في سيكوميك وفي غيرها: لا لمحاربة التضامن العمالي

الافتتاحية19 يوليو، 2023

شهدت الساحة العمالية المغربية حدثا خطيرا، ليس بفعل وقعِه الآني على معركة عمالية جارية وحسب، بل لدلالته العميقة. فقد أصدر جهاز نقابي للكونفدرالية الديمقراطية للشغل بمدينة مكناس، يوم 9 يوليوز 2023، قرارا يقضي بطرد المكتب النقابي لعمال وعاملات سيكوميك بكامله، ومعه أعضاء المجلس النقابي ومندوبي الأجراء ونوابهم. ما يعني فك كل صلة بشغيلة هذا المعمل الذين يخوضون منذ 2017 نضالات من أجل حقوقهم بوجه رب العمل المتملص من واجباته، وكذا مختلف السلطات المسايرة له.

هذا القرار طعنة من خلف لعاملات وعمال صامدين- ات في عز معركة مصيرية. وجلي أن الغاية الآنية من هذا العسف هو التخلص نهائيا من ملف سيكوميك الذي أشرف على تدبيره عضو بالمكتب التنفيذي للكونفدرالية الديمقراطية للشغل، برضا وتوجيه طبعا من هذا الجهاز القيادي. الأمر الذي يؤكده صدور بيان المكتب الوطني للنقابة الوطنية للنسيج الألبسة والجلد، في اليوم التالي لقرار الطرد، حيث وردت تزكية صريحة لاستبعاد شغيلة سيكوميك من كدش.

كانت الذريعة المستعملة ضد شغيلة سيكوميك، فضلا عن إساءة مزعومة للمسؤولين النقابيين محليا ووطنيا، زعم عدم الانضباط لبرنامج نضالي، قيل إن إحدى جوانبه خضع لتغيير، تمثل في نقل الاعتصام من أمام مقر عمالة مكناس إلى أمام مقر الكونفدرالية.

حتى لو صحت هذه المؤاخذة، فلا تستدعي طردا نهائيا لنقابة شغيلة سيكوميك. وحتى إن كان المكتب النقابي لسيكوميك قد ارتكب كبيرة من الكبائر، فالحل في عقد جمع عام، ينظم نقاشا ديمقراطيا لكافة العمال والعاملات، ويقيل المكتب وينتخب آخر. باختصار كل المبررات المسوقة ما هي إلا اختلاق للتخلص من ملف سيكوميك من جهة، ولبعث رسالة إلى من يهمهم الأمر، في ربوع المغرب وخارجه، فحواها منع التضامن العمالي بصفة قطعية.

فهمُ هذا الحدث يكون بوضعه في سياقيْه  المباشر والعام. فقبل استصدار قرار طرد نقابة شغيلة سيكوميك بأكثر من أسبوع، شرع مسؤول كونفدرالي، من قادة النقابة الوطنية للتعليم، بحملة هوجاء وساقطة ضد حزب النهج الديمقراطي العمالي، في علاقة مع معركة سيكوميك، مستعملا قاموسا لا ينم عن أدنى احترام لحزب مناضل لا يبرر أي خلاف مهما عظم نعته بشتائم شتى (ومعه أحيانا الجمعية المغربية لحقوق الانسان، ونقابة الجامعة الوطنية للتعليم/ توجه ديمقراطي). وتمادي هذا الشخص في حملته بنحو سرعان ما اتضح معه أن حملة العنف اللفظي لا بد أن تكون حظيت برضا (إن لم يكن توجيه من قيادة ك.د.ش) وبهذا لم يكن قرار الطرد سوى خاتمة لهذه الحملة الشعواء.

الافتراءات بصدد أكباش العيد التي منحتها عمالة مكناس لشغيلة سيكوميك تلفيق من قِبل من كان يبحث عن ذريعة لإنزال الضربة ليس إلا.

اما السياق العام فهو تقصير القيادة الكونفدرالية في مساندة معركة شغيلة سيكوميك، تقصير محكوم بمنطق “الشراكة الاجتماعية” و”السلم الاجتماعي” الذي جاء بأمَرِّ ثماره في اتفاق 30 أبريل 2022 الذي بصمت عليه قيادة ك.د.ش.

فعوض تعزيز أشكال التضامن التي حظيت بها المعركة (زيارات تضامنية متواصلة لمحطات نضال العاملات، الدعوة لقافلة تضامنية من طرف حزب النهج الديمقراطي العمالي ألغيت في آخر لحظة ، المشاركة المكثفة في مسيرة الجبهة الاجتماعية في الرباط نهاية العام2022،…)، وذلك بتنظيم حملة وطنية للتضامن، تكون بالأقل على غرار القافلة الوطنية التي نظمتها كدش في 2016 تضامنا مع عاملات مصبرات ضحى المطرودات، وبدل تشكيل لجنة تضامن وطنية تعزز جهود مناضلي كدش ومناضلاتها بمساهمة مناضلين- ات عماليين- ات من مشارب أخرى، على غرار اللجنة الوطنية لدعم عمال منجم ايميني بورزازات المشكلة في فبراير 2005 من قوى سياسية ونقابية وحقوقية وجمعوية مناصرة لمعركة العمال المنظمين في كدش؛ بدل هذا كله ظلت قيادة كدش متخلفة عن الواجب والوقت يمضي ووضع العاملات والعمال في تدهور مستمر، كأن الموقف هو انتظار استنزاف قواهم لطي الملف.

ما نحن بصدده في هذه الواقعة هو ضربة شديدة للتضامن العمالي، المفترض ألا يقتصر على التفاتات بالبيان التضامني بين نقابات نفس المركزية، بل يتجاوز الحدود المصطنعة بين القطاعات المناضلة، ويمتد إلى القسم غير المنظم من الطبقة العاملة. وبالأخص أن يكتسي أشكال تعبئة ميدانية من شأنها الضغط والتأثير في ميزان القوى.

العادة الجارية، والمتزايدة وقعا، أن تقوم قيادة المركزية النقابية باشراف مباشر على تسيير النضالات التي تكتسي أهمية تفوق المتوسط. وقد يكتسي ذلك شكل تكليف أعضاء من القيادة العليا، أو الزعيم الأول نفسه، بالتدخل في التفاوض وحتى في اختيار أشكال النضال، وأحيانا لوقف كل نضال. مثال هذا الأبرز تدخل المكتب التنفيذ لكدش في ورزازات (بمشاركة مسؤول قيادي من اليسار الجذري) لوقف اعتصامات عمالية، أدى عمليا إلى تدمير التنظيم الكدشي بهذه المدينة تدميرا لم ينهض منه بعد عشر سنوات.

ومن الملحوظ أيضا الكيفية المنهجية التي يتدخل بها الأمين العام للاتحاد المغربي للشغل شخصيا حتى في حالات تهم نقابة هذا المصنع أوذاك.

تدخل القيادة قوامه الوعد بأن الاتصالات بالجهات المعنية من أرباب عمل وسلطات ستفضي إلى حل، وإيهام الشغيلة بأن سؤالا بمجلس المستشارين، أو اتصالا هاتفيا بوزير، سيزن في ميزان الصراع، وتبنيج الشغيلة بالوعود الرسمية التي لا دور لها في غياب نضال ميداني غير ربح الوقت لصالح رب العمل.

وتقوم القيادة بوجه اندفاع الشغيلة إلى النضال، بعد اتضاح زيف الوعود وحيل المماطلة، بابتزاز القاعدة العمالية بالتهديد بالانسحاب من الملف وترك الشغيلة يواجهون مصيرهم. وبالنظر إلى نقص التضامن وانعدام تقاليد التنظيم الذاتي (لجنة الاضراب المنتخبة من كافة الشغيلة، منظمين نقابيا وغير منظمين)، غالبا ما يكون الشغيلة في حالة ضعف تجعلهم يقبلون ابتزاز القيادة، فيسلمون لها أمرهم. وفي معظم الحالات ينتهي الأمر إلى هزيمة نكراء [ أبرز أمثلتها في السنوات الأخيرة تشريد أكثر من 500 عاملة  تحت لواء كدش بمعمل التصبير ضحى بايت ملول/ اكادير].

يجري هذا كله مع النظر بعين متحفظة إلى أشكال التضامن التي قد تصدر من جهات حقوقية أو جمعوية أو سياسية. وقد عاش متضامنون/ات مع نضالات محلية حالات من تأليب الشغيلة عليهم من قبل الجهاز النقابي الرافض عمليا للتضامن.

هذا الرفض منطقي من وجهة نظر الأجهزة البيروقراطية، إذ من شأن التضامن أن يطور المعركة العمالية في وجهة لا ترتضيها البيروقراطية المحكومة دوما بمنطق السلم الاجتماعي، واعتبار الإضراب وغيره من أصناف النضال الميداني “أبغض الحلال”.

النقابيون- ات وواقعة سيكوميك

لوحظ بوجه عام عدم تصدي معظم نقابيي- ات ك.دش على مختلف المستويات للعنف اللفظي الذي مارسه بأحط الأساليب مسؤول نقابة التعليم ك.د.ش الذي نفذ الحملة الممهدة لقرار استبعاد نقابة شغيلة سيكوميك من الكدش. وهذا بحد ذاته ينم عن داء فقدان مناعة نضالية مستشرٍ في مختلف النقابات العمالية بفعل تردي المستوى السياسي، وعن فتك منطق “فخر الانتماء” (عبادة اللوغو النقابي) بالوعي الطبقي للنقابيين- ات. إن ما أقدم عليه مسؤول نقابة التعليم الكدشية مدان ألف مرة، ولا يمت بصلة لتقاليد الحركة العمالية المناضلة، شأنه في ذلك شأن اتخاد قرارات طرد مغرضة في عز معركة عمالية.

ليست واقعة سيكوميك حدثا عابرا يعالج بالصمت والتغاضي، ولا بتمنيات تدارك الأمر بتدخل من المكتب التنفيذي لكدش، مثلما تمنى أحد الرفاق من قادة حزب النهج الديمقراطي العمالي، بل بالنظر مليا في ما جرى بعين مصلحة الطبقة العاملة، وفضح اندراجه الصريح في محاربة التضامن العمالي، ومن ثمة العمل لتكريس تقاليد هذا التضامن بمختلف السبل، بين قواعد مختلف النقابات، وبلجان مختلطة، تجمع الحقوقيين- ات ومناضلي- ات القوى السياسية اليسارية وناشطي- ات الجمعيات وحتى أفراد بلا صفة حركية. إن العمل بمنطق دع العاصفة تمر خاطئ ، لأن واقعة سيكوميك رسالة قاطعة، رافضة للتضامن العمالي، لن يؤدي الصمت إزاءها سوى إلى تكريس تقاليد غريبة عن الحركة العمالية وناسفة لها.

المناضل-ة 

 

شارك المقالة

اقرأ أيضا