النضال ضد البطالة: إنعاش تجارب النضال ودمجها بالنضال العمالي والشعبي

الشباب و الطلبة15 أبريل، 2018

 

 

 

أكترث الحكومات المتعاقبة الحديث عن استقطاب الاستثمارات الخارجية لتقليص نسب البطالة، والواقع يبرز عكس ذلك تماما، ارتفاع مهول في بطالة الشباب، إذ أن قرابة 40 بالمائة منهم مهددون بالبطالة، المتفشية بالأخص في أوساط المتعلمين وهي تطال 24 بالمائة من حاملي الشواهد الجامعية والمهنية.

لم تعد الوظائف كافية لخفض بطالة الخرجين بفعل السياسات المفروضة التي ينهجها الحاكمون الفعليون لهذا البلد. لقد امتدت البطالة لتشمل حتى الكفاءات العليا، علما أن المغرب يشهد خصاص وظائف كبير في قطاعات مثل التعليم، والصحة وغيرها.

تخلت الدولة عن توفير وظائف كافية لأبناء الفقراء، بهدف تخفيض كتلة الأجور، التي تقول إنها تتجاوز 11 في المائة من الناتج الوطني الإجمالي. إنها تنتج المزيد من حاملي الشهادات التقنية لتوفر يدا عاملة بخسة تتنافس للظفر بمنصب شغل لدى قطاع خاص لا يهمه تلبية الاحتياجات الأساسية لأبناء الفقراء، ولا مساهمة معتبرة له في تقليص بطالة خريجي الجامعات والمعاهد.

 أبدعت الدولة في وضع برامج عديدة غايتها القصوى تضليل الشباب كي لا يدرك حقيقة سياستها، ودرء لأي رد فعل جماعي منظم محتمل. فعلاوة على عقد مناظرات وطنية وجهوية حول التشغيل، عملت على تأسيس الوكالة الوطنية للتشغيل ANAPEC، وهي مؤسسة للسمسرة في اليد العاملة خاصة خريجي المعاهد والكليات، وأشرفت على برنامج المقاولين الشباب “التشغيل الذاتي”، من أجل تشجيع الشباب على الاستثمار والدخول إلى عالم المال والأعمال، هذا العالم الذي أصبح جراء المنافسة يلفظ حتى من لهم تجربة عريقة في الميدان.

لم يكن تراجع الدولة عن التشغيل بلا رد فعل من الشباب، وإن تم ذلك خارج المنظمات النقابية، فمند بداية تسعينيات القرن الماضي أتمرت جهود خريجي الجامعات المتمرسين في النضال الطلابي عن تأسيس الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين بالمغرب، واجهتها الدولة بالحصار والقمع وحرمتها من الوجود القانوني، بل وصل الأمر نتيجة قمع الدولة الأهوج إلى سقوط شهداء بين منتسبيها ولم يتنيها ذلك عن النضال، فانتشرت فروعها في شتى مناطق المغرب، واتخذت الشارع فضاء للاحتجاج ضد سياسة الدولة في التشغيل، فانتزعت مكاسب للشباب المعطل. ويعود لها الفضل في نقل تقاليد النضال إلى مناطق نائية، بما في ذلك قيادة الحراك الاجتماعي في بلدات عديدة.

وفي أواسط تسعينيات القرن الماضي والعقد الأول من القرن الواحد والعشرين، ظهرت مجموعات خاصة بالدكاترة، وحملة الماستر رابطت في الرباط بأشكال احتجاجية شبه يومية، وقاطعت مختلف المباريات، وبدورها واجهتها الدولة بقمع همجي أسقط من بينها عدة ضحايا، واستطاعت مجموعات عدة إجبار الحكومات على الرضوخ لبعض مطالبها.

يشهد نضال الشباب من أجل الشغل تراجعا كبيرا مؤخرا، خاصة مع اتخاذ إجراءات هشاشة العمل، وبعد أفول التململ النضالي المنبعث سنة 2011، وخصوصا بعد تبني الدولة مرسوم التعاقد، الذي أقبر حق الشباب في عمل لائق. فانحصر نضال الجمعية الوطنية في بضعة فروع، ولم تعد المجموعات المرابطة بالرباط تضم إلا عناصر أقل من السابق.

يلزم للظفر بمكاسب جديدة أن تتوحد جهود ما تبقى من فروع جمعية المعطلين، ومجموعات الدكاترة والماستر في إطار موحد يجمع شتات ما تبقى منها، وأن تعمل النقابات وخاصة فروعها المكافحة على إدماج المعطلين حاملي الشواهد بين صفوفها، وتتخذ النضال ضد البطالة التي تهدد حتى من لا زال محافظا على فرصة عمله من بين مهامها الآنية، وترفع من بين راياتها النضال من أجل الشغل للجميع والأجر اللائق والمتساوي، وحق المعطلين وفاقدي الشغل في تعويض ملائم عن البطالة وفقدان العمل.

على الكفاحات الجارية في مدن عدة كالريف وجرادة وغيرهما، أن تضع النضال من أجل الرفع من الميزانيات المخصصة للقطاعات الاجتماعية كالصحة والتعليم على قائمة أولوياتها، إذ من شأن ذلك، من جهة، توفير فرص الشغل للشباب، ومن جهة أخرى، تلبية حاجة أبناء الشعب لخدمات اجتماعية ملائمة، مجانية وجيدة، وذلك ما لن يتحقق سوى بدمج النضال من أجل تلك المطالب بالنضال من أجل تحقيق استقلالية القرار السياسي عن أملاءات المؤسسات الامبريالية والامتناع عن أداء ديون لا شرعية ما فتئت تستنزف ثرواتنا الوطنية، عوض تخصيصها للرفع من الميزانيات الاجتماعية التي من شأنها خلق فرص الشغل للشباب.

إن القضاء التام عن البطالة لن يتم سوى بالقضاء على أصلها، وذلك بدك النظام الرأسمالي المسؤول عن كافة الشرور، وبناء مجتمع بديل يعطي الأولية لتحقيق الحاجات الإنسانية وليس الأرباح، وهو ما يلزم بناء أدوات النضال العمالي والشعبي على أسس كفاحية، وبناء حزب العمال. 

بقلم، مقدام القلعاوي

شارك المقالة

اقرأ أيضا