الحراك ضد قانون العمل: إمكانية لبداية جديدة

بلا حدود6 يونيو، 2016

 

 

الكاتب/ة: جوليان سالانج، أوغو باليتا.
ترجمه‫/‬ته الى العربية‫:‬ وليد ضو      
المصدر‫:‬   http://al-manshour.org/node/6972    

‫الاحتجاجات ضد قانون العمل وعالمه، وحراك نوي ديبو (#NuitDebout أو “مستيقظون طوال الليل”)، ليست مجرد امتداد للنضالات الاجتماعية السابقة، إنما تمثل “‬فجرا سلسلة جديدة من النضالات الاجتماعية والسياسية”، بحسب تحليل أوغو باليتا وجوليان سلانج. وفي مواجهة تطرف الطبقات المسيطرة، التي “تشن ثورة مضادة نيوليبرالية ومستبدة”، يأخذ الاحتجاج الاجتماعي أشكالا جديدة، وطرق جديدة. ويبقى سؤال أساسي ومزعج: “كيف يمكن خلق بديل عن الرأسمالية المتآكلة”؟

عندما تنطلق حركة اجتماعية، يدفعنا الإغراء الأول لقياس التغيرات التي أحدثتها قياسا مع ما سبقها من حراكات، وأحيانا تقتصر المقارنة على الشعارات المرفوعة وعدد المتظاهرين. وأحيانا يساهم المشاركون فيها بتكرار الكلمات والمواقف من الانتفاضات السابقة، كما أشار ماركس في الثامن عشر من برومير نابوليون بونابرت. لكن الأهمية التاريخية للحركة ونجاحها- الفوري أو اللاحق-، لا يمكن أبدا أن تختزل إلى ذكريات مجيدة يعاد إحياؤها، ولا إلى عدد من الأفراد المعبأين. عند الاهتمام بهذه الجوانب، فإنه غالبا ما نفوت تلمس الميزات الجديدة التي تميز الاضطرابات غير المتوقعة التي تعيد تشكيل خريطة الممكن.

إنها لحقيقة أن الحركة الحالية، التي تستمر وسائل الإعلام المهيمنة في إعلان تراجعها، إن لم يكن موتها، قد عبأت عددا أقل حتى اللحظة من تلك التي سجلت خلال عام 2010 ضد إصلاح نظام التقاعد. وبالمثل، فإن التعبئة الناجحة ضد عقد العمل الأول (CPE)، عام 2006، حيث نظمت الجمعيات الطلابية العمومية ومظاهرات أكثر ضخامة. ومع ذلك، يمكن أن تكون للحركة ضد قانون العمل وعالمه- بما فيها ‫نوي ديبو‬- ليست مجرد امتداد للنضالات الجماهيرية السابقة التي ضعفت عقب دورة النضالات الجماهيرية التي انطلقت مع النصر الاجتماعي ضد خطة جوبيه في كانون الأول عام 1995، ولكنها بداية جديدة: تمثل فجرا لسلسلة جديدة من النضالات الاجتماعية والسياسية بعد تراجع الحركات الاجتماعية.

إمكانية القطع السياسي

بداية جديدة، ولكن مماذا؟ من احتجاج راديكالي لعالم فرض علينا ومن الحياة التي نعيشها في ظل النظام الرأسمالي. الاحتجاجات الشعبية في فرنسا التي خرجت في الفترة بين عامي 1995 و2010، وقد اقتصرت على تحدي جانب من جوانب سياسات الانحدار الاجتماعية. وقد ترافقت، خاصة مع نمو الحركة المناهضة للعولمة، مع شعار يوتوبي خلاصي هو: “عالم آخر ممكن”، لكنها فشلت في صياغة مشروع استراتيجي يقطع مع ما سبق ودون أدنى توافق حقيقي على ضرورة وضع حد لهذا العالم، المتشكل تقريبا بالكامل من قبل ولأجل رأس المال. الحركة الحالية تشتمل على هذا الإرث من خلال تجذير جانبها الاحتجاجي واليوتوبي.

في الواقع، وفي ظل قمع القوى الأمنية، وصمم الحكومة وغطرسة أرباب العمل، وما كان يبدو حقا حصريا للناشطين الثوريين أصبح اليوم المعنى المشترك للحركة والمكتسِبة لشرائح جديدة من السكان: التنظيم الذاتي بعيدا عن الأطر التقليدية (ولكن ليس بالضرورة ضدهم)، مناهضة للرأسمالية (بعيدا عن رفض بسيط لليبرالية الاقتصادية)، ضرورة وضع استراتيجيا للإضراب العام والتقارب بين النضالات (الشباب المتخرجين مرورا بالأحياء المهمشة ونضالات الموظفين لرفع الأجور وصولا إلى النضالات البيئية)، كل ذلك في ظل معادة لقمع قوات القمع. لا تزال هذه الصفات جنينية، ونحن غير متأكدين من إمكانية تطورها على نطاق واسع في المستقبل، لكنها موجودة وتفتح إمكانية تحقيق القطع السياسي في المستقبل.

أزمنة هيمنة الطبقة الحاكمة

هذا التجذير يستجيب لتجذر الطبقات الحاكمة، التي استفادت من الأزمة المالية عام 2008 والهجمات الأخيرة لتعزيز وحشية الثورة المضادة النيوليبرالية والتسلط اللذين بدآ منذ عام 1980. كما تجد جذورها أيضا في الأزمة السياسية التي عادة ما نتجاهل مدى عمقها: لا الأمر ليس مجرد سخط مؤقت من الممثلين السياسيين التقليديين، إنما تزايد عجز الأحزاب المهيمنة- والطبقات التي تدافع عن مصالحها- لانتاج موافقة نشطة من السكان لخيارهم السياسي، وخلق الروابط العضوية فيما بينهم وبين قطاعات كبيرة من الطبقات الأدنى. لنقل إنها أزمة هيمنة بالمعنى الغرامشي للكلمة.

لذلك، لا يهم أن نكون متفائلين أو متشائمين حيال الحركة الحالية، على الأقل دون نأخذ وضعية المتفرج مسجلين نقاطا أو منظرين عليه. من الأفضل أن نسجل أن الحراك قد حقق تعبئة. على وجه الخصوص كان له الفضل الكبير لرمي فكرة كارثية هي “اليسار الابتدائي”، التي لم يكن لها سوى أنها عززت الشخصنة، وعدم التسييس، فضلا عن الخلط بين التوجهات غير القابلة للحل والتي يدعمها الحزب الاشتراكي (ومن يدور في فلكه) وبين “يسار اليسار”. المشكلة لا تكمن في تجديد طريقة اختيار أسيادنا أو استبدالهم بشباب أو ناشطين مهنيين في السياسة- حيث مرورهم في مجالس إدارة الشركات الكبيرة سيضمن “الحداثة”- للزعامات المستنفدة للأحزاب التقليدية.

خلق أولي لسياسة غير ممهننة

هذه السياسة ميتة، على الأقل في قدرتها على انتاج مستدام لوهم التغيير التدريجي للنظام، دون الحديث عن التزايد النشاطي. وهي لا تعتاش إلا في حالة الزومبي، تنقذها حالة التجزئة التي فرضها مستشارو التواصل ووسائل الإعلام المهيمنة المركزة على الأجندة الانتخابية. من التصريحات العنصرية إلى الفضائح المالية، من الخطابات البليغة إلى الوعود غير المنفذة، يمكن لكل شخص أن يرى الرداءة التي تضاعفها حالة الخنوع والفساد في السياسة المهنية. إذا كان للحركة ضد قانون العمل وعالمه من فضيلة أخرى، هو أنها إشارة إلى ما يمكن أن تكون عليه “سياسة المضطهدين”، كما قال الراحل دانيال بن سعيد. الوقت الآن هو لخلق، ما زال أولي، لسياسة غير ممهننة تسمح للأغلبية بتولي زمام الأمور، من خلال قيام ديمقراطية حقيقية في كل مكان، في أماكن العمل وصولا إلى أماكن العيش.

هذا يفترض الابتعاد داخل الحركة عينها من الذين خطفوا لصالحهم قوة العدد الأكبر، عن طريق احتكار الشأن العام واضعين هذا الأخير لخدمة تراكم رأسمال، لا يسعى إلا إلى بديل (كاذب) قومي كريه للرأسمالية المعولمة. العالم يتهاوى في كل مكان وراديكالية الحكام تهدد بأخذ كل شيء، بما في ذلك الناس والبيئة، وخلال هروبها إلى الأمام ستكون قمعية ومدمرة أكثر من أي وقت مضى. وحدها الانتفاضات الشعبية، الديمقراطية والمناهضة للرأسمالية، تستطيع أن تخرج الإنسانية من المأزق وحل اللغز السياسي للقرن العشرين الذي ورثناه: كيف يمكن تحقيق بديل عن الرأسمالية المتآكلة، من دون توليد أنظمة استبدادية تقوم على هيمنة بيروقراطية غير مسؤولة؟

* نشر النص باللغة الفرنسية في موقع bastamag بتاريخ 2 حزيران 2016

شارك المقالة

اقرأ أيضا