أمريكا اللاتينية: المواجهة الكبرى

بلا حدود2 يناير، 2020

بقلم، كلاوديو كاتز، مقتطف من نص نشر في موندياليزسيون، 20 نوفمبر 2019،

تشهد أمريكا اللاتينية تغييرا عنيفا، في خضم المواجهة بين المضطهَدين والمحظوظين. ويشمل هذا الصراع تمردات شعبية وردود فعل من المضطهِدين. تدور المعارك في الشوارع وفي صناديق الاقتراع. لا يلجأ الأقوياء فقط إلى القمع، بل يتلاعبون بالمعلومات ويشوهون المناضلين ويشجعون استياء الطبقة الوسطى الفقيرة. في جميع أنحاء المنطقة، تتصادم الرغبة في المساواة مع الفاشية، ولا يمكن لأي بلد تحقيق نتائج نهائية. تتعايش، في سيرورة مذهلة، انتصارات كبيرة مع نكسات مقلقة.

تسونامي في الشيلي

النهوض الجماهيري في الشيلي هو التسونامي الأكبر في أمريكا اللاتينية. إنه أكبر تمرد في تاريخ البلاد. يغادر، يوميا، الآلاف من الشباب المدارس والجامعات والأحياء لمواجهة رجال الدرك.

اللافتات شديدة الوضوح: “تشيلي متعبة وقد استيقظت”. إنه شعب سئم من الإذلال انتصب ضد النموذج النيوليبرالي. تعاقدت 70٪ من الأسر على ديون تُقْتطع من دخلها لتمويل مدخرات في مجالات التعليم والصحة والمعاشات التعاقدية الخاصة. يتقاسم البلد المنصة مع الدول الثماني الأكثر تفاوتا اجتماعيا في العالم.

يواجه الجزء الأكبر من السكان حكومة منعزلة، نابعة من انتخابات اتسمت بالامتناع عن التصويت. استخدم سبستيان بنييرا قمعا وحشيا أسفر بالفعل عن أكثر من 20 جريمة قتل وآلاف المحتجزين وعدد لا يحصى من الجرحى. يستخدم ضباط الشرطة المخدرات لمواصلة إطلاق النار وهم يطلقون النار على أعين المتظاهرين القتلى. وكانت تقارير عديدة تحدثت عن الاعتداء الجنسي على النساء المعتقلات.

يحافظ الجيش على هذا التخريب للحفاظ على الامتيازات التي ورثها عن بينوشيه. إنه يتلقى نسبة مئوية ثابتة من صادرات النحاس، وأعضاؤه منفلتون من الشيخوخة الفقيرة التي يعاني منها المتقاعدون الآخرون. لكن بعض الجنود رفضوا الانخراط في القمع. 

فرض بينيرا حظرا للتجول واضطر إلى رفعه. أعلن الحوار وعزز القمع. يعلن، يوميا، تنازلا اجتماعيا دون نتيجة. يظهر الذعر الذي يسود في دوائر الحكام المقربة في اعترافات مضحكة (“سيتعين علينا تقليل امتيازاتنا”).

استمرت التعبئة حتى لا تتكرر التجارب المحبطة لعامي 2006 و2011، والتي أدت إلى تغييرات ترقيعية. بدأت الموجة الحالية عفوية وبدون قيادة، لكن تنظيما بدأ ينشأ بالفعل من الأسفل. امتد نشاط الطلاب إلى النقابات والفئات الاجتماعية، التي تطالب بنهاية عهد بينيرا وعقد جمعية تأسيسية. الضغط قوي لدرجة أن الحكومة نفسها تناور لتشويه المطلبين.

يسعى سياسيو الحوار أيضا إلى تخفيف مطالب الانتفاضة. لقد دعموا النظام لمدة 30 عامًا وصادقوا على العسكرة الشهر الماضي. والآن، يدعون إلى استفتاء يضمن استمرارية بينيرا ويمنع سيادة جمعية تأسيسية محتملة. 

انتفاضة في الإكوادور

كانت الإكوادور المركز الثاني للانتفاضات. قاومت المجتمعات الأصلية الزيادة في استهلاك الوقود على المستوى المحلي وأدمجت قطاعات شعبية أخرى في مسيرتها الضخمة بكيوتو.

هرب لينين مورينو إلى غواياكيل واختار الوحشية القمعية، ما خلف سبعة قتلى وآلاف الجرحى. ولكن بعد أيام عدة من المعارك العنيفة، ألغى الزيادة في سعر البنزين وقبل فوز كوناي. عندما دخل الأهالي الأصليون إلى البرلمان، تذكر الرئيس الهارب كيف أسقطت هذه الحركة ثلاثة من أسلافه (1997 و2000 و2005).

نجحت الانتفاضة في إلغاء مرسوم حرره صندوق النقد الدولي، في بلد خنقه الدين الخارجي. وشمل الأثر كلا من إصلاح العمل وفتح الواردات، في اقتصاد غارق في الدولرة (نسبة إلى الدولار).

احتل المتظاهرون أيضا مكاتب صندوق النقد الدولي لتحذير المصرفيين من مقاومتهم. بعد النجاح الذي تحقق في المتاريس، نظمت الفئات الاجتماعية برلمانًا للشعب، اقترح زيادة في الحد الأدنى للأجور، وضرائب تصاعدية وآليات تسمح بالخروج من الدولرة، وكذلك تأمين الأراضي وإعادة هيكلة ديون الفلاحين. 

بوليفيا: اندفاعة الفاشيين

شكل الانقلاب في بوليفيا ضربة دراماتيكية للانتفاضات في تشيلي والإكوادور. أخذ اليمين المبادرة واستولى على الحكومة. إنه الانقلاب الأكثر صراحة ووقاحةً ووضوحًا في العقود الماضية. لقد كان عملاً عنيفًا بتوجيه من الجيش. استقال إيفو موراليس تحت تهديد السلاح عندما رفض الجنرالات الانضباط له. 

ولكن خصوصية هذه العملية كانت صبغتها الفاشية. فرض الدرك منطقة يحتلها البلطجية لإثارة الرعب. أجبروا الحكومة على البقاء بلا حماية. لقد اختطفوا القادة الاجتماعيين، واستولوا على مؤسسات عمومية وأهانوا معارضين.

وضع كاماتشو تصريحات بولسونارو موضع التنفيذ. مع أناجيل وصلوات إنجيلية، أحرق البيوت واختطف النساء وكبل الصحفيين بالسلاسل. أطلق صرخات عنصرية ضد الشولو cholo (السكان الأصليون)، في حين سخر أتباعه من الكوياس  coyas، وأحرقوا ويبالا Whipala وضربوا المارة من الجنس المهان.

لا يخفي كاماتشو لاعقلانية خطبه ضد الشعوب الأصلية. وهو يرى أن النساء من هذه الجنسيات ساحرات شيطانيات وأن الرجال يستحقون العبودية فقط. كما في ألمانيا في ثلاثينيات القرن العشرين، خلق جحافل مستائين لإذلال السكان الأصليين.

احتفلت الطبقة الحاكمة بالانتقام. أملها هو تحقيق استقرار الانقلاب وتحقيق التوازن بين إدارة الدولة ورجالها الموثوقين. إنها تحول تحدي الانقلاب إلى نقد لطموح موراليس. يجري تقديم الرئيس كدكتاتور ويتم تقديم قادة الانقلاب كمنقذين للديمقراطية. تعلن النسخة الخفيفة من هذا الازدراء أن “كلا الجانبين مذنب”. جرى التأكد من أهمية دور الولايات المتحدة في المؤامرة عبر مديح ترامب لتدخل الجيش. ستحاول جانين آنييز الحفاظ على الرئاسة الوقت اللازم للتلاعب بالانتخابات. تحت قيادته، عادت بوليفيا إلى معالمها القديمة المتمثلة في عدم القابلية للحكم.

تتطور المقاومة الشعبية في ظل ظروف العسكرة القاسية. في الأيام الخمسة الأولى، قتل 24 شخصًا. لكن التعبئات تمتد من معقل إل ألتو إلى بقية المدن. ينظم الكابيلدوس Cabildos (التجمعات الشعبية) نضال شعب ذي خبرة في معارك الشوارع. 

في غضون هذا النشاط، يمكن مناقشة الموقف الذي تبناه إيفو موراليس. المشكلة الرئيسة لم تكن استراتيجيته الحكومية (استفتاء عام أو إعادة انتخابه)، بل الافتقار التام إلى التبصر ضد الانقلاب. كان مرتبطًا بتحكيم منظمة الدول الأمريكية، وفاجأَهُ عصيان جيش عززه بالمعدات والإمدادات. لم يرد حزب الحركة نحو الاشتراكية المشلول على الهجوم اليميني الحازم. 

في البرازيل، انتصار مدوي

كان للتناقضات المهيمنة على سياق أمريكا اللاتينية مظهر آخر متمثل في تحرير لولا. أثار هذا الإفراج فرحة هائلة بين المشاركين في الحملة ضد اعتقاله. تسببت هذه النتيجة في هزيمة كبيرة ضد المهزلة المفبركة؟ من قبل القاضي مورو وشركاؤه في غلوبو. 

لهذه الحملة صدى قاري بوجه رئيس فاقد للمصداقية يشتبه في قيامه بغسل الأموال وتورطه في اغتيال مارييل فرانكو.

يعتمد بولسونارو على دعم الجنرالات التسعة الذين يمارسون السلطة الفعلية.

بدأ الكابتن السابق أولى خطواته بتخفيض الحد الأدنى للأجور بمرسوم. بالإضافة إلى ذلك، يقوم بتنفيذ عمليات الخصخصة في القطاعات الاستراتيجية؛ الطاقة؛ التمويل والنقل. كان تخفيض ميزانية التعليم وحشيًا كما مطاردة الساحرات لإقالة الموظفين المدنيين ذوي الأفكار التقدمية. تشجع خطبه المعادية للشيوعية على انتهاكات حقوق الإنسان مشددة وحشية رجال الدرك في الأحياء الفقيرة.

لكن بولسونارو غير قادر على تحقيق هذا المشروع. واجه بالفعل إضرابا ضد إصلاح نظام المعاشات التقاعدية ومسيرة ثلاثة ملايين شخص ضد رهاب المثلية. بالإضافة إلى ذلك، بلغت مظاهرات الطلاب ضد تخفيضات الميزانية مستوى جماهيري غير مسبوق.

فنزويلا

يكمل النصر الديمقراطي في البرازيل انتصارا أكثر أهمية حصل في فنزويلا. في هذا البلد، يتم شن أصعب صراع في المنطقة. على مدار العام، حاول اليمين الاستيلاء على فريسته الأكثر جاذبية وشهد سلسلة من الإخفاقات الساحقة. 

جَربَ أتباع اليمين الفنزويلي كل مؤامرة يمكن تصورها، لكن قدرتهم على التصرف تقوضت بسبب فشل إعلان غايدو الذاتي نفسه رئيسا. كما فشلت مهزلة المساعدات الإنسانية ولم يتمكنوا من القيام بأي انتفاضة عسكرية.

لا تزال تهديدات الاستفزاز العسكري مستمرة على الحدود مع كولومبيا. لهذا السبب تعزز وزارة الخارجية المفاوضات مع المعارضة. لكن الحكومة نجحت في إحباط المؤامرات واحدة تلو الأخرى.

في سيناريو اجتماعي صعب للغاية (تفاقمه الأخطاء الهائلة للسياسة الاقتصادية)، نجح ديفيد في القبض على جالوت. يحافظ المعسكر البوليفاري على مستوى مكثف من التعبئة في الشارع ويحتل الفضاء العام في كل مرة تظهر فيها المعارضة. جرى الحفاظ على التماسك العسكري، بفضل التدخل السياسي المستمر في الجيش.

في كل مكان، الشعب ينتفض

تقوي المواجهات في فنزويلا مواجهات أخرى. في بورتوريكو، طالب الشعب بتعبئة على جزيرة غارقة بتقويم صندوق النقد الدولي الهيكلي. لأول مرة في تاريخ هذه الأمة، تجري الإطاحة بحاكم بفضل الضغط الشعبي. لا تزال الأزمة مستمرة ولا يتم تصور حلول، في مستعمرة بدون آليات سياسية للتعامل مع التوترات المعتادة لدولة.

في هايتي، كانت احتجاجات الفصل الأخير هائلة. جرى بناء متاريس كل يوم في المدن للاحتجاج على حكومة فاقمت فقرا لا يوصف لدى السكان. يحرم ارتفاع التضخم الزاحف نصف الهايتيين من تناول ما يكفيهم من طعام، وأودت الحملة القمعية بحياة 51 شخصًا. يطالب المتظاهرون باستقالة دمية واشنطن الحالي، الذي يزعم ترامب مكافأته على خيانته لفنزويلا ومواءمته مع أقصى اليمين. لكن موجة المظاهرات لا تفسح المجال والمطالبة بمقاضاة اللصوص تستكمل بالفعل بالمطالبة بجمعية تأسيسية تدخل تغييرات جذرية في النظام الانتخابي المُعرقِل. ولا تزال هندوراس تشهد مقاومة مستمرة للنظام الدموي الناتج عن التزوير (2017)، مما عزز عملية الاحتيال الانتخابي السابق (2013). قتل المجرمون الذين يديرون الدولة 200 من المناضلين الشعبيين في مواجهة رجال الدرك المافيوزيين. لقد تحولت البلاد إلى دولة مخدرات يرأسها مسؤول أدين أقاربه في الولايات المتحدة بتهمة تهريب الكوكايين.

بعد الانتخابات

العام الماضي فاز لوبيز أوبرادور فوزا ساحقا في المكسيك، أنهى دورة الحكومات القمعية PRI وPAN . عطل هذا الاختراق الانتخابي مناورات التزوير. يتركز الأمل على نهاية العنف، الذي حول البلاد إلى نعش كبير يضم 300000 قتيل و26000 جثة مجهولة الهوية. هناك عدد لا يحصى من القادة الاجتماعيين الذين جرى ذبحهم، في حرب تتجاوز إلى حد كبير دائرة تصفيات الجريمة المنظمة. جرى انتخاب لوبيز أوبرادور لوضع حد لتهجير السكان القسري وكشف الحقيقة حول المذابح مثل مذبحة أيوزيناتبا. لكن هذا التطلع إلى السلام والعدالة لم يتحقق. لا يزال تفكيك العصابات وتوضيح التواطئات العسكرية عالقين.

يصطدم تحقيق هذه الأهداف بالإعلان الأخير الذي يضفي الشرعية على عمل القوات المسلحة. ويتفاقم هذا التطور بالإذعان لابتزاز ترامب.

تم انتخاب أملو AMLO أيضًا لوقف الخصخصة؟ واستعادة الاكتفاء الذاتي الغذائي وتقليل الديون الخارجية الثقيلة. ومع ذلك، فإن التدابير الموعودة لا تظهر هي أيضا في هذا المجال من أجل تنفيذ “تحول رابع” مؤسس للمكسيك.

أخذت الاضطرابات الانتخابية الأخرى في المنطقة شكل انتصار فرنانديز في الأرجنتين. تقدم الصحافة المهيمنة الخاسرين كما لو أنهم فازوا في الانتخابات. لا تغير هذه المواساة الحكم الشعبي الحازم ضد التقويم الهيكلي؟ 

يلقي اليمين تحذيرات ضد أي إجراء تصعيدي، منكر للانهيار الناتج عن النموذج النيوليبرالي، ضد سياسات الديون والتقويمات الهيكلية التي فرضها صندوق النقد الدولي. أدى هذا السيناريو الدرامي إلى استئناف التعبئة في البلاد التي تتمتع بأعلى مستوى من التنظيم النقابي والاجتماعي في المنطقة بأسرها. وبالمثل، في بلدان أخرى، تجري اشتباكات انتخابية هامة بنتائج جد متناقضة. في كولومبيا، نشهد ظهورًا بطيئًا لقوى يسار الوسط التي تتنازع، لأول مرة، النوايا الانتخابية والمحافظات مع الأوليغارشية والقوات شبه العسكرية. 

ولكن، في أوروغواي، هناك سيناريو صعب بوجه جبهة أمبليو، بعد 15 عامًا من الحكم، أثناء التصويت ضد اليمين. قبل بضعة أشهر في السلفادور، فاز رئيس يميني فوزا مفاجئا بالرئاسة، منهيًا عقدًا من إدارة محط جدل لفارابوندو مارتي. 

عودة الغوريلاّت

الواضح أن الانقلاب عاد إلى الظهور كأداة للطبقات الحاكمة. يتوج تنفيذه مؤخراً في بوليفيا التسلسل الذي بدأ في هندوراس (2009)، وتلاه في باراغواي (2012) ومدد ليشمل البرازيل (2016). 

يتصرف الانقلابيون بدعم مباشر من رجال الدرك ويضمنون استمرارهم مع شريك مدني. في باراغواي، أقالوا فيرناندو لوغو، ووضعوا بطاقات ونصبوا أنفسهم مع ماريو عبده بينيتز، في انتخابات مطبوعة بالامتناع عن التصويت وعدم شرعية القادة. في جميع الحالات، يعود الجيش إلى الواجهة، ضامنا أشكالَ حكم استبدادية جديدة مصونة في حالة الطوارئ. 

يبرر أبطال الانقلاب استخدام القوة عن طريق بعث أشباح الحرب الباردة القديمة. إنهم يعزون الاحتجاجات الاجتماعية في جميع أنحاء القارة إلى خطة تخريب موجهة من فنزويلا وكوبا.

إنهم يرددون هذا الهراء دون خجل، في حين يضاعفون عمليات قضائية كبرى لمنع القادة التقدميين. بدون قضاة مدمنين على المخدرات، فإن القضايا التي يخترعونها لا يمكن أن تتجاوز المحكمة الابتدائية. لكن وسائل الإعلام تتلاعب بالمعلومات مصورة الفساد كمرض يصيب الحكومات التي تنحرف عن المعايير المحافظة. 

يكمل اليمين أكاذيبه بعدة آليات لعرقلة التفكير الشعبي. العمى الذي يشجع التعصب الديني هو الأداة المفضلة لهذه العملية. يوفر الإنجيليون مواردهم بملايين الدولارات لإثارة الخوف وتدمير التضامن.

الإستراتيجية الأمريكية

أولوية واشنطن هي استعادة حقل النفط الرئيس في نصف الكرة الغربي، أي فنزويلا. وشددت أيضا الحصار المفروض على كوبا وتآمرت على بوليفيا كي تدير احتياطيات الليثيوم الضخمة المتراكمة في منطقة الألتيبلانو. يحاول ترامب استعادة السيطرة على الموارد الطبيعية في أمريكا اللاتينية. إنه يقوي تبعية وكلائه التقليديين ويستكشف شراكة جديدة مع بولسورانو. يعزز ترامب الوجود الإقليمي للبنتاغون أمام المنافسة الصينية والأوروبية.

الدروس

هزيمة الانقلاب والإمبريالية والليبرالية الجديدة هي الهدف الكبير لنضالات اليوم. لتحقيق هذا الهدف، يجب مضاعفة التعبئة وتكثيف العمل السياسي. لكن هذا التدخل يتطلب أيضًا التعلم من الأخطاء التي نعتقد أننا استوعبناها.

من الصعب للغاية هزيمة الأعداء الذين يتطورون من الداخل. يعد هذا الحِمْلُ الذاتي منزلقا دائما في العقد الماضي. إن لينين مورينو الرجعي المتطرف هو الحالة الأكثر قصوية. عيّنه التحالف التقدمي نفسه رئيسًا لمواجهة مرشح المحافظين. لم ينقض مورينو التحسينات السابقة فقط، بل نفذ أجندة الطبقات الحاكمة. يجب ألا ننسى أن الانقلاب في البرازيل نفذه تيمير، نائب الرئيسة ديلما. قادت هذه السياسة نفسها المكسيك إلى تشكيل تحالف حكومي مع الإنجيليين والمحافظين والرأسماليين. 

يستعيد اليمين الأرض عندما تنسى الحكومات التقدمية أن الانتخابات هي لحظة صراع على السلطة. عندما تظل السيطرة الفعلية على الاقتصاد والعدالة والجيش ووسائل الإعلام في أيدي الجماعات المهيمنة، فإن عودة اليمين هي مسألة وقت.

هذا التناقض هو أيضا أصل الأزمة في بوليفيا. شهد حزب الحركة نحو الاشتراكية نكسة انتخابية كبيرة في السنوات الأخيرة، رغم النجاحات غير المسبوقة في إدارة الاقتصاد. حققت معدلات نمو مرتفعة، وتخفيضًا كبيرًا في الفقر واستثمارات كبيرة مرتبطة بالاستخدام الإنتاجي لعائدات الغاز. إن عدم تسيس الحركة الشعبية هو التفسير الأكثر تكرارا لهذا الانفصال بين التحسينات الاجتماعية والاقتصادية والتدهور الانتخابي. يعتقد البعض أن الناخبين يصبحون أكثر فردانية بقدر ما يتوسع نطاقهم الاستهلاكي. يعتبرون أنه، في خضم هذا التحول، يستبطن الناخبون الدعاية المحافظة وينسون العملية التقدمية التي سمحت بتحسين أوضاعهم؟

لكن عملية نزع التسيس هذه هي نتيجة لاستمرار نظام يعيد إنتاج امتيازات الرأسماليين. الأيديولوجية الحالية في المجتمع لا تطفو في فراغ. إذا جرى الحفاظ على سلطة الطبقات الحاكمة، تميل هذه الهيمنة الى التمدد لنطاق السلوك الانتخابي. يستعيد الأقوياء الحكومات لأنهم لم يفقدوا السلطة أبداً. 

عودة اليمين ليست قوية. إنها تنبع من غياب التجذر الملازم للنزعة التقدمية. بدلاً من تشجيع التحولات الكبيرة في الأوقات المناسبة، يتكيف هذا الاتجاه التقدمي مع الوضع الراهن. وبينما يرفض إمكانية القضاء على سلطة الرأسماليين الكبار، ينتهي به المطاف بتعزيز تلك الهيمنة. تؤكد تجربة حكومات يسار الوسط أن كبح التجذر يفتح الأبواب للانتقام اليميني.

لكن اللافت في الدورة الحالية هو حجم المشاركة الشعبية. يتجاوز عدد المتظاهرين في الشوارع سجلات العقدين الماضيين.

هناك احتمالات كبيرة لتحقيق اختراقات وتعديل علاقات القوة. ليست إعادة فتح دورة تقدمية على المحك، فالمعركة الجارية قد تؤدي إلى سيناريوهات جديدة وغير متوقعة.

ترجمة جريدة المناضل-ة

شارك المقالة

اقرأ أيضا