لا لتسليع التعليم: نداء -بوشاستيل- ضد المدرسة الرّقمية

بلا حدود12 أبريل، 2020

نص كتبه حوالي خمسة عشر مُدرساً فرنسيا في ديسمبر 2015 ينتقدون فيه طرق دمج التكنولوجيا الرقمية في المدارس، وأضرارها البالغة على المدرسين والتلاميذ على حد سواء. ولا زال مضمونه راهنيا، خصوصا مع اتجاه الدول في ظل أزمة كورونا إلى تعميم “التعليم عن بعد”، وما أثاره من نقاش وسط المدرسين والتلاميذ وأسرهم.. نشر بتاريخ 22 دجنبر 2015.
يوم في المدرسة الرقمية
بدأ يومي في المدرسة، قُرِع الجرس، دخلت قاعة الدرس وكنت قد بدأت أتساءل مع نفسي: هل أستقبل تلامذة الصف أم أتوجه إلى حاسوبي لتسجيل الحضور الكترونيا؟ وأنا وسط مُشكلة “تعدّد أنشطتي”: هل أشد انتباه تلامذتي بواسطة شاشة “فيديو بروجكتور”، أراقب بدء تشغيل جميع الألواح الرقمية أو أقرر العمل دون أي جهاز إلكتروني؟ لقد شارف الدرس على الانتهاء، هل نأخذ وقتا لتدوين الواجب المنزلي أم أوجه كل تلميذ إلى شاشته للاطلاع على دفتر النصوص الذي سأملأه في نهاية اليوم؟ إنها استراحة الغذاء، في قاعة الطعام، ماذا أقول عن هذا الحشد الذي يتم التعرف عليه بوضع اليد على شاشة/ لوح التعرف على البصمات والطنين الاعتيادي الذي تصدره الالة معلنة الموافقة على مروره؟ هؤلاء المراهقون في الساحة المتفحصون طيلة الوقت لهواتفهم، هؤلاء الحراس العامون والأساتذة وراء حواسيبهم، كل هذا العالم الذي يلقي التحية بكثير من العناء، هل هذا هو التقدم؟ في نهاية اليوم، داخل قاعة الأساتذة، هل علي أن أكون دائما أمام شاشتي، أنظم البريد الإداري وأملأ دفتر النصوص الرقمي؟ أو ما زلت أملك بعض الوقت لتبادل حديث حقيقي مع زملائي حول يوم العمل في القسم؟
ليست هذه الأسئلة من المستقبل سنة 2084 بل اليوم، داخل مدارسنا، إعدادياتنا وثانوياتنا. لقد سَيطر العالَم الرّقمي على حياتنا وعلى حياة تلامذتنا، حيث أننا لم نعد نطرح مثل هذه التساؤلات. وبالرغم من ذلك، لو أننا رسمنا صورة مثل هذه بضع سنوات قبل الآن لكنا اعتبرناها مبالغاً فيها. لكن الابتكارات تظهر تدريجيا، ويتم تجاوزها حتى قبل أن نجد الوقت للاعتراض عليها. على ما يبدو لم تعد هناك حدودٌ لما يمكننا القبول به.
القبولُ، موقفٌ تَرددنا بشأنه مرات عديدة. إننا واعون أن رقمنة التعليم مُجرد قمة الهشاشة البارزة. لقد حاولنا من قبل متابعة برامج غير مترابطة، وحاولنا فهم اللغة غير الواضحة للتربية الوطنية، وحاولنا محاكاة تقييم مفترض بالكفايات، وتدريس تلاميذ فاقدين للتركيز أكثر فأكثر لأنهم مرتبطون بشبكة الأنترنيت أكثر فأكثر. لماذا لا نذهب أبعد من هذا؟
هكذا سنُعِدُّ أنفسنا لتدوين معلومات عن كل تلميذ يتم الاحتفاظ بها مدى الحياة، يمكن الاطلاع عليها من طرف المشغل بفضل برامج التنقيط والملاحظات وكتيب الكفايات الشخصي المرقمن. يتم تشجيعنا على ربط تلامذتنا بالشاشات في اللحظات الوحيدة التي يمكنهم أن يتملصوا منها، تحت ذريعة التدريس بتقنيات التواصل الحديثة. أخيرا، لم لا نتخلى عن التدريس ونتكاسل معتقدين أن الربط بأنترنيت كافٍ للتمكن من معرفة حقيقية؟
بالنسبة لنا هذا غير كاف.
بالنسبة لأولئك الذين يطالبوننا باستعمال التقنيات الرقمية داخل أقسامنا (رؤساء إداريون، وزارة، مفتشون ومكونون وجميع السياسيين)، لا نسمع إلا مبررات مستقبلية لواقع يتطور من تلقاء نفسه.
تغيير لا رحمة فيه لأنشطتنا اليومية، لأسلوبنا في التواصل، لعلاقاتنا بالآخرين، ولمهنتنا ككل.
جرى تقرير هذا الاضطراب من طرف آخرين: سياسيون وصناعيون، يدافعون عن مصالحهم السياسية والاقتصادية، ويستفيدون من تواطئنا السلبي.
العالم الرقمي
في حين نَعْلَمُ أن العالم الرقمي لا علاقة له بالتربية. في الواقع هدف الرقمنة الأول هو رفع أرقام معاملات الشركات التي تنتج الأجهزة والبرامج الرقمية. وبعد ذلك ستُقلِّصُ حصة العمل البشري في كل الأنشطة (ليس فقط الأنشطة المدرسية) لمواءمتها مع الحاجات الاقتصادية ومع التدبير البيروقراطي. كل هذا بغرض تعزيز النمو بفضل أرباح الإنتاجية والأسواق الجيدة التي تقدمها.
ولأن الأنترنيت لا يستطيع تحسين التعليم، ولأنه اخترع من أجل تشتيت الانتباه، لهذا يحمي مهندسو “سيلكون فالي” مدارس أبنائهم من هذه الهجمة.
نعلم كذلك حقيقة الإهدار المجنون، للموارد الطبيعية الأكثر ندرة والأكثر كلفة والأكثر خطرا، الذي تستند عليه كذبة “إضفاء الطابع اللامادي”. يجب أيضا احتساب حصة الطاقة المستهلكة المتزايدة بسبب استعمال المعلوميات.
رغم ذلك، نسمح بالقول إن العالم الرقمي هو الحل لجميع مشاكل المؤسسة، بدءً بالهدر المدرسي انتهاء بإدماج التلاميذ في وضعية إعاقة مرورا بصعوبات القراءة. بالإضافة إلى أنها وسيلة إيكولوجية حيث ستسمح بتوفير الورق. يا لها من مزحة كبيرة!
من جهتنا، كل ما نريده هو أن نكون مع تلامذتنا، لا أن نكون وسيطا بينهم وبين الأجهزة بمبرر الإبداع التربوي لتلبية حاجات تلاميذ لا يتوقفون عن التنقل بين المواقع. وهذا أكثر ما يقض مضجعنا.
هذا النوع من الفصل بين أجهزة تخزن المعطيات والكائن البشري الضامن لنقل المعلومة لا يمكن تقبله بإيجابية إلا من طرف عقول مطلقة الميكانيكية. يلخصون المعرفة في المعلومة. ويتجاهلون استيعابها لدى الفرد ويتخيلون أنها مجرد علاقة خارجية. ينسون طواعية أن علاقة التعلم هي علاقة إنسانية.
من جهة أخرى، ومهما قلنا، فالإدارة الرقمية (اتصالات هاتفية، رسائل نصية إلخ) لن تحل محل العلاقات التي تجمع بين الأطفال وآبائهم من جهة والمدرسة من جهة أخرى.
على العكس، باتت تفاقم مجموعة من المشاكل التي يجري التلويح بها مثل الغيابات المستمرة، عدم الثقة والكذب التي أصبحت اعتيادية في المدرسة وداخل الأسر. الجميع يتفادى المواجهة ويعتمد على الحواسيب بدل الإنسان. ومن أجل تزييف هذا الواقع المؤسف نسمي هذا الانطواء “استقلالية”.
ما نريده أيضا هو أن ندرس، وليس أن ننفذ التعليمات. التعليم الرقمي ليس “ثورة بيداغوجية” ولكنه نهاية التعليم. المواد التي تكونه، تجد نفسها مفككة إلى مجموعات مهمات قابلة للتنفيذ، ويعاد تجميعها اصطناعيا في قدرات عامة. لتسمى “حجر أساس الكفايات”. في هذا الإطار، يمكن اختزال درس أو تمرين في بروتوكول أجوف، يمكن فعلا تقاسمه على الأنترنيت، بما أنه لا يستلزم أية معرفة دقيقة ولا تفكير بيداغوجي شخصي ليتم إنتاجه. درس تم بناءه بهذه الطريقة لا يسمح بتعلم طريقة التفكير وإنما كيفية التصرف بالطريقة المنتظرة.
يمكننا المطالبة بالحرية البيداغوجية وألا نكون مضطرين لاستعمال الأجهزة داخل أقسامنا. لكننا ندرك أن الأمر مستحيل، ففي اللحظة التي يتم فيها إدماج تقنية ما، تصبح إمكانية استعمالها من عدمها وهما، حيث أنها تندرج داخل نظام شمولي يفرضها ويشترطها. بعد وقت قصير، وتتراجع إمكانية الاختيار أمام الأمر الواقع.
لهذا فنحن نرفض هذا التحديث المبرمج. لن نستعمل دفتر النصوص الرقمي، ولا الشاشات المتعددة التي يدعون أنهم يوفرونها كتجهيزات (ألواح، شاشات رقمية أو حتى الهواتف الذكية). سنعترض على التجهيزات التي تولد حقلا إلكترو- مغناطيسيا كبيرا، وتسمح بتجميع المعطيات حول الحياة المدرسية في قاعدة بيانات.
نناشد جميع شغيلة المؤسسات التعليمية المتوجسة في صمت بخصوص عدم التوقيع أن تعبر جهارا وأن توقع هذا النداء، فبممارسات كهذه يمكننا كسر الصمت، وتشكيل معارضة مؤثرة.
نطلب من كل مَنْ يستشعر أهمية التداعيات التي أتينا على ذكرها أن ينضم لهذا النداء، وأن يتشارك معنا تفكيره ومبادراته.

ترجمة فريق الترجمة بجريدة المناضل-ة الموقوفة

شارك المقالة

اقرأ أيضا