إصدار جديد لجريدة المناضل-ة: تحرر النساء والثورة الاشتراكية

صدر ضمن جريدة المناضل-ة إصدار جديد بعنوان: تحرر النساء والثورة الاشتراكية، مارس 2024. هذا الاصدار ثمرة جهد بذلته الأممية الرابعة ولا تزال، تنقله جريدة المناضل-ة إلى اللغة العربية، كما دأبت منذ بدايات صدورها، من أجل مد المناضلات الاشتراكيات الثوريات والمناضلين الاشتراكيين الثوريين وكافة مناصري تحرر النساء بعُدة فكرية لا غنى عنها لفهم أصل اضطهاد النساء وسُبل النضال لتحررهن. وما يحتويه هذا الكتاب هو خلاصات تجربة نضال نسوي مديد ضد البطريركية والرأسمالية، ودروس نابعة من خبرة مناضلات الأممية الرابعة المُنخرطات في تجارب متنوعة عبر العالم. إنها استعادة للنظرية الماركسية وإغناء لها، لا سيما بتناول أبعاد جديدة لاضطهاد النساء وتجارب النضال لأجل انعتاقهن. نضع بين ايدي قراء موقع المناضل-ة تمهيد الكتاب بقلم جريدة المناضل-ة و مقدمة بينيلوب دوغان، اضافة الى فهرس الكتاب. يمكن اقتناء نسخة ورقية في مسيرات وتجمعات فاتح مايو، كما يمكن التواصل مع موزعي المناضل-ة، او الاتصال عبر منصات المناضل-ة على الأنترنت.

فهرس المحتويات

تمهيد…………………………………………………………………… 5

المقدمة………………………………………………………………… 9

الثورة الاشتراكية ونضال تحرر النساء………………………………. 19

مقرر حول نضالات النساء في أمريكا اللاتينية…………………….. 95

عشر سنوات من النضال النسوي ومحاور التدخل……………….. 119

الفعل الإيجابي وبناء الحزب وسط النساء (1991)……………….. 145

مقتطفات من مقرر «بناء الأممية اليوم»………………………….. 169

النساء والإدماج الاقتصادي………………………………………… 172

النساء وأزمة الحضارة………………………………………………. 179

التحدي النسوي للمنظمة السياسية التقليدية (1997)……….. 197

ملحق مضاف للنسخة العربية

صعود حركة النساء الجديد………………………………..          223

 

  • تمهيد

هذا الكتاب ثمرة جهد بذلته الأممية الرابعة ولا تزال، تنقله جريدة المناضل-ة، كما دأبت منذ بدايات صدورها، من أجل مد المناضلات الاشتراكيات الثوريات والمناضلين الاشتراكيين الثوريين وكافة مناصري تحرر النساء بعدة فكرية لا غنى عنها لفهم أصل اضطهاد النساء وسبل النضال لتحررهن. وما يحتويه الكتاب خلاصات تجربة نضال نسوي مديد ضد البطريركية والرأسمالية، ودروس نابعة من خبرة مناضلات الأممية المنخرطات في تجارب متنوعة عبر العالم. إنها استعادة للنظرية الماركسية وإغناء لها، لا سيما بتناول أبعاد جديدة لاضطهاد النساء وتجارب النضال لأجل انعتاقهن.

لا تزال منطقتنا تشهد صنوف اضطهاد للنساء تعود لقرون غابرة، فاقمتها الرأسمالية، وأضحت ذات أبعاد بالغة التعقيد، ومحور صدام طبقي بأبعاد اجتماعية وثقافية… ما يضع على كاهل الحركة العمالية والحركة النسائية الاشتراكيتين أعباء إضافية، ومسؤوليات أعظم قياسا بنظيرها بمناطق أخرى، لاسيما تلك التي شهدت ثورات برجوازية.

ومع تنوع أوضاع النساء الاقتصادية والاجتماعية بمنطقتنا، يقاسين اضطهادا ذا خصائص جوهرية مشتركة. إذ تواجه النساء أهوال اضطهاد مزمن، وأوضاعهن علامة تخلف المنطقة واحتلالها ذيل التصنيف العالمي بشأن مساواة الجنسين. تصنف النساء بأدنى الدرجات وهن محرومات من الأهلية، والقانون بما فيه ذاك الخاص بالأسرة حريص على تكريس اضطهاد الإناث واستدامة تبعيتهن للذكور.

طبعا، تحسن واقع النساء نسبيا، إذ تيسر ولوجهن سوق العمل، وتحسنت الرعاية الصحية ولا سيما الإنجابية بعض الشيء، وانخفضت نسب وفيات الأمهات والرضع، وتزايدت نسب المتعلمات وخريجات التعليم العالي، وصارت بلدان المنطقة أكثر تحضرا… ما أثمر فرض جملة مكاسب تعزز مكانة النساء.

لكن قيود الميز تجاه النساء تبقى راسخة. بل شهدت بلدان عديدة بالمنطقة انتكاسات خطيرة لأوضاع النساء بسبب الحروب والسياسات النيوليبرالية المملاة من قبل المؤسسات المالية الإمبريالية، وتفشي ايديولوجية نكوصية ترعاها أنظمة حكم مستبدة معادية لمطلب المساواة. ولا شك أن وقع الحرب أشد على النساء من غيرهن، ما تبرزه أحوالهن في اليمن، والسودان، ليبيا، وسوريا وحرب الكيان الصهيوني الطاحنة على غزة… حيث تقضي عشرات الآلاف من النساء نحبهن بمعية أطفالهن، وحيث النزوح الهائل، ومعاناة لا تنتهي بوجه الاستغلال والانتهاكات، لا سيما الجنسية، والحرمان من مصادر العيش وفرص العمل، والتعرض للاختطاف والاغتصاب، والوقوع في شرك شبكات الاتجار الدولي بالبشر … ما أفضى إلى مضاعفة الفقر والميز في الاستفادة من الخدمات الأساسية وإلى التردي الاجتماعي إجمالا.

غير أن نساء المنطقة أبانت صمودا وجرأة فريدين في الدفاع عن حقوقهن ومكاسبهن ضد الديكتاتورية والبطريركية. ولا يزال المسار طويلا لأن واقع اضطهاد النساء منغرس بعمق حتى في الأوساط العمالية والشعبية الكادحة.

شهدنا الإسهام الكبير والرائع لجماهير النساء في انتفاضة شعوب المنطقة إبان السيرورة الثورية المندلعة بتونس في دجنبر 2010 [والمستأنفة في 2019]، والممتدة إلى معظم بلدان المنطقة. كانت النساء في طليعة المظاهرات بالشوارع والميادين، وشاركت مناضلات في لجان الإضراب والمعتصَمات، ولجان دعم المعتقلين-ات ورعاية جرحى القمع. وقمن بدور فعال في شبكات التموين، وتعرضن للاعتقال والاغتصاب والقتل. غير أن الموجة الثورية شابها نقص تجسد في غياب حركة نسائية قائمة الذات، ما انعكس في ضعف المطالب الخاصة بالنساء وأشكال تنظيمهن الذاتي.

بصمت النساء فضاءات الميادين في القاهرة، والخرطوم، وبغداد، وطهران، وتونس، والرباط… وفي كل عواصم المنطقة من المحيط الى الخليج. شاركت النساء بكثافة، وجازفن بحيواتهن وأظهرن طاقة كفاح ثوري تقدم مثالا عن النضال الضروري لمجابهة نظام الاستغلال والاضطهاد الرأسمالي الأبوي، نضال سيتيح، بارتكازه على كفاح الطبقة العاملة الحامل هموم النساء ومطالبهن، فتح السبيل للتحرر الشامل والجذري من جميع صنوف القهر والتدمير الجنوني للإنسان ولبيئته.

انخرطت النساء العاملات في النضالات لأجل زيادة الأجور، ومناهضة تدهور ظروف العمل والتسريحات الجماعية، كما نهضن بأدوار هامة في النضالات الشعبية المناهضة لارتفاع الأسعار والهادفة لتوفير الخدمات الصحية والتعليمية وفك العزلة والحق في الماء، علاوة على نضالهن ضد البطالة والمطالبة بالحق في العمل.

مع ذلك، فشدة اضطهادهن بالغة الخطورة، فقد عاد السبي في العراق وطال النساء الأيزيديات وجرى منعُ الأفغانيات من التعليم وتشديد المراقبة على ارتداء الزي الديني على الإيرانيات، ولا تزال النساء ممنوعات، في بلدان عديدة بالمنطقة من التنقل داخل بلدانهن أو السفر إلى الخارج بحريّة دون مرافق محرم أو إذن من «أولياء أمورهن»، ويحصل أن تواجه المرأة تمييزا عند استئجار شقّة أو الإقامة في فندق إن لم تكن متزوجة أو ليست برفقة «وليّ أمر».

وتساهم البنيات القبلية في دعم ممارسات معادية للمرأة أو تحد من حقوقها، مثل الزواج القسري والعنف الأسري وتزويج القُصَّر والحرمان من التعليم والاغتصاب الزوجي. أما الحقوق ذات الصلة بالحق في التحكم بالجسد، وحق الاستقلال الذاتي في اختيار نمط العيش وممارسة الحريات الخاصة؛ المتعلقة بالمسألة الجنسية أساسا، فإنها تثير رهابا وردة فعل تتحد خلفها كل القوى المناهضة لتحرر النساء المجيشة لقاعدة جماهيرية واسعة متأخرة سياسيا وثقافيا…

أما تنظيمات النساء التي شهدت انتعاشا نسبيا، خلال السبعينيات في سياق التجذر الشبابي، فقد جرفتها استراتيجية المؤسسات الدولية المستندة إلى برامج «التمكين» عبر مشاريع ممولة، أفقدت الحركة النسوية بذلك أطرها المجربة وجوهرها النضالي والسياسي، وغاصت في عمل اجتماعي منفصل عن أي استراتيجية استئصال لجذور الاستغلال والاضطهاد، بل تبنت النيوليبرالية. وتمثل الحركة النسوية الفلسطينية المثال، وليست وحدها، فوجود معظم منظمات النساء اليوم رهين بشراكتها مع المؤسسات الدولية تلك. هذا ما يفرض امتلاك منظور مستقل يربط مشكلات النساء المباشرة الملحة بمطالب التغيير الشامل والجذري بالاستفادة من تجارب نسوية أممية.

لم تولِ منظمات اليسار الاشتراكي كامل الاهتمام اللازم لقضايا تحرر النساء وتنظيمهن، فخلت الساحة لقوى رجعية شديدة العداء لحقوق النساء، ولمشروع تحررهن الاجتماعي. تنهل هذه القوى من معين التأخر الثقافي والسياسي والارتداد إلى الانتماءات القبلية والعصبيات المحلية وسرديات موغلة في الرجعية، تعرضت شروط بقائها المادية بالفعل للنسف من قبل رأسمالية غازية وبأشكال استغلال واستنزاف شديدة التطرف، الا أن رسوخها في عقول جماهير واسعة يجعلها صامدة وذات تأثير واسع النطاق، ولن يزحزحها سوى نشوء وعي طبقي متقدم وقيام تنظيمات نضال بديلة حقيقية.

عمق هذا الارتداد الرجعي والليبرالي الجديد تخلفنا عن مسايرة القفزات النظرية وغنى التجارب النضالية التي شهدتها قضية تحرر النساء، وما بلورته من إسهامات نوعية من شأن استلهامها من قبل الاشتراكيين-ات الثوريين-ات في منطقتنا أن يساعد على بناء حركة نسوية اشتراكية تمتلك قدرة فهم وتحدي واقع الاضطهاد الثقيل المعمم الذي تشهده بلداننا.

يستحيل النضال ضد نظام الاستغلال الرأسمالي ولأجل التحرر من جميع أشكال الاضطهاد دون أوسع انخراط لجماهير النساء وأخذ مكانة ريادية فيه. وغني عن البيان أن اندفاع النساء للنضال عفوي، وأن مستقبله يتوقف على زيادة درجة وعيهن وتنظيمهن الذاتي، شأن جميع المستغلين والمضطهدين من قبل مجتمع رأسمالي ذكوري يطغى عليه الاستبداد.

نعتقد بصفتنا ماركسيين ثوريين أن تحرر النساء لن يتحقق إلا عبر تغيير عميق للبنية الاقتصادية-الاجتماعية، كشرط ضروري لكنه غير كاف. ولن تحل المسألة النسائية بصورة جذرية إلا بإلغاء الملكية الخاصة وإنهاء كل هيمنة طبقية – ذكورية. وهذا ما يتطلب نضالا نسائيا خاصا يقوم على مطالب ديمقراطية، والارتقاء إلى مطالب تضع الرأسمالية والذكورية موضع تساؤل، وتفتح آفاق تحرر حقيقي للنساء – بصفتهن نساء-من كل صنوف الاضطهاد. إننا مدافعون عنيدون على نضال النساء من أجل تحررهن، ونؤمن بشدة بأنهن يجب أن يتحررن من الاستغلال وكل صنوف الاضطهاد الذي يطالهن في ظل الرأسمالية.

نعتبر اضطهاد النساء ملازما للبنية الطبقية الرأسمالية والعائلة الأبوية. وفقط ثورة اشتراكية نسوية تتيح تحرر حقيقيا للنساء. إن الانتكاسات التي حدثت في الدول العمالية المبقرطة كانت نتيجة ثورة مضادة أحبطت التطلع إلى التحرر من جميع أنواع الاستغلال والاضطهاد، بما في ذلك اضطهاد النساء. لذلك يبقى تراث الماركسية الثورية والإسهامات التي اغتنى بها شاهدا هاما على النظرة الجذرية – الاشتراكية الثورية-لمساواة الجنسين، وضرورة نضال جماعي من أجل القضاء على كل أصناف الاضطهاد. وهذا ما يجعل الماركسية أشد راهنية اليوم لفهم جذور اضطهاد النساء وآفاق تحررهن، وما يجعل كذلك أدواتها التحليلية دائمة الإفادة بهذا الصدد.

تأتي الأطروحات المتضمنة في هذا الكتاب، الموضوعة بين أيدي المناضلين-ات الاشتراكيين-ات، وكافة مناصري حقوق النساء بمنطقتنا، لبسط منظور ماركسي ثوري جرى إغناؤه بدروس مستمدة من نضال الحركة النسوية الاشتراكية والحركة العمالية الأممية.

إنها أطروحات تبنتها الأممية الرابعة، عبر مؤتمراتها العالمية، ونشرها المعهد الدولي للبحث والتكوين (IIRF)، وهي مترجمة من أصلها الفرنسي. نأمل أن يفيد هذا الإصدار مناضلات ومناضلي طبقتنا في معركة التحرر من نظام الاستغلال والاضطهاد الرأسمالي.

جريدة المناضل-ة

 

المقدمة

بينيلوب دوغان. Penelope Duggan[1]، سبتمبر 2010

اهتمت الحركة الماركسية، مند بداياتها، بمسألة مكانة النساء في المجتمع، سواء في كتاباتها، وفكرها (بيان الحزب الشيوعي مثال عن ذلك، وأيضا كتاب انجلز، أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة. دون نسيان كتاب المرأة والاشتراكية لأوغست بيبيل)، وأيضا في نشاطها العملي. ويمكننا ذكر وجوه بارزة مثل كلارا زيتكن من الاشتراكية الديمقراطية الألمانية، وأليكساندرا كولونتاي من الحزب البلشفي الروسي، وسيلفيا بانكهورست من حركة المطالبات بحق التصويت البريطانية suffragettes. كما كانت صلات الحركة العمالية بمعنى واسع ونشاط النساء بما هن نساء حاضرة بقوة. فعلى سبيل المثال، تشكلت نقابات نساء في بدايات الحركة العمالية بإيرلندا، وبريطانيا والدنمارك؛ كانت هناك روابط بين حركة المطالبات بحق التصويت والنقابات العمالية في بريطانيا وإيرلندا.

ليس مفاجئا، والحالة هذه، أن يكون اليسار الماركسي تفاعل، وإن بكيفية مغايرة حسب التيارات، مع ولادة حركة النساء الجديدة سنوات الستينات والسبعينات في سياق تجذر الشباب على صعيد عالمي. لم يكن انبثاق حركة نسوية منحصرا، كما جرى الاعتقاد، بأوروبا الغربية وأمريكا الشمالية. إذ بدأ بزوغ مجموعات نسوية صغيرة بأمريكا اللاتينية مطلع سنوات السبعينات، خاصة بالمكسيك وكذا بغيرها من البلدان، رغم الديكتاتوريات العسكرية. وقد أغنت نساء من أمريكا اللاتينية الحركة النسوية بإسهامات نظرية هامة (مثل جيني فارغاس من البيرو). وتمثل «الملتقيات النسوية الأمريكية اللاتينية القارية» المنعقد أولها سنة 1981، أمارة حركة نساء لا تزال نشيطة، رغم المشاكل الناتجة عن إضفاء طابع مؤسسي مرتبط بحضور المنظمات غير الحكومية وفعلها. وفي الهند، بدأت الحركة النسوية تتطور بوجه خاص بعد رفع حالة الطوارئ سنة 1976، وكانت إحدى انشغالاتها الأساسية موضوع العنف ضد النساء، لاسيما الاغتصاب، والقتل المرتبط بالمهر. وشاركت نساء نسويات إيرانيات في حركة إطاحة الشاه متم سنوات السبعينات، ولا زلن حتى اليوم يشاركن بنشاط في الحركة من أجل الديمقراطية.

بيد أن مواضع شدة تأثير هذه الحركة كانت بالطبع حيت كانت الشروط الاجتماعية مساعدة لتجذر الشباب العام، في سياق انتعاش اقتصادي كبير بعد الحرب، وتعميم التعليم العالي والحصول على وسائل تنظيم النسل، وبخاصة للنساء.

وإنه لمنطقي بهذا الصدد أن يكون مقرر العام 1979 حول تحرر النساء والثورة الاشتراكية، المعاد نشره ضمن هذا الكتاب، مبادرة من نساء الأممية الرابعة في أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية. كانت ثمة طبعا نقاشات لمعرفة إن كان على هذا المقرر أن يعرض منظورا عالميا، أو يكتفي بتناول المسائل الخاصة بمناطق وجود معظم فروع الأممية الرابعة. كانت تلك الفروع، برغم صغر حجمها بوجه عام، انعكاسا حقيقيا لتجذر الشباب ذاك، ومن ثمة شهدت تطور ثاني موجات حركة النساء الأكثر أهمية. ومع أنه أتُخذ في نهاية المطاف قرار تناول ما كان يُسمى حينها «قطاعات العالم الثلاث»، أي البلدان الرأسمالية المتطورة، والعالم الثالث والبلدان الستالينية المبقرطة، فإن الأجزاء المتناولة في هاذين الأخيرين هي بلا شك أضعف ما في المقرر.

مثل مقرر العام 1991، الخاص بأمريكا اللاتينية، تصويبا هاما بهذا الصدد، بإتيان فهم لسيرورات تجذر وبناء حركات في هذا السياق الخاص. وقد ارتكز على دراسة حقيقية لحالة الحركة لحظتئذ بأمريكا اللاتينية، أنجزها رفاق حزب الشغيلة الثوري في المكسيك، وللأسف لم يتح لنا واقع انغراس الأممية الرابعة في مناطق أخرى من العالم إنجاز عمل مماثل. كانت أهم نقطة أكد عليها ذلك المقرر كون النساء اللواتي يلجن النضال على أساس وضعهن الاجتماعي بما هن نساء، وأمهات، وقاطنات في أحياء الصفيح، واللواتي يصارعن من أجل الماء أو القنوات الأساسية، بما هن فلاحات يناضلن من أجل الحق في الشغل أو تملك الأرض، هؤلاء النساء يستطعن أيضا التجذر انطلاقا من وعي نوعهن الاجتماعي. إنه أمر تمت ملاحظته في حالات أخرى، على سبيل المثال، الزوجات اللائي يتضامن مع نضال أزواجهن (مثلا إضراب عمال المناجم 1984-1985 في بريطانيا) أو مناضلات الحركة المناهضة للحرب (معسكر النساء من أجل السلم في غرينهام كومون في بريطانيا أيضا بداية سنوات الثمانينات)، أو كذلك حركة الممرضات بفرنسا سنة 1988.

يظل الإسهام النظري والاستراتيجي الأكثر أهمية لمقرر 1979، بنظرنا، وجيها بصفة عامة. يتعلق الأمر بواقع أن عملية تغيير المجتمع على أساس مناهض للرأسمالية، يجتث جذور كل اضطهاد واستغلال، يستدعي مشاركة فعالة لحركة نسائية مستقلة ومنظمة ذاتيا. وقد تم شرح معنى استقلال الحركة النسائي الذاتي في المقرر:

«نعني بحركة نسائية كل النساء اللواتي يتنظمن بدرجة أو بأخرى ضد الاضطهاد الذي يفرضه عليهن المجتمع: مجموعات نسائية، ومجموعات توعية، ومجموعات أحياء، ومجموعات طالبات، ومجموعات مقاولات، ولجان نقابية، وتنظيمات نساء القوميات المضطهدة، ومجموعات نسوية مثلية، وجماعات التعبئة على مطالب خاصة. تتميز الحركة النسائية بتنوعها، وأثرها على كل شرائح المجتمع، وبواقع عدم ارتباطها بأي تنظيم سياسي بشكل خاص، رغم أن تيارات متعددة تظهر وسطها. من جهة أخرى، فإن بعض المجموعات واللجان الوحدوية، مع أنه تقودها وتدعمها النساء، منفتحة على الرجال أيضا، مثل المنظمة الوطنية للنساء في الولايات المتحدة الأمريكية (NOW)، والحملة الوطنية من أجل الإجهاض في بريطانيا (NAC). (أساليب نضالنا، النقطة 2)

وتم التدليل على الضرورة الاستراتيجية لحركة من هذا القبيل على الشكل التالي:

«تمثل النساء على حد سواء مكونا هاما للحركة العمالية وحليفا قويا كامنا للحركة العمالية في النضال من أجل إطاحة الرأسمالية. بدون الثورة الاشتراكية لن تستطيع النساء إرساء الشروط المسبقة لتحررهن. وبدون تحرك جماهير النساء في النضال من أجل تحررهن الخاص، لن تقدر الحركة العمالية على إنجاز مهامها التاريخية. تحطيم الدولة البرجوازية، والقضاء على الملكية الرأسمالية، وتغيير أسس وأوليات المجتمع الاقتصادية، وترسيخ سلطة دولة جديدة قائمة على أساس التنظيم الديمقراطي للطبقة العاملة وحلفائها والنضال الدائم من أجل إلغاء كل أشكال الاضطهاد في العلاقات الاجتماعية الموروثة عن المجتمع الطبقي، كل هذا لن يكلل بالنجاح، في نهاية المطاف، دون مشاركة وقيادة واعية لحركة تحرر للنساء مستقلة ذاتيا. (توجهنا. 2.)»

مع ذلك، إذا كانت السياسة المنتهجة من طرف هذه الحركات مهمة، فإن الأمر لا يتعلق فقط بالنساء بما هن نساء:

«إذا كانت كل النساء معرضات للاضطهاد لكونهن نساء، فإن الحركة الجماهيرية لتحرر النساء التي نسعى بجهد لبنائها يجب أن تكون عمالية أساسا في تكوينها، وتوجهها وقيادتها. فقط حركة من هذا القبيل منغرسة في الشرائح الأكثر عرضة للاستغلال من نساء الطبقة العاملة ستكون قادرة على قيادة النضال من أجل تحرر النساء حتى النهاية ودون مساومة، بارتباطها بقوى اجتماعية توازي مصالحها الطبقية مصالح النساء أو تتقاطع معها. هكذا حركة دون سواها ستكون قادرة على النهوض بدور تقدمي في ظل شروط احتداد الصراع الطبقي» (توجهنا، 2 – ه)

شكل هذا الموقف قطيعة مع تقاليد الحركة الماركسية حول تنظيم النساء. كانت ثمة منظمات نساء عديدة مرتبطة بحركات ماركسية، لكن كانت لها أدوار مغايرة: إتاحة إمكان نشاط سياسي للنساء عندما لم يكن النشاط السياسي المختلط مرخصا، وتنظيم أشكال دعم نسائي للحزب، وتطوير عمل خاص من أجل كسب نساء للحزب. لم تكن تلك الحركات تأخذ بالاعتبار، سواء على صعيد نظري أو عملي، ضرورة حركة نساء مستقلة من أجل بناء ميزان قوى كاف لفرض مطالبهن.

مثلث هذه المسألة نقاشا كبيرا بين تيارات خارج الأممية الرابعة وداخلها، تيارات، منتسبة إلى الماركسية الثورية، تتبنى تصورا للسيرورة الثورية بما هي أساسا من صنع الطبقة العاملة، ممثلة بالحزب الثوري. وسيكون هذا الأخير بنظرها الفاعل الوحيد في التغيير الاجتماعي والثوري، وفي أحسن الأحوال يدمج مطالب النساء أو يضع أسس إلغاء لا مساواة الرجال والنساء عند وصوله إلى السلطة. يبقى موقفنا عنصرا يميزنا حتى اليوم عن تيارات أخرى عالمية ماركسية ثورية مثل التيار الموريني، وتيار اشتراكية عالمية IST المتحلق حول حزب العمال الاشتراكي SWP البريطاني أو التيارات المتنوعة المتحدرة من توجه تيار المناضل Militant البريطاني.

يجب أيضا وضع موقف الأممية الرابعة هذا في سياق نقاش آخر جرى في نفس الفترة وأفضى سنة 1985، مع أن محاور النقاش الكبرى جرى تطويرها في سنوات السبعينات، إلى تبني مقرر «الديمقراطية الاشتراكية وديكتاتورية البروليتاريا». شكل هذا النقاش خطوة إلى الأمام هامة في فكر الأممية الرابعة الاستراتيجي بإعلان أن التجارب والمصالح المختلفة للقطاعات المستغلة والمضطهدة تستتبع تطور منظمات ثورية مختلفة أصيلة، وأن حزبا واحدا لن يؤلف كل هذه المصالح في برنامجه. وكان هذا النقاش مطبوعا أيضا بتجربة الثورة في نيكاراغوا، وكذلك بنقاش أعمق بصدد مسألة الذات الثورية بدءا من سنوات الثمانينات، حيث جرى اقتراح تمييز ذات عملية-سياسية تقوم بتعبئة جماهير السكان القادرة على فرض برنامجها، عن ذات نظرية-سياسية تسهم في تطوير برنامج سياسي دون تعبئة مباشرة للجماهير المستغلة والمضطهدة.

تم قبول هذه النقطة الهامة من طرف أغلبية ساحقة من الأممية الرابعة في مؤتمرها العالمي سنة 1979. مع ذلك، لم يمنع هذا استمرار العديد من النقاشات الأخرى الهامة، في المؤتمر ذاته وبعده.

جرى الدفاع عن الموقف لصالح حركة تحرر نساء مستقلة أساسا بفعل فشل قيادات أحزاب الحركة العمالية ونقاباتها في دمج مطالب النساء، وأيضا لأن نظرة أقل مثالية لسلوك العمال الذكور تجاه النساء فرضت نفسها تدريجيا:

«غالبا ما يواجهن اعتداءات جنسية وانتهاكات منظمة ومرتكبة من طرف رؤسائهن في العمل. وحتى حين تصدر مثل تلك التعديات عن زملائهن في العمل، فغالبا ما يكون نتيجة جو يشيعه رب العمل» (أساليب نضالنا.7)

وتمثل امتدادٌ آخر لهذا النقاش بعد المؤتمر في نقاش حول «امتيازات الرجال»، أي مسألة معرفة بأي قدر يستفيد الرجال كأفراد من اضطهاد النساء، وبالتالي كيف صارت لهم مصلحة في إدامة وضع تفاوت وميز أو يعتقدون ذلك.

وتبلورت في صيغة تسوية نقاشات حول صلاحية ما جاء به انجلز من كون اضطهاد النساء نتيجة تطور المجتمع الطبقي – وهو موضوع لا يزال حتى اليوم مثار بحوث ونقاشات بين الانتروبولوجيين النسويين وفي العلوم الإنسانية:

«3. إن أصل اضطهاد النساء مرتبط بالانتقال من المجتمع ما قبل الطبقي إلى المجتمع الطبقي. والعملية الدقيقة التي جرى بها هذا الانتقال المعقد هي موضوع بحوث ونقاشات دائمة، حتى بين مُتبنِّيِي نظرة مادية للتاريخ. ومهما يكن من أمر، السمات الرئيسية لبزوغ اضطهاد النساء جلية.

لقد تزامن هذا التحول في وضع النساء مع نمو إنتاجية العمل القائمة على الزراعة، وتدجين الماشية، وتكوين مخزونات، وكذا مع بروز تقسيمات جديدة في العمل والحرف والتجارة، ومع التملك الخاص لفائض اجتماعي متنام وتطوير إمكان ازدهار البعض بفضل استغلال عمل الآخرين» (أصل اضطهاد النساء وطبيعته، 3)

بيد أنه حصل اتفاق تام حول فكرة كون اضطهاد النساء سابقا للرأسمالية، وبالتالي فلن تلغيه إطاحة الرأسمالية، كما دلت تجربة الاتحاد السوفياتي. وقد مثل فصل «ترميدور في العائلة» في كتاب ليون تروتسكي الثورة المغدورة نصا مهما بهذا الصدد.

وعلى غرار معظم التيارات المعروفة بأنها «اشتراكية» أو «تيارات صراع طبقي» في الحركة النسوية الأوسع، كان تناول مجمل مسائل الجنس والعنف أقل حضورا في تحليلنا، مع أنه جرت صياغة مطالب بهذا الشأن. كل الصيغ الأولى المنطوية على اعتبار السحاقيات انفصاليات تم تعديلها. وتمت بعد ذلك، في مؤتمر 2003، المصادقة على مقرر برنامجي حول تحرر المثليين والمثليات يستعيد الأسس النظرية والاستراتيجية لمقرر 1979.

للأسف، كان لدى منظمات للأممية الرابعة حتى سنوات السبعينات مواقف متخلفة جدا من المثلية، كانت تصل حد منع العضوية بمبرر أن ذلك يهدد المنظمة بتهمة نشاط غير شرعي. طبعا، لم يكن هكذا موقف مقبولا، ولم تكن هكذا منظمات مقبولة، أو تم إسقاط عضويتها بالأممية الرابعة. وفي العام 1991، تم تجريد منظمة من صفة العضو على إثر قرار كل الرفيقات النساء بمغادرتها لأن الحزب لم يعالج بنظرهن بكيفية سليمة وقائع عنف جنسي وتحرش، برغم طرد الأفراد المسؤولين عنها.

شدد مقرر العام 1979 على واقع تعرض كل النساء للاضطهاد، برغم أن هذا الاضطهاد يترافق مع آخر طبقي. بيد أن الإشارات الوحيدة إلى نساء من أصل اثني مغاير كانت مرتبطة بنساء مهاجرات في حين أن نساء سودا من الولايات المتحدة الأمريكية كن قياديات مرموقات في الأممية الرابعة وأسهمن بشكل كبير في صياغة المقرر. ولاحقا، كانت نصوص مثل مقرر 1991 حول النساء بالبلدان الرأسمالية المتطورة جيدة بهذا الصدد. وجرى بشكل أوسع تناول مسألة العنف ضد النساء في نصوص لاحقة.

تم إيلاء أهمية خاصة لتأثير الحركة النسائية على الحركة العمالية، وكذا لأشكال تنظيم النساء بما هن عاملات، لاسيما في اللجان النسائية التي نشأت داخل النقابات. كانت أشكال هذه اللجان وطبيعتها متباينة بحسب تقاليد الحركة العمالية – بأي قدر كانت قيادات تلك النقابات تقبلها كبنيات نقابية شرعية أو تدفعها لتتنظم خارج هذه البنيات. مع ذلك، هذا لا يعني بالضرورة أن البنيات «الشرعية» كان لها دور أقل دينامية من تلك المجبرة على التنظم بصفة مستقلة. فقد كان للجان النسائية دور هام في الحركتين النقابيتين البريطانية والفرنسية بدفع القيادات النقابية لتنظيم مظاهرات وطنية جماهيرية دفاعا عن حق الإجهاض سنة 1979، بتعاون مع حركة النساء المنظمة. وقام تحالف النساء العاملات الموحد في الولايات المتحدة الأمريكية أيضا بعمل هام.

طبعا، يندرج مقرر 1979 في منظور استمرارية للحركة النسائية وتطورها. وفي 1991، كان جليا أن الأثر العالمي للنسوية لم يترجم إلى نمو مستمر للحركة النسائية. ورغم اقتناعنا بأن تحرر النساء كان أبعد من أن يتحقق، فإن مطالب قانونية بديهية تمت الاستجابة لها بقدر كبير في البلدان الرأسمالية المتقدمة، وكان بناء تعبئات جبهة موحدة أشد صعوبة. واتجه النشاط المتواصل لنسويات ملتزمات إلى التنظم حول بعض القضايا الخاصة، لاسيما حيث النساء بحاجة لشبكات دعم غير متاحة في أي مكان آخر، منها على سبيل المثال النساء ضحايا اعتداءات جنسية.

في الفترة عينها، كانت النقاشات النظرية والتحليلية تحدو، بتأثير من الحركة النسائية، بمجموعات نسائية بكاملها، خاصة في الأوساط الجامعية، إلى استنتاج أن حركة لتحرر النساء هدف مستحيل بسبب تعذر بزوغ مطالب مشتركة، بفعل تنوع تجارب النساء بحسب سياقهن الاجتماعي، والاقتصادي، والإثني، الخ. وتم تعزيز هذه التطورات من قبل الحركة الثقافية المعروفة باسم «ما بعد الحداثة» مع تشديدها على تفكيك السرديات الكبرى واستحالة قيم ومطالب شاملة.

مند البداية، وضعت نساء الحركة النسوية موضع تساؤل الصور «الشاملة» مثل «العامل»، مبينات أن نصف العمال نساء، وأنه لا بد لأي حديث عن الطبقة العاملة، أو أي حركة تدعي الدفاع عن حاجاتها ومصالحها، أن يأخذا بُعد «النساء» بعين الاعتبار. وبدورها، كانت الحركة نفسها موضع مساءلة من طرف نساء يشعرن، بما هن سود، أو مهاجرات، أو عاملات أو سحاقيات، أن حاجاتهن ومصالحهن لم تكن مأخوذة بالحسبان من طرف حركة يبدو أنها منغرسة بوجه خاص بين نساء بيض شابات وبميول جنسية مغايرة، وأكثر تعلما، أو من ذوات الياقات البيضاء.

في الواقع، مند البداية، كان العديد من السحاقيات، اللائي لم يشعرن أنهن في مكانهن داخل الحركة المثلية إذ وجدنها مفرطة الذكورية (ومطبوعة بميز جنسي في الغالب)، مناضلات بارزات ورائدات للحركة النسائية. وقد تم إدخال تعديل هام حول هذه النقطة المحددة في مقرر 1979 من طرف نساء بريطانيا، يُعَبِّر عن تجربتهن حيث كانت المناضلات السحاقيات في طليعة الحركة النسائية وحملاتها الرئيسية، خاصة الدفاع على القانون الليبرالي القائم حول الإجهاض. وفيما كانت نساء يتنظمن داخل النقابات لإجبار المنظمات العمالية على أخذ مطالب أعضائها النساء بالاعتبار، شهدت الحركة النسائية تطور مجموعات نساء سود، ونساء مثليات، ونساء ضد العنصرية، أسهمت في رفع الوعي داخل الحركة بتجارب النساء المتنوعة.

ظهر هذا الأثر بوضوح في الحملات التي انطلقت حول مسألة الحق في الإجهاض، مثل حملة الإجهاض الوطنية ببريطانيا، التي دمجت وطورت برنامجها وفقا لتجارب النساء المهاجرات في بريطانيا، ونساء بنغلادش المتخَذات بدون إرادتهن فئران تجريب مانع حمل لقاحي ديبو-بروفيرا Depo-Provera، أو نساء الأنتيل البريطاني اللواتي فرض عليهن تعقيم وإجهاض في الوقت نفسه.

على المستوى العالمي، تمت بسرعة إعادة تسمية الحملة العالمية من أجل حق الإجهاض بالحملة العالمية من أجل وسائل منع الحمل والإجهاض والتعقيم (حاليا Women s Global Network For Reproductive Rights) كي يتم تطوير وتوسيع بشكل شامل مسألة صحة النساء الإنجابية وحقهن في التحكم بأجسادهن. إنه من الصعب تصور ألا يكون حق النساء في التحكم بأجسادهن مطلبا كونيا، تماما مثل مطلب القضاء على التعذيب أو المجاعة.

كما قاد التأكيد على فهم تجارب النساء الخاصة إلى أشكال مختلفة من نسوية الاختلاف أو الجوهرانية التي تقبل وجود اختلافات جوهرية بين النساء والرجال، وتعين هدفا أن يصبح لقيم أو خصائص معتبرة «أنثوية» نفس الوضع الاعتباري المجتمعي التي تحظى بها تلك المعتبرة «ذكورية». لقد تم استبعاد هذه المقاربة، على غرار كل تلك القائمة على مفهوم للبطريركية بما هي نظام اضطهاد ذكوري مستقل عن الرأسمالية، وعن المجتمع الطبقي، لأنها لا تنسجم مع رؤية ماركسية تعتبر مجمل العلاقات الاجتماعية مشمولة في علاقات الإنتاج وإعادة الإنتاج.

أدى أيضا دخول جيل من النساء الشابات، متجذرات بتأثير الحركة النسوية، إلى الأحزاب السياسية إلى التساؤل حول إمكان إيجاد مكان لهن في هذه المنظمات قياسا برفاقهن الرجال «الشيوخ» وكذا بمن يجايلهن. لم يكن هذا خاصا بمنظمات الأممية الرابعة، فالعلاقات الوثيقة بين الحركات الراديكالية المختلطة والتجذر النسائي أدت حتما إلى مساءلة أشكال التنظيم السياسي عموما. مع ذلك، ظلت الأممية الرابعة المنظمة السياسية الوحيدة التي تبنت مقررا نظريا وبرنامجيا حول هذه المسألة، في مؤتمرها العالمي سنة 1991، متضمنا جملة مقترحات إجرائية عملية من أجل وضع «خطة فعل ميز إيجابي».

وفي سنة 1979، جرى نقاش حاد أثاره مقترح بشأن حق النساء في الاجتماع على حدة كي يناقشن جميعا الصعوبات التي يواجهن من أجل أن يكن مرتاحات ومقبولات داخل المنظمة، ومن أجل التعرف على هذه المشاكل المشتركة واقتراح إجراءات على باقي المنظمة لمحاربتها. وقد جرى رفض هذا المقترح – الذي اعتبره مقدم المقرر مناهضا للينينية – من طرف أغلبية القيادة ومندوبي تلك الفترة، بخاصة مندوبي حزب العمال الاشتراكي SWP الأمريكي والتيار المرتبط به. كنت عضوا في مجموعة النساء الشابات المندوبات من بلدان أوروبا، وأمريكا اللاتينية وكذلك كندا، المدافعات عن المقترح. كانت تلك هي تجربتنا الأولى في العمل أبعد من الحدود الوطنية واللغوية من أجل خوض النضال المشترك. مع ذلك، كان النقاش عمليا قد انتهى لأن الممارسة استمرت حيت تم إرساؤها أصلا، ومع خفوت تيار حزب العمال الاشتراكي الأمريكي وانسحابه من الأممية، أقر مقرر 1991 عن حق أن الأمر ممارسة اعتيادية من بين أخرى، مثل المناصفة أو الكوطا من أجل تمثيل النساء في القيادة.

منذ سنة 1991، تركزت إسهامات لجان النساء في نقاشات الأممية على مكانة النساء في عولمة الاقتصاد العالمي المتنامية، مثل ما تم في أطروحات 1995 وفي وثيقة النساء والأزمة منذ 2010، وأيضا حول إعادة التأكيد على الأهمية الاستراتيجية للبعد النسوي في بناء أحزابنا وبلورة برنامجنا. تم دمج هذه الإسهامات على شكل تعديلات للوثائق حول الوضع العالمي وحول بناء الأممية الرابعة في 1995، و2003، و2010. [2]

إن النضال لم ينته من أجل تحرر النساء ومن أجل أن تدمج المنظمات الماركسية الثورية والمناهضة للرأسمالية هذا النضال في برامجها، ومنظوراتها واستراتيجيتها. سنكون أمام مهام تحليل وبلورة جديدة بفعل تطورات الوضع. نعتقد أن الوثائق التي يحتويها هذا الكتاب تشكل إطار تحليل نافع من أجل تحقيق هذه المهام.

[1] بينيلوب دوغان هي عضو في مكتب الأممية الرابعة ومحررة في International Viewpoint، وعضو في NPA في فرنسا. وهي أيضًا رفيقة في المعهد الدولي للبحث والتكوين IIRE في أمستردام وتتولى مسؤولية خاصة عن البرامج النسائية.

[2] أضيف لهده النسخة العربية مقرر صعود حركة النساء الجديد مقرر2021

 

شارك المقالة

اقرأ أيضا