اضراب المعلمين بالأردن جولة جديدة من السخط الشعبي

شهدت مقاطعات الأردن ومحافظاته منذ سنة 2014، تحركا من قبل المعلمين الذين أحيوا نقابتهم بخضم السيرورة الثورية والنضالية التي شهدتها المنطقة سنة 2011، وانتزعوا اعتراف الدولة بقانونيتها، بعد عقود من الاقبار على يد الحكم المطلق الهاشمي.

وقد شهدت نقابة المعلمين مدا احتجاجيا، الا انه سرعان ما خفت بسبب قمع النظام، لكنه سيعود الى الظهور بعد سنة ضد انتهاك المكتسبات السابقة، وسيحقق انتصاراً كبيراً، علماً أن ما طرحته النقابة آنذاك كان أقل من المطالب المرفوعة من قبل، وحدث ذلك في ظل المد الموالي/الثاني للحركة الاحتجاجية في الأردن[1].

تبقرط النقابة سنة 2014 والمعركة الخاسرة

بعد انتخاب المجلس الأول للنقابة، بدأت الحركة بالتصدع، ورغم ذلك حافظت على حميتها وقادت احتجاجات أخرى، لكن هذا التضارب والشقاق- في صفوف الحركة- كان له الأثر البالغ في القدرة على الدعم الفعال للانفجار الاحتجاجي القصير، الذي حدث في حينه، ففي ظل هذا التأرجح والإمكانات البسيطة والتصدع حازت النقابة اعتراف الدولة الرسمي. إلا انها واجهت تصدعات كبرى بين الفروع والقيادات المركزية، وبداية مسار التبقرط وتوزيع الاتهامات، واعادة نفس نمط البروقراطيات النقابية. في فترة وجيزة بعد ذلك جرت جولة انتخابات النقابة ثانية بداية سنة 2014، وأفرزت نتائج تعكس واقع الحركة النقابية بالبلاد حيت تبين بعد هذه الانتخابات أن التكتلات اليسارية رغم تنوع اشكالها وكذا اتساع الهوة بينها، انعكس واقعها المرير على علاقتها بجسم حركة المعلمين، حيت كثرة التنظير وغياب ممارسة ميدانية لكسب أنصار للخطاب اليساري. هذا الواقع رجح كفة الإسلامين كي يستحوذوا على مختلف المجالس، كونهم منظمين وينسجون شبكة حلفائهم متسعة.

5 شتنبر 2019 انفجار جديد لأزمة المعلمين

خرج آلاف المعلمين الى الشوارع مع بداية الدخول المدرسي 2019 بالأردن احتجاجا على وضعهم المزري ورفضا للفتات المتمثل في زيادة رتبة المعلم بنسبة 6%، ورتبة المعلم أول بنسبة 16%، والخبير بنسبة 18%، فيما رفضت زيادة رتبة المعلم المساعد في بداية الاجتماع قبل أن ترفعها 8% بعد المداولة. هذه المقترحات التي طرحتها الحكومة غير مرضية، ولا تلبي مطالب المعلمين، اذ أن زيادة رتبة المعلم الخبير يستفيد منها 50 معلما فقط من أصل 100 ألف معلم. وزيادة رتبة المعلم المساعد الذي كانت الحكومة تنوي حرمانه من الزيادة، تشمل أكثر من 36 ألف معلم.

امام اعلان الاضراب قامت الحكومة الأردنية بإغلاق شوارع حيوية بالعاصمة عمان، يوم الإضراب، وأصرت على منع اعتصام المعلمين أمام مقر الحكومة، وهذا ناتج عن تخوفها من إعادة صناعة مشهد الاحتجاجات الشعبية التي أطاحت بالحكومة السابقة، وخوفا من انتقال عدوى الاحتجاجات الى قطاعات أخرى.

كانت مطالب المعلمين مركزة على الوفاء بالتعهدات الحكومية، والنهوض بالمستوى الاقتصادي والاجتماعي لموظفيها، وتفعيل العلاوات والامتيازات. وتطالب نقابة المعلمين بالحصول على علاوة قدرها 50%. لهذا رفضت النقابة كل المقترحات المقدمة، إذ عرضت الحكومة مضاعفة نسب المردود المالي لنظام رتب المعلمين مع ربطه بالأداء، كما عرضت تسهيل انتقال المعلّمين بين الرتب، وعدم الخصم من العلاوة الفنيّة عند الالتحاق بالمسار المهني أو تقسيمها على دفعتين”.

مبررات البرجوازية ومقترحاتها

قاربت الحكومة أزمة المعلمين بالعنف وممارسة القوة، فالأجهزة الأمنية اعتقلت أكثر من 15 معلما، اضافة إلى الاعتداء على معلمات في الشارع العام بالرغم من الالتزام بالسلمية والقانون.

فالحكومة واجهت مطالب المعلمين بثنائيتي القمع والاحتواء، الترهيب والترغيب. كما أن البرجوازية السائدة تبرر تضييقها على حق الاضراب بكونه يمثل اساءة الى حقل التعليم، وإضرارا بمستقبل الأبناء. انها نفس مبرارت كل الحكومات التي لاحول لها ولا قوة إلا الامتثال لأصحاب القرار الدوليين.

في خضم توسيع الاضراب وتمديده، عرضت الحكومة خلال الاجتماع تعديل نظام رتب المعلمين بحيث تتضاعف قيمة التعويض المادي بكل رتبة، ويصبح انتقال المعلمين بين الرتب أسهل، مع ارتباطه بالأداء، مثلما عرضت أن يبدأ المعلم الراغب بالانتقال إلى “المسار المهني” بتلقي علاوة مقدارها 100% وليس 50% كما هو مقرر في نظام ممارسة المهن التعليمية، ثم يتقدم بعد ذلك للحصول على الرخصة.

المعركة مستمرة

إن المكسب الأساس الذي يجب على المعلمين/ات الرهان عليه هو حشد كل المتضررين من سياسة الدولة التابعة للمراكز الرأسمالية الكبرى. المطلوب حشد تعاطف القطاعات الشعبية الأخرى وباقي القطاعات المتضررة الخاصة والعامة، وإحياء حراك المهنيين ل سنة 2018، بزخم أكبر ووعي أكثر صلابة. من أجل نصب ميزان قوى وتعديل كفته لفائدة عموم المقهورين ضد خدام الرأسمال، والوقوف بوجه الهجمات العالمية والمحلية الموجهة ضد المكتسبات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية لعموم الفئات الشعبية. كالأجور والتقاعد والتغطية الصحية والخدمات الاجتماعية. فأزمات النظام المالية المُستفحلة والمديدة ماهي الا جزء من ازمات عالمية خلقتها الرأسمالية بسياساتها الجشعة عبر آلية الاستدانة والضغط على الشعوب. لهذا فعلى المنظمة النقابية المنتسبة الى صف الطبقة العاملة والمدافعة عن حقوقها، ان تكون قادرة على خوض معارك ضد السياسات البرجوازية، والرفع من مستويات الوعي العمالي استعدادا للهجمات الأشد القادمة؛ هذا لا يمكن أن يتحقق الا بقيادة عمالية واعية بمهامها النضالية، محتكمة لمبدأ الديمقراطية العمالية في جل القرارات الصادرة عنها. بعيدا عن الشوفينية الاثنية والصراعات البيروقراطية.

بقلم، معاد حسون

[1] . من الولادة احتجاجياً إلى الانتحار بيروقراطياً: نصف عودة لنقابة المعلمين الأردنيين العدد الخامس من مجلة الثورة الدائمة – آذار 2015 الكاتب: أحمد الشولي – مسار تحرري (الأردن)

شارك المقالة

اقرأ أيضا