فهم العنف القائم على النوع الاجتماعي في عصر النيوليبرالية

النساء22 يناير، 2024

27 مايو 2019 بقلم، تيثي باتاشاريا

 

في هذه المقالة، تقترح تيثي باتاشاريا تأريخ وتقديم فهم شامل لتطور الجرائم القائمة على النوع الاجتماعي في العالم منذ الأزمة الاقتصادية. وتكشف، بالاعتماد على تكهنات وافتراضات النسوية الماركسية، الروابط المعقدة بين أيديولوجية التقاليد، وصعوبات الوصول إلى المنتج الاجتماعي، واستراتيجيات رأس المال في عصر النيوليبرالية.

 

لنبدأ بهذا المشهد: رجل أبيض عار يلاحق امرأة سوداء، طالبة لجوء، تتقاضى أجرا منخفضا في قاعات فندق باهظ الثمن في مانهاتن في محاولة لإجبارها على ممارسة الجنس معه. الرجل، كما ستفهم، هو إذن دومينيك شتراوس كان، مدير صندوق النقد الدولي، والسياسي الفرنسي. وكانت المرأة، البالغة من العمر حينها 33 عاما، هي نفيساتو ديالو، خادمة في الفندق الذي كان يقيم فيه شتراوس كان، والتي كانت تطلب اللجوء في الولايات المتحدة بعيدا عن موطنها غينيا، وهي مستعمرة فرنسية سابقة.

ورغم إسقاط جميع تهم الاغتصاب والاعتداء على رئيس صندوق النقد الدولي السابق، فقد اضطر إلى دفع ما يمكن اعتباره ثمنا باهظا – بما في ذلك، من بين أمور أخرى كثيرة، استقالته ودفع تعويض مالي كبير للسيدة ديالو. هل تحققت العدالة؟ يجب أن تكون الإجابة على هذا السؤال موضع اهتمام كل ثوري (ة) ماركسي (ة)، بالنظر إلى أنه يظهر من هذا المثال إقامة تباين حقيقي في التعامل بين هاتين الشخصيتين، وهدف هذا المقال تتبعه.

يجب أن يكون هذا المشهد رمزا لعصرنا. إنه مبدع من حيث إنه يجسد تلك اللحظة حيث يتبخر التمييز بين الفرد والمجتمع، ويظهر الأفراد – الرجل الأبيض العاري الثري والمرأة السوداء ذات الأجر الهزيل- كرموز مثالية للمجتمع.

وغني عن القول إن القوة التمثيلية لصورة شتراوس- كان في الاعتداء على ديالو تحمل في طياتها القوة الحالية الممارسة من قبل المؤسسات المالية مثل صندوق النقد الدولي على بلدان الجنوب العالمي مثل غينيا. من ثمانينيات القرن العشرين إلى الوقت الحاضر، جرى تفكيك التحفيز الكينزي بشكل منهجي لصالح نظام جديد للتراكم. حل هذا التسلسل الجديد، الذي اخترنا أن نسميه لاحقا وبحق، “النيوليبرالية”، على حد تعبير نانسي فريزر، محل “الصيغة القديمة” المتمثلة في “استخدام السياسة العامة لترويض الأسواق”، وأسست عملية سياسية جديدة متمثلة باستخدام “الأسواق لترويض السياسة العامة”. وفي بلدان مثل البلد الذي هاجرت منه نفيساتو ديالو، غينيا، اتخذت هذه العملية شكل برامج التقويم الهيكلي المفروضة من قبل صندوق النقد الدولي والبنك العالمي، حيث تشكل الديون بالنسبة لهذه البلدان “مثل بندقية مصوبة على الرأس [2]».

يميل المحللون المعتادون، عند مناقشة النيوليبرالية، إلى تركيز مناقشاتهم على قطاعات معينة من الاقتصاد الرسمي – في الغالب، المجالات الاقتصادية التي لا يملك الناس العاديون عليها أي سيطرة تذكر. وفقا لهذا السرد، يبدو أن التغييرات التي حدثت في الاقتصاد العالمي منذ ثمانينيات القرن العشرين قد جرى ردها تماما إلى أداء الأسوق المالية وأسواق مقايضة سندات التخلف عن سداد القروض. بصفتنا ماركسيين ثوريين، فإن مفهومنا للرأسمالية لا يقتصر على تحليل سلسلة من الظواهر الاقتصادية، بل يتصورها كنظام متكامل للعلاقات الاجتماعية والاقتصادية. نحن نفسر النيوليبرالية على أنها استراتيجية محددة يتبعها رأس المال في فترة ما بعد الحرب – استراتيجية لها تاريخ أكثر ثراء وعواقب أوسع من بيع وشراء المنتجات المشتقة.

في مقال نشر مؤخرا في مجلة الاشتراكية الدولية [3]، يناقش نيل ديفيدسون تاريخ النيوليبرالية بكل عمقها وتعقيدها. يصف هذا المقال بالتفصيل السيرورات المتناقضة في كثير من الأحيان المؤدية إلى تشكيل النيوليبرالية كاستراتيجية “سياسية اقتصادية” تتبناها “طلائع” الطبقة الحاكمة (مثل مارغريت تاتشر في بريطانيا) ردا على أزمة الربحية في منتصف سبعينيات القرن العشرين. إنه يظهر كون النيوليبرالية على حد سواء:

  • استراتيجية جديدة لتراكم رأس المال جرى تنفيذها بعد أزمة 1973-1974.
  • مجموعة من السياسات الاقتصادية التي تشجع تراكم رأس المال بينما تسحق الطبقة العاملة ومنظماتها.

في العقود الأربعة التي يغطيها تحليل ديفيدسون، من الشائع ملاحظة أن سياسات الحكومات المنتخبة في جميع أنحاء العالم لم تتزامن دائما مع الاحتياجات الجديدة لإعادة هيكلة الرأسمالية النيوليبرالية. من وجهة نظر النظام، أصبح ضروريا ظهور طلائع سياسية للطبقة الحاكمة – أولئك الذين يسميهم ديفيدسون “مناهضي لينين” – وأن تكسب مواجهات طبقية داخل اقتصاداتها الوطنية. ورغم أن الأمر استغرق وقتا وبعض التعديلات الهامشية، إلا أن السياسة الاقتصادية والاستراتيجية السياسية والأيديولوجية النيوليبرالية أصبحت مهيمنة بين 1973-1974 والانهيار المالي في عام 2008:

  • بمجرد تأسيس النظام النيوليبرالي في الولايات المتحدة وفرضه على المؤسسات الاقتصادية العابرة للأوطان التي يديرها، اكتسب نموذجه قوة تراكمية: في البلدان المتقدمة، أجبرت الحاجة إلى التنافس مع الولايات المتحدة البلدان الأخرى على تبني الأشكال التنظيمية التي يبدو أنها أعطت حتى الآن أمريكا الشمالية الميزة الاقتصادية، في حين كان على بلدان الجنوب قبول شروط المؤسسات الدائنة – إعادة هيكلة الاقتصادات تحت رعاية النيوليبرالية – من أجل الحصول على المساعدات والتمويل [4].

إن لم يتناول سرد ديفيدسون بصورة مباشرة الطابع الجندري للنيوليبرالية، فإنه يستحضر، عبر سلسلة ملاحظات حادة، إضفاء الطابع الفردي على الحياة الاجتماعية التي أحدثها هذا النظام الجديد. في المقام الأول، يلاحظ أن الخدمات العمومية لم تتخل عنها الدولة، ولكن “أعيد تشكيلها” بطريقة جرى عبرها نقل الطفولة المبكرة أو العمر الثالث والرابع- والتي عادة ما تعني النساء – “تدريجيا […] من الدولة إلى الأسرة بواسطة ترتيبات “غير رسمية” خضعت لاحقا لرقابة الخدمات الاجتماعية. وبشكل أكثر تحديدا، في سياق ما أود أن أناقشه، يذكرنا ديفيدسون، سيرا على خطى علماء الاجتماع ريتشارد ويلنسون وكيت بيكيت، بأن الانهيار المحتمل للعلاقات الاجتماعية هو أحد العواقب غير المرغوبة للطابع الجائر للنظام النيوليبرالي.

  • على الرغم من عدم وجود إرادة حكومية وراء هذه الظاهرة، إلا أن إضعاف التماسك الاجتماعي، وزيادة العنف، وحمل الأحداث، والسمنة، وإدمان المخدرات […] عواقب غير مرغوبة لإعادة توزيع الدخل الجديدة [5].

تهدف هذه المقالة إلى تطوير هذه الفرضية. كيف أثرت السياسات النيوليبرالية والأيديولوجية التي تحملها على العلاقات بين الجنسين؟ هل يمكن النظر إلى العنف القائم على النوع الاجتماعي– التي غالبا ما يجري تقديمها أيديولوجيا وسياسيا من قبل الطبقة الحاكمة- على أنه نتاج للعمليات الاجتماعية والاقتصادية؟ حين نعتبر، على خطى ديفيدسون، توطيد النظام النيوليبرالي مجزأ وغير منتظم مجاليا (بين الدول القومية) وزمنيا (من سبعينيات القرن العشرين إلى الوقت الحاضر)، من المهم التأكيد على أن مصير العلاقات بين الجنسين يتبع هذا المسار المشترك، ولكن غير المتكافئ. تسعى هذه المقالة إلى تقديم خطوط عريضة لفهم العلاقات بين النوع الاجتماعي والسياسة الاقتصادية، وليس دراسة تاريخية مفصلة لبلدان أو سياسات محددة. والعناصر الرئيسية للحِجاج هي:

أولا، أدت هذه العقود الأربعة من النيوليبرالية إلى تصعيد حقيقي للجرائم القائمة على النوع الاجتماعي في معظم البلدان. قادت الأزمة المالية في 2008 إلى تفاقم المشكلة التي كانت خطيرة بالفعل. لم يعد بإمكاننا التظاهر بأن شيئا لم يحدث ويجب على المناضلين-آت الثوريين-آت البدء في تناول هذه المشكلة بشكل نقدي.

ثانيا، كماركسيين-آت، لا يكفي أن نصف آثار التصعيد المستمر لهذا العنف: يجب أن نقدم تفسيرا له.

ثالثا، تسعى الرأسمالية، عندما تواجه أزمة، إلى إيجاد حل من خلال وسيلتين مترابطتين بشكل وثيق: (أ) بواسطة محاولة إعادة هيكلة الإنتاج، كما يمكن التدليل على ذلك عبر تدابير التقشف؛ (ب) عن طريق محاولة إعادة تنظيم إعادة الإنتاج الاجتماعي، كما يتضح من الرغبة في تعزيز الهويات الجندرية وإعادة تدوير الأيديولوجيات حول عائلة “الطبقة العاملة”. إذا أردنا أن نفهم هذا التزامن والوحدة في إعادة هيكلة الرأسمالية، فإننا بحاجة إلى العودة النقدية إلى التحليل الماركسي بشأن اضطهاد النساء، علما أن تناول هذا الاضطهاد يجري بصورة أفضل بواسطة الإطار التحليلي المقترح من قبل نظرية إعادة الإنتاج الاجتماعي.

شارك المقالة

اقرأ أيضا