الأممية الشيوعية: حزب عالمي للثورة 

المكتبة7 سبتمبر، 2019

كانت الأممية الشيوعية- أو الأممية الثالثة، أو الكومنترن- في الآن ذاته آلة حرب بيد عمال العالم برمته، ووسيلة تحكم بيد البيروقراطية الستالينية بعد استكمالها ثورتها المضادة. غالبا ما تنسى كتب تاريخ عديدة التطرق لبدايات الأممية الشيوعية، خاصة هدفها: الثورة  البروليتارية العالمية. إن فهم نمط اشتغال الأممية الشيوعية في بداياتها أمر يمثل للمناضلين الثوريين ضرورة للتمكن من إدراك رهانات النزعة الأممية من وجهة نظر إستراتيجية، وتنظيمية أيضا. 

 الأممية البروليتارية: لابد من بداية ومن نهاية لكل شيء… 

أدت الثورة الصناعية إلى ميلاد  البروليتاريا في أوربا، وطرحت هذه بسرعة على نفسها مسألة التنظيم على صعيد عالمي: بوجه الحروب، ولكن أيضا بوجه استعمال الرأسماليين لأجراء بلدان أخرى لكسر الإضرابات. كان المقصود تنسيق نضال الطبقة العاملة بتجاوز الحدود. احتدمت النقاشات وأدت إلى انشقاقات داخل الحركة العمالية الفتية. لكن بزَغ وعي مؤداه أن العمال  تجمعهم، مهما اختلفت بلدانهم، مصالح مشتركة؛ مثل خفض مدة يوم العمل، والاقتراع العام، وإلغاء عمل الأطفال،الخ. ومثّـل هذا الوعي خطوة عملاقة، بالنظر إلى أن العمال واجهوا من قبل مصاعب جمة في التنظيم خارج الدكان. ورغم تقدمها، شهدت الأممية الأولى، التي تأسست في العام 1864، خلافات نظرية هامة أدت إلى زوالها. 

 وبعد بضع سنوات،تأسست الأممية الثانية- الأممية العمالية- في العام 1889 على قاعدة الماركسية، وكانت على صعيد أوربي أداة مدهشة بيد البروليتاريا. وكانت فروعها بكل بلد أحزابا جماهيرية، مثل الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني الذي ضم مليون منخرط، وكانت صحافته تُقرأ من قبل 4 مليون عامل، وكان ينظم مدارس تكوين بكامل البلد. وكان الدفاع عن الاشتراكية بالثورة جزءا من مبادئ هذه الأممية؛ بيد أن ممارسة بعض فروعها أفضت إلى تعديل توجهها الفعلي. وكانت خطابات حول ضرورة الاشتراكية والثورة شائعة في الاحتفالات الكبرى، مثل فاتح مايو. لكن قادة الأممية الثانية راحوا ينظرون أكثر فأكثر للنزعة الإصلاحية. وفي اللحظة الحرجة، لما اندلعت الحرب العالمية الأولى، انضمت معظم الفروع إلى الاتحاد المقدس: أعلنت السلم مع برجوازياتها، وصوتت على اعتمادات الحرب وأطلقت العمال في اقتتال إخوة ضد أشقائهم الطبقيين.  إنه في هكذا ظروف تاريخية، لما بلغ التوتر أقصاه، شهدنا الوجه الحقيقي لتلك المنظمات. وجب استخلاص حصيلة لهذه الأممية المفلسة: إن كان وجود وحدة نظرية أمرا حاسما، فيجب أن تطابق تلك الوحدة الممارسة، وإلا لم يكن كل شيء غير كلام في الهواء. 

 مع ذلك كانت هذه الأممية الثانية الإطار الذي تدربت فيه الكوادر التي ستُسهم في بزوغ أممية جديدة. إذ خاض مناضلون، من قبيل لينين وتروتسكي وروزا لوكسمبورغ، معارك سياسية داخل الأممية الثانية مجسدين فيها جناحا يساريا. عارضوا الحرب، وسعوا إلى عدم بقاء هذه المعارضة في النصوص بل أيضا في تظاهرات الشارع. ونظَّـر البلاشفة للانهزامية الثورية، وفي ألمانيا بدأت المظاهرات ضد الحرب منذ مارس 1915، وتنامت قوتها سنة تلو أخرى. وفي أثناء هذه الحقبة، تصلب المناضلون الثوريون، سواء من وجهة نظر النقاشات النظرية أو التعبير العملي عنها.

 1917: بداية كل شيء

فور تصويت برلمانيي الأممية الثانية على اعتمادات الحرب، سعى المناضلون والمناضلات المعارضين/ات للحرب إلى تنظيم معارضة. أولا في أثناء مؤتمرات زيمرفالد في 1915 وكينتال في 1916، حيث جرى الدفاع عن ضرورة بناء أممية جديدة. لكن كيف وجب العمل لأجل ذلك وقد قادت الأممية الثانية البروليتاريا إلى المجزرة والقمع والرقابة على أشدهما في كل بلد، حتى داخل منظمات الاشتراكية الديمقراطية؟ 

لم يأت الجواب من صيغة سحرية، بل من استيلاء العمال على السلطة في روسيا. كان هذا خطوة تأسيسية، رسمت الطريق النظري والعملي لإنهاء الحرب. دلت البروليتاريا الروسية الثوريين، وخاصة عمال العالم برمته، على إمكان وقف الحرب، والقضاء على البرجوازية وحكوماتها، وعلى الوصفات القديمة… لكن ذلك كان يستوجب الاستيلاء على السلطة، وانتزاعها من أيدي طبقة سائدة تتربع على عرش مجتمع في حالة تفكك. 

 كان أثر الثورة الروسية هائلا، رغم أن وسائل التواصل كانت آنذاك محدودة للغاية قياسا بما هي اليوم… فيما كانت الحرب غسقا مظلما على العالم، كانت البروليتاريا الروسية أعادت الحياة لشمس الأمل. جرت تمردات بين الجنود، كما في فرنسا، بصوت الأممية وتحت لواء الراية الحمراء، وكذا في ألمانيا حيث سبق أن جرت إضرابات ومظاهرات: النضال يتصلب.

 ومع أمل قسم من البروليتاريا بإمكان إنهاء المجزرة، تم استخلاص درس آخر من الثورة الروسية: ضرورة حزب جديد. حزب مختلف عن سابقيه، يربط النظرية بالممارسة، هدفه استيلاء العمال على السلطة؛ حزب تكون كل تحركاته، حتى البسيطة، مسترشدة  بهذا الهدف الاستراتيجي.

” نحن لا شيء، فلنصبح كل شيء”

كان لدى لينين وتروتسكي وعي حاد بضرورة ظفر العمال بالسلطة، وتحولهم إلى طبقة سائدة، لكن هذا يتطلب، حسب تجربتهم الخاصة في روسيا، حزبا. اتخذ حزبهما، الحزب البلشفي، في العام 1918 اسم الحزب الشيوعي لروسيا، لتأكيد القطع مع الاشتراكية الديمقراطية الخائنة. وعلى حزبهم ألا يبقى في الحدود الوطنية: بنظر هؤلاء الثوريين، لم تكن الثورة الروسية غير فصل أول من ثورة بروليتارية منذورة للظفر في كل البلدان. كان هذا الهدف محكوما بعنصرين: ضرورة تحرير مجمل الطبقة العاملة، هذه الطبقة العالمية بطبيعتها، من نير الرأسمالية، ووعي أن دولة عمالية معزولة ستتعرض لتحالف كل بورجوازيات العالم ضدها. يجب على روسيا السوفييتات الفتية، كي تصمد بوجه هذه الهجمات، أن تمدد الثورة خارج حدودها. 

أدار لينين نظره صوب البلد الذي كان يبدو له أكثر نضجا وأفضل جاهزية لثورة عمالية: ألمانيا. ليس فقط لقربها الجغرافي، بل لأن بروليتاريا ألمانيا كانت الأشد بأسا في أوروبا، بفعل كثرتها، ووعيها الاشتراكي الراقي وتجربتها في الإضرابات السياسية ضد الحرب، كما في برلين في العام 1918 حيث ضمت مظاهرة أكثر من 300 ألف عامل. وفضلا عن ذلك كان على رأس البروليتاريا الألمانية  قادة شيوعيون من نوعية نادرة: روزا لوكسمبورغ وكارل ليبكنخت. 

انكب الثوريون السوفيات بكل قواهم على مهمة تمدد الثورة. القوا مناشير بالطائرات فوق الجبهات العسكرية، وطبعوا جرائد، ومولوا عمل المجموعات الشيوعية- التي كانت متواضعة الحجم- في ألمانيا.  كانت أولويتهم التحريض بشعار إطاحة النظام القائم، كحل وحيد لإنهاء الحرب. عندما ذهب تروتسكي إلى ألمانيا للقاء جنرالاتها قصد التفاوض حول السلم، توجه أولا إلى العمال الذين جاؤوا لاستقباله في محطة القطار ووزع عليهم مناشير باللغة الألمانية.  

لقيت هذه السياسة صدى متزايد الأهمية في بلدان عديدة، في إيطاليا و في إسبانيا وفرنسا،الخ. واهتزت  الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية القديمة بنقاشات حول موقفها إزاء روسيا السوفييتات، وتنبت أقسام متنامية من المناضلين السياسة البلشفية. 

لكن أمل قيام ألمانيا سوفيتية راوح المكان، رغم ثورة نوفمبر 1918 التي أسقطت الإمبراطورية. وفورا صادرت الاشتراكية الديمقراطية سلطة مجالس العمال والجنود، وجرى اغتيال أبرز القادة الشيوعيين الألمان. عندها سرّع البلاشفة عملية تشكيل أممية شيوعية. 

 ميلاد الأممية الشيوعية 

انعقد مؤتمر الأممية الشيوعية الأول في مارس 1919. وقد وضحت رسالة الدعوة ما يلي:”يقوم أساس الأممية الثالثة على واقع أن مجموعات وتنظيمات من رفاق في الأفكار كانت قد تشكلت في أنحاء مختلفة في أوروبا، وهي تقف على أرضية برنامج مشترك وتستخدم،إجمالا، الأساليب التكتيكية نفسها، وهؤلاء هم بالدرجة الأولى السبارتاكيون في ألمانيا والأحزاب الشيوعية في العديد من البلدان الأخرى. يجب أن ينبثق من المؤتمر، بهدف الاتصال الدائم والقيادة النظامية للحركة، جهاز نضال مشترك، يكون مركز الأممية الشيوعية، ويُخضع مصالح الحركة في كل بلد للمصالح المشتركة للثورة على صعيد العالم. وسيقوم المؤتمر بوضع الأشكال الملموسة للتنظيم والتمثيل.”

كان الهدف واضحا: وجب تأسيس منظمة عالمية هدفها استيلاء العمال على السلطة، أي أداة تعمل جماعيا على قاعدة اتفاقات نظرية وعملية، من أجل الشيوعية. كان المقصود حزبا عالميا للثورة، له فروع في كل البلدان. وكان على تلك الفروع أن تضع وتناقش بشكل مشترك، وفق نفس الهدف، هدف الثورة البروليتارية العالمية. كان ينبغي فعلا القطع مع نمط اشتغال الأممية الثانية، حيث كان بوسع كل فرع  أن يفعل، إلى هذا الحد أو ذاك، ما يشاء. 

رغم هزيمة بروليتاريا ألمانيا، كان السياق التاريخي مطبوعا بانفجارات اجتماعية وبالأمل الكبير الذي أثارته ثورة أكتوبر. أدت الأفكار الشيوعية إلى إعادة تنظيم للحركة العمالية العالمية. وتغذت الأممية الشيوعية من النقاشات النظرية ومن التجارب العملية للحركة الثورية الأوروبية. 

حزب عالمي، أداة عملية ونظرية

يستدعي فهم كيفية تطور الأممية الشيوعية الاهتمام بالنقاشات التي جرت بصدد تجارب الثوريين الألمان. فهي تتيح إدراك أهمية حزب عالمي ومبادلات عالمية، وكذا ضرورة مطابقة الممارسة مع النظرية. 

شهدت ألمانيا ثورة في نوفمبر 1918؛ وتأسس الحزب الشيوعي الألماني في متم ديسمبر 1918، بأكثر من 12 ألف مناضل أطلقوا انتفاضة في برلين في يناير 1919. وتفجرت إضرابات في كل مكان بالبلد، لكن الطليعة الثورية كانت متلهفة إلى استيلاء البروليتاريا على السلطة، ومتلهفة أحيانا بإفراط…. فكانت الهزيمة نكراء.

 شرحت الأممية الشيوعية في أطروحاتها وبالنقاش الطريقة التي يتوجب على الشيوعيين أن يكسبوا بها الجماهير إلى أفكارهم ويشكلوا منظماتهم، بالتركيز على ضرورة العمل النقابي في المصانع. “نظرا للاتجاه الواضح لدى أوسع الجماهير العمالية للانخراط في النقابات، ونظرا للطابع الموضوعي الثوري للنضال الذي تخوضه هذه الجماهير بالرغم من البيروقراطية المهنية، من المهم أن ينضم الشيوعيون في كل البلدان إلى النقابات وأن يعملوا على جعلها أجهزة واعية للنضال من أجل إطاحة النظام الرأسمالي”. 

وكانت مجالس العمال ضرورية: فبواسطتها يمكن لوعي البروليتاريا الطبقي أن يبلغ درجة عالية من الوعي الشيوعي، وعي ضرورة الاستيلاء على السلطة. وأكدت الأممية الشيوعية على دور التنظيم الذاتي في سوفييتات بما هي إطارات جماهيرية للبلورة السياسية وللتدخل الميداني. واستندت على المثال الألماني لمجالس العمال التي تشكلت في البلد برمته. 

مع ذلك، لم تكن ممارسة الأحزاب المنخرطة في الأممية الشيوعية تسير دوما في هذا الاتجاه. اضطرت الأممية الشيوعية إلى توضيح وتدقيق العناصر الإستراتيجية والتكتيكية للأحزاب الراغبة في الانضمام. كان ضروريا تفادي تكرار أخطاء الأممية الثانية. 

 في العام 1921، صرحت الأممية الشيوعية، في مؤتمرها الثالث بما يلي:” تعيش الحركة العمالية العالمية حاليا مرحلة انتقالية خاصة تضع أمام الأممية الشيوعية برمتها وأمام مختلف فروعها مشاكل تكتيك هامة جديدة.”

ماذا كانت تلك المشاكل التكتيكية؟ لم يتم الظفر بالسلطة سوى في روسياـ وأعادت البرجوازيات تنظيم نفسها وتدهورت شروط حياة البروليتاريا بسرعة على صعيد عالمي. في هذا السياق قام المناضلون الألمان بتجارب عديدة ستغذي نقاشات الشيوعيين ومواقفهم.

 جرت في مارس 1920 محاولة انقلاب عسكري في ألمانيا، بمبادرة من أوساط محافظة. جاء أول رد فعل من النقابيين، من اشتراكيين ديمقراطيين، دعوا إلى الإضراب العام لمنع انقلاب ضد حكومة يشارك فيها اشتراكيون ديمقراطيون. أبدى الشيوعيون الألمان ترددا ورفضوا الدعوة إلى الإضراب العام، شارحين أنه ليس لهم أي صديق في الحكومة وأن الدفاع عنها خداع للبروليتاريا. ومع ذلك كان الإضراب العام هائلا، وشل برلين، ولم يتمكن الانقلابيون حتى من طبع ملصقات تعلن استيلائهم على السلطة. وانضم الحزب الشيوعي إلى الإضراب العام، لكن في آخر لحظة، وظل مترددا بوجه مقترح من الحزب الاشتراكي الديمقراطي: مقترح حكومة عمالية، مكونة حصرا من النقابات والمنظمات العمالية، مكان الانقلابيين والنظام القائم. 

تعلق الأمر بمسالة جديدة، مسألة وحدة في العمل ومشاركة بالحكومة أيضا، وهو أمر لم يسبق للشيوعيين الألمان أن فكروا فيه. لما أعادت البرجوازية الألمانية تنظيم صفوفها، وهاجمت البروليتاريا مباشرة على صعيد الأجور وشروط العمل، دافع بعض المناضلين عن ضرورة وحدة المنظمات العمالية ضد تلك الهجمات: الجبهة العمالية المتحدة. لكن أغلبية الشيوعيين الألمان ترددت مرة أخرى. 

عندها ساندت الأممية الشيوعية أطروحة الجبهة العمالية المتحدة بما هي وسيلة دفاع  وكسب سياسي للجماهير عبر النضال ووحدة منظمات الحركة العمالية. بنظر قادة الأممية الشيوعية، لم تقطع الجماهير بعد مع النزعة الإصلاحية، فوجبت البرهنة على أن الشيوعيين كانوا الأشد حزما عندما تعلق الأمر بالدفاع عن شروط عمل الشغيلة وتحسينها. ويجب البرهنة على ذلك بشن الإضرابات، وهذا يستدعي لزاما الاتفاق مع قوى أخرى بالحركة العمالية: فقد كان الشيوعيون بمفردهم ضعيفين جدا. ولم يكن للشيوعيين ما يخسرون في الجبهة المتحدة: ففي حال الاتفاق، بوسعهم أن يبينوا على أنهم الأشد حزما وأن سياستهم أكثر منطقية، وفي حال الرفض من جانب الاشتراكيين الديمقراطيين، بوسع الشيوعيين اتهام القادة الإصلاحيين بغياب إرادة دفاع حقيقية عن الطبقة العاملة.   

 أثبتت هذه السياسة جدواها، متيحة بذلك حسم النقاشات حول “المبادرة الثورية”، تلك النظرية الخاطئة التي مؤداها أن بوسع حزب شيوعي  قوي بما يكفي أن يتخذ بمفرده قرار الانتفاضة دون أن تكون الجماهير مستعدة لها. 

وبعد وضع حصيلة الأخطاء المرتكبة في ألمانيا، تم تبني تكتيك الجبهة المتحدة وجرى تطبيقه. ورغم نقاشات مديدة، أتاح تكتيك الجبهة المتحدة للشيوعيين الألمان كسب الجماهير. وفي يوليو العام 1923، جمع الحزب 600 ألف مناضل، وكان يرأس زهاء ثلث الفروع النقابية بالبلد، وفي أكتوبر من السنة عينها، قاربت المليون عضو، وامتد تأثيره إلى زهاء نصف الفروع النقابية. في هذا السياق ناقشت الأممية الشيوعية مع الشيوعيين الألمان إمكان انتفاضة واستيلاء على السلطة. وبعثت إلى ألمانيا كوادر ثورية كانت لهم دراية بالوضع الألماني ووضع بلدان أخرى. لكن مشروع الانتفاضة هذا كان فشلا، لأن الخطة كانت مفرطة التعقيد وغير أكيدة. 

بعد فشل الثورة في ألمانيا، وقعت الأممية الشيوعية تدريجيا تحت سيطرة البيروقراطية الستالينية، التي كانت تقود ثورتها المضادة في الاتحاد السوفياتي. وكفت الأممية عن كونها حزبا عالميا للثورة وتحولت إلى قناة تمرير بيد ستالين. 

 دروس لعصرنا 

إن كانت ثمة بعض أوجه الأزمنة الأولى للأممية الشيوعية تستوجب التمسك بها: أن البروليتاريا، على غرار البرجوازية، ملزمة بتنظيم نفسها على صعيد عالمي، كي تدافع يوميا عن نفسها في مجتمع بات معولما أكثر مما في مطلع القرن العشرين، لكن أيضا كي تستولي على السلطة، لأن دولة عمالية معزولة غير قابلة للحياة، وبناء الاشتراكية غير ممكن سوى على أساس الموارد العالمية. إن تجربة المناضلين عبر العالم مكسب لفهم أفضل للوضع الموضوعي، من أجل تحديد ما الذي يسير جيدا وما لا يسير. وبما أن هدفنا الاستراتيجي هو إطاحة الرأسمالية على صعيد عالمي، يجب علينا أن نناضل بشكل مشترك متجاوزين الحدود. لا يمكن أن يوجد حل وطني لأزمات الرأسمالية وتناقضاتها. ومن زاوية نظر الوضع العالمي يتأكد بمرارة، بنحو متواصل، سنة بعد سنة، ضرر غياب أممية عمالية ثورية جديرة بهذا الاسم. 

إن كانت مهمة الثوريين متمثلة في الدفاع عن مصالح العمال والشباب في بلد تواجدهم، وخوض المعارك السياسية التي تتيح التأثير عليهم ونشر الأفكار الشيوعية في صفوفهم، وطرح مسألة السلطة ومن ثمة بناء منظمات ثورية على الصعيد الوطني، فيتعين أن تكون مهمتهم أيضا مواصلة منظور تجميع الثوريين على صعيد عالمي، وبناء أممية ثورية جديدة. 

 بقلم، هرمان 

رابط المصدر: https://anticapitalisme-et-revolution.blogspot.com/search/label/Publi%C3%A9%20dans%20la%20revue%20A%26R

ترجمة جريدة المناضل-ة  

شارك المقالة

اقرأ أيضا