الطبقة العاملة محرك الإنتاج ومجمل النظام الرأسمالي: من أجل حزب شغيلة اشتراكي ثوري

الافتتاحية23 مايو، 2023

الشغيلة هم المنتجون الرئيسيون لمختلف الخيرات التي يستهلكها مجتمعنا، وبقوة عملهم، البدنية والذهنية، تدور دواليب المجتمع الرأسمالي برمتها.

إذا توقفت القوة العاملة، تعطلت البنوك، وأغلقت المناجم والمعامل والمزارع والمستشفيات والمدارس والاتصالات ووسائل النقل…، وشل مجمل النشاط الاقتصادي، وحل اضطراب عام بالمجتمع. هنا يكمن الجذر المادي للمكانة الاستراتيجية الحصرية للطبقة العاملة ومقدرتها المتفردة على إنجاز مهمة إسقاط نظام الرأسمالية، وبناء مجتمع نقيض بلا رأسماليين ودولتهم، لا يحركه سعي إلى مراكمة الربح الخاص، بل تلبية الحاجيات الأساسية للجميع، مع الحفاظ على محيطنا البيئي إرثا للأجيال المقبلة.

إن مكانة الشغيلة في المجتمع الرأسمالي تجعلهم قوة جبارة يتعذر هزمها إن تنظمت جماعيا وتملكت وعيا طبقيا حقيقيا بمصالحها ومعرفة دقيقة بأعدائها البرجوازيين وبحقيقة أصدقاءها الزائفين.

يعي البرجوازي الفرد، بناء على تجربة طويلة لطبقته المستغِلة، خطورة تنظيم العمال الجماعي من أجل مطالبهم الآنية المادية والمعنوية. ويعي مجمل الطبقة البورجوازية خطورة ارتقاء وعي العمال إلى إدراك أنفسهم كطبقة ذات مشروع بديل عن مجتمع الاستغلال والاضطهاد. يعمل الأعداء بجد كي تظل الطبقة العاملة جمهورا مذررا بلا تنظيم، وجحافل متخلفة الوعي الطبقي وواهنة الإرادة، منساقة وراء كل دجال سياسي أو ديني يبيعها أوهام الخلاص من شقاء واقعها البائس. أما الشغيلة الأكثر إقداما بهمة على النضال وعلى التنظيم النقابي، فقد نجح الأعداء في دمج قياداتهم النقابية، جاعلين النقابات ملحقات اجتماعية للدولة وشريكا لها في تمرير سياسة الرأسماليين مقابل فتات زهيد سرعان ما يتبخر، وحين تحتد الصراعات في المحكات الحاسمة لا تتردد القيادة النقابية في خيانة صريحة لنضالات عمالية صاعدة.

  استقلال العمال سياسيا مفارقات ومآزق

يتحقق استقلال الشغيلة السياسي بوجود حزب خاص بهم، من المناضلين-ة والقادة الأرقى وعيا والأوفر خبرة ودراية نضاليتين، على أساس إخلاصهم لقضية تحرر الطبقة العاملة من الاستغلال الرأسمالي، أي الدفاع الدائم عن مصالحها بمجملها، وقيادتها إلى دحر أعدائها عند حلول وضع يطرح مهمة التغير الثوري للنظام الرأسمالي. في مغرب اليوم نخبة قليلة من العمال تدرك ضرورة استقلال طبقة الأجراء-ة بحزبهم الخاص أداة لا غنى عنها لقيادة نضالهم السياسي ضد الاستغلال والاضطهاد الرأسمالي، وفضلا عن القلة ثمة عزلتهم عن طلائع النضال العمالي والشعبي.

يدرك المناضلون الاشتراكيون الثوريون من خبرتهم النضالية أن أفق طلائع النضال العمالي والشعبي يقف، رغم ما تبديه من طول نفس وصمود نضالي، عند حدود مطالب تحسين أوضاعها الاقتصادية (نضال حراك الريف وجرادة، تنسيقيات شغيلة الوظيفة العمومية، شبيبة طلابية وعاطلين وعاطلات عن العمل…) والسياسية (حركة 20 فبراير). وغالبا ما تنتهي تلك النضالات بهزائم ماحقة أو مجرد انتصارات جزئية، ينتج عنها إحباط معنويات طلائع النضال، وتشتتها أو إغراقها في روتين جزئيات النضال، قبل دمجها في آليات التفاوض الرسمي والتدبير الإداري للنزاعات المهنية والاجتماعية، وتكيفها مع مناخ الافساد الشائع لتخوض سباق البحث عن سبل الانتفاع الذاتي الضيق.

طلائع النضال العمالي اليوم متقلصة الأعداد، لم تستخلص من تجربتها ضرورة تجاوز الرأسمالية ولا الحاجة الماسة إلى بناء حزبها السياسي المستقل، والعمال الأرقى وعيا طبقيا، والشباب الاشتراكي، ومن بقي من منتسبي التيارات الاشتراكية السابقة وفيا للمشروع العمالي الاشتراكي، منقسمون في انتماءاتهم ومنظوراتهم، ما يطرح سؤال سبيل للخروج من المآزق الحالية.

يجب أن ننحي أوهام الاعتقاد الشائع أن حل صعوبات استقلال الشغيلة السياسي ممكن باستنساخ إحدى التجارب الأممية الناجحة، وعلينا أيضا استبعاد التبسيطية المُعتقِدة أن إعلانا مجردا لحزب وتنسيبه للعمال كاف لمعالجة القضايا العسيرة لبناء التنظيم المستقل المسنود على طلائع عمالية مسلحة بوعي فكري وسياسي جرت بلورته في ارتباط مع المعارك العمالية القومية والعالمية.

طبعا يمكن لأي جماعة، أو تيار أو حزب، إعلان ذاته حزبا للعمال، لكن ذلك لا يعدو أن يكون ادعاء ذاتيا، وتاريخ الحركة العمالية زاخر بما لا يعد ولا يحصى من هكذا إعلانات، دون أن تتزحزح المعضلة قيد أنملة نحو الحل.  لا يعود الأمر إلى النوايا  أيا كان صدقها، ولا إلى المنطلقات النظرية أيا كان صوابها، بل إلى ارتباط القضية بتوليفة غير سهلة تجمع عمال اشتراكيين، مرتبطين بالطلائع العمالية المقتنعة بالحزب كمعبر عن مصالحها وموجه لقوتها الطبقية ومناضلين محافظين على ارتباط نشط مع جمهور طبقتهم ومجسدين لأفضل خصال الخبرة والجرأة الواعية وحائزين على ثقة رفاقهم العمال.

نفتقد في وضعنا الملموس هذه التوليفة، بل بلغنا مستوى بالغ الخطورة حيث أن شغيلة منتسبين إلى الاشتراكية يعقدون صفقات مع البيروقراطية النقابية الموالية لأحزاب بورجوازية مقابل مقاعد في الجهاز، وينكسون راياتهم، ويصمتون إزاء خيانات سافرة لمصالح الشغيلة.

يمر التقدم نحو استقلال الشغيلة السياسي عبر عمل صوب الطبقة العاملة وفي خضم النضالات الشعبية، حيث يلتقي العمال-ة والشباب الاشتراكي الثوري، في مناخ نقاشات حول سبل تطوير حركة النضال الملموسة وكيفية تحقيق الانتصارات المطلوبة لتعزيز ثقة طبقتنا في نضالها الموحد. والتعاون الملموس في النضالات اليومية النقابية والسياسية مقرون بالنقاش الرفاقى حول طرق بناء ميزان قوى طبقي، هذا ما سيتيح لطلائع النضال العمالية والشعبية رفع مستوى وعيها السياسي، بناء على التجربة، وإدراك الحاجة الملحة لبناء حزبها السياسي الخاص، حينها يكون الاشتراكيون باختلاف أصولهم التنظيمية وتنويعاتهم قد تعلموا التخلص من أمراض العصبوية المهلكة، وباتوا مدفوعين برحابة حزب طلائع النضال الأوسع مقارنة بشللهم الخاصة الممجدة للتقوقع وإهدار الجهد في دسائس لا قيمة لها بميزان الصراع الطبقي.

طبعا ما من طريق مختصرة، وما من ترسيمة سهلة تجيب على صعوبة مهمة تنظيم الاستقلال السياسي الحقيقي للعمال، لكن الوعي القطعي أن تحرر العمال والعاملات من صنعهم-هن عبر منظماتهم وأرقاها حزبهم المستقل، إنما يوجب على المناضلين- ات الاشتراكيين- ات حقا طرح قضية الاستقلال السياسي للعمال-آت في إطار عملي وملموس عبر نقاش صادق ورفاقي وهذا ما ندعو إليه جميع أنصار التحرر الشامل والعميق لطبقة الشغيلة ببلدنا.

بقلم: المناضل-ة

شارك المقالة

اقرأ أيضا