الاستبداد يسطو على إبداعات الشعوب: “رأس السنة الأمازيغية (إيض إيناير)” و”السيادة الغذائية”

الامازيغية, سياسة19 مايو، 2023

بقلم: شيماء الصباغ

تتالت تعبيرات التنويه بقرار الملك جعل رأس السنة الأمازيغية/ إيض إيناير عطلة رسمية مؤدى عنها. وفي جلسة المساءلة الشهرية بمجلس المستشارين يوم 08 مايو 2023 بلغ الزهو مداه. وهو زهو مزدوج: افتخار بسطو الاستبداد على مفهوم السيادة الغذائية وبرأس السنة الأمازيغية، المعروفة عادة بيناير الفلاحي.

هذه المناسبة حيث يحتفل السكان الأمازيغ بما تجود به الأرض من منتوجات فلاحية معيشية، اختارها الاستبداد والنواب بمجلس المستشارين لضرب عصفورين بحجر واحد.

  1. احتواء الحركة المطالبة بحقوق الأمازيغ

أول العصفورين هو الاستمرار في تكتيك احتواء الحركة الأمازيغية، أو ما تبقى منها، بتقطير مطالبها على منوال تقنية السقي بالتنقيط (Goutte à goutte). وهي طريقة تُظهِر الاستجابة للمطلب منة من الحاكم وإرادته الخاصة، وليس تنازلا لضغط نضالي.

وما ساعد الاستبداد في ذلك هو مآل الحركة المناضلة من أجل الحقوق اللغوية والثقافية والهوياتية الأمازيغية. فالحركة الجمعوية انتهت كلها إلى استسلام ناجز منذ بداية سنوات الـ 2000، بعد إنشاء المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، الذي استقطب النخبة المثقفة المؤسسة لتلك الجمعيات. نخبة مثقفة ذات ميول ليبرالية لم تكن تطالب بأكثر من إدماجها في الدولة، أو ما كان يُطلَق عليه آنذاك مأسسة الأمازيغية. أُشركِت تلك الجمعيات في المشاروات التي قادتها لجنة إصلاح الدستور برئاسة المنوني، التي عينها الملك سنة 2011 سعيا لإطفاء حراك 20 فبراير وما وازاه من نضالي عمالي وشعبي في سياق إقليمي مشتعل.

أما الشبيبة الطلابية الأمازيغية، فقد انطوت على خطاب يحصر الاهتمام بالهوية في جانبها الثقافي/ اللغوي فقط، دون استحضار أبعاد أخرى كان يمكن أن تغني وتخصب نضالها وعلى رأسها البعدين الطبقي والجندري. وبُددت طاقات تلك الشبيبة في الاحتراب الفصائلي داخل الجامعة.

وظلت الحركة كلها- بسبب منظورها الثقافي حصرا- قاصرة وعاجزة عن التدخل في نضالا سكان القرى من أجل مطالبهم الاجتماعية ومن الحق في الأرض.

بادر العديد من نشطاء الحركة الجمعوية الأمازيغية إلى شكر الملك “على مبادرته التاريخية والتفاتته تجاه الامازيغية”، وهو نفس ما قامت به الفرق البرلمانية والمجموعات النيابية داخل مجلس المستشارين، حتى تلك التابعة لأحزاب كانت من أكثر المعادين للحركة الأمازيغية وأشد الرافضين لمطالبها. ولكن إذ نطق الاستبداد بالأمازيغية أصبح الجميع ناطقا بها.

لا شيء يضاهي فرحة انتزاع مطلب شعبي. وإن الاعتراف برأس السنة الأمازيغية عطلة رسمية مؤدى عنها أمر جيد، خصوصا إذا استعملناه للفت الانتباه إلى جدوى النضال. أما شكر الاستبداد على “التفاتته المولوية” فستنتهي إلى جعل تلك المناسبة مطية لأغراضه وإضفاء الطابع التجاري/ الفولكلوري عليها، وهو ما نجح في النظام والرأسمالي منذ زمن طويل.

إن التغني باعتبار رأس السنة الأمازيغية عطلة رسمية مؤدى عنها، يغفل- كما في السابق- بُعدَ المسألة الطبقي. ملايين من الأجراء- ات وصغار المنتجين- ات بالقرى والمدن وضحايا البطالة المحرومين- ات من حق الشغل، لا تعني لهم- هن عبارة “عطلة رسمية مؤدى عنها” أي شيء. وهو نفس الشيء مع إدماج الأمازيغية في مدرسة جرى تخريبها بإصلاحات نيوليبرالية تطرد مئات آلاف التلاميذ نتاج الهدر المدرسي أو تحرم آخرين من مقعد بسبب سياسة التقشف… إلخ.

  1. سطو على مفهوم السيادة الغذائية

ثاني العصفورين هو مفهوم “السيادة الغذائية”. ففي وجه فلاحة رأسمالية كبرى وشركات صناعة وتجارة الغذاء متعددة الجنسيات التي سطت على أراضي صغار منتجي- ات الغذاء والشعوب الأصلية في كل مناطق العالم، أبدعت حركات النضال مفهوم “السيادة الغذائية”[1].

إيض إيناير إبداع شعبي مرتبط بالأرض والفلاح الصغير. تعرضت الأرض منذ الاستعمار حتى اليوم للنهب ومُنحت لكبار الرأسماليين المحليين والأجانب وخُصصت لزراعة تصديرية تستنزف موارد الأرض من تربة ومياه. أما الفلاح الصغير فمطحون بين حجري رحى منافسة رأس المال الكبير والتضخم من جهة وتقلبات المناخ من جهة أخرى.

أبدعت حركات صغار الفلاحين- ات في العالم مفهوم السيادة الغذائية لمواجهة السياسة الفلاحية القائمة على نهب الموارد ونزع حيازة الأرض واحتكار خيراتها من طرف شركات الغذاء الكبرى، ومن أجل فلاحة/ زراعة تستجيب لحاجات الشعوب وليس لمنطق الربح. وكما سطا الاستبداد على إبداع شعبي عريق ومرتبط بالأرض والفلاح (رأس السنة الأمازيغية)، قام أيضا بالسطو على إبداع شعبي آخر هو السيادة الغذائية وإفراغه من محتواه الشعبي وتضمينه محتوى لا يتناقض والسياسات الفلاحية التي يرعاها.

أبرزَ هذا السطوَ رئيسُ حكومة الواجهة عزيز أخنوش في جلسة المساءلة الشهرية بتاريخ 08 مايو 2023 حول نفس الموضوع، إذ جعل من السيادة الغذائية “إبداعا ملكيا”، بقول: “تعمل الحكومة تحت القيادة المتبصرة لجلالة الملك على إرساء لبنات منظومة غذائية مستدامة مبنية على فلاحة عصرية ذات قيمة مضافة عالية لتحقيق السيادة الغذائية المنشودة”. وقد جاراه ممثلو الفرق البرلمانية والمجموعات النيابية داخل مجلس المستشارين افتخارا بعبقرية ملك تمكن من وضع البلاد على سكة تحقيق السيادة الغذائية، رغم أن ذلك لا يتعدى تطبيق نفس السياسات الفلاحية القائمة والتي أدت إلى تعميق تبعية البلد الغذائية للخارج وتعميق طابع فلاحته التصديري (المخطط الأخضر، الجيل الأخضر)، مع إجراءات وتدابير موجهة للتعامل مع الأزمات الطارئة مثل “المخزون الاستراتيجي” و”الاقتناء في السوق الدولية أثناء انخفاض الأسعار” و”تنويع مصادر الاستيراد”… إلخ[2].

سيكون للاحتفال بأعياد رأس السنة معنى حقيقي حين يتمكن الشعب من تقرير مصيره الاقتصادي والاجتماعي والسياسي. حين ننزع من الاستبداد ورأس المال الذي يخدم كل إمكانية لجعل مناسباتنا الاحتفالية مواضيع للتسليع والتجارة وإضفاء المشروعية على حكم الفرد.

——-

 

[1] – السيادة الغذائية مفهوم صاغته حركة “نهج الفلاحين Via Campesina”… يفترض أن الشعوب والبلدان ومجموعات البلدان لها في تحديد سياساتها الغذائية والزراعية. وتعطي الأولوية للإنتاج الزراعي الذي يغذي الناس والحصول على الأراضي والبذور والقروض والاستهلاك المسؤول والمستنير واحترام عمال الزراعة والتسعير العادل للإنتاج المستدام. [انظر- ي “فهرس مصطلحات العدالة المناخية” بموقع سيادة، https://bit.ly/3pPnptK .

[2]– “انظر- ي تأثير الحرب الروسية الأوكرانية على صغار منتجي-ات الغذاء بالمغرب”، https://bit.ly/3BEzkgl .

شارك المقالة

اقرأ أيضا