كارثة حرائق الأمازون؛ نمط الاستغلال الرأسمالي يهدد باختناق رئة الأرض

البيئة5 أكتوبر، 2019

  

تتعرض غابة الأمازون لكوارث بيئية بشكل مستمر، يهدد بإتلاف قطاع غابوي مهم للحفاظ على التوازنات الإيكولوجية للكرة الأرضية، المهددة دوما بسبب نمط الإنتاج الرأسمالي الذي يسود العالم. مما يفرض ضرورة تعبئة عالمية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، حماية للحياة على وجه الأرض.

غابات الأمازون ودورها في التوازنات الإيكولوجية

تعد غابات الأمازون من الغابات الاستوائية المطيرة، تمتد على جزء مهم من أمريكا الجنوبية، تغطي مساحة كبرى من البرازيل (60٪ منها تقع بالبرازيل) وبعض الدول المجاورة لها كفنزويلا وغويانا والإكوادور والبيرو، تبلغ مساحتها ما يقارب خمس مائة وخمسين مليون هكتار، غنية بالنباتات والأشجار، وتضم ما يقارب 10٪ من الأنواع الحيوانية في العالم، وتقوم بامتصاص وتخزين كميات هائلة من الكربون، عبر مساهمتها في التركيب الضوئي الذي تقوم به النباتات في تحويل ثاني أوكسيد الكربون إلى الأوكسجين الأهم في عملية التنفس لجميع الكائنات الحية، وبذلك فهي توفر حوالي 20٪ من نسبة الأوكسجين الكلية الموجودة في الغلاف الجوي. اجتثاثها يمكن أن يؤدي إلى إطلاق كميات هائلة من الغازات الدفيئة التي تسخن كوكب الأرض، مما سيكون له تبعات على الحياة بمجملها، وهي المسؤولة عن جلب الأمطار إلى المنطقة المحيطة بها، وبالتالي يمكن أن يؤثر إزالتها على هطول الأمطار في منطقة واسعة من الكرة الأرضية. إنها الرئة التي تتنفس من خلالها الأرض، فمن دونها فإن وقوع كارثة بيئية مدمرة هو نتيجة حتمية لا مفر منها.

يخترق غابة الأمازون نهر الأمازون ثاني أطول نهر في العالم بعد نهر النيل، يبلغ حجم حوضه ما يقارب سبعة ملايين كيلومتر مربع، ينبع من جبال الأنديز الممتدة في الجهة الغربية لأمريكا الجنوبية، ويصب في المحيط الأطلسي أكثر من خمس الكميات التي تحملها باقي الأنهار التي تصب في الأنهار والمحيطات. وينتج ما يعادل 25٪ من المياه العذبة التي تنتجها باقي الأنهار في العالم، يعد مكان تجمع أنواع كثيرة من الثدييات والحشرات، تعيش في مياهه العذبة مختلف أنواع الأسماك، إنه شريان الحياة لغابة الأمازون وأمريكا الجنوبية.

يتم تدمير غابة الأمازون في وقت يعرف فيه العالم درجات حرارة قياسية وفيضانات قاتلة، وتعيش بحيرات وأنهار دائمة الجريان حالة احتضار حقيقية، ويزحف الجفاف مهدداً بعطش شعوب بأكملها، وبإتلاف المحاصيل الزراعية والموارد الغذائية، فوثيرة التصحر في تزايد، ونصيب الفرد من الموارد المائية العذبة المتاحة في انخفاض، ومنسوب المياه المخزونة في تراجع، خاصة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في وقت تزايد فيه الاستهلاك بشكل كبير. إن التغير المناخي لم يعد تهديداً بعيد المدى يمكن تجاهله، بل بات خطراً داهماً يهدد حياة البشرية.

الحرائق والاستغلال الرأسمالي بأمريكا الجنوبية وجهان لتدمير غابة الأمازون

بلغ عدد الحرائق في غابات الأمازون، رقماً قياسياً هذه السنة، إذ تجاوز 72 ألف حريق، مما سيؤدي إلى تقلص مساحتها، وتشهد البرازيل التي تشغل أكبر مساحة منها حرائق هائلة منذ أسابيع، فالحرائق التهمت مساحات شاسعة من غابة الأمازون، مخلفة سحابة كثيفة من دخان أسود حجب الشمس عن مدن عدة، وأدخل مدينة ساو باولو إحدى أكبر مدن البرازيل في ظلام دامس في وضح النهار.

تشهد الأمازون علمليات حرق واسعة لفسح المجال أمام زراعة الحبوب كالقمح والذرة والصويا وغيرها، ويتم اجتثاث أشجارها بفعل الأعمال التجارية الزراعية التي تشهدها المنطقة من قبل شركات متعددة الجنسيات، كالشركة الأمريكية الضخمة للاستثمار بلاك ستون، التي تمول إنشاء ميناء عبور بحري وطريق سريع تجاري يمتد عبر غابة الأمازون، والتي يعد مديرها التنفيذي ستيفن شورزمان من ممولي الرئيس الأمريكي ترامب والسيناتور الأمريكي ميتش ماكونيل.

تتعرض غابات الأمازون لاستغلال رأسمالي فاحش، لا يراعي قدرتها على التجدد، وينذر باختفاء جزء مهم منها، مما سيقلل بشكل كبير من هطول الأمطار، وسيفاقم ذلك قلة الماء الشروب والمياه المخصصة للري. فالسياسات الليبرالية المتبعة بأمريكا الجنوبية، تشجع على قطع الأشجار واجتثاث الغابة لتحل محلها زراعة الصويا التي تنتج كأعلاف حيوانية وكمصدر للزيوت، خاصة في وقت ارتفع فيه الطلب الصيني، كما سمحت بتمدد نشاطات التعدين (البحث عن الذهب)، والتنقيب عن النفط والغاز، خاصة في الإكوادور وفي المناطق العائدة للشعوب الأصلية في الجزء البرازيلي من غابات الأمازون، باستخدام جرافات لقطع الأشجار، وطمر الأنهار وإجبارها على تغيير مجاريها، كما يسمم الزئبق المستخدم في التعدين الكائنات الحية في الأنهار، مما سيؤثر على السلسلة الغذائية برمتها، وسيتسبب التسمم بالزئبق في أضرار عصبية وتشوهات خلقية للبشر.

تلقى هذه السياسة تأييدا من قبل الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو اليميني المتطرف، من خلال نزعه سمة الحماية عن ما تبقى من محميات الأمازون، ومنع التمويل عن محميات رئيسية منها، بل ودعوته إلى إصدار قوانين تتجاوز الحضر الدستوري على التنقيب عن الموارد المعدنية في الأراضي العائدة للشعوب الأصلية، متجاهلا نداءات سكانها الأصليون، ويشن حملات ضد حماة البيئة. وتسانده في ذلك جماعات الضغط ولوبيات صناعات النفط والغاز، التي لا يهمها سوى تحقيق الأرباح ولو على حساب تدمير الأرض، مما يفرض التحرك الآن وليس غدا.

تتبجح هذه الشركة أن مشاريعها مفيدة للبيئة وتخلق دخلا للسكان، فتزعم أن الميناء سيمكن المزارعين من تصدير منتجاتهم ونقلها عن طريق القوارب إلى أسواق جديدة عوض نقلها بالشاحنات، وبهذا سيتم خفض انبعاث ثاني أوكسيد الكربون في الجو. مصاصي الدماء هؤلاء لا تهمهم لا البيئة ولا السكان، إن ما يهمهم هو أن المشاريع تلك ستمكن الشركات التي تعمل في مجال الزراعة التجارية وشركات التنقيب عن المعادن ومصادر الطاقة بزيادة كمية الصادرات وزيادة حجم أرباحها، وسوف تقود حتما إلى دمار غابات الأمازون. هذه المشاريع غير مربحة على المدى الطويل، فالمحاصيل المنتجة لن تدوم سنوات حتى تتحول المنطقة الغابوية الموروثة لملايين السنين إلى صحاري.

إن الطريقة ألتي يتم بها إنتاج الطعام وكيفية توزيعه واستهلاكه في النظام الرأسمالي، تساهم في فقدان النظم الإيكولوجية الطبيعية وفي تدهور التنوع البيولوجي في غابة الأمازون وغيرها، فالرأسمالية تنتج قيما تبادلية وليس قيما استهلاكية كما كان عليه الشأن قبلها، وتسعى لتحقيق قيما فائضة تتخذ شكلا مجردا على شكل نقود لا حد لمراكمتها، فيتجاوز بذلك الانتاج حاجات البشرية.

من أجل حماية رئة العالم تعبئة عالمية ضرورية

احتل هاشتاغ “براي فور أمازوناس” (صلوا من أجل الأمازون) صدارة أكثر الهاشتاغات تداولا حول العالم وخاصة بأمريكا الجنوبية، كما عبر الكثير من مستخدمي الإنترنت عن سخطهم إزاء هذه الحرائق فنشروا صورا وتسجيلات فيديو تظهر النيران وهي تلتهم قطاعات كاملة من الأمازون. وأطلقت نداءات من أجل الأمازون من كثير من المشاهير من بينهم لاعب كرة القدم كريستيانو رونالدو.

الدفاع عن غابة الأمازون يحتاج إلى تنظيم المقاومة على ارض الواقع لا في العالم الافتراضي فحسب، من أجل تكثيف الضغط للمطالبة بمستقبل آمن ومستدام للبشرية، ودفاعا عن الحياة على الأرض، من خلال حملة مكثفة مقرونة بعمل ميداني لإيقاف المنشار الذي يهدد الأمازون، ويجبر جبروت الرأسمال على وقف استغلاله البشع للطبيعة والإنسان. إن ما تتعرض له الأمازون وغيرها من الغابات من تدمير، لن يتوقف سوى عبر القطع مع نظام لا يحركه سوى مراكمة الأرباح.

يعقد رؤساء الأنظمة المسؤولة على جزء كبير عن ما تتعرض له البيئة من تدمير قمما مناخية كل سنة وبتمويل من الشركات الملوثة، وما عدا اعترافها بالخطر الداهم، لم تفلح مفاوضاتها لحدود اليوم في اتخاذ آليات فعالة للمراقبة وإجراءات عقابية ملموسة للتصدي لهذا النزيف. فعلى الشعوب أن تأخذ المبادرة وتناضل من أجل:

– تخفيض انبعاث الغازات الدفيئة المسببة في الاحتباس الحراري بالشكل الذي لا يجعلها تشكل خطرا على الإنسان والكائنات الحية والطبيعة.

– فرض ضرائب عالية على الشركات المتعددة الجنسيات الملوثة والمستعملة للطاقة الأحفورية.

– تخصيص تحفيزات للأبحاث الطاقة البديلة غير المضرة للبيئة.

– تحقيق نماذج تنموية تلبي حاجات الإنسان دون الإضرار بالبيئة.

– تشجيع الفلاحة المعاشية المحلية والتخلي عن الفلاحة التصديرية.

– منع إنتاج واستعمال المبيدات الكيماوية الضارة.

– التصدي لنمط الاستهلاك الزائد عن الحاجات الأساسية.

                                                                                                             بقلم، سامي علام

شارك المقالة

اقرأ أيضا