الولايات المتحدة الأمريكية: سيرك انتخابي حيث رأس المال رابح بجميع الأحوال

بلا حدود10 نوفمبر، 2016

 

 

 

كذب فوز ترامب بالانتخابات الأمريكية معظم التوقعات. ففي فرنسا يخفي العديد من الصحافيين والساسة غيظهم لرؤية مرشح قام بحملة بالغة الديماغوجية يتمكن من الفوز.

لكن قسما كاملا من السكان الذين يصوتون عادة للجمهوريين تماثل مع خطاب ترامب المعادي للمكسيكيين وللمسلمين، ولم يغتاظوا لطي صفحة رئيس أسود لم يقبلوها. والناخبون الانجيليون، المحافظون جدا، صوتوا على ترامب مشمئزين، لأن هذا الرجل تزوج ثلاث مرات، وجلي انه خاتل جنسي بامتياز. لكن النفور من الديمقراطيين كان غالبا.

كما فاز ترامب في الولايات الصناعية في ميدويست، ليس فقط في أوهايو المتأرجحة بين الجمهوريين تارة والديمقراطيين طورا، بل أيضا في ميشيغان المنحازة عادة الى الديمقراطيين. تكاثرت في تلك الولايات حالات اغلاق المصانع وتدهور بها الوضع العمالي. لكن الأجراء الذين حافظوا على فرص عملهم، غالبا ما أعيد النظر في عقود عملهم بضرب مكاسب في التقاعد والأجر.  كما ان حملة ترامب الغوغائية بصدد الحمائية وضد «ترحيل الصناعات” قد اتت أكلها.

كما استعمل ترامب موضوعات الحركة الاحتجاجية “احتلوا وول ستريت” ضد “النظام”، بالتنديد مثلا بارتفاع الاشتراكات الذي رافق اصلاح التأمين الصحي، مفخرة أوباما. وفي هذه الولايات صوت الرجال البيض بكثافة لصالح ترامب؛ مثلها مثل ثلثا رجال أوهايو البيض الذين صوتوا لصالح ترامب، مقابل الثلث لصالح كلينتون، وفي ميشيغان صوت 64% من الرجال البيض لترامب و28% لكلينتون.

طبعا قد يكون 88% من الأمريكيين ذوي أصل افريقي، و65% من الاسبانيك، قد صوتوا لكلينتون. لكنهم لا يمثلون من الناخبين غير أقلية، ولم يتعبؤوا بكثافة أعظم لصالح بطلة وول ستريت. ولا يشارك قسم كامل من السكان، لا سيما الأشد فقرا، في التصويت: لأنه غير مسجل بالقوائم الانتخابية، او لأنه فقد حق التصويت بسبب إدانة قضائية، وتلك حالة ستة ملايين شخص. او لأنه لا يرى رهانا في انتخابات الرئاسة. يوم 8 نوفمبر شارك في التصويت 55% من الامريكيين بالغي سن التصويت. انتخب إذن ترامب من قبل زهاء 60 مليون صوت ضمن زهاء 230 مليون شخص بالع سن التصويت.

 كانت هيلاري كلينتون مدللة أوساط الأعمال والساسة الأوربيين. لكن ذلك ليس أفضل شهادة بأنظار الناخبين من الطبقات الشعبية! كان الديمقراطيون في سدة الحكم طيلة 16سنة من 24 سنة الأخيرة، منها السنوات الثمانية الأخيرة، وقد شهد الناخبون التفاوتات تتعمق ومستوى عيشهم يتراجع. وقد كانت كلينتون شريكة في هذه السياسة على نحو خاص. منذ العام 2008، هزمها في انتخابات الديمقراطيين التمهيدية اوباما الذي كان مغمورا آنذاك. وفي العام 2016، فاز مغمور آخر يقدم نفسه اشتراكيا، في 22 من 50 ولاية، منددا بكلينتون بما هي مفضلة وول ستريت.

تمكن ترامب من الفوز مقدما نفسه كمرشح مناهض للنظام، يا لها من خديعة من قبل ثري من كبار أثرياء العقار! ووعد في خطاب انتصاره بمضاعفة نسبة النمو الاقتصادي، واستعادة فرص العمل الضائعة، وبناء مستشفيات، واصلاح طرقات: يا لها من سينما!  وعلى غرار كل الساسة، سيطبق ترامب ما تريد البرجوازية منه.

أكثر ترامب، في اثناء حملته، وعودا ديماغوجية لن يفي بها.

 وعد بإنهاء الهجرة السرية. وإن كان نجاحه تعبيرا عن تقدم كره الاجانب فقد يؤدي الى مفاقمته.  قد يتخذ ترامب تدابير رمزية، مثل تدعيم جدار على حدود المكسيك. لكن ثمة بلا شك 11 مليون أجنبي بلا أوراق ثبوتية بالولايات المتحدة الأمريكية، وقسم كامل من المقاولات، حتى في امبراطورية ترامب، يشتغل بأجانب أجورهم اقل، ولا نية لها في التخلي عنهم.  ربما ستزداد حالات الطرد، التي باتت كثيرة في ظل حكم اوباما، تكاثرا وستكون حياة المهاجرين بلا شك أشد صعوبة، لكن الهجرة لن تتوقف، فالبرجوازية بحاجة ماسة اليها.

جعل ترامب من الحمائية إحدى جياد معركته، واعدا باستعادة فرص العمل الى الولايات المتحدة الأمريكية. طبعا، تتمنى البرجوازية الأمريكية حماية سوقها الداخلي، وقد باتت الدولة الاتحادية تخوض بقدر ما الحرب التجارية. لكن كبريات الشركات متعددة الجنسية متمسكة ايضا بولوج الأسواق الخارجية العديدة. مجلس الشيوخ ومجلس النواب بهما أغلبية جمهورية ومتحمسان للتبادل الحر. ولن تقوم شركة آبل بإنتاج ايفوناتها وايباداتها في ميدويست بدلا عن الصين!

تنتظر اذن العمال الذين صوتوا لصالح ترامب، آملين تحسين أوضاعهم، خيبات أمل صادمة.

وفي الآن ذاته، ليس معسكر العمال ممثلا في هذه الانتخابات الرئاسية.  رغم ان القادة النقابيين كانوا يدعون الى التصويت لكلينتون، ليست هزيمتها هزيمة لعالم الشغل. يتعين إذن على هذا الاخير أن يسمع صوته في ميدانه الخاص، ميدان النضال الطبقي. في الماضي، ناضل العمال الأمريكيون، لاسيما السود، في ظل حكم رؤساء معادين للعمال على غرار ترامب، ديمقراطيين كانوا او جمهوريين.  وليس فوز رب العمل هذا القتالي هو ما سيمنعهم من الكفاح.

 المصدر: Lutte Ouvrière n°2519

 ترجمة : المناضل-ة

شارك المقالة

اقرأ أيضا