الدخول المدرسي والجامعي: هجوم متواصل على التعليم وشغيلته، وآفاق واعدة للنضال

الافتتاحية6 سبتمبر، 2023

 

يلتحق ابتداء من هذا الأسبوع أكثر من ثمانية ملايين تلميذ وتلميذة وأكثر من مليون وربع مليون طالب بمقاعد الدراسة، في ظل أوضاع اقتصادية واجتماعية تزداد صعوبة كل سنة بالنسبة للغالبية الساحقة من الأجراء وصغار المنتجين- ات. أوضاع زادها التضخم والغلاء، اللذان يلتهمان جزء غير يسير من الأجور الهزيلة، سوء على سوئها.
تستمر الدولة في استراتيجيتها التواصلية الدعائية الهادفة إلى تجميل ما لا يمكن تجميله، حيث تتخذ من مشاريعها المعلنة، النموذج التنموي الجديد وخارطة الطريق والمدرسة الرائدة، مادة للترويج لحل وشيك لمعضلة التعليم والمدرسة بالمغرب، متعمدة إخفاء أن الحل مستقدم رأسا من “وصايا” المؤسسات المالية الدولية وممول من قبلها بديون ثقيلة، ويهدي “منظومة التعليم” على طبق للبورجوازيين ليتحكموا في حاضر تلاميذه ومستقبلهم- هن.
تندرج سياسة الدولة في التعليم، منذ ميثاق التربية والتكوين قبل أزيد من عقدين، على ركيزتين كبيرتين: الأولى جعل المدرسة، وظيفة ومحتوى وتنظيما، في خدمة المقاولة والأرباح، والثانية تحويل التعليم والتكوين ذاته إلى مجال للاستثمار الرأسمالي بتسليعه وخوصصته. وكل فشل تعلنه الدولة في خططها للإصلاح، عبر تقارير مؤسساتها ذاتها كالمجلس الأعلى للتربية والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي… تعني به أنها لم تصل بعد لتحقيق هدفيها أعلاه، وتجترح، بإشراف مباشر من المؤسسات المالية العالمية، برامج أخرى لتسريع الوصول لذلك. وفي الطريق من فشل إلى فشل يكمن نجاحها العظيم: النجاح في تفكيك التعليم العمومي وتسليعه.
نما التعليم التجاري بشكل حاد في العشرية الأخيرة في المناطق الحضرية، حيث عرف عدد مؤسسات التعليم الابتدائي الخصوصية نموا بنسبة 70,47 في المئة، منتقلا من 2798 مؤسسة سنة 2010 إلى 3027 مؤسسة سنة 2018.
ونمت مؤسسات التعليم التجاري بالسلك الإعدادي بالوسط الحضري بنسبة 111,11 في المئة من 747 مؤسسة سنة 2010 إلى 1577 سنة 2018. وانتقل عدد مؤسسات التعليم التجاري في الثانوي من 467 سنة 2010 إلى 920 مؤسسة سنة 2018 بنسبة تطور بلغت 97 في المئة. تبين الاحصائيات أن العمال- ات وصغار المنتجين- ات بالمدن أضحوا أغلبَ “زبناء” التعليم التجاري. فيما يتقدم القطاع الخاص بخطى حثيثة في التعليم العالي، بحيث اقتحم تقريبا كل مجالات التكوين.
أضحى التعليم العمومي نفسه مرتعا لتدخل القطاع الخاص، هكذا أضحت خدمات الحراسة والنظافة والإطعام تقدم من طرف شركات مفوض لها تدبير تلك الخدمات، فيما يجري تقديم التعليم الأولي، باعتماد الدولة على “جمعيات”، كحصان طروادة لإدخال “شركاء” لتدبير المدرسة ككل. أما الجامعات العمومية فأنشأت مسالك مؤدى عنها، وبات استغلال القطاع الخاص باسم الانفتاح على المحيط الافتصادي في بعض المعاهد مثل الزراعة والبيطرة ومدارس المهندسين والمختبرات العلمية لكليات الطب مثالا نخر الطابع العمومي للتعليم العالى .
لم تنس الدولة أن أحد شروط “نجاحها” في إصلاح التعليم، وفق منظور المؤسسات المالية، يكمن في الرفع من وتيرة استغلال أجراءه وأجيراته، وقد ضربت ضربتها الكبرى، بعد سلسلة طويلة من التهييئ لها، عندما قررت التوظيف بعقود، وطبقته. كانت تلك الضربة أقوى إجهاز على مكتسبات الشغيلة التعليم العمومي. لقد استغلت الدولة وضعا أنضجته بحرفية وتؤدة وبمساعدة ثمينة من الخط السائد على قمة الحركة النقابية بالمغرب، التي أنتج خطها المتعاون مع الدولة والمرافق لهجومها حالة نقابية في التعليم بالغة التفكك، من حيث كثرة التنظيمات النقابية والتنسيقيات، ومن حيث افتقادها لمنظور للنضال قادر على صد السياسات المعتمدة. انخرطت القيادات النقابية التعليمية في مسلسل تشارك مع الدولة بمصادقتها على الميثاق الوطني للتربية والتكوين وما جلبه من خراب وهاهي الآن تنخرط بحماس مع الدولة في “بناء” نظام أساسي جديد يهدم مرتكزات الوظيفة العمومية في التعليم المدرسي، بعدما تم هدمها في التعليم العالي والصحة، ويؤسس لإدخال أشكال عمل مستوردة من قطاع خاص أجهز على مكتسبات أجرائه، فيما هزمت معركة الشغيلة التعليمية ضد التعاقد، وأضحت تنسيقيتهم- هن في وضع تراجع تنظيمي ونضالي. فيما أضحى “المنظور” الفئوي هو المهيمن في القطاع، مدمرا تقاليد التضامن العمالي داخل القطاع أولا، وبين مجموع الطبقة ثانيا. بينما ترزح شغيلة قطاع التعليم الخصوصي تحت كل أشكال فرط الاستغلال؛ من انعدام ضمان اجتماعي وتغطية صحية ورداءة الأجور وكثافة الاشتغال.
لا تحمل اللوحة المعروضة فقط وجها قاتما، بل كذلك تحمل عدة عناصر للتفاؤل. لقد انخرطت أعداد عظمى من الشغيلة الشباب في النضالات ضد قضم المكاسب، فمنذ 2016 ناضل فوج الأساتذة- ات المتدربين- ات آنئذ لمدة موسم كامل ضد إجراءات تراجعية، وبعد تعميم العمل بعقود، انتصبت تنسيقية المفروض عليهم- هن التعاقد لنضال مجيد ضد شروط العمل الجديدة، فيما استمرت بعض مقاومات التلاميذ ضد بعض الإجراءات هنا وهناك، بينما يتنظم بشكل أولي شغيلة الحراسة والنظافة. منيت أغلب هاته النضالات بهزائم وعرفت انكسارات، لكن ما ينبغي استخلاصه هنا هو أن النضالات تستمر حتى في شروط بالغة القساوة. لقد بات العديد ممن خاضوا هاته النضالات مقتنعا بأن الأمر يحتاج لمنظور عام للنضال، منظور يربط هجومات الدولة القطاعية، في التعليم وغيره، بمجمل سياساتها الطبقية، ويناضل من أجل توحيد كافة ضحاياها بالقطع مع المنظورات الفئوية ومع خط التعاون والاستسلام الذي تنهجه القيادات النقابية. اقتناع عدد متزايد بهكذا منظور يمثل لبنة أساسية تضاف إلى جهود تدقيق خطوطه العامة ومنظومة مطالبه، وتفتح الباب أمام صيغ نضال وتنظيم ملائمة، تتلاقى مع قطاعات شعبية كادحة متضررة بدورها من دكاكة سياسة المؤسسات المالية الامبريالية التي تنفذها الدولة المغربية. إن الدفاع عن الخدمات العمومية الجيدة والمجانية خصوصا في قطاعي التعليم والصحة ولأجل تحصين الاستقرار المهني للأجراء- ات وحق الجميع في العمل القار وضد تدهور القدرة الشرائية ولأجل الحريات الديمقراطية كلها محاور بناء قطب عمالى شعبي قادر على المقاومة الجماعية الواعدة.

المناضل-ة

شارك المقالة

اقرأ أيضا