مشروع قانون 22.20: شتلة تخفي غابة الاستبداد

سياسة4 مايو، 2020

أزنزار

أثار تسريب مشروع قانون رقم 22.20 المتعلق باستعمال شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح والشبكات المماثلة، موجة استياء كبيرة، امتدت من رواد وسائل التواصل الاجتماعي لتشمل أحزاب حكومية وأيضا “معارضة”، في تكيف مع المزاج العام الرافض لهذا المشروع.
ادعت مجموعة من الأحزاب (مشاركة في حكومة الواجهة أو مقصية عنها) “معارضة” مشروع لقانون، بمبرر تناقضه مع “المكتسبات التي حققتها بلادنا في مجال الحريات العامة وحقوق الإنسان”، في حين تقدمه الدولة ذاتها كاستكمال للترسانة القانونية المكبلة لحرية التعبير والرأي، لأن هذه الأخيرة لا تطال المدونين- ات والافراد بمقتضى قانون الصحافة أغلب مواده تنحصر على الصحافة والنشر وحددت لها مفاهيم قد لا تطال المونين- ات الا بتفسير متعسف)، أما متابعة المدونين- ات بموجب القانون الجنائي يضع الدولة أمام الاتهام باستعمال هذا القانون لقمع حرية الرأي.
ويلعب التهرب من تحمل المسؤولية السياسية المباشرة لمشروع القانون، على أبواب انتخابات 2020 دورا كبيرا في ادعاء “معارضة” مشروع القانون، ما دفع الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي إلى اجتماع مع رئيس حكومة الواجهة، إلى رفض “تحميل حزبه مسؤولية مشروع القانون وكأنه يقود الحكومة لوحده”.
ليس مشروع قانون 22.20 إلا وضعا للسدادة على القمقم الذي تريد الدولة (وأحزابها) حبس حق الاحتجاج الذي تتيحه وسائل التواصل الاجتماعي داخله.
مشروع القانون موجه ضد المدونين- ات وأصحاب البث المباشر (الفايس، اليوتيب، تويتر…)، ولكن أيضا ضد ما يطلق عليهم “المزودين الذين يستغلون منصات الانترنت لتقديم خدمات شبكات التواصل الاجتماعي أو خدمات شبكات البث المفتوح أو أي خدمة مماثلة للمستعملين من العموم بهدف تحقيق ربح مادي، ويُطلق عليهم في ما بعد “مزودي الخدمة” [المادة 3].
فالدولة واعية بأن حبس المدونين- ات وأصحاب البث المباشر، لن يجفف منبع استعمال هذه الوسائل للتعبير عن الاستياء الاحتجاج، ومكان كل مسجون- ة ينبت عشرات آخرين- ات، ما دامت أسباب الاستياء قائمة. لذلك يسعى مشروع القانون لوضع “مزودي الخدمة” تحت طائلة العقاب، لجعلهم مشاركين في فرض الرقابة على حرية التعبير.
يفرض الفصل الثاني من المشروع على “مزودي الخدمة” “حذف أو حظر أو توقيف أو تعطيل الوصول لأي محتوى الكتروني غير مشروع” أو “يشكل تهديدا خطيرا على الأمن والنظام العام أو من شأنه المساس بثوابت المملكة المغربية أو بمقدساتها ورموزها. وذلك في أجل أقصاه 24 ساعة من تاريخ تلقي الشكاية، ما لم يتم الاتفاق بين مزودي الخدمة والإدارة أو الهيئة المعينة لهذا الغرض على فترة أطول للقيام بذلك”، تحت طائلة العقاب (500 ألف درهم غرامة، سحب رخص المزاولة الخاصة بهم وتقوم بمنعهم بصورة نهائية من مزاولة أنشطتهم داخل التراب الوطني” [المادتين 10 و11].
إن حرية التعبير وإبداء الرأي أصلا محدودة في وسائل التواصل الاجتماعي، فتطبيق “الإبلاغ عن المحتوى” يؤدي عادة إلى سحب المحتوى أو إلغاء الاشتراك”، وهذا التطبيق كان مفتوحا أمام رواد الشبكة. ويريد مشروع القانون 22.20 منحه لـ”الإدارة أو الهيئة المعنية” التي ستتولى أمر “الإشراف والرقابة على الخدمات المقدمة من طرف شبكات التواصل الاجتماعي والبث المفتوح والشبكات المماثلة” والتي سيُعهد إليها “بصفة عامة السهر على التطبيق السليم لمقتضيات هذا القانون” [المادة 5- الفصل الأول].
وفي تكييف لاتفاقية بوادبيست المتعلقة بالجريمة الالكترونية (23 نوفمبر 2001)، جرى توسيع لائحة “الجرائم الالكترونية” لتضم ما يُطلق عليه “المكتسبات الحقوقية” لنظام الاستبداد وعلى رأسها “الدستور”: تهديد النظام العام، المس بثوابت المملكة ومقدساتها ورموزها، الجرائم الماسة بالأمن الاقتصادي (الدعوة لمقاطعة سلع أو سحب الأموال…).
تريد الدولة، بهذا المشروع، إنهاء مكسب سياسي رسخته السيرورة الثورية وحراك 20 فبراير التي فرضت على الاستبداد ذاته أن ينزع “صفة القداسة عن الملك”، وأصبحت وسائل التواصل الاجتماعي معه وسيلة لانتقاد المؤسسة الملكية مباشرة، وتحميلها مسؤولية الأوضاع، عكس ما كان سابقا حيث كان الاستياء ينصب على “الواجهات المؤسساتية” للاستبداد.
ومن جهة أخرى يشكل مشروع القانون استجابة لشكايات الشركات من حملة المقاطعة التي أثبتت فعاليتها سنة 2018، وفي نفس الوقت تنفيذا لتوصيات تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي لسنة 2019 حول نفس الموضوع.
أدى هذا إلى تأويل أغلب التعبئات الرافضة لمشروع القانون، على أنه خدمة لمصالح الشركات المتضررة من المقاطعة السابقة. هذا صحيح نسبيا فقط. ما يهم الدولة ليس الانتقام من موجة نضال سابقة (المقاطعة) فقط، بل الإعداد لمواجهة موجات قادمة. يشبه سلوك الدولة والحالة هذه ما يقوم به جيش يسارع لاحتلال منطقة استراتيجية قبل اندلاع عمليات القتال، ليستفيد من الأفضليات التي يقدمها ذلك الموقع.
يستعد أرباب العمل ودولتهم لتحميل كلفة الخروج من الأزمة الاقتصادية والجائحة للطبقة العاملة ومُفَقَّرِي- ات المدن والقرى (تقشف، مزيد من الاقتراض، تسريحات…)، وهو ما سيثير نضالات.
يأتي مشروع قانون 22.20 في إطار استكمال الترسانة القمعية، وحرمان حركات النضال من استعمال وسائل التواصل التكنولوجي (التي أثبتت فعاليتها) في التعبئات والتحريض على النضال وانتقاد سياسة الدولة وإجراءات أرباب العمال.
يدعي إعلام الدولة بأن مشروع القانون موجه لمحاربة الإشاعات والأخبار الزائفة. وهذا حق يُراد به باطل، فالدولة هي أكبر مُطْلِق للأخبار الزائفة، وإعلامها كلها موجه لتشويه وتزييف وعي الكادحين. وفي مواجهتها للنضال الشعبي والعمالي تلجأ إلى “الإشاعة والأخبار الزائفة” لتشويه سمعة حركات النضال (الاتهام بالعمالة للخارج والانفصالية… إلخ).
كما أن الإشهار للمنتوجات الرأسمالية مليء بالأخبار الزائفة، فهل سيشمل هذا القانون الشركات التي تدعي بأن منتوجا يقضي على %99.99 من الميكروبات، أو إضفاء خصائص طبية لمنتوجات تجميل أو نظافة؟ أكيد أن الجواب هو لا. فالقانون في جوهره ومجمله موجه لـ”تحسين محيط الاستثمار” وضمان تدفق الأرباح، وليس لمحاربة “الأخبار الزائفة”.
دفعت الحملة والتخوف من خدش الصورة في سياق انتخابي، وزير العدل إلى تأجيل أشغال صياغة مشروع الصياغة، ما يشكل دليلا عن جدوى الرفض والاحتجاج. لكن الأمر لا يتعدى انتصارا في مناوشة، بينما ستستمر حرب الدولة على حرية التعبير.
ليس الاستبداد طبائع نفسية لدى حاكمين متعطشين للسلطة، الدولة في آخر المطاف “جماعة من الرجال المسلحين” موجهة لخدمة الطبقة السائدة (البرجوازية) وتوفير الشروط السياسية والقانونية لاستمرار استغلال الطبقة العاملة وصغار المنتجين- ات. هذا ما يفرض وضع مشروع قانون 22.20 في سياقه السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وربط النضال ضده بالنضال ضد مجمل الخيارات الاقتصادية والاجتماعية لدولة البرجوازية.
كما يستدعي ذلك ربط النضال ضد مشروع هذا القانون ضد مجمل الترسانة القانونية الموجهة لإسكات صوت النضال العمالي الشعبي: مشروع قانون تكبيل حق الإضراب وتأسيس النقابات، مدونة الصحافة والنشر.
ليس النضال من أجل ديمقراطية شاملة، مهمة أحزاب برجوازية تسعى إلى نيل حصتها من السلطة مع إبقاء نفس مجتمع الاستغلال الاقتصادي والإقصاء الاجتماعي والاضطهاد السياسي قائما. ليس للديمقراطية وكل الحريات من حليف أقوى وأشد من الطبقة العاملة ومفقري المدن والقرى، وهوي الجهة التي يتوجب علينا إنهاض قواها وتقويته تنظيمات نضالها وبناء حزبها السياسي، بدل انتظار تدخل “جهات عليا” هي ذاتها من أوحى بالمشروع، أو نصرة منظمات دولية، أو حتى أشكال نضال رمزية (عرائض) لا تؤتي أُكلها ما دامت معزولة عن النضال العمالي والشعبي.

شارك المقالة

اقرأ أيضا