ما العمل لمواجهة وباء كورونا؟ لنناضل من أجل فرض إجراءات عاجلة 2020 / 3 / 15 – 18:16

غير مصنف15 مارس، 2020

انتشر فيروس كورونا بسرعة وبائية قاتلة بجميع بقاع العالم، بسبب السياسات النيوليبرالية المعتمدة والمرعية من طرف المؤسسات المالية الدولية عالميا، والتي أسهمت في إضعاف “آليات التوقع والوقاية والعلاج” حين خوصصت النظام الصحي وقلصت، بشكل رهيب، حصة الصحة العمومية من الميزانيات العامة للدول.
يقع النظام الرأسمالي العالمي في موضع الاتهام فيما يخص انتشار الأوبئة ومفاقمتها بفضل تظافر: الأزمة البيئية بكل أبعادها، والصناعات الغذائية الساعية نحو الأرباح على حساب معايير السلامة، وتفقير بلدان الجنوب وهشاشتها إزاء الكوارث…
تعاملت الدولة مع موضوع انتقال كورونا إلى المغرب، بعقلية المستبد الحريص على الاستقرار السياسي: تطمين بأن كل شيء على ما يرام لضبط المزاج الشعبي وليس إعداده لمواجهة الوباء، ونشر المعطيات بتقتير مخافة إثارة حالة هلع، دون اتخاذ اللازم من الإجراءات: إنه استهتار إجرامي بمصير ملايين العمال-ات والكادحين-ات، في حين يتوفر البرجوازيون على نظام صحي فائق الفعالية وإمكانيات مادية هائلة للصمود في وجه الوباء.
هَوَتِ الدولة بنظام الصحة العمومية إلى الحضيض، بفعل نفس السياسة النيوليبرالية، وهو ما تقر به تقارير الأمم المتحدة التي يحتل فيها المغرب مؤخرة دليل الترتيب العالمي في مؤشرات جودة الصحة العامة. وتعمل الدولة على تعميق الكارثة بفسح المجال للرأسمال الخاص (المحلى والأجنبي) ومزيد من انسحاب الدولة من تمويل القطاع والاكتفاء بدور التكفل بالعاجزين عن الدفع، أي نفس السياسة التي خربت الصحة العمومية، ما ينذر بجائحة حقيقية إن انتشر الوباء على نطاق واسع.
وفي اتجاه آخر، تسعى الدولة لاستغلال وقع الصدمة على الكادحين لجعل هجماتها أمرا واقعا ودائما، ويسهم في ذلك مستوى الوعي الشعبي المُشوه بفعل الأيديولوجية النيوليبرالية، حيث انطلقت دعوات من الانترنت للتطوع المجاني في أي عمل كان، خصيصا لدى المصالح الصحية العامة.
يقدم هذا فرصة مواتية للدولة كي تقوم بتنزيلَ روح دستور 2011 الذي دَسْتَرَ الخيارات النيوليبرالية التي تبنتها الدولة منذ بداية ثمانينيات القرن العشرين: انسحاب الدولة من مهام الرعاية الاجتماعية والخدمات العمومية لصالح القطاع الخاص والمبادرة الخاصة، واكتفائها بمهام “التقنين والتخطيط الاستراتيجي” التي تفتح الباب أمام تطور اقتصاد السوق.
كما تكرس هذه الدعوات، في الوعي الشعبي، فكرة “عجز الدولة لوحدها” عن ضمان الخدمات العمومية ومواجهة الكوارث. فالأمر لا يتعلق بعجز، بل بخيارات اقتصادية واجتماعية جرى تقريرها وتنفيذها بوعي وبمنهجية صارمة وعقلية باردة، تسعى لخدمة الرأسمال المحلي والأجنبي وإلقاء كلفة الأزمة على كاهل العمال والكادحين.
تستفيد تيارات رجعية لا تعادي منطق رأس المال من الوباء، إذ ترد أسبابه إلى “ظواهر أخلاقية” مبرئة الرأسمالية وسياسة الدولة، غاضة الطرف عن الإجراءات الكفيلة للقضاء على الوباء، مستبدلة إياها بالابتهالات. نفس الشيء بالنسبة للتيارات الليبرالية التي تجعل كل كارثة فرصة للبحث عن أرضية للتوافق مع الاستبداد، دون معاداة خياراته الاقتصادية والاجتماعية.
لا يملك العمال-ات والكادحون-ات في وجه الكارثة إلى قوتهم الطبقية الموحدة، لإجبار البرجوازية ودولتها على تحمل كلفة الجائحة، وعلينا محاربة أوهام الرجعيين والليبراليين، كما تشويهات الوعي الشعبي من قِبَلْ الأيديولوجية القائمة على الخلاص الفردي وشعار “لينجو بنفسه من استطاع”.
ليس المطلُوب هو التطوع للقيام بخدمات يجب أن تقوم بها الدولة، بل تنظيم بنيات للتدخل والنضال العماليين والشعبيين، تضم لجان أحياء ونقابات عمالية وجمعيات مناضلة. والمهمة ليست فقط القيام بمهام التنظيف والوقاية، فهذه مهام يجب أن نفرض على الدولة توفير الميزانيات الخاصة بها، لكن المطلوب أكثر هو نقاش الاستراتيجية الحقيقية الكفيلة بحصر الوباء ودرء مفاقمة نتائجه:
• زيادة سريعة وآنية في ميزانية الصحة العمومية، لتصل إلى المستوى الذي تقره منظمة الصحة العالمية (%12 من ميزانية الدولة بدل %6 الحالية)، وجعل هذه الزيادة دائمة وليس فقط بمرتبطة بمناخ محاربة الفيروس.
• جعل المصحات الخاصة مفتوحة بالمجان في وجه الحالات التي قد تصاب بالفيروس، تحت إشراف الدولة ومراقبة شعبية.
• توفير سيارات إسعاف كافية ومجهزة، ووضع جميع سيارات الإسعاف الخاصة رهن إشارة الصحة العمومية بأطقمها من سائقين ومرافقين، وتزويدها بالبنزين مجانا من محطات التوزيع الكبرى، تحت طائلة العقاب في حالة الرفض.
• تحويل المنتجعات السياحية والفنادق الكبرى عند الضرورة إلى مراكز استشفاء بعد تجهيزها.
• وضع اليد على شركات توزيع الأدوية، وجعلها رهن المستشفيات لتوزيعها بالمجان على الحالات التي قد تتعرض للإصابة.
• مراقبة الأسواق الكبرى والممتازة وعقاب من يقوم بزيادة الأسعار، مع الإشراف الصارم على أسواق الجملة، وتقرير أسعار قارة للمواد الاستهلاكية الأساسية، وتقنين كميات الشراء تفاديا لنفادها في الأسواق.
• وقف كل البرامج القطاعية الخاصة بتحرير الخدمات العمومية، سواء تعلق الأمر بالتعليم أو الصحة أو المساعدة الاجتماعية، وإعادة وضع يد الدولة عليها تحت رقابة شعبية مواطنية.
• وقف مسلسل تفكيك الوظيفة العمومية والإدارة العمومية المسمى “جهوية متقدمة” و”لا مركزة إدارية”: فقط إدارة عمومية تمركز بين يديها أدوات ووسائل التدخل في أي منطقة، تستطيع مواجهة الوباء، وليس “جهات” تعتمد على إعانات “المصالح المركزية” إلى جانب جهود التمويل الخاصة بها.
• إلغاء كل اتفاقيات التدبير المفوض لخدمات النظافة والحراسة، وإعادة تلك الخدمات إلى وزارة الصحة العمومية في إطار الوظيفة العمومية.
ولأن الطبقة العاملة موجودة في وجه الكارثة دون وسائل كفيلة بمواجهتها، على النقابات واليسار والجمعيات الحقوقية والنسائية النضال من أجل:
• تقليص جذري لساعات العمل دون تخفيض الأجور، كي يتسنى للعمال-ات وقت الاهتمام بالصحة والسلامة الجسدية.
• وضع مصالح طبية خاصة رهن إشارة الوحدات الإنتاجية الكبرى، لمراقبة صحة العاملين والعاملات، ونفس الشيء لمرافق الخدمات العمومية حيث التركزات الكبيرة: المدارس، والجامعات…
• معاقبة أي رب عمل يقوم بتسريح عماله دون أجر، وضمان تلقي الشغيلة في جميع القطاعات حدا أدنى من الأجر يضمن لهم التزود بالمواد الأساسية.
• أداء كامل الاجر للأشخاص الذين يضطرون للتوقف عن العمل من أجل العناية بأبنائهم، بعد إغلاق المدارس، أو للعناية بالعجزة أو من يوجد في فترة نقاهة بعد العلاج من المرض.
يجب أن تتدخل المنظمات النقابية ولجان المقاولات ومندوبو العمال وكذا لجان الصحة والسلامة في المقاولات في القرارات التي يجب اتخاذها فيما يخص نشاط الانتاج، سواء كي يستمر هذا النشاط بتنظيم العمل عن بعد، أو من أجل اتخاذ قرار اغلاق مؤقت في حالة ما إذا كان وضع التحكم في المرض يتطلب اتخاذ تدابير استثنائية، مع الإصرار على كون هذه التدابير استثنائية يجري التخلي عنها بمجرد القضاء على الوباء.
ولتمويل هذه الإجراءات، لا يجب أن نقبل عذر عجز ميزانية الدولة، فهذا العجز تتحمل مسؤوليتَه الدولةُ ذاتها والبرجوازيةُ المستفيدة منه. يجب أن نفرض، بنضالنا، على الدولة القيام بإجراءات جذرية في مجال التمويل:
• وقف فوري لسداد الديون العمومية (خارجية كانت أم داخلية)، في انتظار افتحاص طرق اقتراضها وصرفها.
• تحويل نفقات من قطاعات مثل “الأمن الوطني” ومن ميزانية “الجيش” و”التشريفات والأوسمة”، نحو تمويل قطاع الصحة والمساعدة الاجتماعية والتعليم، مع جعل هذا التحويل دائما وليس استثنائيا.
• وقف تصدير أرباح الشركات الأجنبية المستثمرة في المغرب، وتحويلها إلى الميزانية العمومية.
• وقف إجراءات تحرير سعر صرف الدرهم، لأن المحتمل هو انخفاض قيمته، وبالتالي تدهور الاحتياطي النقدي وتفاقم التضخم وارتفاع الأسعار الذي سيقضم قدرة العمال- ات والكادحين- ات الشرائية، وفرض رقابة صارمة على الأبناك والمعاملات المالية درءً لتهريب الثروات.
• فرض ضرائب تصاعدية على الأرباح والثروة.
• وضع كل البنيات العقارية الخاصة الكبيرة والوسائل اللوجستيكية الخاصة رهن إشارة المصالح الطبية تحت طائلة العقاب.
الجمعيات والمنظمات النسائية والبيئية وجمعيات الأحياء لها دور أساسي في القيام بدور حماية صحة الكادحين- ات بتنظيم الاعلام وحفز تدابير بين السكان ورفع المطالب إلى السلطات العمومية.
الكارثة محدقة فلنواجهها بالتضامن وقوة العزيمة والنضال الجماعي ضد سياسة تقشفية نهبت ثرواتنا وخربت خدماتنا العمومية والان تهدد حياتنا.
قد يجري احتواء الوباء، ولكن إذا استمرت الشروط الاقتصادية والاجتماعية التي أنتجته، فسيعود بقوة أشد وأعنف. العدو ليس هو الفيروس بل النظام الرأسمالي والسياسات النيوليبرالية التي ستستمر في تدمير شروط الحياة على الكوكب، إن لم نتمكن من استبداله بنظام يروم تحقيق حاجات الإنسان والحفاظ على البيئة، وليس مراكمة الأرباح.
اليوم، كما قبل قرن، لا زال الشعار: “إما اشتراكية أو همجية”.
تيار المناضل-ة المغرب.
15 مارس 2020

شارك المقالة

اقرأ أيضا