تجربة حزب  بوديموس في الدولة الإسبانية، أصالتها، وتحدياتها

بلا حدود5 يونيو، 2015

 

بقلم، فرانسوا سابادو

عرض قدمه فرانسوا سابادو  في اجتماع مؤسسة لويز ميشال في باريس 28 مايو 2015.

قدمتم حزب بوديموس باعتباره المفاجأة القادمة من إسبانيا. وبالفعل، يمثل حزب بوديموس مفاجأة سارة للطبقات الشعبية وكابوسا للطبقات السائدة في الدولة الإسبانية. لكنه، بالمقام الأول، حركة لا نظير لها.

يكمن طابعه غير المسبوق في سرعة تطور حركة سياسية-انتخابية، فقد حقق نسبة بين 15 و 20٪ من الأصوات، أكدتها طفرة جلية في الانتخابات البلدية والإقليمية الأخيرة. ولدى الحزب  200000 منخرط عبر انترنت، وما بين 60000 و 120000 مشارك في اقتراع المشاورات التي جرت. ولديه 20000  إلى 30000 مناضل في الحلقات الحزبية، قد ينضم إليها قسم من آلاف الناس المشاركين لأول مرة في الحملات الانتخابية البلدية والإقليمية؛ ونظم تظاهرة وطنية، بمدريد، لأكثر من 120000 شخص. باختصار  إنه تصاعد لولبي، واسع النطاق وسريع. سريع، لأن هذا الوضع مستجد للغاية، إذ بدأ ذلك قبيل الانتخابات الأوروبية في عام 2014.

كما أن هذه التجربة غير مسبوقة  بما ميزها من تلاقي قوى عديدة. إذ لم ينتج حزب بوديموس عن عمليات إعادة تنظيم داخل الحركة العمالية أو اليسار، ولا عن تقارب قوى منظمة وازنة.. إنه التقاء شخصيات، منها فريق التواصل السياسي لبابلو إغليسياس بجامعة Complutence في مدريد، وشخصيات متحدرة من الشيوعية الأوروبية، و أنصار اتجاه توني نيغري، والتشافيزية – منشطو المركز الدولي ميراندا (مركز تكوين تشافيزي)، ويسارها مع مشاركة حزب اليسار المناهض للرأسمالية.

غالبا ما يجري، بصدد هذه النقطة، ربط حزب سيريزا وحزب بوديموس. ثمة نقطة مشتركة بين الحزبين، مميزة لهذين البلدين، في أوروبا. إنها أحزاب أفلحت من بناء التعبير السياسي لتعبئة اجتماعية ضد التقشف والأنظمة القائمة. ولكن هناك فرق، فحزب سيريزا نتج عن تاريخ مديد، وإعادة تنظيم لقوى الحركة العمالية والشباب، وللحركة المناهضة للعولمة، ويربط بين تيارات من أصول متباينة، أولها تيارات متحدرة من الحزب الشيوعي، ومما سُمي التيارات الشيوعية الأوروبية، والتيارات التروتسكية، وقطاعات يسار نقدي متنوعة.

هذا فيما حزب بوديموس، بعكس حزب سيريزا، حركة من خارج اليسار التقليدي، وغير ناتج عن  إعادة تنظيم الحركة العمالية أو إعادة تشكيلها، رغم تأثيره الكبير في قطاعات المناضلين والاشتراكيين والشيوعيين والنقابيين.

*  تكمن قوته في التعبير عن تجذر قطاع هام من المجتمع، وخاصة الشباب.

* نقاط ضعفه ناتجة عن فتوته، وعن قلة خبرته النسبية، وعن المصاعب التنظيمية..

  • 1 . فهم حزب بوديموس من خلال علاقته بالوضع الإسباني

لا يمكن فهم حزب بوديموس دون إدراك خصوصية الأزمة في الدولة الإسبانية.

أ) أولا،  من خلال عمق الأزمة الاقتصادية. إذ بلغت البطالة 25٪، و 40٪ بين الشباب- و تنامت ظاهرة هجرة ضخمة، وانخفضت القدرة الشرائية بنسبة 17٪ ، وتعرض الأجراء والبرجوازية الصغيرة لإفقار شديد، بالكاد يخففه التضامن العائلي في بعض الحالات ..

ب) ثم، من خلال ظهور حركات اجتماعية واجتماعية- سياسية مع حركة 15 مايو 2011. وحركة الساخطين التي تواصلت في مسيرات الكرامة، وحركة   موجات المد “mareas ” البيضاء في الصحة، والخضراء في التعليم، وأيام إضرابات وطنية، وتعبئات في قطاع الصحة، والتعبئة ضد عمليات إخلاء البيوت بسبب العجز عن سداد الديون والتي تستهدف المصارف، و تعبئة حي  Gamonal التي تصدت في مدينة  برغش لمشروع إعادة تهيئة شارع.

ج) من خلال اندلاع أزمة “مرحلة انتقال ما بعد حكم فرانكو” البادئة مند 1978، وهي أزمة عصفت بسياسة المواثيق الاجتماعية بين النقابات وأرباب العمل؛ وجعل الفساد وأعمال الهيكل المؤسسي السياسي منخورا. وأبرزت أشكال تنازل الملك ذعر قمم الدولة. وقد أضعفت مشاكل القوميات مع الأزمة الكاتالونية وقوميات أخرى أيضا النظام. إن العواقب المجتمعة لأزمة اجتماعية ولهذه الأزمة السياسية هي التي ستخلق أزمة شرعية اجتماعية ومؤسسية لدى الطبقات السائدة – ما يسميه حزب بوديموس “طبقة مغلقة”- وستعطي دينامية سياسية ديمقراطية لحركة الساخطين وللتعبئات الاجتماعية، مع مطلب “ديمقراطية حقيقية”، ووضع السلطات محط تساؤل بأشكال بالغة التنوع: انتقاد قرارات البنوك ومساءلتها، ورفض إخلاء البيوت، ونقاشات شعبية حول كيفية تغيير مسار القرار الديمقراطي …

د) أدى تضافر أزمة اقتصادية وأخرى سياسية إلى أزمة نظام الثنائية الحزبية التي تفجرت بجلاء بعد الانتخابات الإقليمية والبلدية. حصل الحزب الشعبي على 27٪ أي 6 ملايين صوت، لكنه خسر 2.5 مليون صوت مقارنة مع انتخابات 2011؛ وحصل الحزب الاشتراكي  PSOEعلى 25٪ ب 5.5 مليون صوت، لكنه خسر 775000 صوتا. وحقق حزب بوديموس اختراقا في أول مشاركة له في هكذا انتخابات بنسبة 15 إلى 20٪ من الأصوات. وحصل حزب “مواطنون”   Cuidadanos(المتشكل ليكون “بوديموس اليمين”) على نسبة 6.5٪، أي 1.5 مليون. أما  تحالف اليسار الموحد بقيادة الحزب الشيوعي الاسباني، فقد خرج ضعيفا جدا، ولم يعد يعتبر رابع القوى السياسية الوازنة. لقد تم الانتقال من نظام الثنائية الحزبية إلى نظام رباعي.

ه) يعطي إسقاط هذه النتائج على واقع اليوم برلمانا كالتالي: الحزب الشعبي 120 (ناقص 66)، الحزب الاشتراكي: 108 (-2)؛ حزب بوديموس: 37، حزب “مواطنون”: 18. هكذا غدا الوضع مفتوحا تماما: هل سُتـقدم انتخابات نوفمبر عن موعدها؟ هل ستكون ثمة دينامية تراكم تواصل دفع حزب بوديموس أبعد من 20٪؟  قد تمد  فعلا النتائج الحالية، بخاصة في مدريد وبرشلونة، حزب بوديموس بزخم جديد.

téléchargement (1)

2) دينامية حزب بوديموس الإيجابية

نحن إزاء مرحلة سياسية جديدة، وميزان قوى جديد، وانفتاح ممكنات جديدة على أساس سياسة أحدثت قطيعة في التوازن الإسباني.

يعبر حزب بوديموس عن :

* رفض التقشف.

* السيادة الشعبية

* فكرة عملية تأسيسية، عبر مجلس تأسيسي

* حركة خارج النظام ضد الطبقة المغلقة

إنه قوة جذرية مناهضة للنظام القائم ضمن منظور تغيير يربط التعبئة والاستيلاء على السلطة عبر صناديق الاقتراع، وعبر إصلاحات للدولة. لذلك، ثمة نقاط قوة ونقاط ضعف في المنهجية،  فبرنامجه مناهض للتقشف، لكن  في  إطار كينزي إلى هذا الحد أو ذاك، مقتصرا على إعادة توزيع جذرية للثروة والاقتحام الضروري لملكية قطاعات اقتصادية أساسية. إنه يطرح مشكلة التغيير الاجتماعي، ولكن انطلاقا من الدولة. تستوحي هذه الإصلاحية الراديكالية أيضا تجارب أمريكا اللاتينية، كفنزويلا، وإكوادور، وبوليفيا، تحديدا، حيث شكلت الدولة نقطة ارتكاز، لمقاومة الإمبريالية الأمريكية وإن جزئيا.  تكمن مشكلة هذا التصور في أننا إزاء بلد من المركز الإمبريالي لا إزاء بلد بأمريكا اللاتينية المخضعة لسيطرة الإمبريالية الأمريكية. الدولة هي الأداة المباشرة للطبقات السائدة المرتبطة بالرأسمال العالمي، وبخاصة مؤسسات الاتحاد الأوروبي. قد تكون تصورات التغيير الاجتماعي هذه، عبر الدولة، والمرجعيات الشعبوية أو الأورو شيوعية، تصورات مميزة للنزعة الإصلاحية. لكن لا يمكن إدراج حزب بوديموس في إصلاحية الأحزاب اليسارية التقليدية. لسنا إزاء أجهزة تقليدية بيروقراطية. فهذه الإصلاحية لم تتبلور بعد، على أساس مادي، مقارنة مع بيروقراطية الأجهزة الاشتراكية الديمقراطية أو أجهزة القيادات النقابية. هذا يفتح مساحات وممكنات جديدة. قد تتحرك الخطوط الفاصلة.

  1. الحاجة إلى تفكير استراتيجي جديد

في هذه المرحلة، تتمثل المشكلة الأكثر جوهرية في إعادة النظر في الترسيمة التكتيكية والاستراتيجية الذي كانت سائدة لدى فريق قيادة حزب بوديموس.

كانت ترسيمة بابلو اغليسياس الأساسية كالتالي: كان المقصود، تقريبا، تنظيم “غارة” أو “حرب خاطفة”، للفوز بأغلبية برلمانية في انتخابات نوفمبر عام 2015. وقادته سرعة الظاهرة، بمعية فريق القيادة، إلى تركيز سياستهم على فكرة “الفوز”، الفوز بسرعة، على أساس انهيار للأحزاب التقليدية، وبالتالي بناء “آلية انتخابية”  فائقة المركزية– وهذا مصدر خيارات الفريق القائد في مؤتمرات حزب بوديموس. بكل الأحوال، جرى استعمال هذه الترسيمة حجةً لتقليص التعبير عن التعددية وفرض قوائم وحيدة لتمثيل القيادة في مؤتمرات بوديموس- على أساس برنامج وطني شعبي قائم على أدنى قاسم مشترك.

الواقع لا يثبت صلاحية هذه الترسيمة، أو هو ينقصها إلى حد بعيد. طبعا الأزمة مذهلة في إسبانيا، لاسيما بطالة الشباب، ولكن إسبانيا ليست اليونان. فمستوى تنميتها الاقتصادية وقاعدتها الإنتاجية، ونظامها المصرفي، يوجد في مستوى مغاير. وقد انقضت سياسات التقشف على البلد، لكنه غير مستنزف مثل اليونان.

لم تتصدع الدولة كما في اليونان. بالتالي، لا يشهد الحزب الاشتراكي مصير نظيره اليوناني. إنه يحتفظ على وزن انتخابي بنسبة 25٪. ولا زال لدى البرجوازية مقدرات مناورة، فالحزب الشعبي لا يزال في المقدمة. والحزب الاشتراكي لا ينهار. وحتى إن لم ينل حزب “مواطنون” النتيجة المأمولة، فبوسعه أن يزن دائما في مسار خطة إنقاذ للنظام بتحالف مع أحزاب أخرى. وفي هذه الظروف، ليست حكومة حزب بوديموس مرجحة في الانتخابات العامة المقبلة. لذا تظل كل التركيبات واردة: من وضع استحالة “تشكيل حكومة”  إلى نظم تحالفات تضمن استمرار النظام.

لذلك، يتعين أعادة النظر في المشروع المقدم في المؤتمر الأخير لحزب بوديموس:  يتعذر، في ظل ميزان القوى الراهن، نجاح ترسيمة غارة مع آلة انتخابية تفوز على أساس برنامج حد أدنى. يجب إثراء النقاش حول رؤية تكتيكية وإستراتيجية جديدة تجمع بين “حرب مواقع” وتسارعات سياسية.

  1. برنامج الحد الأدنى أو دينامية قطيعة

أبدت قيادة حزب بوديموس، وبخاصة بابلو اغليسياس، مقدرة كبيرة في اختيار مركزة المعركة السياسية، وفي مهارات التواصل السياسي، وخاصة هدف بناء حركة شعبية وطنية لمكافحة “الطبقة المغلقة “. تتمثل إحدى مرجعيات بابلو إغليسياس، ومن معه،  في فكر إرنستو لاكلو، الفيلسوف الأرجنتيني الذي وضع نظرية حول مفهوم “الشعبوية” انطلاقا من تجربة خوان بيرون في الأرجنتين. الشعوبية، بنظر لاكلو، هي هدف لف الجماعة الوطنية حول زعيم على أساس  أدنى قاسم مشترك. تم تحديث هذا المقاربة، حسب بابلو، من قبل التشافيزية. شكلت هذه المرجعيات أساس إستراتيجية التجميع حول “أمور دالة عائمة”  signifiants flottants”، أي مرجعيات عامة تكون قادرة على تجميع الشعب وتشكيله. إنها مفاهيم السيادة الوطنية والعدالة والحقوق الاجتماعية، والمصلحة العامة.

يحاول إغليسياس، العارف لتاريخ الثورة الروسية، تأويل هذه الإستراتيجية بطريقة أشد راديكالية، بل  قارن بشعارات البلاشفة حول “الخبز والسلام والحرية، والأرض”. تنطوي هذه المقاربة على مسألتين تستدعيان فكهما. الهاجس الأول، وهو صائب، متمثل في محاولة تركيز برنامج الحزب السياسي في بعض المطالب أو الشعارات. قد ينتقدني البعض، لكني أعتقد أن قيادة حزب بوديموس على حق إذ تريد القطع مع البرامج فائقة الغزارة، وبالغة التفصيل.. ولكن الأمر الثاني، الداعي للنقاش في بعض أبعاد سياسة حزب بوديموس هذه، هو تلطيف بعض المطالب، بمبرر التبسيط،  لأنها ستؤدي إلى انقسام “المجتمع ” أو تنطوي على مواجهات طبقية بالمعنى الواسع. قد يفضي هذا التصور الاختزالي إلى تجنب قضايا رئيسة، منها مثلا المسائل التالية: إلغاء الديون؟ أي تنظيم للنظام المصرفي؟ مسألة التأميم والملكية؟ كما قد يؤدي هذا التصور الاختزالي إلى تجنب أو بخس قضايا مثل القوميات، وحق وقف الحمل إراديا . إذا كان لابد من التركيز على واحد أو اثنين من المطالب المركزية، فيجب أن تربط بين مشاعر ملايين المواطنين والعمال ومنطق مغاير يشرع في القطع مع التقشف الرأسمالي، ومع سلطة الطبقات المسيطرة.

 ثمة الآن، بوجه خاص مع ظهور حزب “مواطنون” (“حزب بوديموس اليمين”) حاجة  إلى حدود واضحة. وحول هذا جرى نقاش في قيادة حزب بوديموس حول مفهوم “احتلال المركز أو مركز ثقل الحياة السياسية”. وتبلورت مقاربتان. تقوم الأولى على البقاء في “الغموض أو أمور دالة غامضة” لكسب أصوات الناخبين في الوسط، ما يعني عمليا تخفيف البرنامج؛ ومقاربة ثانية مؤداها التركيز على ضرورة الرد على أزمة النظام الرأسمالي، وليس على الفساد المالي وحسب،  وجمع المعسكر الاجتماعي الخاص بنا، من أجراء وعاطلين عن العمل، وطبقات شعبية وحتى “شعب اليسار”، سيما ضد سياسة يمين الوسط التي يمثلها حزب “مواطنون”. وجب بمطلق الأحوال رسم حدود دقيقة بشأن مناهضة التقشف. هذا ما فعله إغليسياس في نهاية الحملة حيث أكد تأكيدا على صيغة حزب بوديموس الأصلية. لقد تحدث عن الشعوبية اليسارية وليس مجرد الشعبوية كما يفعل زعيم آخر من حزب  بوديموس.:  Inego Errejon

5. في مفهوم الشعب

أخيرا، ثمة  بصدد مفهوم الشعب ما يستدعي النقاش. إذا كان القصد صيغة عامة تشمل الطبقات الشعبية، و”الشعب ضد الطبقة المغلقة”، أو من هم في أسفل مقابل المتربعين في القمة… وتسعى إلى تفادي المرجعيات اليسارية  التي أفقدتها قيادات اليسار التقليدي الاعتبار، فلِـمَ لا؟

لكن، إن كان مفهوم الشعب يرمي إلى الكف عن التفكير في المواجهة والمجابهة بدلالة طبقية بالمعنى الواسع، وإلى عدم التفكير في النضالات باستعمال مواضيع محددة لكنها متمفصلة حول النضال ضد النظام الرأسمالي، فالأمر إذن قابل تماما للنقاش. كما يجب تفادي عقبة أخرى متمثلة في مفهوم الشعب بديلا للأحزاب والمنظمات والجمعيات. لكننا رأينا أن واقع الانتخابات البلدية فرض على حزب بوديموس سياسة تجميع. ونقول فرضها لأن قيادة بوديموس لم تشأ في البداية المشاركة في الانتخابات البلدية. لقد قبلت تحالفات وحدوية، ولكن تلك القوائم حققت، ويا لمكر التاريخ، نتائج جيدة، لا بل وسعت نفوذ حزب بوديموس. وحتى أنه حصل بناء ما يسميه رفاقنا “وحدة شعبية” حول المجالس التمثيلية التي شكلت القوائم ونظمت الحملة. وقد بتنا نرى بالفعل أن الدينامية كانت ايجابية جدا في مدريد، ولكن أيضا في برشلونة، وقادس وسرقسطة وغيرها من المدن.

  1. والمسألة القومية

إن للمسألة القومية، اي مسائل كاتالونيا والباسك وغاليسيا، مكانة مركزية في دولة لم تشهد ثورة برجوازية، ولم تضمن من جراء ذلك الظروف الملائمة لتشكيل دولة موحدة. قيادة حزب بوديموس لها رأي آخر. إن إغليسياس إذ يتكلم عن السيادة الوطنية، أو العملية التأسيسية، يفكر في اسبانيا وليس في أمم اسبانيا. ويتناول العملية الـتأسيسية بما هي قطيعة مع دستور 1978، دون أن تشمل عمليات تأسيسية على نطاق قوميات كاتالونيا والباسك. ولا يدافع صراحة على حق  تلك القوميات في تقرير مصيرها.  وإذ يشير إلى اختيار الكتالونيين لمصيرهم، لا يحدد أشكاله. لا بل يقول إنه يفضل بقائهم في الدولة الإسبانية. وفي الواقع ، تمثل المسألة الوطنية، في كاتالونيا كما في الباسك، موضوع توتر في المعسكر الشعبي؛ إن أن قسما من الطبقات الشعبية “استقلالي”، فيما قسم آخر، بخاصة العمال المهاجرين القادمين من مناطق أخرى بإسبانيا، وخاصة الأندلس، لا يشاطرون هذا الشعور. لذا يجب البحث عن سبل تجميع، مع مراعاة هذه التمايزات.

يجب على سياسة تشكل كتلة اجتماعية وسياسية موحدة لجميع الطبقات الشعبية، بكل حساسياتها، أن تنطلق من حق تقرير المصير. يجب أن تتيح طرح مسألة الاستقلال، دون جعلها شرطا مسبقا للتجميع. وهذا ما قام به فعلا زعماء أرضية “برشلونة مشتركة” ، وبخاصة ألدا كولاو Alda Colau . وفي كاتالونيا، سيكون مدعاة أسف بالغ أن يفشل التقدميون في إرساء تحالف يشمل قوى “برشلونة مشتركة” والقوميون المناهضون للرأسمالية  في حزب “ترشيح الوحدة الشعبية”، وأن  يرفض هؤلاء، باسم الاستقلال، بناء كتلة معادية للتقشف. لذا يجب مناقشة شروط مثل هذا التحالف.

images

  1. أي سياسة تحالفات؟

ثمة قضية أخرى معقدة، إنها التحالفات. ليس احتمال قيام حكومة بقيادة حزب بوديموس آنيا، لذا يتوجب تحديد سياسة وحدوية تأخذ بالاعتبار التطلعات الشعبية.

في هذه المرحلة، قدمت قيادة بوديموس توجيهين رئيسين: أولا، بذل كل مستطاع لإزاحة الحزب الشعبي (حزب يشمل قطاعات اليمين واليمين المتطرف ) من السلطة. ولتقريب درجة عنف المواجهة مع الحزب الشعبي إلى الأذهان، نشير، مثلا،  إلى أن عمدة بلدية مدريد دعت سكان المدينة إلى التعبئة ضد “الشيوعية”، و”ضد السوفيات”. إن الاستقطاب الاجتماعي والسياسي حاد جدا. ويقضي التوجيه الثاني برفض أي حكومة إقليمية أو بلدية مع الحزب الاشتراكي، ثاني أحزاب التقشف و”الطبقة المغلقة”. هذه السياسة أساسية، لأن دخول حزب بوديموس، من موقع خاضع، تحالفات يهيمن عليها الحزب الاشتراكي، يعني نهاية فرادة بوديموس المتمثلة في  رفضه نظام “الطبقة المغلقة” وكونه خارج النظام، أي نهاية مصدر قوته.

بعد تأكيد هاذين المبدأين الكبيرين، ستطرح حالات عديدة  في تعيين ترشيحات لمناصب العمدة أو رئيس السلطة التنفيذية الإقليمية. و سوف تناقش بلا شك اتفاقات لمنع الحزب الشعبي من الفوز بمنصب العمدة أو إتاحة انتخاب عمدة من حزب بوديموس. وقد طالب حزب بوديموس وتريزا رودريغيز، بإجراءات دنيا للتصويت لتنصيب حكومة الأندلس، منها خلو تام من الفساد ، ونقل اعتمادات مالية بين أبواب الميزانية لفائدة خدمات الصحة والمدرسة، وقطع منطقة الأندلس مع البنوك التي طردت السكان من منازلهم. رفض الحزب الاشتراكي ذلك، فحصل انسداد. يجب في الآن ذاته النهوض  بالمسؤولية، وتطبيق تفويض الناخبين، ولكن ليس بالتحالف مع الطبقة المغلقة أو قطاعات منها، أي في الحالة هذه رفض تشكيل سلطة تنفيذية مع الحزب الاشتراكي.

  1. أي بناء لحزب سياسي جديد؟

وأخيرا، تنطرح مشاكل إعادة تنظيم حزب بوديموس… إن تعقد الوضع الحالي يطرح مشكلة هيكلة كيان سياسي جديد، طراز حزب على نحو ما، عبر التنظيم- تنظيم وتنسيق الحلقات- تنظيم العمل السياسي، لا الاقتصار على التواصل وتنظيم نقاش وتعددية سياسية داخل حزب بوديموس. وهنا توجد، من جهة أخرى، مفارقة، فمن جهة ثمة السيماء التحررية لحركة 15 مايو، والدينامية الاجتماعية والسياسية الاسبانية، ومن جهة أخرى إغراء المركزية الفائقة حول زعيم وآلة انتخابية، ولكن الواقع أكثر تعقيدا مرة أخرى، لأن أعضاء بوديموس يطمحون إلى تمثيلهم. مثال: تيريزا رودريغيز في الأندلس، وتحالف مدريد، وممثلي سرقسطة وبرشلونة.

ولكن قبل كل شيء، خلقت الانتخابات البلدية وضعا جديدا لحزب بوديموس. بحفزه أو مشاركته في ائتلافات وحدوية، وتنظيم تجمعات تمثيلية لانتخاب المرشحين في القوائم البلدية ومناقشة البرامج المحلية، يمكن أن تشكل هذه الانتخابات مرحلة جديدة في بناء حركة من أجل وحدة شعبية.  المطلوب، بعد هذه الانتخابات، إظهار مقدرات التدبير لدى منتخبي حزب بوديموس الجدد ، و بالأخص جعل هذه المواقع الانتخابية نقطة ارتكاز للارتباط بنضالات الحركات الاجتماعية. ولا سيما، كما أشار رفاقنا في جمعية مناهضة الرأسمالية anticapitalistas، أن المؤسسات ليست محايدة، كما سيتم نصب فخاخ  عديدة لهم من أجل “مأسستهم”. من وجهة النظر هذه، تعد الضرورة الملحة بألا تتجاوز رواتب المسؤولين المنتخبين  1930يورو تعد مقياسا ممتازا لضمان أن يكون المنتخبون مواطنين و أجراء مثل الآخرين…

هل تشهد أوربا انعطافا ؟ أشرنا إلى الوضع الخاص في اليونان والدولة الإسبانية، ولكن ضخامة الأزمة في إسبانيا  وبديل شعبي جذري يشكل تغيرا في الوضع في أوروبا. طبعا، ليست الحالات قابلة للتكرار، ولكن موجة حزب بوديموس مثيرة للاهتمام كثيرا، ليس في الأوساط المناضلة وحسب، بل لدى الشباب وبنطاق أوسع. هذا يدل على إمكان التغيير، وإمكان وقف سياسات التقشف ، وبوجه خاص على إمكان ظهور قوى سياسية جديدة من أجل تحقيق العدالة والمساواة.

المصدر: http://www.europe-solidaire.org/spip.php?article35058

تعريب المناضل-ة

——————————

المداخلة باللغة الفرنسية

 

شارك المقالة

اقرأ أيضا