السودان. أداة الحركة المعارضة للانقلاب: لجان المقاومة

بلا حدود, سياسة8 نوفمبر، 2021

مقابلة مع رجاء مكاوي

عندما اعتقل جنرالات السودان أعضاء مدنيين في الحكومة، واستولوا على السلطة في يوم 25 تشرين الأول/ أكتوبر [1]، واجهوا انتفاضة شعبية حاشدة. انتشرت الإضرابات الجماهيرية والعصيان المدني في البلد برمته فيما تلا من أيام. وفي 30 تشرين الأول/أكتوبر، اجتاحت مسيرات احتجاجية هائلة معظم المدن الكبرى. كانت القوة الدافعة لموجة الثورة السودانية الجديدة هذه متمثلة في لجان المقاومة ومنظمات الأحياء التي اضطلعت بدور حاسم في تعبئة انتفاضة عام 2019. حاورت مجلة Middle East Solidarity الناشطة والكاتبة السودانية رجاء مكاوي حول موضوع لجان المقاومة وما تطرحه من مطالب.

من ينظم المقاومة ميدانياً بوجه الجيش والميليشيات؟

رجاء مكاوي: تنظمها أساساً لجان المقاومة. وحتى تجمع المهنيين السودانيين [2] تراجع ويبدو أنه تحول إلى دور داعم لمواقف لجان المقاومة من خلال اعتماد وجهات نظرها ونشر مطالبها على منصات التواصل الاجتماعي الخاصة به.

ما مدى استقلال لجان المقاومة عن تحالف قوى الحرية والتغيير الذي هيمنت في المكون المدني في الحكومة الانتقالية؟

من الصعب الإجابة عن السؤال. على مدى العامين الماضيين، اضطلع شباب لجان المقاومة على نحو واضح بدور تنظيم وتعبئة إلى جانب انتماءاتهم السياسية. مع ذلك، لم يكن هذا الدور شائعاً وبارزاً في الأحياء المرتبطة تاريخيًا بالأحزاب التقليدية، مثل حزب الأمة في أم درمان [مدينة كبيرة جدًا في السودان تقع أمام العاصمة الخرطوم على نهر النيل] وفي مدينة بحري (المعروفة أيضًا باسم الخرطوم بحري) مع الحزب الاتحادي الديمقراطي. تشكلت ظواهر مماثلة في الأحياء الجديدة للطبقة الوسطى بالخرطوم، مثل جبرة، حيث كانت لجنة المقاومة تابعة سياسيًا لحزب المؤتمر الوطني [حزب مرتبط بجماعة الإخوان المسلمين عالمياً].

لم يتضح إلى أي مدى بذلت هذه الأحزاب جهداً سياسياً من حيث الأجندة، سواء مالياً أو مؤسسياً، أو ما إذا كانت أرست قواها رسمياً في اللجان أو وضعت كوادرها لتنمية قدراتهم. لم تنشر هذه المجموعات السياسية أي نوع من البرامج السياسية منذ الثمانينيات. ولا تتحدث عن حاجات الشباب.  وما دفع الشباب إلى إيجاد مساحات ومؤسسات سياسية بديلة هو الفراغ الذي أحدثته.

إن عجز الأحزاب أو عدم رغبتها في استثمار وزن لجان المقاومة السياسي الجديد، بعيدًا عن الهياكل الرسمية والتقليدية للسلطة، قد يعني أيضًا أن انخراطها في هذه اللجان بالذات سطحي.

والسؤال الواجب وضعه وتلزم الإجابة عليه في هذا الطور هو معرفة إلى أي مدى تستجيب تعبئتها ميدانياً للدينامية السياسية الداخلية لعملية الانتقال [من حيث المواجهات بين القطب المدني والقطب العسكري]، وهو انتقال مؤسسي بات بعيداً عن دينامية الشارع السياسية.

ماذا تقصدين بالأحزاب «التقليدية» أو هياكل السلطة «التقليدية» في سياق السودان؟

أنا أشير إلى شكل معتدل من الإسلام السياسي يصيغ السلوك اليومي. في حالة حزب الأمة، فإن طائفة الأنصار الدينية (التي تعود إلى عهد محمد المهدي في أواخر القرن التاسع عشر) سبقت تشكيل الحزب.  يستمد الحزب قاعدته السياسية ومعالمه الاجتماعية من هذه الطائفة، فضلاً عن غيرها من الأعراف الاجتماعية مثل نزعة المحافظة بصدد المساواة بين الجنسين وحقوق المرأة، والتمايز العرقي والاثني واندماج السلطة السياسية والدينية.

ما هي مطالب التعبئة الجماهيرية حالياً وكيف صيغت؟

أصدرت لجان التنسيق الثلاث في الخرطوم الكبرى -الخرطوم وبحري وأم درمان- بيانًا مشتركًا يحدد مطالبها الرئيسية. ترجمتها ويمكن قراءتها أدناه. ومنذ ذلك الحين، أعيدَ نشر هذه المطالب واعتمادها من قبل اللجان الشعبية ومجموعات المجتمع المدني وتجمع المهنيين السودانيين والحزب الشيوعي ومختلف النقابات. وهي كالتالي:

.1إسقاط الانقلاب العسكري وتسليم السلطة كاملة للمدنيين.

.2تسليم جميع أعضاء المجلس العسكري الانقلابي لمحاكمات عاجلة وفورية بتهمة الانقلاب العسكري.

.3 لا حوار ولا تفاوض مع أي من أعضاء المجلس العسكري الإنقلابي وكل أعضاء اللجنة الأمنية ورفض المحاور الدولية.

.4حل كل المليشيات المسلحة وإعادة تكوين قوات الشعب المسلحة – خلال فترة محددة- وفق عقيدة وطنية هدفها حماية حدود الوطن وحقوق الشعب في الحرية والسلام والعدالة.

.5إبعاد القوات النظامية من العملية السياسية نهائياً، بتجريم ومنع ممارسة السياسة من قبل العسكر.

.6 تكوين كافة هياكل السلطة الإنتقالية في فترة محددة، بإشراف الأجسام المهنية والأكاديمية ذات الصلة.

.7الاستقلالية التامة لسيادة الدولة السودانية فيما يخص كل القرارات الاقتصادية، السياسية، والأمنية.

على المستوى التنظيمي، اقترحت لجان المقاومة (CR) خارطة طريق في الخرطوم الكبرى، بتعاون مع الحزب الشيوعي، وتجمع المهنيين السودانيين (APS) والمجموعات اليسارية، والتي ناقشت إمكانية إنشاء هيئة سياسية لقيادة الانتفاضة، تتشكل من نسبة 40٪ من أعضاء متحدرين من النقابات ونسبة 50٪ من أعضاء لجان المقاومة ونسبة 10٪ من الشخصيات العامة المعترف بها. اقترح تجمع المهنيين السودانيين هذه الصيغ ولكنها لم تحظ بعد باعتراف لجان المقاومة أو بقبولها.

تبدو أمثلة أخرى للجهود التنظيمية خارج الخرطوم وفي مختلف الولايات [منذ عام 1997، تحولت الهياكل الإدارية الإقليمية إلى نظام فيدرالي من 26 ولاية] أكثر تقدمًا وديمقراطية. بذل جهدان منها في إطار المبادرة في هذا الميدان: لجان المقاومة في ولاية سنار وجامعة كرري (في ضواحي أم درمان). اقترحت كرري نموذجًا للحكامة قائمًا على السلطة الشعبية بموجبه يتكون مجلس تشريعي من لجنة مقاومة منتخبة ودائرة نقابية. سيتم تحديد انتخاب/اختيار لجنة المقاومة من قبل أعضاء لجنة المقاومة تزامناً مع الجمع العام للحي، المعروفة تقليديا باسم اللجان السكنية. يعرض البيان قواعد ومبادئ الانتخابات بالإضافة إلى الأدوار والمسؤوليات.

متى ظهرت لجان المقاومة ومن نظمها؟

تاريخياً، طرحت أفكار لجان المقاومة منذ التسعينيات. كانت الفكرة هي مد المعارضة بجبهة تنظيمية وثيقة الارتباط. كان الحزب الشيوعي منذ مدة طويلة يحض على فكرة الكومونات كشكل من أشكال الديمقراطية القائمة على التجربة السوفياتية الأولية وكرد على قمع الدولة العنيف ضد أشكال التمثيل السياسي المتعددة.  كانت هذه الفكرة أيضًا في إطار دمقرطة أشمل حيث كان الناس يسعون إلى الاستعاضة عن السياسة من أعلى وسياسة الرجال العظماء بأنظمة حكامة جزئية حيث كانوا يعيدون تحديد علاقتهم مع الدولة ومؤسساتها ويسعون إلى إيجاد السبل الكفيلة بجعلها خاضعة للمساءلة على المستوى المحلي.

في عامي 2013 و2014، عندما اندلعت الانتفاضات الأولى، سعى تحالف قوى الإجماع الوطني، الذي كان الحزب الشيوعي عضوًا فيه، إلى معالجة ابتعاد السكان عن السياسة من خلال بناء تنظيم سياسي في أماكن العمل بالنسبة للنقابات ولجان الأحياء. كانوا يخشون من أن لا يؤدي ضعف التحالفين الرئيسيين الاثنين النشيطين في ذلك الوقت -نداء السودان وتحالف قوى الإجماع الوطني- جنبًا إلى جنب مع انتشار المبادرات المدنية الليبرالية الممولة من المساعدات الغربية، إلى توسيع الفجوة بينهم وبين الجماهير الشعبية. في هذه اللحظة، كانت لجان المقاومة مكونة من أعضاء يمثلون هياكلهم السياسية وبمثابة مجموعات للأحزاب السياسية المنخرطة فيها، مجموعات على أهبة الاستعداد لكنها واسعة النطاق.

لم تظهر لجان المقاومة بشكلها ومنظورها التنظيمي الحالي إلا في كانون الأول/ديسمبر عام 2018. أقدمت على تطوير البرامج والمطالب السياسية بمعزل عن القوى السياسية والسياسيين الذين كانوا يتحكمون بالمشهد القائم. (مقال نشرته مجلة MENA ، في  5 تشرين الثاني/نوفمبر 2021؛ ترجمته هيئة تحرير موقع A l’Encontre).

تعريب المناضل-ة

 6 تشرين الثاني/ نوفمبر 2021  عن    موقع Alencontre

—- إحالات

[1] في التقديم الموجز الذي أنجزته صحيفة لوموند ديبلوماتيك، بتاريخ 26 تشرين الأول/أكتوبر، لمقال جلبير الأشقر الذي يرجع تاريخه إلى أيار/مايو 2020 – مقال متاح لجميع القراء والقارئات- قدم «منعطف» في 25 تشرين الأول/أكتوبر على النحو التالي: «أطاحت طغمة عسكرية حكومة السودان يوم الاثنين. ويجري تنظيم مقاومات رغم القمع. قد يكون معظم الوزراء في السجن أو في حالة هروب. أعلن زعيم الانقلابيين، اللواء عبد الفتاح البرهان، حل السلطات الانتقالية في السلطة وحالة الطوارئ. كان هو بالذات على رأس مجلس السيادة، وهو هيئة انتقالية مكونة من جنود ومدنيين أنشئت بعد ثورة عام 2019». تتيح قراءة مقال جلبير الأشقر  فهم السياق الذي حدث فيه الانقلاب وتعبئات المقاومة الشعبية. يجب أن تكون قراءته على نحو ما بمثابة مقدمة للحوار مع رجاء مكاوي. (هيئة تحرير موقع A l’Encontre)

 

[2] يعرّف جلبير الأشقر تجمع المهنيين السودانيين (APS) على النحو التالي: «تشكل على مراحل خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، نتيجة تعاقب نضالات مختلف الفئات المهنية: أطباء وصحفيون ومحامون وأطباء بيطريين ومهندسون ومعلمو المدارس والجامعات. تم إضفاء الطابع الرسمي عليه في تشرين الأول/أكتوبر عام 2016، عندما اعتمد الأطباء والصحفيون والمحامون ميثاقًا، دون اعتراف السلطات بالتجمع». (هيئة تحرير موقع A l’Encontre.).

_______________________________________________

بيان مشترك تنسيقيات لجان مقاومة ولاية الخرطوم:

أجمعت تنسيقيات لجان مقاومة ولاية الخرطوم على أهداف مواكب “الردة مستحيلة، #مليونية30أكتوبر ” بالتوقيع  على :

ما بنتغش شِبِعْنا خيانة

تلحق بشة ورا الزنزانة

الشارع طالع كلو قيادة

انت بليد الحصة إعادة

المجد والخلود للشهداء في عليائهم، عاجل الشفاء للمصابين والجرحى برصاص مرتزقة القوات الإنقلابية، والعودة السالمة للمفقودين.

لقد عاهدناهم جميعا بالثأر من القتلة ، واقسمنا على القصاص لشهدائنا الكرام وإكمال طريق الثورة الذي رسموه لنا بدمائهم.

شعبنا الأبي،

لقد شهدنا إنقلاب مرتزقة اللجنة الأمنية على ثورتنا المجيدة التي مُهِرَت بالدماء في أبريل، ثم جاء إنقلاب آخر في يونيو، حيث ارتكبت نفس اللجنة الأمنية جرائم وإنتهاكات ضد المعتصمين العُزّل في العاصمة والولايات. وتلتها مسرحيات هزيلة لا تنطلي على أيّ منا، وآخرها هذا الانقلاب الغاشم، بل وكان حصاد المزيد من أرواح الشهداء السلميين، ليظل وطننا الحبيب يدور في نفس دوائر ظلام العسكر والإنقلابات منذ الاستقلال الى يومنا هذا.

جماهير شعبنا الباسلة،

نعلنها واضحةً كالشمس، وعالية كشموخ متاريسنا التي شيدتها جموع الثوار في وجه كل من يقف ضد أهداف ثورتنا المستمرة، اننا سنخرج مرة أخرى للشوارع في مواكب ٣٠ اكتوبر (مواكب الردة مستحيلة) الرافضة للانقلاب وبهدف محاكمة الانقلابيين، والقصاص من القتلة والمجرمين. ولن نتراجع عن أهداف ثورتنا حتى تحقيقها كاملة، فكل السلطة والثروة لشعبنا مهما طال طريق الثورة.

ستكون أهدافنا في موكب “الردة_مستحيلة” في يوم السبت ال٣٠ من اكتوبر والتي لا تنازل عنها:

١- إسقاط الإنقلاب العسكري وتسليم السلطة كاملة للمدنيين.

٢- تسليم جميع أعضاء المجلس العسكري الانقلابي لمحاكمات عاجلة وفورية بتهمة الإنقلاب العسكري.

٣- لا حوار ولا تفاوض مع أي من أعضاء المجلس العسكري الإنقلابي وكل أعضاء اللجنة الأمنية ورفض المحاور الدولية.

٤- حل كل المليشيات المسلحة وإعادة تكوين قوات الشعب المسلحة – خلال فترة محددة- وفق عقيدة وطنية هدفها حماية حدود الوطن وحقوق الشعب في الحرية والسلام والعدالة.

٥- إبعاد القوات النظامية من العملية السياسية نهائياً، بتجريم ومنع ممارسة السياسة من قبل العسكر.

٦- تكوين كافة هياكل السلطة الإنتقالية في فترة محددة، بإشراف الأجسام المهنية والأكاديمية ذات الصلة.

٧- الإستقلالية التامة لسيادة الدولة السودانية فيما يخص كل القرارات الإقتصادية، السياسية، والأمنية.

– ستكون قيادات الأجسام الثورية، وأسر الشهداء جميعا حضورا في الموكب كقيادة ميدانية.

– ندعو كل الشرفاء وأصحاب الضمير في جميع القوات الى الوقوف معنا ضد الإنقلاب والقتلة.

*مسارات المواكب:

– تنطلق مواكب تنسيقيات ولاية الخرطوم من الاحياء في تمام الساعة ١ ثورة.

– نقاط تجمع مواكب الأحياء الداخلية ونقاط الوصول المركزية في المدن الكبرى متفق عليها مسبقاً.

*التوجيهات:

– السلمية هي شعارنا الأول والأخير، ندعو  الى حسم اي شكل من أشكال التفلتات بشكل ثوري.

– رفع أعلام السودان والهتاف بأهداف الثورة كرسالة قوية لقتلة الإنقلاب.

-التوثيق والتصوير للمواكب بطرق جيدة مع مراعاة التأمين.

– الالتزام بتوجيهات القيادة الميدانية.

شعبنا المعلم،

إن إصرارنا على الحرية، السلام، العدالة والديمقراطية لا نهائي وغير محدود ويتجدد كل ساعة، ولن تثنينا عن أهداف ثورتنا حفنة مرتزقة من حملة السلاح، فالوطن أغلى من أرواحنا، وأحلامنا مرتبطة ببناءه. لذلك سنُزَلزِل نظام الذل وندحر الخونة والطغاة للأبد ودون رجعة.

أخيرا، إن الثورة مستمرة مهما طال الظلم، فعهدنا مع الشهداء، ثورة أهدافها كاملة، تؤسس لشعبنا الوطن الذي يضمن كل حقوقه.والشعب أقوى والردة مستحيلة.

ليلة الجمعة – ٢٩/أكتوبر/ ٢٠٢١م.

لجان مقاومة ولاية الخرطوم

توقيعات:

– تجمع لجان أحياء بحري.

– تنسيقية لجان مقاومة مدينة الخرطوم.

– تنسيقية لجان مقاومة أمدرمان الكبرى.

‏⁦‪#BurhanMassacresInSudan⁩

#مليونية30اكتوبر⁩

‏⁧‫#العصيان_المدني_الشامل

 

شارك المقالة

اقرأ أيضا