تشريد عاملات سيكوميك بمكناس: من ثمار “نقابة” التعاون مع الدولة وأرباب العمل

 

 

 

 

قرر رب العمل إغلاق الوحدة الإنتاجية لشركة “سيكوميك”(سيكوم سابقا)، وتشريد أزيد من 600 عاملة (عدد العاملات في السابق 1600 عاملة) منهن من قضين قرابة 40 سنة من العمل في شركة النسيج هذه، وعمال وعاملات مقبلون على التقاعد. وقد اشترت الشركة المذكورة الأصل التجاري، دون العلامة التجارية، من شركة سيكوم ذات الصيت العالمي في مجال النسيج، وأساسا الملابس الجاهزة.

مأساة عمالية أخرى جارية

لم تصرف للعمال والعاملات مستحقات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي منذ دجنبر 2016. وتوقف تسديد مستحقات التغطية الصحية أيضا. ولم تسو مستحقات أجور العاملات والعمال لأزيد من أربعة أشهر.

في سنة 2013، قامت شركة “سيكوم”، دون علم العمال، ببيع العقار الذي كان في ملكها (أي الأرض التي مساحتها حوالي 5 هكتارات) إلى أحد الشركاء، والذي ليس سوى شقيق الرئيس المدير العام للشركة. بعدها، قامت الشركة (سيكوم) بكراء العقار من مالكه الجديد، بسومة كرائية قدرها 100.000 درهم شهريا. ولم يتضح كل ذلك حتى سنة 2016. وهي السنة نفسها حيت تم خلق شركة جديدة باسم سيكوميك، ومقرها الاجتماعي هو مقرسيكوم؛ أي أن الشركة الأصلية قد تم تفويتها إلى الشركة الجديدة، طبقا “للمقتضيات القانونية”. في حين كان رأسمال الشركة الأم 5480.000 درهم، فإن رأسمال الشركة الجديدة هو 100.000 درهم فقط.

وقبل بيع الأصل التجاري، قامت إدارة “سيكوم”، في سنة 2014، ببيع وسائل النقل إلى شركة أخرىفي ملك الرئيس المدير العام لـسيكوم. وتدير هذه الأخيرة واسمها (أليانس) مؤسستين تابعتين لها وتشتغلان في نفس مجال اشتغال سيكوميك(الملابس الجاهزة). وتثبت وثيقة يتوفر العمال على نسخة منها استعمال هذه الشركة اسم شركة سيكوم في تعاملاتها التجارية. كما تم نقل المستخدمين الإداريين من شركة سيكوم إلى الشركة الجديدة “اليانس” ونفس الشيء تم بخصوص قسم من العمال…

تنشأ الشركة الأم مؤسسات تابعة لها وتغير أسماءها كل سنتين وتنقل إليها العمال من المؤسسة الأصلية بعقود محددة المدة، وتم خلق إدارة عامة تسير جميع تلك المؤسسات. وفي نفس الوقت، وبالتدريج، نقلت الشركة الآلات الرئيسية من المعمل، وفوتت وسائل النقل للفروع التابعة لها، ويتكرر بشكل متواتر التوقف التقني للعمل ما يؤدي إلى ضياع دخل العمال.

تركت الشركة لتغرق في الديون التي فاقت مليار سنتيم. هناك 2 مليون درهم مستحقة للبنك المغربي للتجارة الخارجية وأكثر من 600.000 درهم مستحقات كراء، أضف لذلكمستحقات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي المقدرة ب 8 مليون درهم.

جزء يسير من إجراءات عدة قام بها المسؤولون عن الشركة الأم، سيكوم تمهيدا لإعلان إفلاس الشركة التي أسسوها باسم سيكوميك ونقلوا إليها العمال لتسهيل تسريحهم. هكذا، في بداية شهر نونبر 2017، أُغلقت الشركة أبوابها، ولم يعد يظهر أثر لمالكيها، ووجد العمال والعاملات أنفسهم مشردين دون عمل، ودون صرف أجورهم المستحقة.

الهدف الرئيسي من كل هذا هو التخلص من العمال والعاملات، بخاصة القدامى المرسمين.

حقوق منتزعة بالنضال في مهب الريح

منذ 2 نونبر 2017، يذهب العمال والعاملات للاحتشاد أمام باب شركة سيكوم، التي استغلتهم منذ تأسيسها سنة 1974 دون حقوق، والتي لم تنفع الالتزامات الموقعة بحضورها أمام اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة (صرف تسبيق قدره 1000 درهم وإكمال صرف ما تبقى من أجور العمال عند نهاية شهر نونبر على أساس استئناف العمال (600 عامل وعاملة) للعمل بداية شهر دجنبر 2017). ولم يثمر الاجتماع المنعقد بمديرية التشغيل في الرباط حلا، فقط “حلقة من حلقات التحايل لربح مزيد من الوقت” حسب العمال والعاملات المشردين والمشردات.

لقد انتزع عمال هذه الشركة حقوقهم بالنضال، فالعاملات والعمال منخرطون نقابيا في الكونفدرالية الديمقراطية للشغل منذ 1994. خاضوا معركة الترسيم وتطبيق قانون الشغل سنة 1996، ومعركة الملف المطلبي الشامل والنقل سنة 1998، ورفعوا دعوى قضائية حول تطبيق المادة 184 من مدونة الشغل، وكسبوها ابتدائيا في 2007، وخسروها في الاستئناف.  وكانت نتائج نضالهم حصولهم على حق الترسيم، والحد الأدنى للأجور، ومنحة الأقدمية، والضمان الاجتماعي، والعطل…

خرجت العاملات للشارع محتجات، وخلال مسيرة احتجاجية وسط المدينة قطعن الطريق الرئيسية المتجهة إلى فاس لساعات طويلة، وحملن المسؤولية في تدهور أوضاعهن لعامل الإقليم. وسبق للعمال والعاملات أن اقتحموا(ن) دورة مجلس مدينة مكناس من أجل طلب تدخل عاجل لإنقاذ أسرهم من التشرد. ونادت العاملات المحتجات بالتضامن والضغط كي يتمكن من انتزاع حقوقهن، خاصة وأن عمالة إقليم مكناس لا تخفي اصطفافها إلى جانب الباترون الذي لا يلقي بالا لكل المحاضر التي وقعت بمقر العمالة.

تضامن نقابي ضعيف يذكر بمآسي عمالية سابقة

انعقد المجلس الوطني للنقابة الوطنية للنسيج والألبسة والجلد، يوم الأحد 26 نونبر 2017، بمقر الاتحاد المحلي للكونفدرالية الديمقراطية للشغل بالدارالبيضاء، وبعد أن وقف على الوضع السياسي والاجتماعي الكارثي في البلاد، واستنكر كل شيء، وشجب وندد، وقرأ الفاتحة على ضحايا مـأساة الصويرة، وسجل “محاولات لتشريد ما يزيد عن 3000 فرد عبر إغلاق المؤسسة في وجه العاملات والعمال”، وبعد أن “حلل وضعية القطاع” دعا “الحكومة إلى تحمل مسؤوليتها فيما يعرفه القطاع من فوضى وتسيب”… وأكد ” تضامنه اللامشروط مع شغيلة شركة سيكوميك سيكوم سابقا، وطالب المسؤولين بالتدخل لحماية مناصب الشغل والحد من إغلاق الشركات” وأعلن أنه “يخول صلاحية اتخاذ كافة التدابير النضالية (كذا، دون تحديد لمن خول) لمواجهة كل أشكال العسف والتضييق والحيف الذي يطال شغيلة سيكوميك سيكوم سابقا.”

لقد سبق أن وقعت مآسي عمالية كبيرة جراء إغلاق المؤسسات التي يفنى فيها العمال زهرة عمرهم. نذكر على سبيل المثال، حالة عمال شركة سامير، الشركة الوحيدة المختصة في تكرير وتجارة النفط بالمغرب عبر مصفاتها في مدينة المحمدية (بين الرباط والدار البيضاء) بطاقة إنتاجية تبلغ 125 ألف برميل يوميا. لقد تقررت التصفية القضائية لهذه الشركة بعد تشريد أكثر من ستة آلاف مستخدم وعامل. إنها مأساة أعدمت آمال آلاف الأسر.

كما تم تسريح أكثر من 500 عامل يشتغلون بشركة “المغربية للصلب”بالدار البيضاء، بعد عقود من الاستغلال بأجور بئيسة وشروط عمل خطيرة… علما أن هذه الشركة كانت مربحة وفي تطور مستمر، وقد سبق لمديرها العام أن أشار على هامش أشغال المؤتمر الدولي للصلب (قمة الصلب العربية 2010) بمراكش، أن استهلاك الحديد بالمغرب شهد نموا متزايدا بلغت نسبته حوالي 10 في المائة حيث ارتفع من 974 ألف طن سنة 2000 إلى مليونين و200 ألف طن سنة 2008 . وأشار في هذا الصدد إلى أن المغرب في تطور مستمر في هذا الميدان حيث ستمكن الوحدات الإنتاجية الجديدة، المغرب، من إنتاج 5ر 2 مليون طن سنة 2010، وهو ما يفوق احتياجاته الحالية ويؤهله الى تصدير الفائض.

وشهدت أيت ملول بمنطقة أكادير مأساة حقيقية بعد تشريد زهاء 700 أسرة عمالية، ومالك الشركة هي أسرة “بيشا” المستغلة لآلاف العمال في قطاعات متعددة من تصبير اسماك، فواكه، بناء، محطات بنزين، عجلات، توزيع المواد الاستهلاكية وفلاحة. وكانتتقهر العاملات والعمال بظروف عمل قاسية واجور ناقصة (نصف الأجر القانوني) وانعدام للضمان الاجتماعي.

في هذه الحالات، التي سقناها كمثال عن فرط الاستغلال والتشريد، ظل العمال يقاومون ويحتجون مطالبين، من بين مطالب أخرى، بالعودة إلى العمل وصيانة حقوقهم، لكن الرأسمال الخاص والدولة راعيته، كان لها رأي آخر: القمع والاعتقال والمتابعات، وضمان السير العادي للاستغلال وجني الأرباح وتراكمها. في حالة سامير تم فتح سوق المحروقات وجعله مجالا لجني الأرباح وتراكمها. وبخصوص الحالتين الأخريين جرى التماطل والتسويف وفي الأخير التضحية بالعمال وأسرهم على مذبح المصلحة المقدسة للرأسمال الخاص، أي إخضاع العمال وعصرهم دون أي قيود على صرفهم وتشريدهم. أما بيروقراطية النقابات فرافقت هذه المعارك العمالية الكبيرة والبطولية دون تعبئة أو نضال يبقي على شغل العمال ويحفظ حقوقهم ومكتسباتهم.

إنها معارك عمالية متواترة ضد بطش الرأسمال ودولته، تكرر الواحدة مأساة الأخرى، وتموت جراء عزلتها وغياب التضامن، وبخاصة لأن القمم المسيطرة على النقابات العمالية مستنكفة عن النضال، وعن نصرة المعارك العمالية في وجه الاستغلال والحرمان من أبسط الحقوق بما فيها تلك التي يضمنها قانون الشغل نفسه، الذي ساعدت على تمريره.

إنها إحدى الثمار المرة لما دأبت القيادات النقابية على تسييده على حساب تقاليد الكفاح الطبقي: نقابة استجداء الحوار والتضحية بمصالح الشغيلة باسم “تنافسية المقاولة” و”مصلحة الاقتصاد الوطني” و”الاستقرار”، …

إنها معارك عمالية تشير إلى أوجب واجبات يسار نقابي حقيقي يكافح من أجل بناء النقابة العمالية بناء كفاحيا وديمقراطيا على أسس التضامن الطبقي الضروري من أجل خلق إمكانية انتصار العمال وهم يواجهون أرباب عمل جشعين ودولة ترعى مصلحتهم بالقمع المباشر وبتشريعات قمعية متنوعة.

النصر لمعركة العاملات والعمال

سليم نعمان 

شارك المقالة

اقرأ أيضا