتعليم/ الاتحاد المغربي للشغل، على المكتب التنفيذي للانسحاب من التنسيق مع الجامعة الحرة ونقابة العدالة والتنمية والالتحاق بإضراب 20 فبراير، على سبيل المثال لا الحصر.

ألهمت معركة التنسيقية جميع فئات الشغيلة التعليمية رفع راية التحدي والمطالبة بإنصاف الأستاذ والدفاع عن المدرسة العمومية إذ خرجت مجموعة من التنسيقيات داخل القطاع وخارجه ببرامج نضالية قوية دفاعا عن مطالبها.

9- المشاركة في النضال الوحدوي

شاركت التنسيقية في نضالات وحدوية عددية وکان إضراب 03 ینایر الوحدوي ذروة مشهود لها. وكانت آخر خطوة نضالية قبل “تعليق تمديد الإضراب” عبارة عن معركة مشتركة مع تنسيقيتي الزنزانة 9 وحاملي الشواهد.

10- تحسين شروط العمل والنضال

أجبرالإضراب المديد الذي انطلق منذ 4 مارس 2019 الوزارة على إسقاط ملحقات العقود وامتحانات الكفاءة المهنية التي أرادت فرضها على الأساتذة، هذه الملحقات التي قاطعها الأساتذة بنسب ساحقة.

انتزعت التنسيقية تنازلات في شروط العمل بفضل نضالاتها: التعديلات 14 التي همت الأنظمة الأساسية لموظفي الأكاديمية، رغم رفضنا لما يسمى بـ”التوظيف الجهوي”، وأعلنت الوزارة إلغاء مفهوم العقد وسحب البنود التي تنص على صلاحيات فسخ العقود دون إشعار أو تعويض من الأنظمة الجهوية.

تمكنت نضالات التنسيقية (ونضالات بقية تنسيقيات شغيلة التعليم) من انتزاع زيادة في الأجور تهم موظفي الوظيفة العمومية. نحن ندرك أن هذه الزيادة هي سلاح كانت تحتفظ به الدولة للحظة الحرجة من أجل عزل نضالات التنسيقية، لكنه تنازل يحسب لنا فقد قدمت الحكومة أكثر مما كانت تقترح قبل معركتنا.

11- الاعتراف بتمثيلية التنسيقية وانتزاع الحوار

طیلة الإضرابات کانت الوزارة ترفض بتاتا الجلوس للحوار مع التنسیقیة بذریعة لا تمثیلیتها للمفروض علهيم/هن التعاقد، مؤکدة أن الحوار یجري مع النقابات الأکثر تمثیلیة لا غیرها، وفي الأخیر رضخت الوزارة، معترفة بذلک بالصفة التمثیلیة للتنسیقیة الوطنیة.

**********************************************

الجزء الثاني 

“نقط قصور يلزم تجاوزها

تلعب الأخطاء والعثرات دورا مهما في تطوير حركات النضال، شريطة الاعتراف بها واستخلاص الدروس من أجل تجاوزها. فعدم الوقوف على الأخطاء يعني تمهيد أرضية تكرارها.

سنركز على الأخطاء التي تهم الحركة ككل، والتي فرضها السياق النضالي والسياسي، وليس الأخطاء التقنية والعثرات اللحظية، فهذه الأخيرة ليست تفسيرا لمآل معركتنا بقدر ما تحتاج بدورها إلى تفسير.

السياق العام لمعركة التنسيقية ضد مخطط التعاقد

تميز سياق نضالنا بسمات عديدة:

– اشتداد هجوم الدولة على المكاسب السابقة ومقاومات انتهى بعضها بإخفاقات وبعضها الآخر بانتصارات جزئية لم يجر مراكمة دروسها، ما حرم منها الأجيال الشابة حديثة العهد بالنضال. يجعل هذا حركات النضال اللاحقة تبدأ، لا حيث انتهت السابقة، بل حيث بدأت إن لم يكن أقل.

– تراجع الحركات الاحتجاجية وضعف تنظيماتها (الحركتين التلاميذية والطلابية، الحركة النقابية، الاحتجاجات الشعبية…).

– الفئوية المفرطة وتشتت النضالات وعزلتها عن بعضها البعض. جسم تعليمي واحد، لكن بجسم نقابي فاق خمس نقابات و9 تنسيقيات فئوية.

 طبيعة معركة إسقاط مخطط التعاقد

حكم هذا السياق العام بأن تكون معركتنا أساسا معركة دفاعية ضد هجوم الدولة على مكسب كان قائما: التوظيف القار، وليس معركة هجومية لانتزاع مكاسب إضافية.

شرارة المعركة ذاتها كانت طرد أستاذ زاكورة (حسين بوكمان)، الذي أطلق موجة نضال نمت محليا ثم إقليميا وانتهت وطنيا بتأسيس “التنسيقية الوطنية”.

جرى هذا في زمن جد قياسي، أقل من عام: تأسست التنسيقية في 4 مارس 2018، وفي ذكرى تأسيسها انطلقت المعركة الأخيرة: الإضراب المديد (8 أسابيع)، الذي انطلق 4 مارس وعلق نهاية أبريل 2019.

مميزات السياق العام والطابع الدفاعي للمعركة حكم على تنسيقيتنا أن تعيد إنتاج نفس نقاط الضعف ومواطن القصور السائدة في حركات النضال بالمغرب.

منظور المعركة

ساد تصور بأن إسقاط مخطط التعاقد هدف سيتحقق في هذا الموسم الدراسي، بنضالات فئة الأساتذة المفروض عليهم التعاقد وحدهم. فلدى الجماهير، حديثة العهد بالنضال، دائما نزوع لاستسهال المعركة، وهو نوع من إسقاط الرغبات على الواقع.

يمد هذا جذوره في عدم استحضار دروس النضالات السابقة، أو بالأحرى استحضار ما يزكي سهولة المعركة، يكفي فقط الانخراط فيها بحماس وإيمان.

وسم هذا التصور القائم على استسهال انتزاع المطلب، تنسيقيتنا بطابع العفوية والارتجال، وحكم على المعركة بافتقاد منظور علمي عملي ملزم للجميع، ومبلور عبر نقاش جماعي وديمقراطي.

تجلى افتقاد هذا المنظور في:

– غياب ملف مطلبي متكامل والتركيز على مطلب واحد (لديه قدرة تعبوية كبيرة) هو الإدماج في أسلاك الوظيفة العمومية.

– غياب خطة نضالية واضحة المعالم: كانت أغلب الخطوات تتخذ بالكثير من الاندفاع والارتجال، وكانت (منذ مارس 2019) ردود فعل تجاه إجراءات الدولة.

– سوء تقدير حجم الملف وخبرة الدولة (النقيض) في التعامل مع حركات الاحتجاج.

– الاعتقاد بعدم الحاجة للبلورة النظرية والبرنامجية، وأن الميدان وحده كفيل بتحقيق المطلب.

تظافرت هذه السمات مع الانبهار بأعداد الأساتذة (70 ألف) لتنتج جملة نقاط قصور أخرى، حكمت على معركتنا بالانتهاء إلى ما آلت إليه:

1- العمل الوحدوي

يمكن لأي متتبع لنضالات الشعب المغربي عموما ونضالات الشغيلة التعليمية أن يخلص إلى أن مسألة توحيد نضالات كل المقهورين، يستمد ضرورته من طبيعة المطالب التي تستدعي الوحدة والتضامن: جسم تعليمي واحد، ملف مطلبي واحد، نضال موحد من أجل نظام أساسي واحد ضامن للعمل القار.

من بين الأمور التي كان يفترض أن نستخلصها من تجارب الماضي وننكب على العمل عليها تفاديا لأي منزلقات قد تجهض معركتنا هي عزلة نضالات المفروض عليهم التعاقد عن باقي نضالات الشعب المغربي عموما وبشكل خاص عن شغيلة التعليم.

لم يكن هناك تصور او اقتناع بالعمل الوحدوي الناتج عن نقاشات حقيقية بين الأساتذة، بل ظل هذ الأخير يتأرجح في العديد من مراحل المعركة، بين مجرد سطور تتضمنها البيانات(التنسيق، تشكيل جبهة موحدة…)، وشعارات مرحلية وتكيف مع ظروف مرحلية. أسباب لم تسمح للتنسيقية بالخروج بموقف واضح تجاه العمل الوحدوي ومحاولة بلورة تصور.

أ‌- التنسيق

طيلة العقدين السابقين، تميزت نضالات شغيلة التعليم بغلبة الفئوية، كل فئة تناضل بمعزل عن الأخرى. ولم تخترع تنسيقيتنا هذه الممارسة، وإنما قامت بنقلها نقلا.

رغم تأكيد بيانات التنسيقية الوطنية على ضرورة التنسيق، كونها من خلاصات المجلس الوطني (أزيلال)، اعترى تفعيل هذه الخلاصة بعض الأخطاء وهي:

أولا: اقتصار هذا التنسيق على المستوى المركزي دون لقاءات تفاعلية وتواصلية ونقاش حقيقي ينطلق من المكاتب والفروع الاقليمية للتنسيقيات، من أجل تعبئة وازنة ومكثفة.

ثانيا: غياب نقاش حقيقي حول ضرورة الوحدة والتنسيق في الجموع العامة الإقليمية والجهوية أدى إلى رفض هذا التنسيق بمبررات خاطئة: “نحن أكثر عددا، وسيستغلنا الآخرون”، “ملف التنسيقيات الأخرى أبسط من ملفنا، ولن نستفيد شيئا من التنسيق معها”… إلخ.

نتج عن هذا انسحابنا من اتحاد التنسيقيات (التسع) في26 يناير، وتنظيم مسيرة 20 فبراير بشكل معزول عن باقي تنسيقيات التعليم. وتجلت “الروح الفئوية ” أثناء الأشكال الموحدة (المسيرات) في صراع شكلي حول من سيحتل مقدمة الصفوف ولافتة من ستكون في الصدارة.

فرضت علينا معركة ملحقات العقود وإجراءات الدولة العودة إلى التنسيق (مع الزنزانة 9 وحاملي الشواهد) في شهر أبريل، ولكن هذا التنسيق انتهى بتعليقنا للإضراب، وتوقف التنسيق منذ تلك اللحظة دون تقييم أو نقاش الآفاق.

كما لم يشمل التنسيق (رغم الدعوة إلى تشكيل جبهة ديموقراطية للدفاع عن المدرسة العمومية) باقي الفئات المعنية بمخطط التعاقد مثل الطلبة الممرضين وطلبة الطب والصيدلة والطلبة المهندسين.

ب- العلاقة بالنقابات

يعد تأسيس إطار خاص بنا (التنسيقية الوطنية) مكسبا تنظيميا كبيرا، فلو بقي ملف التعاقد في يد “القيادات النقابية” لظل حبيس الحوارات الاجتماعية التي لا تفضي إلى شيء بقدر ما تكرس واقع الهجوم والحرمان من الحقوق.

لو ناضلت النقابات ضد مخطط التعاقد لما احتاج المفروض عليهم التعاقد إلى تأسيس إطارهم الخاص. لكن واقع النقابات (ضعف تنظيمي، هيمنة بيروقراطية، تعاون مع الدولة…)، فرض تأسيس “التنسيقية الوطنية”.

يبرر وضع النقابات المتردي نفور جماهير الأساتذة منها، وهو رفض تتشاركه مع جموع الشغيلة. لكنه لا يبرر الهجوم الشرس على النقابات ونعتها بـ”النفايات”، بكل بساطة لأن معركتنا كانت بحاجة إلى تضامن كل جسم الشغيلة سواء المنظم داخل النقابات أو الذي يوجد خارجها.

حال هذا الموقف من النقابات، دون وعي الأساتذة بأهمية العمل النقابي وضرورته، كما عمق عزلة معركتنا عن باقي جسم الشغيلة.

ظهر خطر عدم الاهتمام بالنقابة، عندما قررت قيادات التنسيق النقابي الخماسي الدخول على خط ملفنا. ساهم موقف النفور من النقابة في:

*عدم استثمار تضامن وتململ شغيلة التعليم “الرسميين” أثناء الإضرابات التي دعا لها التنسيق الخماسي، وعدم تواصلنا مع هذه الشغيلة للضغط على القيادات النقابية من أجل انخراط فعال في النضال ضد مخطط التعاقد في وقت كنا أحوج فيه إلى هذا الانخراط.

*اقتصار تواصلنا مع النقابات على تنسيق فوقي مع القيادات المركزية (الكتاب العامون).

*عدم استجلاء خطة قيادات هذا التنسيق وغاياتها الحقيقية من الدخول على الخط: تراوحت مواقفها بين دور المتفرج (إصدار بيانات تضامنية….)، أو المجاراة بالدعوة إلى إضرابات دون تعبئة حقيقية لإنجاحها، وفي الأخير القيام بدور الوساطة بين التنسيقية وبين الدولة.

2-  مواطن القصور التنظيمي

أدى استسهال المعركة وفتوة التنسيقية إلى تقزيم دور الجانب التنظيمي (تقوية هياكل التنسيقية، آليات المحاسبة، دور الجموع العامة…). وجرى تعويض الاشتغال التنظيمي بالاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعي (فايسبوك، مجموعات واتساب والتلغراف).

أ‌- الجموع العامة

لعبت هذه الوسائل دور الجموع العامة (المكان الحقيقي لإشراك الأساتذة في تسيير وتقرير معاركهم). جيشت حسابات وهمية الأساتذة قبيل انعقاد المجالس الوطنية وخلقت حماسا مصطنعا ودفعتها دفعا للتصعيد.

بدل اقتصار هذه الوسائل على نقل المعلومة كانت في بعض الأحيان موجها للأساتذة والمساهم الأكبر في استسهال معركتهم واختزالها في “هشتاغات وتدوينات”.

فتح هذا باب الانتقاص من الممارسة التنظيمية. كان الأساتذة يصادقون في الجموع العامة على ما جرى ترويجه على هذه المواقع (تضم الصفحة الرسمية ربع مليون عضو، في حين لا يتجاوز عدد الأساتذة 70 ألف).

انتشرت تدوينات تبخس دور الجموع العامة بمبرر صعوبة عقدها ولا جدوى النقاش في وقت “يريد فيه الجميع الانخراط في معركة تصعيدية”. هكذا استساغ الأساتذة الحضور الهزيل معتقدين أن التفاعل في الفايسبوك والوا تساب يغني عن المشاركة في الأشكال التقريرية (الجموع العامة).

ب‌- المجلس الوطني

للوقوف على طريقة اشتغال المجلس الوطني لا بد من استحضار خصوصية نشأة التنسيقية الوطنية. عكس الإطارات التي تؤسس مركزيا ثم تمتد جهويا ومحليا، انطلقت سيرورة بناء تنسيقيتنا التنظيمي محليا لتمتد جهويا وتنتهي وطنيا. انعكس هذا البناء التنظيمي في ضمور الإحساس بالانتماء الى جسم تنظيمي وطني، وحل محله تمسك بالانتماء الإقليمي تجلى في: تنافس التنسيقيات الإقليمية حول من الأكثر نضالية، جسده شعار “فخر الانتماء”، التسابق الى إصدار بلاغات نسب الإضراب دون انتظار البلاغ الوطني.

ظهرت سلبية هذا أيضا في تدبير الخلاف وتنظيم النقاش داخل المجالس الوطنية، التي تعرضت لضغوط كبيرة بدعوى عدم استجابتها لخلاصات الجموع العامة.

بدل النقاش الجماعي والديموقراطي، داخل المجلس الوطني، جرت صياغة البرامج النضالية باعتماد تقنية التفريغ والتوليف بين مقترحات الجهات.

خضع المجلس الوطني، لضغوط المناخ بالغ الحماس المختلق في صفحة الفايس، وكان خاضعا لحملة الدعوة للتصعيد التي فرضت داخل الصفحة، بلغت حد تهديد المجلس الوطني والتنسيقية الوطنية بالانسحاب في حالة عدم الاستجابة لدعوات التصعيد: هاشتاغ “التصعيد أو التمرد”، وتدوينات وتعليقات تدعو إلى “حل المجلس الوطني” إن لم يكن هناك تصعيد.

ساهم جو انعقاد المجالس الوطنية منذ فبراير 2019 في ترسيخ هذه الممارسة: دورات تنعقد في عز البرنامج النضالي أو بعد نجاح مسيرة شاخدة شهدت قمعا. ساهم هذا في إضفاء نوع من الضغط على المجلس الوطني وغياب النقاش العقلاني للسياق ولطبيعة البرامج النضالية.

3- الأداء الإعلامي والتواصلي

أي دور لعبه إعلام التنسيقية في مواجهة الإعلام الرسمي المتمرس؟ هل كان قادرا على التعاطي الإيجابي ومسايرة المعركة بإيقاعها أم كان في بعض الأحيان سببا في خلق حماس زائد في أوساط الأساتذة؟

اقتصر إعلام التنسيقية (الصفحة الرسمية) على ترويج بيانات المجالس الوطنية ومقالات مواقع الكترونية باحثة عن زبائن، دون تمحيص مضمون هذه المقالات التي تركز على جوانب الإثارة عناوين مثل:

“المتعاقدون يردون على الأكاديميات باحتجاجات غير مسبوقة” “المتعاقدون يهددون أمزازي بالعودة للشوارع وأسبوع ساخن” ” “المتعاقدون يتوعدون الحكومة بشلل المؤسسات العمومية”…إلخ ، وتواتر نشر تصريحات عن “مفتشين” و”خبراء تربويين” يؤكدون مأزق الحكومة وقرب الاستجابة لمطلب الإدماج.

كانت معظم التصريحات الصحفية ذات بعد تحريضي بدل أن تتخذ بعدا ترافعيا (تفكيك مخطط التعاقد) لإقناع الشعب المغربي بخطورة المخطط وبعدالة قضيتنا.

كان عملنا التواصلي ضعيفا، ولم نقم بحملات تواصلية مع المعنيين المباشرين بالمدرسة العمومية (التلاميذ، الأسر، الرأي العام…)، إلا في اللحظة التي قامت فيها الدولة بمحاولة تأليب الرأي العام ضدنا بمبرر تفادي “سنة بيضاء”. ونفس الشيء بالنسبة للتواصل مع المعطلين الذين نجحت الدولة في تجييش أقسام منهم لتعويض المضربين.

4- كيف تعاملنا مع إجراءات الدولة:

اكتسبت الدولة خبرة كبيرة في التعامل مع حركات الاحتجاج، باستعمال أساليب القمع أحيانا والمناورة أحيانا كثيرة.

في حين اتسمت التنسيقية بثقة مفرطة حكمت جل خطواتها، أمام خصم جرت الاستهانة بمدى خبرته وقدراته. عملت الدولة على تشجيع هذه الميول من خلال مناورات كانت تظهرها في موقع الدفاع.

كان رهان الدولة هو كسب الرأي العام إلى جانبها لذلك كثفت تواصلها الإعلامي (تصريحات رسمية، برامج تلفزية وإذاعية) في وقت كان تواصلنا الإعلامي مع الرأي العام ضعيفا.

طيلة معركتنا تعاملنا باستخفاف مع خطة الدولة التي كانت تصرفها بجرعات، وبلغ الاستخفاف مداه في حملات التهكم والسخرية من البلاغات والتصريحات الرسمية بدل أخذها على محمل الجد ( التعاقد خيار استراتيجي).

لن يقتصر هذا الاستخفاف على الجانب الإعلامي وفقط، بل شمل التعديلات 14 التي اقترحتها الوزارة(14 مارس)، فاعتبرناها إشارات ضعف يكفي استغلالها بمزيد من الضغط وتمديد الإضراب لتحقيق الإدماج هذا الموسم. لم ننتبه إلى خطة الدولة المتكاملة الأركان إلا لحظة تنفيذ تهديداتها (الإجراءات العقابية: العزل، شكايات كيدية بتهم التحريض، توقيف أجور بعض المنسقين، تفعيل مسطرة الانقطاع عن العمل…) و إجراءات أفقدت إضرابنا فعاليته(الضم، تقليص البنية، إسناد الأقسام الإشهادية لغير المضربين، الاستعانة بالمعطلين لتعويض المضربين)

5- الوساطة والحوار: مناورة لإطفاء الدينامية النضالية للتنسيقية.

لوحت الحكومة بورقة الحوار  حين أحست بارتجالية التنسيقية  واستنزاف قوتها،  ضامنة بذلك قبولها بأي مقترح يخرجها من المأزق الذي أحسنت إطباق جميع منافذه.

هذا الفخ الذي أتقنت الدولة نصب شراكه بمساعدة شركائها/الوسطاء والذي كان حريا بنا أن نعي دورهم منذ أولى تحركاتهم( أليسوا هم أنفسهم من صادقوا على ميثاق التربية والتكوين الوطني وبعده جميع المخططات التخريبية في قطاع التعليم)

ابتلعت التنسيقية الطعم بسهولة بحكم أزمة تدبير المعركة التي كانت تعيشها (تمديد الاضراب أسبوعا تلو الاخر، استنزاف الأساتذة بعد الشروع في الاجراءات الزجرية…..)

في هذه اللحظة المفصلية ستطفو للسطح كل نقاط الضعف التي اعترت سيرورة التنسيقية النضالية، وبسبب الافتقار إلى رؤية واضحة كادت أولى جولات الحوار أن تشق صفوف التنسيقية حين جرى القبول بمخرجاته، دون الرجوع إلى الجموع، كما تقتضي الديموقراطية الداخلية.

ويشكل رفض تنسيقية طلبة الطب ما تشترطه الوزارة لاستمرار الحوار(صيغة التفويض، عدم إخضاع نتائج الحوار لتصويت الجموع العامة)، نموذجا لهذه المنهجية الديموقراطية.

لن تتأخر الدولة في التكشير عن أنيابها، في الجولة الثانية من الحوار، بعدم تقديم أي مقترحات عملية لحل الملف، بل وعدم الالتزام حتى بخلاصات هذه الجولة (إصدار مذكرة تلغي القرارات الزجرية في حق الأساتذة)، ما دفع التنسيقية لإعلان  عدم حضور جولة حوار 23 ماي.

هكذا  أتبتث الدولة  بالملموس أن الحوار لم يكن أكثر من مناورة أخرى لفرملة المد النضالي للمفروض عليهم التعاقد ومعهم شغيلة التعليم.

ومنذ ذلك التاريخ عرف نضال تنسيقيتنا تراجعا ملحوظا. ذاك شيء عاد جدا: عندما قالت التنسيقية لـ 70

ألف أستاذ بأن الإدماج على مرمى أسابيع إن لم يكن أيام وأطلقت شعار “الإدماج أو البلوكاج” استجاب

جموع الأساتذة لدعوات الإضراب. وبعد ما تبين لها أن الإدماج أبعد ما يكون بإضرابنا لوحدنا، لم تعد

هده الجموع تستجيب لدعوات الإضراب، ولا أدل على ذلك الاستجابة الضعيفة لإضراب ثلاثة أيام بعد إعلان استشهاد “عبد الله حاجيلي” أيام 28 و29 و30 يونيو.

نتمنى أن يفتح مشروع التقييم الذي نضعه بين أيديكم باب النقاش لتجاوز عثراتنا ونقاط قصورنا، فأكيد أن هذا سيصنع ميلادا جديد للنضال ضد مخطط التعاقد فوق رماد التراجع الحالي.

**********************************************

الجزء الثالث

آفاق: منظور ومقترحات عملية

بعد مرحلة تقييم المعارك التي خاضتها التنسيقية الوطنية، والوقوف على مكامن الخطأ لتصويبه ومكامن الصواب لتقويته في علاقتنا مع قواعدنا التي تتسم بالوضوح والقيم الديمقراطية، غدا لزاما الانتقال إلى مرحلة أكثر أهمية وهي وضع تصور لنضالاتنا بمثابة بوصلة ومنارة تنير دروب معاركنا وكإجابة موضوعية لأفق المعارك مستقبلا.

في النضال لا تكون النتائج نهائية أبدا. انتهى شوط وستنطلق أشواط أخرى علينا الاستعداد الجيد لها. إن الطريقة التي انطفأت بها معركتنا تشبه هبوطا اضطراريا لطائرة نفذ وقودها، لكنها حطت بسلام ما يفتح باب الإقلاع مجددا. لقد دخلنا معركة التعاقد دون ما يكفي من زاد برنامجي وتجربة نضالية وخبرة تنظيمية، لكن نار المعركة الأخيرة أنضجتنا.

سيحاول الجزء الثالث والأخير من التقييم، استجلاء آفاق المعركة بما يضمن تفادي نقاط قصورها ويكرس نقاط قوتها.

منظور المعركة

سيستمر النضال ضد مخطط التعاقد، لا محالة. لكن الانخراط في المعركة بنفس المنظور السابق الذي تناولنا جوانب قصوره في الجزء الثاني من التقييم، يعادل اقتراف مزيد من الأخطاء وجعل شروط النصر أصعب.

إن النضال مثل الإبحار في محيط متلاطم الأمواج، يحتاج بدوره إلى بوصلة. لا يكفي حماس البحارة واستماتتهم كي تسير السفينة في الاتجاه الصحيح.

يستدعي الطور الحالي من المعركة تدقيقا للشعارت والمطالب وتسديدا للمنظور العام للنضال وشحذا للتنظيم. لذلك يجب توفر أربع شروط لا غنى عنها لضمان انطلاقة جديدة لنضالنا:

– تقوية التنظيم ودمقرطته والدفاع عن جماهيريته. (السفينة)

– الحرص على حق جماهير الأساتذة في تقرير وتسيير معركتهم بكل ديمقراطية. (البحارة)

– إيلاء الأهمية للعمل النظري: التثقيف من أجل العمل. (البوصلة)

– تحسين شروط المعركة بتوسيع حاضنتها الشعبية: العمل الوحدوي، التواصل مع الرأي العام. (الأسطول).

أول ما علينا إدراكه هو أن النضال ضد مخطط تعاقد تعتبره الدولة “استراتيجيا”، مخطط جرى إعداده على نار هادئة منذ 1999، يستدعي بدوره نضالا طويل النفس؛ الرغبة مهما كانت قوية لا تحل محل الواقع الموضوعي، وموسم جني مبكر سيقطف ثمارا غير ناضجة.

أكدنا في الجزء الأول من التقييم أننا نشكل الكتيبة الأمامية لجيش شغيلة الوظيفة العمومية، ولكننا لا نشكل جيشا قائم الذات وقادرا على خوض الحرب نيابة عن بقية الفيالق. أجبرت معركتنا الدولة على إشهار ما كانت تضمره لقطاع الوظيفة العمومية: تعميم أساليب تدبير القطاع الخاص على القطاع العام. ووضعت الدولة لهجومها سقفا زمنيا محددا.

إن جيش شغيلة الوظيفة العمومية قادم لا محالة. ما علينا، نحن الكتيبة الطليعية إلا الصمود في الصفوف الأمامية وحماية خطوط الدفاع في انتظار التحاق بيارق جيش الشغيلة العظيم… وآنذاك سيكون لكل مقام مقال.

الجانب التنظيمي:

التنسيقية الوطنية للأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد مكسب تنظيمي مهم، تعمل الدولة لتفكيكه بجميع أنواع القمع المادي والتعتيم الإعلامي وإفقاد الأساتذة الثقة في أداة نضالهم.

لقد أولينا اهتماما كبيرا لهدف النضال (الإدماج في الوظيفة العمومية وإسقاط التعاقد) في حين لم نول العناية اللازمة لوسيلة تحقيق هذا الهدف: تنظيم التنسيقية الوطنية وتقوية هياكلها ودمقرطتها. يفترض هذا إعطاء أهمية قصوى للجانب التنظيمي.

* الجموع العامة

يعتبر الجمع العام ملتقى الأساتذة الطبيعي لنقاش كل ما يخص معركتهم، خاصة جانبها التقريري. وأي تبخيس لدور الجمع العام يعبر عن رفض حق الأساتذة الأصيل في تقرير وتسيير نضالهم. لذلك علينا الحرص على:

– عقد الجموع العامة بدورية منتظمة.

– تكثيف التعبئة وتشجيع وحث الأساتذة لحضور هذه الجموع.

– تقوية الجموع العامة بتشكيل لجان المؤسسات والتأكيد على الدور الحيوي لمنسقي هذه اللجان (حفز الانخراط).

– فرز لجان دائمة للتعبئة لكل المحطات النضالية وتشجيع وتحفيز الأساتذة للحضور للجموع العامة والمشاركة الفعلية في تقرير مصيرها.

* المجلس الوطني

المجلس الوطني أعلى هيئة تقريرية. وعليه، يجب أن يضمن كامل حقوق النقاش الديمقراطي والجماعي لكل ما يخص معركتنا، وليس فقط تسطير برامج النضال. ليس معقولا حصر مهمة المجلس الوطني في المصادقة على خلاصات الجموع العامة، بل مركزة النقاش وتنظيمه.

ليس المجلس الوطني فسيفساء آراء يجري التوفيق بينها بصيغ التوجه العام وتفريغ خلاصات الجموع العامة، بل عليه أن يمثل هيئة أركان حقيقية “تَقُودُ” النضال بناء على منظور جرت صياغته بالنقاش الديمقراطي والجماعي.

ولتمكين المجلس الوطني من مركزة النقاش يستحسن اعتماد التقارير صعودا من الجموع العامة وهبوطا نحوها:

– تقارير جميع المجالس الوطنية لتمكين المكاتب المحلية والجهوية من الاطلاع على خلاصات  المجالس ومجرياته وتتبع النقاش بشكل منظم.

– صياغة ملحق للبيان يوضح كل المهام الملقاة على المكاتب محليا وجهويا بعد المجلس وأثناء خطوات النضال المبرمجة.

– فرز لجان وظيفية تتوفر فيها الشروط اللازمة للقيام بمهامها، بناء على مخرجات المجلس الوطني.

* الهياكل الجهوية والإقليمية

على الهياكل المحلية أن تعكس حقيقة انغراس التنسيقية في صفوف الأساتذة، وتقويتها رهين بانخراط الأساتذة الكثيف في جميع أوجه نشاط التنسيقية (النقاش، التقرير، التسيير، المراقبة، المحاسبة).

لهذا لا يصح حصر صلاحيات المكاتب الجهوية والإقليمية في تسيير إداري محض، بل يجب أن تكون فعالة في حفز انخراط الأساتذة (التبطيق) وتكثيف التعبئة في صفوفهم للإبقاء على الاستعداد النضالي متقدا: المواقع التنظيمية مسؤولية نضالية وليست تدبيرا إدارا رتيبا.

يقتضي هذا دورية منتظمة لعقد اجتماعات هذه المكاتب ورفع تقارير الجموع والاجتماعات للهيئات العليا (مکاتب جهوية، مجلس وطني).

* الورقة التنظيمية

تميز نضال تنسيقيتنا منذ بروزها بضعف تمثل في عدم تفعيل الورقة التنظيمية لضبط اشتغال الهياكل محليا ووطنيا وجهويا. كما أن أكبر تَحَدٍ یواجهنا اليوم هو تثبيت مبادئ الديمقراطية والاستقلالية تفاديا لأي منزلقات تكرس الفوضى التظيمية والمسلكيات الانفرادية.

إن الاستفادة من الطاقات النضالية لكافة مناضلي ومناضلات التنسيقية وتفعيل أجهزتها التنظيمية بما يؤسس لممارسة تنظيمية ديمقراطية تعطي لكل الأساتذة والأستاذات حق التقرير والتسيير، يقتضي ضرورة وضع ورقة تنظيمية بمثابة نظام أساسي، يصادق عليها الأساتذة في الجموع العامة، تتضمن جميع الأمور المتعلقة بالتنظيم مثل:

* تدقيق مهام الهياكل (تمييز صلاحيات التقرير عن التنفيذ).

* تحديد مهام كل عضو داخل الهياكل.

* تحديد صلاحيات اللجان (القارة منها: لجنة الإعلام) أو المؤقتة (لجنة الحوار) والتأكيد على عدم امتلاكها صلاحيات التقرير.

* التنصيص على تفعيل آليات المحاسبة.

* دور جماهير الأساتذة

ينبع الحرص على حق الأساتذة في تقرير وتسيير كل أوجه نشاط التنسيقية، من إيمان عميق بقدرتها على العطاء والاستماتة النضالية. إيمان مَبْنٍ على أن الأساتذة ليسوا محض “منفذ لما يقرره المجلس الوطني”، لذلك على تنظيمنا تسهيل هذه المهمة لا إعاقتها:

– فتح باب التنظيم أمام كل من يرى في نفسه القدرة على تولي مهام تنظيمية.

– جعل الحضور لأشغال المجلس الوطني على قاعدة الانتداب وبشكل تداولي.

– الانتباه إلى اللغة المستعملة في النقاش، فلغة غارقة في النخبوية ستجعل الأستاذ يحس بعجزه أمام من يتقنها.

العمل الوحدوي

لعل أهم الدروس التي يمكن استخلاصها اليوم من تجربتنا وهو أن الدولة لن تتراجع عن مخطط التعاقد دون نضال وحدوي ومعركة طويلة النفس، نضالات كل الشغيلة من المفروض عليهم التعاقد ومرسمين بكافة القطاعات.

أول درس هو تفادي الوقوع في أخطاء الماضي. ولن يتم ذلك إلا بفتح نقاشات جدية حول العمل الوحدوي بين الأساتذة انطلاقا من الجموع العامة من أجل وضع تصور واضح المعالم وبلورة خطة عملية لانخراط فعلي في الخطوات الوحدوية:

– إغناء التنسيق المركزي، بتأسيسه على مستوى الفروع الإقليمية للتنسيقية والفروع الإقليمية للنقابات وباقي التنسيقيات.

– موائد مستديرة ولقاءات تفاعلية حول واقع التعليم والتشغيل بالمغرب بتنسيق مع كل الفاعلين في القطاع.

– عقد لقاءات تواصلية مع كل المعنيين بمخطط التعاقد بباقي القطاعات من أجل التنسيق الميداني (طلبة الطب والصیدلة والتمریض والهندسة).

فاقم “العمل بموجب عقود” أوضاع البؤس الذي تعيشه كل شغيلة المغرب، سواء في القطاع العمومي (التدبير المفوض) أو في القطاع الخاص (المقاولة من باطن، التداريب). لن يستقيم نضالنا إلا حين نتخلص من رؤيتنا القطاعية ونعتبر نفسنا قسما من شغيلة المغرب كافة، لهذا فإن معركة ضد إضفاء المرونة والهشاشة على شروط استغلال الشغيلة تطرح نفسها كواجب نضالي أولوي.

ستكون البداية حيث توقفت معركتنا (أبريل) بتعزيز تنسيقنا مع باقي التنسیقیات، عن طريق عقد لقاءات تواصلية، من أجل تقييم التجربة وفتح نقاشات وتدارس إمكانيات تطوير وتوسيع التنسيق.

إن استشراف آفاق معركتنا اليوم لا يمكن أن يكون خارج سياق ما أعدته الدولة من ترسانة وقوانين لنزع سلاح الشغيلة الوحيد للدفاع عن مصالحها: الحق في الإضراب.

يشكل النضال ضد تمرير مشروع قانون الإضراب أرضية التقاء مع حلفائنا في النضال. إن وسيلة النضال (الإضراب) في خطر، ولا يمكن مواجهة هذا القانون (على غرار باقي هجمات الدولة) بقوى نضال معزولة بعضها عن بعض.

عملنا الإعلامي والتواصلي

يحتل الإعلام مكانة مهمة في النضال، إنه أداة قصف أيديولوجي في ید الدولة ويجب أن يكون العكس عند قوى النضال: فتح أعين الشغيلة علی جذور ما تعيشه من اضطهاد وتبيان سبل النضال ضده.

يشكل الإعلام واجهتنا الخارجية، لذلك فالاهتمام بأدائنا الإعلام أمر حيوي لحشد الدعم الشعبي والحد من مفعول أضاليل الدولة. نقترح في هذا الباب:

– اقتصار دور مواقع التواصل الإجتماع على التعريف بالقضية، والتشهير بمخطات الدولة التخريبة وخطورتها.

– السهر على تسيير وضبط المجموعات والصفحات المحلية بمواقع التواصل الاجتماعي (واتساب- فيسبوك).

– المرافعة على الملف على مستوى الاعلام المحلي والدولي.

– برمجة ندوات صحفية للتعريف بملفنا المطلبي وفضح هجومات الدولة على مكتسبات الشغيلة التعليمية وتعرية شعاراته أمام الرأي العام.

– لجان متخصصة للتعبئة اليومية للخطوات والبرامج النضالية مع التركيز على قدرات المنتمين لهذه اللجان للقيام بهذه المهام (خاصة الاعلام الخارجي).

– تطوير وتوسيع أسلوب توزيع المناشير في الأسواء والأحياء الشعية والجامعات.

على سبيل الختم

يهدف مخطط التعاقد إلى تدمير وحدة الشغيلة، وقد قطعت الدولة أشواطا كبيرة في هذا الاتجاه. إن بلورة دقيقة لملف مطلبي كفيل بإيجاد أرضية التقاء نضالي يعيد بناء تلك الوحدة.

خرجنا منذ اليوم الأول من أجل مطلب رئيس هو: إسقاط مخطط التعاقد والإدماج في الوظيفة العمومية. لكننا جزء من شغيلة تعليم تناضل من أجل تحسين شروط العمل (الأجور، الترقية، التقاعد) وشروط النضال (الحق النقابي).

إن المطلب الرئيس لا يلغي النضال من أجل انتزاع أكبر عدد ممكن من مكتسبات مؤطرة تشريعيا كالتي يحظى بها الموظف(ة) الذي يؤطره النظام الأساسي للوظيفة العمومية.

يقوي انتزاع المطالب الثقة في الذات ويبرهن أن النضال مُجْدٍ، فبتراكم خبرتنا وتطور نضالنا سنكون قادرين على توجيه الضربة القاضية لمخط التعاقد.

شرط تحقيق هذا هو تمتين الوحدة النضالية التي تسمح بخلق شلل شبه تام في القطاع. شلل يقتضي معارك نضالية نوعية، ومدى تأثيرها خاصة في الأوساط الحضرية، والاعتماد على إحصائيات دقيقة لعدد الأساتذة العاملين بالمدن، وكذا طبيعة وقوة العلاقة مع الأطراف الحليفة.

ندرك جيدا أن معركتنا لم تراوح بعد طورها الدفاعي، بل تَعَمَّقَ بعد تراجع المعركة الأخيرة. معرکة دفاعیة بکل ما تعنیه الکلمة من معنی: التقاط الأنفاس، تجمیع الصفوف، إعادة البناء التنظیمي، البحث عن حلفاء. لذلك، فاعتماد أساليب هجومية في معركة دفاعية سيدفع بها مرة أخرى نحو مأزق أسوء. الهجوم قادم لكن يجب إنضاج شروطه، بناء على ما اقترحناه أعلاه.

لا زال نضالنا مستمرا من لأجل:

– إسقاط مخطط مخطط التعاقد والإدماج الفوري في أسلاك الوظيفة العمومية ضمن نظام أساسي موحد يضمن العمل القار.

– إلغاء جميع المخططات والقوانين التي تضرب مجانية التعليم وتنص على التعاقد (الميثاق الوطني للتربية والتكوين، القانون الإطار…).

– إسقاط مخطط التقاعد.

– إسقاط مشروع قانون الإضراب.

– إلغاء الاقتطاع من الإضراب، ورد المبالغ المقتطعة.

– إرجاع الأساتذة المطرودين.

– حقنا في الحركة الانتقالية الوطنية.

– الانخراط في الصندوق المغربي للتقاعد إلى جانب زملائنا المرسمين.

– معايير موحدة وجماعية للترقية: الأقدمية والاختبار والشهادة، بدل معيار المردودية الفردية.

– المطالبة بالتكوين المستمر والجيد، يضمن تكوينا بيداغوجيا علميا يراعي المستجدات التربوية والتحولات المجتمعية والتقدم التكنولوجي.

– رفع الأجور وصرف التعويض عن الاشتغال بالمناطق النائية.

– تخفيض ساعات العمل: إلغاء الساعات التضامنية وتعويضها بمناصب شغل.

– تقليص عدد التلاميذ في الأقسام وتوفير البنية التحتية والوسائل البيداغوجية، بما يسمح بتوفير شروط التعلم في ظروف ملائمة.

– القطع الفوري مع كافة أنواع التسلط الإداري والمؤسساتي عبر تجريم الشطط في استعمال السلطة، وتحقيق مبدأ القانون فوق الجميع، وفق التشريعات والعقود المؤسسة للعمل وسط الحقل التربوي بما يمنع أي شكل من أشكال الاستغلال والتمييز.

شارك المقالة

اقرأ أيضا