أوكرانيا: مقرر اللجنة العالمية للأممية الرابعة – فبراير 2015

بيانات5 مارس، 2015

1- منذ قُرابة عام، جرى قتلُ ما لا يقل عن 5000 من الرجال والنساء (معظمهم مدنيين، يُضاف إليهم على الأرجح زهاء 000 2 جندي)، وطردُ أكثر من 150000 شخص من دونباس بفعل الحرب، مجبرين على ترك منازلهم وممتلكاتهم- لجأ زهاء النصف منهم إلى روسيا والباقي إلى مناطق مختلفة من أوكرانيا. وجد الملايين من الناس في المناطق الشرقية لأوكرانيا، على جانبي الجبهة، أنفسهم في وضع كارثة إنسانية في ظل نظام مستبد في حالة حرب فعلية، الأمر الذي منع المقاومة الشعبية للهجمات الاجتماعية.

2- خوفا من حركة اجتماعية سياسية مثل “ميدان”، وصف بوتين نظام كييف الذي أعقب يانوكوفيتش بتشويه بالغ بأنه تحت هيمنة فاشيين مناهضين لروسيا، بقصد إضفاء شرعية على ضم القرم و على الحاجة المزعومة إلى “حماية” السكان روسيي اللغة. وفيما كان “الأوكرانيون” يُماثلون غالبا مع “الفاشيين”، أدت “الحرب الهجينة” -المستعملة من طرف موسكو بشرق أوكرانيا لزعزعة انعطاف البلد نحو المؤسسات الغربية- إلى تحويل الحياة السياسة في أوكرانيا، إذ انتشر خطاب كراهية وانتقام، استعملته النخب الحاكمة في البلد برمته لإضفاء شرعية على سياستها المدمرة للمكاسب الشعبية- فيما جرى إخضاع سكان دونباس، الملقى عليهم خزي “Vatniki” أي بعد الحقبة السوفييتية (صفة تحقير لملابس الشغيلة)، لنكبة “عملية مكافحة الإرهاب” (ATO) التي شنتها كييف.

3- لذلك ندعو مناضلي ونقابيي أوكرانيا وروسيا والاتحاد الأوروبي والعالم أجمع، للقطع مع المنطق الأحادي (“المُعسكري”) الذي يضعف تضامن العمال ولا يفيد سوى القوى اليمينية والمحافظة في جميع مناطق أوكرانيا، كما هو الحال في روسيا وبقية أوروبا.

لا تزال إعادة توحيد اليسار والحركة العمالية والتقدمية في أوكرانيا على أسس ديمقراطية ويسارية ممكنة، ولكن هكذا توجه مشروط بتهدئة المواجهة السياسية وبوقف إطلاق النار. إن كل يوم حرب يعزز اليمين والقوميين الراديكاليين (النازيين الجدد صراحة أحيانا) على جانبي النزاع، ويقوى إمكان إرساء دكتاتورية مستبدة في أوكرانيا برمتها. كما أن هذا التضامن والتوحيد هما السبيل الوحيد لإسقاط منطق الحرب بتثبيت السلام وترسيخ أوكرانيا دولةً مستقلةً ومجتمعا ديمقراطيا. يستلزم هذا إبداء التضامن مع جميع ضحايا النزاع، والدفاع عن حقوق العمال والحقوق الاجتماعية والديمقراطية، وحتى الحقوق الدستورية اللغوية والجهوية وحق تقرير المصير، من خلال التنظيم الذاتي وحرية تعبير السكان.
لهذا نؤيد وقف إطلاق النار- في ظل رقابة دولية – إذ لا يوجد حل عسكري تقدمي ممكن. ندرك أنه سيُوقع، في الظروف الراهنة، من طرف جهات دولية ومحلية رجعية. لذا، لا غنى عن استقلال تام عن تلك الجهات وعن مقاربة نقدية لشروط وقف إطلاق النار من أجل حماية الشروط المستقبلية لسلام فعلي- أي، ديمقراطي وعادل- قائم على تعبئة السكان دفاعا عن حقوقهم الاجتماعية والسياسية وعن خياراتهم.
4- نحن لا نعترف لروسيا بأي “حق تاريخي” في التحكم بأوكرانيا أو تفكيكها، ونؤيد حق تقرير المصير لجميع شعوب أوكرانيا – حتى القرم ودونباس- وهو حق لا يمكن التعبير عنه بحرية تحت الضغوط المستبدة والعسكرية، ودون عملية ديمقراطية حقيقية وخيار سياسي فعلي. لهذا السبب استنكرنا ضم القرم.
ولا نعترف أيضا بأي شرعية لتوسع حلف الناتو بعد حل حلف وارسو في عام 1991، ولا لمختلف المشاريع والوسائل المستعملة من قبل الإمبريالية الغربية سعيا للتحكم في الخيارات السياسية الأوكرانية. ولكن ما عزز في الواقع شرعية حلف الناتو، لدى قسم متنام من سكان أوكرانيا، هو تجربة الشوفينية الروسية الكبرى في الماضي، وطبيعة نظام بوتين القمعية، والحرب في دونباس وضم القرم. ورسخ العدوان الملموس شعورا أوكرانيا مناهضا لبوتين، حتى في شرق أوكرانيا. و في دونباس ذاته، واجهت القوات الموالية لروسيا مصاعب في تعبئة كل المنطقة والسيطرة عليها.
كانت سياسة كييف و”عملية مكافحة الإرهاب” كارثة، مؤدية إلى دعم شعبي مهم لحكم ذاتي أكبر. ومع ذلك، كانت أغلبية كبيرة من ردود استطلاع رأي، جرى في ديسمبر عام 2014، لصالح استبقاء وضع “الجمهوريتين الشعبيتين” (دونيتسك ولوغانسك) داخل أوكرانيا، فيما كانت نسبة 6٪ و 4٪ فقط من الآراء تؤيد استقلالا أو انضماما إلى اتحاد روسيا. زد على ذلك عدم تجانس الوضع وغموضه، وتباينه من مدينة أو قرية إلى أخرى، مع قلق وخيبة أمل شعبية متزايدة إزاء مقدرة قادة “الجمهوريات الشعبية” وروسيا على إتاحة الحريات السياسية وتأمين الحقوق الاجتماعية في الحياة اليومية. لم تكن هويات “إقليمية” قوية وارتياب من حكومة كييف يعنيان دعما نشطا لأنظمة بالغة البطش وغير ديمقراطية. وحتى الحزب الشيوعي الأوكراني أُتيح له إمكان تعبير وتقديم مرشحين في بقية أوكرانيا (بالرغم من دعوات إلى إبعاده) أكبر مما في تلك الجمهوريات الشعبية المزعومة. لقد وقع السكان المحليون رهائن لقصف ولجرائم من كلا الجانبين.

5- لهذا السبب، نؤيد وقف إطلاق نار فوريا. بيد أننا لا نعترف بمضمون اتفاقات مينسك السياسي.
فإضافة إلى اعترافها الفعلي بضم القرم، تعبر تلك الاتفاقات بصراحة أكثر عن كيفية لوضع دستور جديد لأوكرانيا بواسطة عملية دبلوماسية سرية تهيمن عليها القوى العظمى والحكومات، في سياق “تقاسم مناطق نفوذها”: إننا ندين هذا المنطق.

يتمثل هدف بوتين في تحكم ما في خيارات الأوكرانيين، دون تحمل كلفة دعم كييف السابق لصناعة هذه المنطقة. لذا تم التخلي عن تسمية “روسيا الجديدة” لإضفاء مصداقية أكبر على مشروع “أقل حجما” قوامه”دولة” في الدولة الأوكرانية – على غرار “جمهورية صربسكا” (الكيان الصربي في البوسنة). وتشمل الاتفاقات تعديل دستور أوكرانيا لمد القادة المحليين بجهاز شرطة وقضاء، كشرط مسبق لأية مراقبة للحدود.

لم يتح التفاوض في مينسك اتفاقا حول وضع ملتقى سكك الحديد في Debeltseve حيث كان يوجد آلاف الجنود الأوكرانيين. لقد منح غزوه، الذي تُحتمل كلفته البشرية بزهاء 1000 جندي قتيل، استمرارية لـ”اتحاد الجمهوريات الشعبية” للدونباس. على هذا النحو، لم ترس اتفاقات مينسك وقف إطلاق نار مستقرا.

على الصعيد العملي:

• نساند كل جهود وقف اطلاق النار مع رقابة دولية لا غنى عنها، ضد أي هجوم عسكري. وقد يكون ضروريا نشر قوات أمم متحدة لحفظ السلام مجندة من أطراف غير متورطة في هذا النزاع.

• نؤيد وضعا لأوكرانيا يجعلها في حياد، وانسحاب القوات الروسية، ونزع سلاح فوري لكل المناطق في حالة حرب.

• نحن مع إجراء تحقيق في جميع جرائم الحرب، وإدانة المجرمين على أساس القانون الدولي المعمول به، وفي الآن ذاته نزع السلاح وتفكيك جميع الوحدات شبه العسكرية.

• ندافع على ضرورة طريقة ديمقراطية لتعديل الدستور الأوكراني.

• ندين خطاب كره الأجانب والحقد أيا كان مصدره، ونساند الحركات المناهضة للفاشية و تلك المناوئة للحرب في أوكرانيا، وفي روسيا كما في الاتحاد الأوروبي، المستقلة عن جميع الحكومات والمنتقدة للدعاية الحربية والعنصرية. ليست أوكرانيا “خطأ تاريخيا”. لا لشيطنة الأوكرانيين، ولا الروس.

• نطالب بجهود دولية لإعادة بناء المناطق التي دمرتها الحرب وعودة اللاجئين والمرحلين إلى منازلهم ضد “الإعانة” المزعومة لصندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي، الذين يفرضان هجمات جديدة على الحقوق الاجتماعية.

• ندعو مناضلي اليسار السياسي والنقابي بكل أنحاء أوكرانيا إلى الوحدة حول برنامج عدالة اجتماعية، يوقف نهب البلد من طرف القلة فاحشة الثراء المتهربة من الضرائب بتوظيفات في فراديس ضريبية، ويكسر حلقة قروض صندوق النقد الدولي المفرغة لتسديد القروض السابقة. إن شعب أوكرانيا بحاجة، كي ينتزع حقوقه الاجتماعية والسياسية، شأنه في ذلك شأن شعب اليونان، إلى التنديد بسياسات التقشف ورفضها عبر تحركات جماعية وبناء أحزاب تدعم فعلا هكذا توجه.

. نناضل، في روسيا وأوكرانيا وكل دول أوروبا، داخل الاتحاد الأوروبي و خارجه على السواء، من أجل أوروبا مغايرة، قائمة على اتحاد حر لشعوب ذات سيادة ضد كل علاقات الهيمنة – ما يعني بالنسبة لنا الاشتراكية. ■

* مقرر صادقت عليه بالإجماع اللجنة العالمية للأممية الرابعة المجتمعة في أمستردام، يوم 24 فبراير 2015.

شارك المقالة

اقرأ أيضا