اعتماد وزارة الصحة دواء كلوروكين لعلاج كوفيد 19: تحذير من التضحية بصحة وحياة المرضى بقلم: سعيد مخلص (كاتب بجريدة المناضل-ة الموقوفة)

سياسة31 مارس، 2020

أصدرت وزارة الصحة المغربية بتاريخ 25 مارس 2020 بلاغا تضمن 6 نقط، تطرق إلى أسباب اعتماد بعض الأدوية لعلاج مرضى “كوفيد 19” ومن بينها دواء “كلوروكين” الذي عرف جدلا واسعا في الأسابيع الأخيرة.

جاء في الفقرة الأولى من البلاغ:
” إن استعمال “الكلوروكين” وكذا الإصدارات العلمية الناتجة عنه بعدد من دول العالم كالصين وأمريكا… قد أكدت جميعها نتائج ايجابية لاستعمال البروتوكول المذكور …إن البرتوكول العلاجي المذكور قد تم اعتماده من طرف وزارة الصحة بعد دراسة وقرار من اللجة التقنية والعلمية للبرنامج الوطني للوقاية والحد من انتشار الأنفلونزا والالتهابات التنفسية الحادة والشديدة “.

هذا الكلام يتضمن مغالطات، فالدول التي جرت فيها تلك الدراسات حصرت استعمال هذه الأدوية في إطار التجارب السريرية للتأكد من سلامة هذه الأدوية مع وضع آليات نظام مراقبة مشددة لتتبع أعراضها الجانبية، وهو ما نص عليه آخر قرار للوكالة الوطنية لسلامة الأدوية الفرنسية الصادر بتاريخ 30 مارس 2020، ونفس الشيء ينطبق على إدارة الدواء والغداء الأمريكية وغيرها.

القول بأن الإصدارات العلمية أكدت جميعها نتائج إيجابية عار من الصحة، لأن العديد من تلك الدراسات أجريت في المختبر على خلايا أو حيوانات محتملة لنقل الفيروس (الخفاش والبنكولا والقردة)، بالطبع هذه الدراسات الأولية ضرورية وأساسية لكنها غير كافية لتأكيد فعالية أو سمية الأدويةToxicologie) ) لهذا السبب تم اعتماد التجارب السريرية على البشر منذ عقود، وفق معايير محددة متفق عليها عالميا في الوسط العلمي والطبي.

إحدى الدراسات السريرية الخاصة بالبروتوكول العلاجي الذي يعتمد على “الكلوروكين” ودواء “الأزيتروميسين”، وهو مضاد حيوي، جرت في مدينة مرسيليا بفرنسا، تحت إشراف البروفيسور”Didier Raoult” وعرفت الكثير من الجدل، واعتبرها الكثيرون بداية أمل يمكن الاستناد إليها، لكنها غير كافية لتحديد فعالية دواء الكلوروكين، وتفادي الأعراض الجانبية غير المعروفة لهذا النوع من العلاج لدى مرضى “كوفيد 2″، كان من بين هؤلاء البروفيسور “Françoise Barré-Sinoussi” الحائزة على جائزة نوبل في الطب ومكتشفة فيروس داء فقدان المناعة “السيدا”، و يمكن تلخيص أهم الانتقادات الموجه إلى هذه الدراسة في:

– ضعف عينة المرضى المشمولين بالدراسة، 24 مريض.
– قصر مدة التجربة التي لم تتجاوز الأسبوع.
– عدم تفسير الأسباب التي كانت وراء سحب ستة حالات قبل نهاية الدراسة: ثلاثة نقلوا إلى العناية المركزة، حالة وفاة وانسحاب مريض لعدم القدرة على إتمام العلاج والحالة السادسة غادرت المستشفى قبل شفائها من المرض، كل هذه الحالات لم يوجد تفسير لأسبابها.
– الاعتماد على مؤشر “الحمولة الفيروسية” رغم أهميته وليس الحالة الصحية أو السريرية للمرضى لتحديد فعالية الدواء.

كما أعلن البروفيسور ديديي عن نتائج دراسة ثانية شملت 80 مريضا يمكن اعتبراها أكثر جدلا من الأولى، كل هذه الأسباب وغيرها دفعت بالاتحاد الأوروبي إلى إطلاق تجربة إكلينيكية تحت اسم “Discovry” شملت آلاف المرضى من مراكز بلدان مختلفة لاختبار عدة علاجات ومن بينها دواء “الكلوروكين” كما اتخذت أمريكا والصين وروسيا وغيرها من البلدان عبر العالم نفس المنحى. من هنا يطرح السؤال لماذا شكل المغرب، إلى جانب تونس والجزائر استثناءً في اعتماد هذا الدواء رسميا لعلاج مرضى كوفيد-19؟
وبعد أيام قليلة على نشر هذه الدراسة قام البروفيسور ديديي راوولت بنشر دراسة أخرى أكثر جدلا من الأولى من حيث المنهجية المعتمدة.

جاء في الفقرة الثانية من بلاغ وزارة الصحة:
” وصف واستعمال دواء Chloroquine أو Hydroxychloroquineالذي عممته وزارة الصحة منذ أيام… هو دواء معروف كان يستعمل منذ سنوات لعلاج الملاريا … لمدد طويلة قد تصل أحيانا لسنوات، وذالك تحت مراقبة طبية متخصصة وصارمة “.
يوحي هذا الكلام بأن إجراءات تفعيل قرار استعمال هذا الدواء اتخذت قبل إصدار هذا الأخير وإقراره من طرف ما يسمى “اللجنة العلمية” التي وضعت التوصيات الموجهة للأطباء والتي ضمت نوعين من العلاج، الأول يحتوي على دواء الكلوروكين والأزيتروميسين والثاني مضاد الفيروسات lopinavir/ritonavir المستعمل في علاج المصابين بمرض السيدا.

أرادت وزارة الصحة إقناعنا بعدم خطورة دواء “الكلوروكين” بحجة أنه استعمل منذ سنوات، كثيرة هي الأدوية التي تلقاها ملايين من المرضى لسنوات بل ولعقود فتبين أن لها أعراض “جانبية” تسببت في فضائح صحية عالمية وخلفت مئات الآلاف من الضحايا، وكل سنة يتم سحب العشرات من الأدوية لنفس السبب.
عرف العالم العديد من الفضائح الصحية الكبرى خلفت مئات الآلاف من الضحايا بسبب حوادث علاجية مرتبطة بأعراض جانبية للعديد من الأدوية وعلى سبيل المثال لا الحصر:

2005- قامت الشركة الأمريكية Merck بسحب دواء Vioxx بعد أكثر من خمسة سنوات على تسويقه وقد وصل عدد الموتى في الولايات المتحدة بسبب أعراضه الجانبية ما يقارب 28 ألف وأكثر من 100 ألف بعاهات مستديمة، قامت الشركة المصنعة بتخصيص 4,8 مليار دولار لتعويض الضحايا ولازال مئات الآلاف من القضايا في المحاكم الأمريكية.

2010- بعد أكثر من 40 سنة على تسويق دواء Mediator من طرف الشركة الفرنسية Servierقامت بسحبه من السوق بعد أن خلف ما يقارب 5000 من القتلى حسب إحصائيات رسمية وأكثر من 15 ألف حسب دراسات مستقلة.

2015- بعد مرور أكثر من 50 سنة على تسويق دواءDepakine تبين أنه يتسبب في تشوهات جنينية وعصبية لدى النساء الحوامل، ما دفع بكل السلطات الصحية عبر العالم بمنع استعماله لدى هذه الفئة من المرضى.

إن القاسم المشترك لهذه الفضائح الصحية إخفاء الأعراض الجانية من طرف شركات الأدوية عبر تزوير نتائج التجارب السريرية وتورط خبراء وكالات الأدوية في هذه الفضائح والمعروف أن جميع هذه الأدوية تم تسويقها بالمغرب لكن لن نجد لها أثارا في أرشيف وزارة الصحة أو مديرية الدواء والصيدلة أو المؤسسات الأخرى المعنية بمراقبة سلامة الأدوية بالمغرب، حجة وزارة الصحة كون دواء الكلوروكين استعمل منذ زمان لا تلغي خطورة أعراضه الجانبية.

دواء الكلوروكين له أعراض جانبية كثيرة ويمكن الاطلاع عليها في ملخص خصائصه RCP)) الذي يضم لائحة مكونة من عشرات الأعراض من البسيطة إلى الخطيرة، استعماله له تأثير على دقات القلب ويؤدي إلى الوفاة في بعض الحالات وله تأثير على الجهاز المناعي والعصبي والبصري…

نصت الفقرة الثالثة من البلاغ على:
” أن وزارة الصحة بالإضافة إلى توفرها على نظام معتمد لتتبع ومراقبة جودة وسلامة الأدوية من خلال مصالح مديرية الأدوية والصيدلة، فهي تتوفر كذلك على كفاءات علمية وتقنية من أساتذة الطب وأطر صحية معترف بها عالميا للاعتماد الاستباقي للبروتوكول العلاجي المذكور على أساس “الكلوروكين” بقرار سيادي ومستقل وآمن”
المديرية معنية بمراقبة الأدوية قبل وبعد التسويق من خلال لجان ومؤسسات عديدة كالمختبر الوطني لمراقبة الأدوية وجهاز اليقظة الدوائية الذي يضم المركز الوطني لليقظة الدوائية ومحاربة التسمم، وهي المكلفة بإعطاء تراخيص تسويق هذه الأدوية. تاريخ هذه المؤسسة مليء بملفات فساد منذ تعيين أول مدير لها سنة 1999 والذي تمت إقالته من طرف وزير الصحة التهامي الخياري سنة 2001، وبعد تعيينه مرة أخرى سنة 2018 تمت إقالته من جديد أواخر 2019 من طرف وزير الصحة أنس الدكالي، ولابد أن أذكر بأن سلفه عرف نفس المصير بعد تحقيق لمفتشية وزارة الصحة يشير إلى تضارب للمصالح وفساد حول صفقات مشبوهة مع شركات أدوية، كما لا ننسى الارتباط المباشر لعدد كبير من خبراء هذه المديرية بهذه الشركات.

يتم تصنيع هذا الدواء من طرف الشركة العالمية الفرنسية “سانوفي” تحت الاسم التجاري Nivaquine (Chloroquine) و Plaquinine (Hydroxychloroquine). تتربع هذه الشركة على رأس مبيعات الأدوية بالمغرب وتربطها بوزارة الصحة عدة اتفاقيات تم التوقيع على إحداها في يونيو 2019 تنفيذا لأحد بنود ما يسمى” خطة الصحة 2025″ الخاص بالأمراض الناذرة، تساهم خلالها “سانوفي” في تجهيز مراكز للتكفل والعلاج بالإضافة إلى تكوين 450 طبيب في الطب العام وتخصصات أخرى، وجبت الإشارة أن هذه الشركة من الداعمين الرئيسيين للمركز الطبي الجامعي للأمراض المعدية الذي يترأسه البروفيسور ديديي راوولت
نصت الفقرة الخامسة على ما يلي:
” تضمنت الدورية الوزارية رقم 22 الموجهة إلى مهنيي الصحة بتاريخ 23 مارس الجاري توصيات اللجنة العلمية المذكورة في شأن شروط وكيفية استعمال هذا البرتوكول العلاجي…”
في الحقيقة تضمنت هذه التوصيات 3 برتوكولات علاجية لمدة عشرة أيام:
1- (Nivaquine) Chloroquine + Azethromycine
2- (Plaquinine) Hydroxychloroquine+Azethromycine
3- (Lopinavir+ Ritonavir)، الاسم التجاري Kaletra وهو مضاد للفيروسات يستعمل في علاج مرضى فقدان المناعة/السيدا، يتم تصنيعه من طرف الشركة العالمية الأمريكية Abbvie، حققت رقم معاملات يساوي 28,64 مليار يورو سنة 2018 و4,96 مليار يورو أرباحا في نفس السنة، وزعت منها 4,89 مليار يورو على حاملي الأسهم.

“دواء (Lopinavir+ Ritonavir) ليس له أدنى فعالية لدى مرضى كوفيد 2″ هذه خلاصة آخر دراسة أجريت من طرف فريق طبي صيني بمدينة ووهان، نتائجها نشرت في إحدى الصحف الطبية العالمية”The new england journal of medicine” بتاريخ 18 مارس 2020 والأدهى من ذلك أن المركز الطبي الجامعي للأمراض المعدية الذي يترأسه البروفيسور “Didier Raoult” نشر على موقعه الالكتروني: أن هذا البروتوكول العلاجي لا يشتغل، و رغم كل ما سبق أصرت وزارة الصحة وما يسمى باللجنة العلمية على تعريض المرضى لأعراض جانبية ناتجة عن هذه الدواء غير الفعال و إهدار المزيد من الأموال كان لازما توفيرها.

وزارة الصحة المغربية الحماس الزائد دفاعا عن دواء الكلوروكين.
دول عديدة أجرت تجارب حول العلاج بدواء الكلوروكين لكنها اكتفت بالتأكيد أن النتائج واعدة لكنها تحتاج الى مزيد من التجارب للوصل الي خلاصة علمية قائمة على دراسة ذات مصداقية بل أن فرنسا ذاتها موطن البروفسور Didier Raoul حصرت استعمال الدواء في حالات استثنائية حصرا وفي إطار التجارب السريرية، كما أن دول اوربية وأمريكا تعيش في كابوس تفشي الوباء ويحصد يوميا مئات الموتى وضغط رهيب على بنياتها الصحية دون أن يحملها دلك على اعتماد علاج الكلوروكين وهي أكثر تطورا في مجال البحث والصناعة.

اندفاع وزارة الصحة المغربية الي فتح الباب امام العلاج بدواء الكلوروكين لمختلف الحالات وفي جميع المستشفيات رغم أن الحالة الوبائية بالمغرب حينها لازالت في مرحلة البداية وفي حين اثارت دراسة البروفسور الفرنسي جملة اعتراضات من علماء وجهات صحية عديدة يثير مخاوف جدية.
وزارة الصحة مطالبة بنشر دراسة دورية عن نتائج اعتماد دواء الكلوروكين بالمغرب معززة بكل المعطيات والجهة التي أشرفت عليها والاطر المسؤولة وعرضها للمختصين وارفاقها بتوصياتها تكون حجة علمية أمام العالم والا فهي حجب المعلومة وإخفاء لحقائق.

سيترتب عن استعمال دواء في الصحة العمومية المغربية دون اعتماده من مؤسسات دوائية عالمية مسؤوليات جسيمة قانونية وإنسانية حين تظهر نتائجه على صحة وحياة المرضي الخاضعين للعلاج حينها سيختفي كل الناعقين الدين تشدهم أواصر المصلحة والانتفاع بكبريات صناعة الدواء.

مسؤولية هيئات الأطباء المعالجين.
مرت وزارة الصحة إلى تنفيذ قرارها باعتماد الدواء دون نقاش حقيقي من المتخصصين والرأي العام، مُستغلة فكرة سطحية رائجة “لنقضي حاجتنا بالموجود في انتظار الأفضل” علما أن نتائج المقولة في ميدان الطب خطيرة جدا.
الآن يتحمل المعالجون من كل التخصصات ومساعديهم مسؤولية تاريخية أمام الشعب المغربي في مراقبة تطبيق قرار وزارة الصحة ونتائجه الفعلية على صحة المرضي ولا حجة لهم بتنفيذ قرار إداري حتى ولو تخفى خلف لجان طبية، فقوة ونفُود شركات الدواء تحكم قبضتها على دول كبرى، ما بالك بما أدنى منها.
إن الهيئات والجمعيات والمنظمات النقابية لهيئة الأطباء والممرضين مطالبة على ضوء تدخلها الملموس أن تنتفض بسرعة وتتحرك للضغط إذا ظهر لها أن قرار العلاج المفروض يؤدي إلى مُضاعفات خطيرة على صحة وحياة المرضى، وأن يرفضوا تحول المغاربة إلى حقل تجارب رخيص، تفتقت به عقلية بيروقراطية وفية لمنافعها على حساب صحة البشر.

خلاصة
السياسة الدوائية للبلاد في قبضة شركات الأدوية وعلى رأسها الشركات العالمية، وقد أصبحت تتحكم في مؤسسات مراقبة الأدوية وفي التكوين الذي تتلقاه كل فئات مهنيي الصحة (أطباء ومُمرضون) والتكوين الذي يتلقاه طلبة الجامعة، والدعم المالي لمراكز الأبحاث… خُبراء مؤسسات مراقبة جودة وسلامة الأدوية تربطهم مصالح مباشرة وغير مباشرة بهذه الشركات والجمعيات العلمية، ولا يمكن لها التنفس بدون الأموال التي تتلقاها من صناعة الأدوية (التمويل الكامل لمؤتمراتها السنوية…)، لذلك وجب تخليص صحتنا من أيدي الشركات التي لا تهمها سوى الأرباح، فصحتنا أهم من أرباحهم.

شارك المقالة

اقرأ أيضا