معركة عاملات سيكوميك: صمود بوجه الباطرونا وبوجه البيروقراطية النقابية

غير مصنف20 يناير، 2024

بقلم: العاصي

تسجل عاملات وعمال سيكوميك في مكناس منذ نهاية أكتوبر 2017 ملحمة نضالية قوامها الصمود في المطالبة بحقوقهن/هم بوجه رب عمل متعنت استقوى بممثلي سلطة المدينة. تشكل معركة العاملات تجربة عمالية فريدة من نوعها صمودا وفضحا لمناورات تواطؤ السلطة ورب العمل. تهرباً من تلبية مطالب من قبيل تأدية أجور متأخرة وإعادة فتح المعمل المغلق والالتزام بمقتضيات مدونة الشغل، تم مرارا جر العاملات إلى لجن مصالحة فارغة وطُرحت الأسئلة في البرلمان ونُوقش أمرهن في دورات جماعة مكناس وبُعثت المراسلات إلى أعلى المراكز دون جدوى. جُوبه العمال والعاملات تارة بالقمع وتارة أخرى بوعود طال انتظار تنفيذها إلى غاية كتابة هذه الأسطر. رغم كل محاولات كسر صمودهن، تستمر العاملات منذ سنوات بكل ما أوتين من جرأة قل نظيرها في الخروج احتجاجا حتى تحقيق مطالبهن: وقفات احتجاجية، اعتصامات مسيرات محلية، المشاركة في وقفات ومسيرات وطنية أمام البرلمان.
احتضنت نقابة كدش محليا معركة العاملات حتى بداية العام 2023 عبر توفير المقر ومرافقة كل حواراتهن وإصدار بيانات تذكير بين الفينة والاخرى. ونشير هنا أن الاتحاد المحلي لم يدع يوما إلى إضراب إقليمي أو تضامني معهن، لذا طرح السؤال البسيط هنا واجب: ما جدوى نقابة مركزية ذات قطاعات متعددة إن لم تكن تنظيم وحفز تضامن قطاعي بين فئة الطبقة الواحدة، الطبقة العاملة؟ كانت النقابة محليا تعول على أن طول الحوارات والسنين والبطالة والغلاء سيكسران همة العاملات ويجعلنهن يتراجعن عن المطالب ومواصلة الاحتجاج. لكن ما حصل أن قوتهن بعدالة المطالب زادت.
عاملات يكسرن « السلم الاجتماعي»
أكيد أن صمود واحتجاج عاملات لخمس سنوات أزعج هدوء «سلم اجتماعي» متفق عليه بين قيادات نقابية ودولة أرباب عمل تعمل جاهدة على مواصلة امتصاص عرق الشغيلة دون رد. فكان أن تفرجت قيادة النقابة وطنيا على أحد خدامها (عضو نقابة التعليم بك.د.ش) يهاجم دون احترام بلغة دنيئة حزب النهج الديمقراطي العمالي والجمعية المغربية لحقوق الإنسان بمبرر تدخلهما في معركة عاملات سيكوميك. تم هذا الأمر أمام أنظار قيادة ك.د.ش الوطنية. كما تم إصدار قرار محلي كونفدرالي يوم 9 يوليوز 2023 قضى بطرد المكتب النقابي لعمال وعاملات سيكوميك بكامله، ومعه أعضاء المجلس النقابي ومندوبي الأجراء ونوابهم، تحت مبرر التهجم على أحد قيادي النقابة محليا وعدم التقيد وتغيير في برنامج نضالي. كما صدر بيان المكتب الوطني للنقابة الوطنية للنسيج الألبسة والجلد، في اليوم التالي لقرار الطرد، زكى التخلص النهائي من شغيلة سيكوميك من كدش. لكن صمود العاملات، ومكتبهن النقابي، والتمسك بالنقابة في إطار ك.د.ش، وما يسببه ذلك من إحراج وحتى فضح لحقيقة الديمقراطية في المركزية النقابية، فرض اعادة نظر في الأمر. فأرسلت قيادة الك.د.ش لجنة منتدبة لطي الملف اجتمعت يوم 8 غشت 2023 أولا مع المكتب النقابي، ثم مع العاملات انتهت بعودة المكتب النقابي و مندوبي الأجراء إلى أحضان النقابة مع رفع الاعتصام. استبشرت العاملات خيرا، لكن في نفس اليوم جرى تقديم شكاية ضد إحدى النقابيات النشيطات من طرف أحدى أعضاء قيادة الاتحاد المحلي لكدش توبعت على إثرها قضائيا.
لم يتوقف الأمر هنا، بل وصل الأمر حد طرد العمال والعاملات من النقابة نهائيا منتصف شهر دجنبر 2023 بناءا على مراسلة المكتب التنفيذي لكدش لعامل إقليم مكناس. كان مبرر الطرد هو التهجم والتعرض لقيادي في النقابة محليا ونائب الكاتب العام لكدش وطنيا.
قيادة كدش»الشراكة والسلم الاجتماعيين» أولا
معركة عاملات سيكوميك الخمسمئة لم تكن يوما من أولويات قيادة نقابة ك.د.ش وطنيا محليا أو وطنيا. لم تقم المركزية يوما بتنظيم تضامن وطني، أو ندوة وطنية، أو مهرجان تضامن وطني، أو قافلة تضامن، بل قد تكون ضغطت لإلغاء تلك القافلة التضامنية التي دعا اليها حزب النهج الديمقراطي العمالي في أكتوبر 2022. قيادة المركزية تعودت على توجيه المعارك العمالية الكبرى بانتزاع تسييرها من المعنيين، وقد سبق ان سبب ذلك كوارث لعل أخطرها العصف بمعركة عمال الفنادق وقطاعات أخرى بورززات سنة 2013 بأشراف مباشر من المكتب التنفيذي لك.د.ش. الفرق في حالة سيكوميك أن العاملات تمسكن بقرارهن الديمقراطي، فلولاه لتم طي الملف منذ زمان.
يبدو الهدف واضحا من إجراءات نقابة كدش ضد عاملات سيكوميك: التخلص من عاملات يزعجن سلما وشراكة اجتماعيين قائمين. قيادة نقابية تطمئن ارباب العمل باستقرار الشغل والأرباح وارباب عمل يضمنون الجلوس على كراسي الحوار والحصول على الامتيازات. ببساطة، كرهت قيادة كدش محليا ووطنيا استمرار عاملات سيكوميك في الاعتصامات والاحتجاجات ضاربة عرض الحائط كل ما تبنيه الدولة من سمعة داخلية حول فوائد المصالحة والتحكيم وبالنسبة للقيادة النقابية فهو تسفيه كل أكاذيب المقاولة المواطنة والشراكة الاجتماعية.
تساؤلات رفاقية
إن تقييم ما تتعرض له معركة عاملات سيكوميك في مكناس، يستوجب أيضا تقييم أداء اليسار حرصا على التواجد في القيادة والقبول بمنطق « الشراكة الاجتماعية « في الكونفدرالية الديمقراطية للشغل. عبر مناضلي حزب النهج الديمقراطي العمالي عن تضامن منقطع النظير مع العاملات والعمال. تضامن جسده حفز حضور العاملات في مسيرات الجبهة الاجتماعية وفي وقفات الجمعية المغربية لحقوق الانسان… لكن علينا التأكيد رفاقيا أن هذا التضامن والعمل ناقص رغم كل شيء. فلماذا يا ترى جرى الغاء القافلة التضامنية مع العاملات التي كان دعا لها حزب النهج الديمقراطي العمالي، بعد اعلان مكتبه السياسي تأجيلها فقط (بلاغ 28 اكتوبر 2022).؟ هل نقبل كيسار ان تستعمل البيروقراطية مناضلين منا ممثلين بالقيادة المركزية للنقابة لتهاجم الشغيلة وتجرهم الى المحاكم لانهم متمسكون بحقوقهم؟ لقد سبق في العام 2013 تدخل فوقي، حين ارسلت قيادة ك.دش مناضلا يساريا جذريا ليوقف معارك عمالية في ورزازات (1)، لم تقم لعمل نقابي كفاحي في ورزازات قائمة إلى اليوم بسببها. ما جاء في كتاب» المخاض النقابي والسياسي العسير1999–2013، ورزازات تتحدث بلسان حالها عن المغرب»[1]، طرح هذا المشكل بحدة، ولم يصدر بشأنه أي نقد ذاتي، واليوم يصمت قياديون من اليسار، سواء في نقابة التعليم ك.د.ش (التي استعمل احد اطرها لمهاجمة شغيلة سيكوميك)، او المكتب التنفيذي عما يتعرض له الشغيلة من بطش بيروقراطي. هل يخدم هذا تقدم اليسار في بناء ادوات نضال الطبقة العاملة، النقابية والسياسية على السواء؟
1 ـ «اﻟﻣﺧﺎض اﻟﻧﻘﺎﺑﻲ واﻟﺳﯾﺎﺳﻲ اﻟﻌﺳﯾر 1999–2013، ورزازات ﺗﺗﺣدث بلسان ﺣﺎﻟﮭﺎ ﻋن اﻟﻣﻐرب، حميد مجدي، وردي اﺳﺗثمار للطبع واﻟﻧﺷر واﻟﺗوزﯾﻊ، ص 484.

شارك المقالة

اقرأ أيضا