المغرب: انتهاكات مستمرة لحقوق الإنسان

سياسة13 أبريل، 2015

بقلم: فودة إمام، نشر بالعدد 59 من جريدة المناضل-ة، مارس-أبريل 2015  

لم يتوقف النظام الاستبدادي عـن قمع الأشكال الاحتجاجية المطالبة بتحسين الوضع المعيشي منذ تراجع حركة العشرين من فبراير الجماهيرية، حيث سجل قمع الحركة الطلابية في مجموعة من المواقع الجامعية والزج بالطلبة في سجون ومعتقلات النظام ( أكادير ، طنجة ، فاس وغيرها ) ، ناهيك عن البطش بالحركات الاجتماعية الجنينية الساعية إلى تحسين ظروف الحياة و قمع نضالات الأطر التربوية في معركة بطولية خانتها البيروقراطية النقابية (أساتذة الزنزانة 9) وفض مسيرات ووقفات احتجاجية لا تتجاوز مطالبها سقف التزود بالماء والكهرباء والسكن، وقمع يومي للمعطلين، ومنع الصحافة الإلكترونية، ومتابعات قضائية لصحفيين بتهم واهية. هذا وامتدت يد القبضة الأمنية لتخـرس صوت الفنانين الشباب كان آخـرهم مغني الراب معاد الحاقد الذي حوكم مرتين بالسجن، والفنان الشاب عثمان عتيق .
حول الوضع الحقوقي بالمغرب
بعد تمرير دستور العبيد بتاريخ1 يوليوز2011، فـي مناورة للنظام المغربي الذي تجنب الاصطدام المباشر بالحركة الجماهيرية التي تدفقت إلى الشارع حاملة جملة مطالب من ضمنها: إسقاط الفساد، والعدالة الإجتماعية. احتواء ومناورة لم يكن للنظام قدرة عليهما سوى بالتواطؤ مع البيروقراطية النقابية والأحزاب المسبحة بحمد النظام ونعمه.
بعد هزيمة الحركة الشبابية وتراجع حدة الموجة الثورية بالمنطقة، انطلق النظام في شن حملة أمنية هوجاء كانت بدايتها قمع الحركة الطلابية، والعصف بحـركات المعطلين والهجوم على مساكن الفقراء في مدينة أكادير وفي كل مكان، بدعوى البناء العشوائي وغيرها من أوجــه الاستبداد. في هذا السياق المأزوم والمطبوع بردة حقوقية غير مسبوقة فـي سجل البلد، يأتي تقرير المنظمة الدولية لحقوق الإنسان هيومن رايتس ووتش، الذي انتقد الوضع الحقوقي بالمغرب، و قد جاء في نص التقرير أنه: “بعد ثلاث سنوات من اعتماد المغاربة لدستور جرئ جديد، لا زالوا ينتظرون الإصلاحات القانونية وغيرها من تلك اللازمة لتفعيله”.
مرت ثلاث سنوات على الدستور الجديد ولازال الوضع على حاله، بل شهد انتكاسة غير مسبوقة، تمثلت في محاولة إجهاز الدولة على طفيف المكاسب العمالية في استعداد حثيث لتمرير قانون ضرب أنظمة التقاعد، وضرب القدرة الشرائية للطبقات الشعبية الفقيرة بالتخلص كليا من صندوق المقاصة وإغراق البلد في دوامة ديون غير منتهية.
قصف منظم للحقوق السياسية والاجتماعية للمواطــن المغربي هــي المحصلة النهائية بعد خفوت المد النضالــي، مع كل هذا لازالت الأحزاب المسماة إدارية – ملكية – تطالب منذ ثلاث سنوات بتنـزيل مقتضيات الدستور وقوانينه المنظمة . لم يقدم الدستور شيئا يذكر اللهم النجاح في الالتفاف على الحركة الشبابية وربح المزيد من الوقت لرص الصف استعدادا لما هو قادم من هبات شعبية .

3778_0
لم يستثن التقرير الحقوقي وضع حرية التعبير بالبلد حيث أكد على أن “المحاكم المغربية سجنت متظاهرين ومنتقدين على أساس القوانين القمعية الخاصة بحرية التعبير، أو بعد محاكمات غير عادلة « ونذكر في هذا السياق سجن الفنان الشاب مغني الراب عثمان عتيق “Mr. Crazy، البالغ من العمر سبعة عشر عاما الذي جرمه القضاء البرجوازي بتهمة إهانة رجال الشرطة، ناهيك عــن إخراس الصحفيـيـن المعارضين للنظام «المفتـرس» …
قمع حرية التعبير بالمغرب لـيس بالشيء الجديد، فمنذ عقود من الزمــن تعددت أوجه قـمع الصحفيين من منـع الكتابة (علي المرابط) إلى السجـن في حالة الصحفـيين (رشيد نينـي وعلي أنوزلا)، ناهيك عـن منع مواقع إلكترونية وجمعيات مدنية لمعارضين سياسيين «جمعية الحرية الآن» والتضييق المستمر على أنشطة الجمعيات الحقوقية «منظمة العفو الدولية» و مؤخرا نشاط منظمة «فريدريش نيومن بالرباط»
جاء في التقرير :
«منعت السلطات المغربية عشرات الاجتماعات السلمية الخاصة والعمومية التي نظمتها جمعيات حقوق الانسان، متراجعة عن تسامح طويل الأمد مع مثل هذه التجمعات، كما رفضت السلطات أيضا الاعتراف القانوني بجمعيات حقوقية جديدة أو موجودة منذ مدة طويلة على حد سواء».
بالاضافة إلى الاتهامات المتواصلة لوزير الداخلية المغربي و هجوم مخابيل الاعلاميين على تلك المنظمات واتهامها بتلقي الدعم الخارجي كما هو الحال بالنسبة للجمعية المغربية لحقوق الإنســان (amdh ).
لا جديد إذا تحت شمس حكم تسلطي يستعمل منظمات حقوقية صنعها لتلميع صورته بالداخل والخارج، آخرها المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الانسان التي أصدرت بلاغا إنتقدت فيه تقرير هيومن رايتس ووتش لأنه يبخــس عمل المملكة الحقوقــي و بكون المغرب حقق منجزات هامة في مجال حقوق الإنــسان.
منجزات اكتوى بها المناضلون الديمقراطيون في محاكم المملكة، وهذه شهادة لهيومن رايتس ووتش:
«المحاكم المغربية سجنت متظاهرين ومنتقدين على أساس القوانين القمعية الخاصة بالتعبير، أو بعد محاكمات غير عادلة»، آخـرهم المناضلة وفاء شرف التي حوكمت بالسجن مدة سنتين والمعتقلون التسعة لحركة المعطلين بالرباط، ومناضلو الاتحاد الوطنــي لطلبة المغرب واللائحة مفتوحــة لكل من جاهر بالمعارضة في وجه الاستبداد و الظلم .
تناول التقرير أيضا حالة القمع المتواصــل بالصحراء الغربية، التي أصبحت منطقة معسكرة بالكامل بعد انتفاضة الفقراء سنة 2010 بأكديم إيزيك ، حيث قالت هيومن رايتس ووتش إن السلطات المغربية تمنع كل المظاهرات المطالبة بتقرير المصير، وأن التقارير الدولية تشير إلى ارتكاب السلطات لأعمال تعذيب واحتجاز تعسفي ضد الناشطين الصحراويين المطالبين بتقرير المصير. كما أن صحراويين أجبروا على الادلاء باعترافات تحت التعذيب، و تم الزج بهم في السجون بسبب مشاركتهم في مظاهرات للمطالبة بتقرير المصير.
فعندما يصبح للنشاط السياسي المناهض للحكم المغربي بالصحراء الغربية دورفي إظهار زيف المنظمات الحقوقية الموالية للنظام، فإن هذه الأخيرة تعتبر المس بالوحدة « الوطنية « خطا أحمر، وبالتالي، لا حقوق للمعارضين في هذه الرقعة الجغرافية المقدسة .
لم يستثن التقرير ايضا حالة الاكتظاظ بالسجون المغربية التي تعيش أوضاعا غير آدمية، بالإضافة إلــى حالات التعذيب المتواصلة في مخافر الشرطة والمعتقلات، إذ أن المغرب لم يقطع أي مسافة حقوقية إيجابية في هذا الجانب. فالنظام المستبد لايمكن أن يحكم الفئات الشعبية المفقرة سوى بقبضة أمنية مشددة تختلف حدتها وأشكالها من منطقة لأخرى كما تختلف سياقاتها السياسية.

1265

شهادة زور لصالح نظام مستبد :
لم يرق التقريرالى مستوى ادانة كاملة للوضع الحقوقي في المغـرب، بـل تضمن نقطا سميت إيجابية لصالح الدولة. فقد اعتبـرت المنظمة الدولية أن هناك تطورا فيما يتعلق بتنفيذ المغـرب سياسات جديدة تجاه المهاجرين، ومنح الاقامة القانونية لأولئك الذيـن اعترفت بهم وكالة الأمم المتحدة للاجئين، وغيرهم من المهاجرين الذين انطبقت عليهم معايير الأهلية الصارمة.
قال إريك غولدشتاين نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة “هيومن رايتس ووتش:
«إن المغرب يواصل تنفيذ سياسته الوطنية الجديدة للهجرة، التي تتجاوز المقاربة الأمنية لتشمل الجانب الانساني والحقوقي، لتسوية وضعية المهاجرين السريين من خلال تمكينهم من الحصول على تصاريح الاقامة القابلة للتجديد، مما يخول لهم مجموعة من الحقوق، من بينها الشغل والصحة والتعليم»
في حقيقة الأمر، لم يقم المغرب سو ى بتنفيذ املاءات الاتحاد الأوربي بمحاصرة تدفق المهاجرين الفارين إليه من لهيب الحـرب والجوع ببلدان إفريقيا جنوب الصحراء، حيث يلعب دور المستقبل الدائم للمهاجرين الأفارقة، مقابل مساعدات مالية يحصل عليها جراء هذه الخدمة الوضيعة التي سميت إنجازا حقوقيا بمنح المهاجرين أوراق اقامة دائمة .
لاتغطي المنظمة الحقوقية الدولية كـل أوجه انتهاكات حقوق الإنســان بالمغرب، فالطبقة العاملة، وهي، الأكثر استغلالا، تتعرض لقصف يومي ومستمر لحقوقها النقابية. فالفصل 288 من القانون الجنائي لم يحظ باهتمام حقوقي من لدن المنظمة الذكورة خصوصا وأن الدولة قررت مراجعته بعد اتفاق مع النقابات دون التزام بتنفيذ ما اتفق عليه. فتجريم العمل النقابي والزج بالعمال في دوامة استغلال مفرط وامتصاص الأرباح من عرقهم ودمائهم في المصانع والضيعات الفلاحية لايدخل ضمن اختصاص المنظمة المذكورة، أم أن استغلال وقمع العمال والعاملات في نظرها ليس إنتهاكا لحق من حقوق الإنسان !!؟
لن تقدم الدولة أدنى تنازل للطبقات المستغلة والمفقرة دون حركة نضالية واسعة ومنظمة تنخرط في نضالاتها جمعيات و نقابات ومنظمات ديمقراطية مدافعة عن صون كرامة وحقوق الفئات المهمشة . مهما بلغت تقارير المنظمات الحقوقية الدولية من حدة في نقدها الذي لا يمس الجوهر الحقيقي لانتهاكات حقوق الإنسان، ومهما بلغت وعود الحكام ورجال الأعمال بالإصلاح، فلن يقدموا تنازلات تذكر دون ضغط من أسفل. فالعمال والعاملات هم/هن القوة الوحيدة القادرة على الدفاع عــن حقوقها وعن حقوق بقية الكادحيــن، فلا سبيل آخر أمامهم غير التنظيم والنضال لضمان الكرامة الكاملة .

شارك المقالة

اقرأ أيضا