ساعات العمل المرهقة بالتعليم؛ آن الاوان لرفع الصوت من اجل تقليصها.

تجتهد أبواق الدعاية لسياسات النظام خاصة عند اندلاع كل إضراب جماهيري في قطاع التعليم العمومي، في تسويق إشاعات زائفة مفادها أن موظفو التعليم العمومي يشتغلون في جنة الفردوس: أجور مريحة مقابل ساعات عمل أقل وعطل كثيرة، مقارنة مع موظفي الدولة في باقي القطاعات، يقوم مسوقو تلك الإشاعات بذلك لغاية منع أي تضامن محتمل، وعزل الفئة المثقفة من المجتمع والتي يفترض أن يكون لها تأثير على باقي فئات المجتمع المغربي، بالأخص بعد أن فطن الاستبداد بالبلد لدور أساتذة اليسار في بعض الانتفاضات التي هزت البلد، مما جعل الحسن الثاني إبان الثمانينات يوجه خطابا تهديديا مباشرا للأساتذة.

وهم الراحة بمهن التعليم

يعتبر العديد من الناس، أن مهن التعليم، مريحة ومليئة بالعطل، وخاصة منها التدريس. لكن الواقع معاكس تماما لما يتخيله البعض حول هذه الجنة المزعومة. فساعات العمل كثيرة ومرهقة، حددتها القرارات الجارية بها العمل في 30 ساعة أسبوعيا بالسلك الابتدائي و24 ساعة بالسلك الإعدادي و21 ساعة بالسلك التأهيلي، بعد أن تم إضافة ثلاث ساعات عمل بهذين السلكين مند سنة 1984بمبرر ساعات تضامنية، فيما بلغت ساعات العمل  في الإدارة المدرسية ( مديرون ونظار وحراس عامون وملحقون ومساعدون…) 38 ساعة.

تم تغليف ساعات العمل المضافة في السلكين الإعدادي والتأهيلي بالتضامن من اجل تحمل تكاليف حرب الصحراء، بينما الحقيقة أن العملية كانت إحدى الصيغ التي التجأ إليها الحاكمون لتقليص التوظيف في التعليم منذ الثمانينات تنفيذا لبرنامج التقويم الهيكلي.

مدرسو الابتدائي، ساعات عمل من التخطيط إلى التدبير كثيرة ومرهقة

يعتبر العديد من خبراء التربية والتعليم أن مقابل كل ساعة تدريس ناجحة يلزم تحضير قبلي لها بين ربع ساعة ونصف ساعة، هكذا ترتفع عدد ساعات عمل مدرس الابتدائي بزيادة مدة التحضير الأدنى (ربع ساعة مقابل كل ساعة تدريس) إلى 38 ساعة. بعد التحضير يأتي التقويم الذي يتطلب إعداد عدته وتصحيحها وقتا إضافا، يستلزم تصحيح إنجاز كل تلميذ لتمرين متوسط الطول، حوالي دقيقتين، ففي قسم من 30 تلميذ (مع العلم أن أغلب أقسامنا تتجاوز ذلك العدد) وبمعدل إنجازين في كل يوم لكل منهم يتطلب تصحيحها 120 دقيقة يوميا من عمل إضافي، وقد يصل لإثني عشر ساعة أسبوعيا، بالمجموع تصبح عدد ساعات عمل مدرس الابتدائي 50 ساعة أسبوعيا. وبعد التقويم يأتي الدعم والتقوية، فالمدرس مطالب بتهييئ خطط لا تنتهي لدعم التلاميذ المتعثرين وتقوية مكتسبات المتحكمين منهم، وتختلف هذه العملية بحسب أداء التلاميذ ومستوياتهم، وهو ما لا يمكن تحديد مدته. كما أن المدرس ينبغي له أن يخصص وقتا لمتابعة ما استجد في ميدانه، مناهجا وطرائقا ووسائل…، حسب تنوع البيداغوجيات المعتمدة رسميا، وهو ما يأخذ من وقت مدرس متوسط الأداء حوالي ثلاث ساعات أسبوعيا. عمليا أصبحت عدد ساعات عمل مدرسي الابتدائي 53 ساعة أسبوعيا في حدها الأدنى. وهو ما يزيد على عدد ساعات عمل نظرائهم الموظفين بأكثر من ثلاثة عشرة ساعة أسبوعيا، وعلى عدد ساعات عمال القطاع الخاص بتسع ساعات وفق مدونة الشغل.

إشاعة استفادة المدرسين من عطل كثيرة أكذوبة لإخفاء الاستغلال

يروج أن موظفو التعليم يستفيدون من عطل كثيرة تفوق ما يستفيد منه باقي الموظفون، إنها أسطورة أخرى نسجت حول مهنة التعليم، لكن ذلك لا يصمد أمام التمحيص قليلا في الأمر. فعلى المستوى القانوني يسري على شغيلة التعليم ما يسري على باقي الموظفين من قوانين، فالعطلة السنوية للموظف مهما كان قطاعه حددت  في 21 يوما سنويا، ويستفيد الجميع سويا من باقي العطل الدينية والوطنية.

يعمل أغلب مدرسي الابتدائي ستة أيام أسبوعيا، بما يعني أنهم محرومون من عطلة نهاية الأسبوع المكونة من يومين (السبت والأحد) كباقي الموظفين، وهو ما يعني أنهم يشتغلون حوالي 45 يوما في السنة (أيام السبت) كان من المفروض أن تكون بمثابة أيام عطل. وهو ما يغطي 43 يوما التي يتضمنها عادة جدول العطل السنوية التي تصدرها وزارة التربية الوطنية.

هل التدريس مهنة سهلة، كما يعتقد العديد من إخوتنا العاملات والعمال؟

ليس الأمر كذلك، فالعمل مع الأطفال يستلزم ساعات جهد مضني، يلتقي فيه الجهد البدني (الوقوف والمشي لأكثر من ثلاث أرباع الساعة عن كل ساعة عمل، والصياح المتواصل، فضلا عن عناء الكتابة المستمرة على السبورة أو في دفاتر التلاميذ…) مع الجهد الفكري الذي يستلزمه تدبير وضعيات التعلم سواء على المستوى المعرفي أو التربوي، والجهد النفسي ( وهو أمر يدركه الآباء والأمهات جيدا خلال تربيتهم لأبنائهم).

تشير تقارير عالمية إلى أن مهنة التعليم تحتل الصدارة في إحالة العاملين فيها على أقسام المستشفيات وعيادات الأطباء، للتداوي من أمراض السكري والأعصاب والضغط، فهم الأكثر تعرضا لهذه الأمراض، والبعض منهم يصبح أسير حبوب الأعصاب بقية حياته، أو نزيل عيادات الطب النفسي حتى قبل إحالته على التقاعد. مهنة التدريس تتطلب طول بال وجهودا مضاعفة لتبليغ المعلومة لتلاميذ تختلف درجات استيعابهم للدروس، وعدا تبليغ المعلومة فإن السيطرة على أقسام مكتظة لتحقيق الانضباط والهدوء اللازمين للتعلم تفرض يقظة كاملة من الأستاذ داخل القسم، وهذا كله تظهر آثاره السلبية عليه بعد سنوات من العمل المُضني.

لكن لا يمكن تقليص عدد ساعات تواجد أبنائنا بالمدارس، فما المطلوب إذن؟

المطلوب زيادة تلك الساعات التي يقضيها الأطفال في المدارس وملحقاتها وجعل فضاءاتها أكثر جذبا لهم. إن المدرسة العمومية مكسب لأبناء العمال وصغار الفلاحين، وبالتأكيد ينبغي جعلها بيتا ثانيا لأطفالهم. يمكن أن تزيد ساعات وجود الأطفال بالمدرسة وفضاءاتها لأكثر من ست وثلاثين ساعة، يخصص 20 منها فقط لتلقي الدروس، بينما تخصص المدة الباقية لأنشطة فنية ورياضية وترفيهية …. ولكي نصل لتلك المدرسة المليئة بالحياة يلزم أن نعكس المنطق التقشفي الذي تدار به الآن، وفي قلبه منطق فرط استغلال المدرسين، خاصة في الابتدائي. علينا أن نناضل جميعا، آباء وأمهات في جمعياتهم ومدرسين في نقاباتهم وتنسيقياتهم من اجل تقليص جذري لساعات عمل كل المدرسين إلى أقل من 18 ساعة أسبوعيا، مع رفع عدد ساعات وجود التلاميذ بفضاءات المدرسة، وتجويدها.

يتطلب تقليص عدد ساعات عمل المدرسين بالأقسام، إلى اقل من 18 ساعة أسبوعيا، مع رفع عدد ساعات احتضان المؤسسات التعليمية للتلاميذ، بتوفير الفضاءات الملائمة والبنيات اللازمة لتفتحهم الشخصي، نضالا حازما من اجل جعل المدرسة بالفعل فضاء ملائما لذلك. ويستلزم ذلك توظيف المزيد من المدرسين بتحويل الساعات الواجب حذفها لفرص عمل للعاطلين واطر متخصصة في التنشيط التربوي والثقافي والاجتماعي، فضلا عن إرساء عمارة مدرسية جديدة توفر كافة الشروط التربوية الملائمة لجعل المدرسة فضاء جذب، ولن يتحقق ذلك سوى بالنضال المستميت من أجل تخصيص ميزانيات أكبر للتعليم بالتصدي للسياسات التقشفية المملاة من قبل المؤسسات الإمبريالية العالمية، والوقوف في وجه أباطرة القطاع الخاص المستفيدين من تدمير التعليم العمومي.

لا يمكن لهذه المدرسة أن تكون إلا مدرسة عمومية، ممولة بتمويل عمومي، ويعمل فيها ملاك تربوي وتدبيري تتوفر له شروط العمل والإبداع. إنها مهمة نقابات التعليم وتنسيقياتهم المناضلة، ومهمة آباء وأمهات التلاميذ. يمثل العمل على بناء تنسيق نضالي من تحت بين هؤلاء، على أرضية المطالب المشتركة أعلاه مدخلا مهما لضمان التقدم في تحقيقها.

                                                                                                                     بقلم، فاتح رضوان

شارك المقالة

اقرأ أيضا