انتقادات بوجه المدرسية الرقمية

المكتبة7 أبريل، 2020

مؤلف جماعي بتنسيق من سيدريك بياجيني وكريستوف كايو وفرانسوا جاريج
ينغرس المجال الرقمي باطراد في التعليم، من المدرسة إلى الجامعة، كما هو الحال في الحياة الاجتماعية برمتها. يقال لنا أن ذلك «حتمي». من الضروري، كما يبدو، «التكيف مع مستجدات العصر» وعدم المجافزة بأي «تأخر». على كل حال، «لمصلحتنا ومصلحة تلاميذنا»: قد تشكل تكنولوجيا الاعلام والاتصال في المدرسة مصدرًا لا ينضب للتقدم. وقد تكتسي في الواقع ميزة مزدوجة قائمة على منح الجميع إمكانية الوصول إلى موارد غير محدودة من المعرفة والحد من أوجه انعدام المساواة… لم تنخدع جمعية نداء من أجل مدرسة ديموقراطية APED بأي وجه بهذا الخطاب الكاذب على نحو صارخ، والذي يخفي تحويل المدرسة إلى سلعة على نحو سيء. لقد ساهم أحد أعضائنا، برنارد ليغروس، في مؤلف جماعي سيغني على نحو مفيد نقاشا ضروريا لترسيخ الديمقراطية.
شارك ما يناهز ثلاثين كاتبا في هذا المشروع الذي يتضمن مقالات متعددة. مدرسون ومثقفون ومقدمو الرعاية الصحية وآباء ونقابيون. إنهم لا يدّعون تناول المسألة من جميع الجوانب. وبدلاً من أن يفرضوا علينا نقدا واحدا للمدرسة الرقمية، اختاروا جعل ملاحظاتهم وتحليلاتهم النوعية والمختلفة متشابكة، ما أدى إلى خلق وقاية بوجه «النظام الرقمي كليا» الذي تفرضه القوى الاقتصادية والسياسية والأكاديمية على حيواتنا في نوع من اللاوعي العام وعبر ضرب من التنويم المغناطيسي الجماعي. وبحكمة شديدة، تم تقسيم الكتاب إلى ثلاثة أجزاء متميزة، مخصصة على التوالي للمرحلة الطفولة المبكرة والمدرسة والجامعة. ضمن هذا الموضوع الغني، ألقيت نظرة على بعض الاسهامات التي جذبتني بوجه خاص.
الطفولة
يدق أخصائيو الصحة والطفولة المبكرة ناقوس الخطر: إن تعرض الرضع والأطفال الصغار على نحو مكثف ومبكر لجميع أنواع الشاشات له عواقب خطيرة. ونلاحظ على نحو متزايد اضطرابات في الانتباه وفي العلاقات الاجتماعية وتأخر في تعلم اللغة. وأيضا الحاق أضرار بالجسم: انخفاض قدرة القلب والأوعية الدموية، والسمنة، واضطراب النوم… التي في حد ذاتها تجعل الأطفال أكثر غضبًا وغير قادرين على التركيز. وكل ذلك لمصلحة تعليمية مشكوك فيها على أقل تقدير (اسهام جيد جدًا من ليدي موريل، الذي يفكك بدقة الاهتمام المفترض للرسوم المتحركة، المصنفة إلى أربع فئات). يشير المؤلفون بحق إلى المسؤولية الهائلة التي يتحملها «اقتصاد الانتباه»، وهؤلاء الصناعيون -وخدامهم السياسيون- الذين يحققون أرباحا من جميع هذه الألعاب واللعب التي تأسر الأطفال. من السهل جدا القاء اللوم على الآباء وحدهم!
المدرسة
في مقال رائع، موثق جيدًا، ومفعم بالحيوية والسخرية الممتعة، يتحدث لنا كريستوف كايو، أستاذ الجغرافيا التاريخية في المدرسة الثانوية ومناضل نقابي (النقابة الوطنية للتعليم الثانوي-الاتحاد النقابي الوحدوي Snes-FSU)، عن الهجوم الذي تشنه جمعية المقاولات الفرنسية العاملة في تجديد تكنلوجيا مجال التربية والتعليم EdTech، هذه المقاولات المبتكرة-الزائفة الساعية إلى أخذ مكانها في مجال التعليم. يسعى تجار التعليم والرقمنة إلى الحصول على الأموال العامة تحت تبريرات واهية تتدعي ادخال بداغوجيات تربوية مُجددة وتحررية إلى المدارس. وبتبنيه أطروحات جمعية نداء من أجل مدرسة ديموقراطية APED، يرى كايو Cailleaux في إيديولوجية « المجتمع المتعلم» « تعبيرًا ملطفا ومنافقا للرأسمالية الأكثر عنفًا». « يكمن الرهان بالفعل، بوجه تقادم المنتجات ومناصب الشغل على نحو سريع ومتزايد، في جرنا إلى التعلم مدى الحياة. وإذا تعلمنا كل شيء، في كل وقت وفي كل مكان، تصبح المدرسة مهمشة، ولن تعود سوى مكان تعلم ضمن أماكن عديدة أخرى. ويخلق نقص التمويل وضيق النفس تبريرات للتعاقد من الباطن مع القطاع الخاص. لكن ما من شيء حتمي في ذلك، ولا في الصعود القوي للذكاء الاصطناعي. كل هذه «التطورات» نتيجة قرارات سياسية. إن إنسانية أخرى ممكنة.
أفكار أخرى مثيرة: تهاجم كارين موفيلي Karine Mauvilly بشكل مفيد للغاية أسطورة «موارد غير محدودة للإنترنت». يفتقر الشباب -وخاصة الأكثر فقرا- إلى إتقان ما يكفي من اللغة اللازمة للإبحار في الإنترنت. إن عمليات البحث عن الوثائق في الإنترنت باستخدام الخوارزميات بعيدة تماما عن الحياد. يواجه الشباب مصادر متنوعة للغاية من الأوضاع (علمية، تجارية، ومناضلة، إلخ.). إن موارد عديدة بمقابل مادي. والقراءة على الشاشة أقل فائدة من وجهة النظر المعرفية (يمكن الاعتماد بشكل أقل على المعالم الرئيسية لتصميم الصفحات، على سبيل المثال). ثم نجد على شبكة الإنترنت «معلومات» كُثر غير صحيحة. تقدم موفيلي Mauvilly تحليلاً نقديًا مفصلاً للغاية، وبالتالي، أفكارا حول الدور الأساسي للمدرسة، وطرق تعليمية بديلة. وبعكس التيار، تطالب بأن يكون البحث المدرسي قائما على جملة وثائق محدودة، ولكن متقنة.
اعتمادًا على الاسهامات، يجد القارئ نفسه متسائلا حول ما يتضح في الغالب أمرًا مسلمًا به. هل المجال الرقمي في المدرسة فعال حقًا؟ هل هذا صحيح على صعيد النتائج المدرسية، أو ما هو أفضل من ذلك، أي التعلمات؟ ألا يؤدي اللجوء المنهجي إلى الثلاثي الحاسوب- الديابوراما [عرض الشرائح]-الشاشة إلى الغاء العلاقة بين الأستاذ والتلميذ ؟ علاوة على ذلك ، هل صحيح أن رقمنة المدرسة تُمكّن الأستاذ من «إعادة التركيز على الوظائف الأساسية للتعليم»؟
الجامعة
كان الأمريكي ديفيد نوبل، المتوفى عام 2010، رائدًا في نقد التكنولوجيات الجديدة، خاصة في النظام الجامعي بالولايات المتحدة الأمريكية. إن عمل المؤلفين على ترجمة إحدى مقالاته المرجعية بعنوان معبر لفكرة عظيمة: «المصانع ذات الشهادات الرقمية. أتمتة التعليم العالي.». منظور ناجع. تمامًا مثل «الجامعة في ظل تنويم مغناطيسي رقمي»، حيث يقترح غيوم كارنينو وفرانسوا جاريج نوعًا من تمديد، على مستوى التعليم العالي، للقراءة المادية التي تناولها كريستوف كايو.
ولإنهاء تساؤلاتنا، يحكي نيكولاس كار كيف أن أساتذة الجامعات الأمريكية، ليس كرها أو خوفا من التكنولوجيا بتاتا، كانوا لا يرفضون في البداية استعمال الطلبة الحاضرين لوحات الكترونية وحواسيب وغيرها من هواتف ذكية، لكنهم باتوا يمنعونها بحزم…
إذن هذا كتاب مثير لاهتمام كل مشتغل في قطاع تعليم يطرح أسئلة حول أهمية رقمنة المدرسة. ورغم انه حسن الصياغة وغني بملاحق عديدة (بما في ذلك نداء Beauchastelبوشاستيل ضد المدرسة الرقمية ونصوص جماعية الأخرى)، فقد لا تتم قراءته بالكامل، ولكن وفقًا لما يطرحه كل فرد من أسئلة. على كل حال، ثمة أمور لإغناء النقاش!

بقلم، جان سيباستيان فيليبارت، 29 آذار/مارس عام 2020، ترجمة فريق الترجمة بجريدة المناضل-ة الموقوفة

شارك المقالة

اقرأ أيضا