لا للعمل النقابي “السري”

حين حاولت الدولة إحاطة موضوع “إصلاح” أنظمة التقاعد بالسرية كي تفلح في تسهيل تمرير تعدياتها، انتفض المناضل النقابي الكونفدرالي عبد الحق حيسان ضد ذلك، مشهرا بما تُعدِّه الدولة من هجوم على الحق في التقاعد مطالبا بجعل النقاش عموميا. صرح عبد الحق حيسان قائلا: “قد أكدت الكونفدرالية الديمقراطية للشغل أن إصلاح التقاعد شأن مجتمعي يهم كل المغاربة، ولا يمكن التداول فيها في سرية… ونعرف كيف تشتغل الأحزاب وبعض النقابات، فكما سبق وقلت هناك نقابات تتفق مع الحكومة في الاشتغال بسرية، وهو ما أثار استغرابي كثيرا”[1].

بذلك، حافظ حيسان على شرف العمل النقابي وعلى تقاليد النضال العمالي التي جرى إقبارها لعقود، بفعل ما يُطلَق عليه “مقاربة تشاركية”، لا تعني إلا إشراكا للنقابة العمالية من طرف قيادتها في إعداد الهجمات على مكاسب الشغيلة وحقوقها ومواكبة تنفيذها. وهي المهمة التي أوكلها إلى النقابات تقرير لجنة النموذج التنموي، التي ترأسها وزير التربية الوطنية الحالي شكيب بنموسى.

على النقيض من ذلك، ارتضت القيادات النقابية العمالية في قطاع التعليم، أن تعمل في سرية مع وزارة التربية الوطنية، من أجل الإعداد لأكبر وأشرس هجمة يتعرض لها شغيلة القطاع: مراجعة القانون الضابط لعلاقات الشغل، بإلغاء النظام الأساسي لموظفي- ات وزارة التربية الوطنية لسنة 2003 المندرج في إطار النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية (1958)، وتعويضه بنظام أساسي جديد يقنن التوظيف الجهوي وينقل إلى القطاع كل الآليات التي زرعت الهشاشة ودمرت الشغل القار في القطاع الخاص: العمل بموجب عقود، التشغيل بالوساطة (مربيات التعليم الأولي، أوراش…)، اعتماد المردودية لترقية الأجراء- ات… إلخ. نظام أساسي يظل باب مراجعته بشكل دوري قائما بشكل دائم، كما نص على ذلك محضر اتفاق 14 يناير 2023، حيث التزمت القيادات النقابية الأربع الموقعة عليه على “الاتفاق على المراجعة الدورية المشتركة لمقتضيات النظام الأساسي… مرة كل ثلاث سنوات”.

وقعت قيادات النقابات التعليمية الخمس الأكثر تمثيلية مع الوزارة على اتفاق 18 يناير 2022 الذي تضمن “واجب التحفظ تجاه مداولات اللجان الموضوعاتية، إلى حين التوصل إلى اتفاق نهائي”، ولم يكن ذلك “يعني سوى التزام قيادات النقابات بعدم إخبار القواعد بمجريات التفاوض”[2]. واقتصر ما يرشح عن تلك اللقاءات على إخبار بتاريخ ومكان عقد الجلسات والحاضرين- ات باسم القيادات النقابية. وحين اضطر بعضٌ من تلك القيادات، تحت ضغط حملة إعلامية، إلى الحديث عن مضمون الجلسات، لم يتعدَّ ما صرحت به إخبارا بمقترحات الوزارة، وفي بعض الأحيان انزلق بعضها إلى الترويج بحماس بقرب الاستجابة للمطالب (الترقيات، إدماج المفروض عليهم- هن التعاقد…).

أربع قيادات فقط من ذلك التنسيق الخماسي وقعت على اتفاق 14 يناير القاضي بالاشتغال على إصدار النظام الأساسي الجديد، في حين رفضت قيادة الجامعة الوطنية للتعليم- التوجه الديمقراطي التوقيع. التقت تلك القيادات الأربع (الجامعة الوطنية للتعليم- UMT، النقابة الوطنية للتعليم- CDT، الجامعة الحرة للتعليم- ugtm، النقابة الوطنية للتعليم- fdt)، مع الوزارة بتاريخ 25 أبريل 2023. وكانت خلاصات اللقاء تعزيزا لنفس التعتيم والاشتغال في سرية وراء ظهر من تدعي تلك القيادات تمثيلهم. ورد في بلاغ القيادات النقابية الأربع ما يلي: “تم الاتفاق على عرض كل مشاريع النصوص القانونية في إطار تفعيل اتفاقي 18 يناير 2022 و14 يناير 2023، ومناقشتها وإبداء ملاحظات أولية بشأنها بالإضافة أو بالتعديل، قبل أن تتسلم النقابات التعليمية هذه المشاريع لعرضها على أجهزتها التقريرية”.

إن إصدار النظام الأساسي الجديد (“النظام الأساسي لمهن التربية والتكوين”) مسألة مصيرية ليس فقط لعشرات الآلاف من شغيلة قطاع التعليم، بل هو كذل أيضا لكل شغيلة الوظيفة العمومية، فضلا عن ملايين التلاميذ- ات وأسرهم- هن، وليس “الأجهزة التقريرية” للنقابات المشاركة قياداتها في تلك الجلسات حصرا. وحتى إن اقتصر الأمر على منخرطي النقابات، فإنه محيط جد ضيق، بحكم الضعف الشديد للانخراط النقابي، فضلا عن أن قسما كبيرا من شغيلة التعليم، وهو المعني الأكبر بحكم أنه هو مستقبل القطاع (المفروض عليهم- هن التعاقد)، لديه تنظيمه الخاص (التنسيقية الوطنية).

ويُطرح تساؤل كبير هنا، يهم إحدى القيادات المشاركة في سرية المداولات تلك، وهي قيادة النقابة الوطنية للتعليم- كدش: ما الفرق بين سرية “إصلاح” أنظمة التقاعد التي فضحها المناضل الكونفدرالي عبد الحق حيسان ودعا إلى جعل الأمر نقاشا عموميا، وبين التزام قيادة النقابة الوطنية للتعليم بسرية “إصلاح” قانون شغل أجراء- التعليم؟ يدل هذا على عمق تفكك التنظيم النقابي وغياب منظور إجمالي بين تنظيماته القطاعية. ومن شأن هذا، ومن شأن التزام السرية على ما تعده الدولة (بشراكة مع قيادات النقابات)، أن يدمر ما تبقى من ثقة في العمل النقابي، وبالتالي تخريب ما تبقى من تنظيم.

ولتفادي هذا المصير المأساوي لأدوات نضال الشغيلة (النقابات) على المناضلي- ات الديمقراطيين- ات  الكفاحيين- أن يدافعوا على منظور ديمقراطي ونقاش جماعي عبر :

– عرض ما تقدمت به الوزارة على القاعدة النقابية، في جموع عامة معبأ لها، بكل الوسائل المتاحة لإبداء رأيها.

– تنظيم جموع عامة داخل المؤسسات من طرف المكاتب النقابية أو لجان المؤسسات لنقاش مضامين ما تريد الوزارة تمريره.

– تنظيم حملة إعلامية عبر توزيع المناشير في أماكن العمل وعبر وسائل التواصل الاجتماعي للتواصل مع أكبر عدد ممكن من الشغيلة وجميع المعنيين- ات بما تعده الدولة في حق شغيلة القطاع.

بقلم: شادية الشريف

[1]– [حيسان: نرفض السرية في ملف التقاعد، 29 مارس 2023، موقع جريدة الصباح https://bit.ly/3NoBbgz].

[2] – [“اتفاق 18 يناير 2022 بقطاع التعليم: دلالات وعواقب، وما العمل؟”، 24- 01- 2022، موقع جريدة المناضل- ة، https://bit.ly/3HpDNHj].

شارك المقالة

اقرأ أيضا